خطة ترامب حول غزة: عرض شخص معتوه ام استراتيجية إمبراطورية آفلة؟


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 13:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ اللحظة التي تفوه فيها دونالد ترامب ب"خطته" حول ترحيل سكان غزة في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو في البيت الابيض يوم الاربعاء، الخامس من شباط 2025 توالت الردود من كل انحاء العالم التي شملت في معظمها على التنديد، الصدمة، الحيرة و الاستهجان. لقد كانت رود الافعال في اسرائيل والغرب مختلفة. فبينما رحبت الاوساط الاسرائيلية بقوة بالطرح، تفانى الاعلام في الغرب في طمس حقيقة كون هذا الطرح دعوة الى تطهير عرقي من شخصين اقل مايقال عنهما سايكوباث. اذ امتلئ الاعلام بالتصريحات حول كون خطة ترامب تفكير غير تقليدي غير نمطي، وخارج الصندوق.

يجد معظم المحللون والخبراء والسياسيون صعوبة في تفسير تصريحات دونالد ترامب، كرئيس اقوى دولة، ولكن تطغى عدة اراء منها ان نتنياهو يتحكم بترامب وهذا الاخير يقوم بما تريده اسرائيل، او انها كانت نزوة شخص نرجسي وتاجر عقارات، او ان ترامب ليس جادا بل هي محاولة لتحريك الوضع واجبار الاخرين للإتيان بحلول بديلة اكثر واقعية للوضع من خلال طرح شيء ما حتى وان كان غير واقعيا، ويذهب البعض الى القول بان ترامب يكره نتنياهو وهو بهذا التصريح يمنع نتنياهو من العودة الى مهاجمة غزة من جديد باعتبار ان غزة اصبحت قضية امريكا وهذا العمل سوف يعيق خطة ترامب.

نحن لا نتفق مع اي من هذه التحليلات. في البداية ان ترامب جدي في اخلاء غزة من الفلسطينيين واستيلاء امريكا عليها. ان هذه "الخطة" التي طرحها ترامب لم تكن زلة لسان، او نزوة او فكرة طارئة، فهو لم يلق كلام ارتجالي بل كان يقرأ من الورقة مع بعض الاضافات، مما يعني ان الخطة كانت معدة مسبقا، كما ان السفير الاسرائيلي في واشنطن وصف اللقاء بين ترامب وبنيامين نتنياهو بالوضع المجنون حتى قبل ان يدخل ترامب ونتنياهو الى قاعة المؤتمر. في الحقيقة لقد المح كل من جاريد كوشنر، صهر دونالد ترمب المقرب من نتنياهو ودونالد ترامب جونير، ابن الرئيس الامريكي الى هذه الخطة منذ وقت.

كما ان الفكرة السائدة بان هناك عداوة بين ترامب ونتنياهو تبدو غير مقنعة، اذ هناك توافق بين الرجلين في كل القضايا باستثناء شن هجوم على المنشئات النووية الايرانية. من المعروف بان نتنياهو يريد جر امريكا للحرب مع ايران في حين ان ترامب ينوي ممارسة اشكال اخرى من الضغط على الجمهورية الاسلامية . والاكثر من ذلك، فترامب الذي وصف الوضع المأساوي في غزة بشكل دقيق، بدلا من ان يحمل اسرائيل وبنيامين نتنياهو الذي كان يقف بصفه المسؤولية عن هذه الجريمة، قام بفرض حصار اقتصادي على موظفين في المحكمة الجنائية وقيود على سفرهم التي تتهم بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم حرب. وتعهد بإرسال اسلحة كان بايدن قد توقف عن ارسالها. وهناك توافق بين ترامب وبنيامين نتنياهو وبالأحرى بين امريكا واسرائيل على "اعادة تشكيل الشرق الاوسط ". كما تقوم ادارة ترامب بقطع المساعدات الطبية عن جنوب افريقيا وتلفيق تهم ضدها مثل التمييز ضد البيض بسبب القضية التي رفعتها ضد اسرائيل.


بنظري ان " خطة" ترامب تمثل جزء من استراتيجية جناح من الطبقة البرجوازية في امريكا. يعتقد هذا الجناح بان امريكا لايمكنها الاستمرار في المسار الحالي، كشرطي العالم والوقوف بوجه مسار بروز عالم متعدد الاقطاب. فمن جهة لايمكنها وقف صعود دول مثل الصين وروسيا، ولايمكن لأمريكا التنافس الاقتصادي مع الصين. كما ان تكاليف الاستمرار في السياسات الحالية من النزعة العسكرتارية والتدخلات هي عالية جدا ولايمكن ادامتها. فالديون وصلت الى مديات خطيرة، البنية التحتية تنهار والعداء لأمريكا في تصاعد حول العالم بسبب تدخلها في شؤون الدول الاخرى، كما ويعتقد بانه لايمكن الابقاء على وحدة الغرب كقطب، فليس لامريكا الكثير تقدمه لاوربا اقتصاديا مثلا، لذا فان اوربا قد تتقرب الى الصين او روسا وفي النهاية سينهار الناتو والغرب كقطب.

وقد اعلن ماركو ربيو، وزير الخارجية الامريكي عن هذه القناعة والتغير في النظرة التي كانت سائدة في امريكا لحد الان، عندما قال في مقابلة مؤخرا، ان التعددية القطبية ليست القاعدة فحسب، بل انها حالة مفضلة وقال اننا نعيش حاليا في عالم متعدد الاقطاب، حيث الولايات المتحدة والصين هما اللاعبان الاساسيان..

ان الاستراتيجية الجديدة تعني القبول بعالم متعدد الاقطاب والانتقال الى عالم تسود فيه قوى عظمى يكون لكل دولة مناطق نفوذ خاصة بها. حسب هذه الاستراتيجية تتراجع امريكا عن انتحال دور شرطي العالم وتقلص تدخلاتها حول العالم ولكن في نفس الوقت تكرس وتقوي وتوسع نفوذها في اماكن معينة مثل نصف الكرة الارضية الغربي ومنطقة الشرق الاوسط.

ان تطهير المؤسسات الحكومية من أف بي أي، والسي أي اي، والبنتاغون والوزارات من " الحرس القديم"، " دعاة العالمية"، دعاة " التنوع، والانصاف والشمول" وتقليص دور الوكالة الامريكية للتنمية الدولية المسؤولة عن تنظيم الانقلابات وعدم الاستقرار والثورات الملونة هي كلها بشائر هذه الاستراتيجية. ان محاولة الانتقام من الجناح الذي يمثله الحزب الديمقراطي الذي حاول محاكمة رونالد ترامب خلال ولايته الاولى و شارك في الحملة التي عرفت ب" رشيا غيت" التي روجت لفكرة ان ترامب عميل روسيا وخاضع لبوتين، هو ليس السبب الوحيد وراء هجوم ترامب وفريقيه على هذه المؤسسات.
ان اركان الاستراتيجية الجديدة هي عكس العولمة وتبني "الوطنية الاقتصادية"، فرض التعريفات الجمركية، الانسحاب من المؤسسات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية والمعاهدات الدولية مثل معادة باريس للمناخ، اتفاقية التجارة الحرة لامريكا الشمالية وغيرها. ان تثبيت اماكن نفوذ امريكا تجاه الاقطاب الاخرى يشمل احتلال وضم مناطق حساسة ومهمة من وجهة نظر جيوسياسية. ان امتلاك امريكا لغرينلاند وغزة وغيرها هي جزء من هذه السياسة. قد يطمح دونالد ترامب الى بناء كازينو وفنادق على ضفاف غزة او بناء ساحة غولف في غرينلاند ولكن ما من احد يمنعه من بناء ساحة غولف في غرينلاد او بناء كازينو على ساحل اي دولة شرق اوسطية. ولو كان ترامب مهتم بالوضع الانساني لسكان غزة ويريد ضمان حياة افضل لهم، لقام قبل اي شيء اخر ببناء لوس انجلس او انقاذ المشردين في امريكا وضمان حياة افضل لهم. ان البكاء على اهل غزة وضرورة نقلهم الى مكان امن لكي يتم بناء غزة، هو امر سخيف، فلماذا لا يتحدثون عن نقلهم الى داخل اسرائيل او حتى الى الضفة الغربية؟

احتلال غزة بالنسبة للإدارة الامريكية هو امتلاك منطقة تستخدم لإخضاع الشرق الاوسط، التحكم بطرق التجارة وعرقلة مشاريع الاقطاب الاخرى. ان الفرق بين غزة وحاملات الطائرات والسفن الحربية هي ان غزة لايمكن اغراقها بسهولة. كما تختلف عن بناء قاعدة عسكرية في دول المنطقة اذ لايتطلب من امريكا تقديم اي شيء مثل حماية امن الدولة المضيفة وغيرها. يجب الاشارة الى ان هذه الاستراتيجية برزت لان الطبقة الحاكمة وعت بان الامبراطورية الامريكية هي في وضع الافول وهذه محاولة للحد من الخسائر. فاذا كانت حرب العراق بداية النهاية لعالم القطب الواحد فان ماحدث في غزة هو المسمار الاخير في نعشه.

عندما يتحدث دونالد ترامب عن ضم غرينلاند او غزة او قناة بنما فهو جدي. قد لايكون بمقدوره تحقيق هذه الاهداف ولكن الجناح الذي يمثله سوف يتحين الفرصة لتحقيق هذا الحلم. اذا لم يتمكن من تهجير الفلسطينيين من غزة بشكل قسري فورا الان، فانهم سوف يعملون بالتعاون مع اسرائيل على الابقاء على غزة غير صالحة للحياة وتدمير الحياة فيها وقتل سكانها اواجبارهم على الرحيل بشكل بطئ. في حال لم يتمكن هذا الجناح من احتلال غزة فانه سيعمل بشكل جدي على توسيع حدود اسرائيل واعطائها دور اكبر في المنطقة. اذ انهم جادون في بناء اسرائيل الكبرى.

رغم ان تصريح ترامب يشبه تصريح رؤساء المافيا وهو غير اخلاقي وغير قانوني وساكوباثي ويبدو خارج المنطق، الا انه يجب ان يؤخذ بجدية. فقبل سنتين من كان يتوقع ان يتم ارتكاب حرب ابادة امام انظار كل العالم. لقد تم خفض توقعات البشرية الى حد بحيث يكون شيء مثل هذا ممكن. فها هو ترامب بنفسه يعترف بتفاهة ادعاءاتهم بان القصف الاسرائيلي كان دقيقا وغير عشوائيا ولم يكن يستهدف المدنيين وجيشهم هو اكثر جيش اخلاقي في العالم. لذا يجب توحيد الجهود لفضح وهزيمة هذا المسعى.

رغم ان كل دول المنطقة ترفض هذا الاقتراح ولكن يمكن التعويل فقط على نضال جماهير فلسطين المدعوم من التحرريين في العالم لإفشال هذه المخطط الخبيث.