مشروع -تعديل- قانون الأحوال الشخصية العراقي يعكس إنحطاط الاسلام السياسي!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 18:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مرة اخرى، تحاول القوى الاسلامية الشيعية " تعديل" قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 الذي أُقر في عام 1959 في عهد عبد الكريم قاسم والنافذ حاليا في كل ارجاء البلد.
وتحاول قوى الاسلام السياسي الشيعي إمرار مشروع "التعديل" في البرلمان من خلال المساومة مع القوى الإسلامية السنية عن طريق ربط هذا المشروع بما يسمى بقانون "العفو العام"، الذي يتعلق بمصير حوالي 50 الف سجين، جرى إعتقال الكثير بصورة تعسفية، حُكم اكثر من 25 ألف منهم بالاعدام.
محتوى المشروع!
ان "التعديلات" التي تقترحها القوى الشيعية تنص على أنه يحق للافراد البالغين من "المسلمين" عند إبرام عقود الزواج الاختيار بين قانون الاحوال الشخصية المعمول به الان أو الاحتكام الى أحكام المذهب الشيعي أو السني لتنظيم جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يختاره، ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم". سيكون على محكمة الاحوال الشخصية مصادقة "عقود الزواج التي تبرم على يد من له تخويل شرعي من ديواني الوقفين الشيعي والسني".
ان ماتسمى بالتعديلات هي في الحقيقة نسف كامل لقانون الاحوال الشخصية وتبديله بمدونة يكتبها رجال دين وسيكون لها آثار مدمرة على المجتمع باسره. ستنهي هذه "التعديلات"، اذا اقرت، كل مكاسب المراة وستقضي على الكثير من الملامح المدنية في المجتمع.
ان اعتماد احكام المذاهب الاسلامية سيسلب المرأة انسانيتها ويمنح الرجال سلطة أكبر حتى من السلطة التي يتمتعون بها الآن على النساء، ويعمق التجاوزات على حقوقهن وسيعني شرعنة زواج القاصرات والزواج المؤقت باسم زواج المسيار او المتعة وحرمان المرأة من حق حضانة الاطفال وحق السكن وحق النفقة والميراث، وسوف يعطي رجال الدين دوراً اساسياً في تحديد الحياة الاسرية ويزيد من سلطتهم على المرأة والطفل.
فحسب الاحكام الشرعية، ان سن الزواج المقبول والذي تقره مراجع الفقة الجعفري عند الشيعة والحنفي عند السنة هو تسعة سنوات قمرية بدلا من 18 عاما حسب قانون الطفولة العالمي الذي يستند على المعايير العلمية. هذا يعني بان هذا القانون سوف يضفي الشرعية على البدوفيليا بحق فتيات لا تتجاوز اعمارهم تسع سنوات مما يحرمهم من طفولة طبيعية ومن التعليم والتطور المهني والعمل ويعرض حياتهن للخطر بسبب العنف العائلي وسوء المعاملة الجنسية والنفسية والحمل ومخاطر الولادة.
وسوف تفقد المرأة حق حضانة الطفل بعد بلوغ الطفل سبع سنوات أو يسقط حقها مباشرة اذا تزوجت مرة اخرى بعد الطلاق، في وقت ان شرط عدم الزواج لنيل حضانة الابناء لاينطبق على الرجل!! كما سيكون الجد من الاب أحق بالحضانة في حال توفى الاب أو إنتفت شروط الحضانة. سيُجبر الكثير من النساء على تحمل مختلف أشكال سوء المعاملة من أجل البقاء مع الاطفال. كما ستمنع الكثير من النساء من الزواج ثانية بعد الطلاق حتى لاتحرم من أبنائهن.
حسب هذا القانون المقترح، ان استحقاق حق النفقة للمرأة هو شرط الاستمتاع بها جنسيا وطاعة الرجل مما سيحول العلاقة بين الرجل والمراة الى علاقة الزبون ببائعة جنس. وسيكون بامكان الرجل الزواج من امرأة ثانية بشكل سري بدون علم الزوجة الاولى، كما سيقلص حصة المرأة من الميراث.
حسب هذا التعديل، لن تخصع الكثير من عقود الزواج للتسجيل في المحاكم، بل يتم اجراؤها من قبل رجال الدين مما يجعل من السهل على الرجال زواج القاصرات والتنصل من مسؤولياتهم والنكث بحقوق الزوجات في حال الطلاق، وعدم الاعتراف بنسب الاطفال.
ورغم استناده على احكام الشريعة الاسلامية في الكثير من الامور، إلا ان قانون الأحوال الشخصية الحالي فيه الكثير من الايجابيات بالمقارنة مع القانون المقترح، اذ يحظر الزواج دون سن 18 عاما، وينطبق على جميع مواطني البلد بغض النظر عن المذهب، وينظم الامور الشخصية في محاكم الدولة المدنية ويقيد دور الرجال الدين في قضايا الاسرة من زواج وطلاق وارث، ويضمن القانون الحالي حق الام في حضانة الاطفال بعد الطلاق حتى يتم الطفل الخامسة عشرة من العمر، ولاتسقط حضانة الام بعد زواجها الثاني، ويجرم الزواج خارج المحكمة.
مبررات متهافتة لاتنطلي على الأغلبية!
ان الجدال الجاري حول مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية يكشف ضحالة القوى الاسلامية ومفكريهم، اذ يعجزون في الدفاع عن مشروعهم ويعتمدون بشكل كلي على التضليل وافتراضهم بان الجماهير العراقية ساذجة وستنطلي عليها الحجج الواهية التي يقدمونها، في حين يتبين من الجدال والنقاشات بان شرائح واسعة في المجتمع العراقي تعي الحقيقة، وهناك عدد هائل من المختصين في كل المجالات الذين يعرفون بأدق التفاصيل فيما يتعلق بالقانون الحالي وما سيحدث في حال تم امرار هذه "التعديلات".
يجتمع كل الاسلاميين على ترديد نفس العبارات وهي: "ان هذا القانون يتناسب مع الشريعة ومع الدين والدستور العراقي، اليس من حقنا كاغلبية ان نتبع ما نؤمن به؟" و"القانون يضمن الحرية في الاختيار، فهو اختياري، ويعكس الديمقراطية". "ان هذا التعديل هو حق العراقيين واغلبية الشعب وهو حق دستوري وشرعي وانساني"، و"انه يعكس معتقدات الفرد والطبيعة الاسلامية للمجتمع وينسجم مع الاعراف والافكار المجتمعية من الناحية العملية"، كما "انه يحافظ على الهوية الدينية للعراق و العراقيين، انه يحافظ على قيم المجتمع"، وانه "ينظم ما هو موجود الان من زواج القاصرات والزاوج خارج المحاكم"، وان "هذا ماتريده المرجعية، وانه مستند الى النص الدستور". ويقولون رغم ان السن القانوني حسب الشريعة هو تسع سنوات الا ان هذا في الواقع لن يتم لانه لايوجد اب يزوج بنته وهي بعمر تسع سنوات، وان تحديد سن البلوغ القانونية للفتاة للزواج من الناحية الفقهية يتم حسب القياسات العلمية المتبعة".!!
هناك الف حق وحق وحرية يدوس عليها الاسلاميون او لايقولون عنها شئ ولكن يتبجحون بالدفاع عن حق الرجل في اضطهاد المرأة والطفل من خلال "حرية ممارسة احكام المذاهب". ف60% من الشباب هم بدون عمل، لاتوجد ابسط الخدمات، لا ضمان بطالة، لا توجد ميزانية للشؤون الاجتماعية، تُقمع اية معارضة، وهناك الف قضية وقضية حيوية في المجتمع تتطلب تشريعا مثل حماية البيئة وتنظيم السير وتنظيم كيفية تقديم الخدمات وعمل الاطفال وغيرها ولكن القوى الاسلامية تترك كل هذه الامور وتريد ان تشرع قانون يبيح اضطهاد المرأة وسوء معاملة الاطفال.
ان حديثهم عن حقوق الاغلبية الشيعية هو رياء. لا نعرف من خولهم للحديث نيابة عن المجتمع وعن الذين يصنفونهم كشيعة؟ المجتمع او سكان المناطق الجنوبية هم ليسوا كتلة متجانسة بل فيهم من العلمانيين والشيوعيون والاشتراكيون والمهتمون بمصالهم الدنيوية بدلا من " احكام الشريعة" في الحقيقة الكثير من المؤمنين بالاسلام وخاصة النساء يقفون ضد القانون المقترح؟.

ان جوابنا على ان هذا التعديل الذي يتناسب مع الشريعة والدستور العراقي، هو ببساطة لتذهب الشريعة وليذهب الدستور الذي يشرع البدوفيليا ويعتدي على حقوق المرأة الى الجحيم. ان هذا النوع من النقاش هو تفسير الماء بالماء. ياتون بدستور اسلامي رجعي ثم يجعلونه سبب لسن المزيد من القوانين الرجعية. ان الشريعة الاسلامية هي شريعة عصر الجواري، فلايمكن استخدامها لتبرير سن قوانين رجعية جديدة.
من جهة، فعلا حسب تقديرات الامم المتحدة، فان 28 % من الفتيات في العراق يتزوجن دون سن الـ18. ولكن هذه الجرائم تتم بسبب تسلط الاسلام السياسي على المجتمع. اذ كشف التقرير العام الحالي لمنظمة "هيومن رايتش ووتش" أن رجال الدين في العراق يعقدون آلاف الزيجات سنويا، بما فيها زيجات الأطفال التي تخالف القوانين العراقية. اي ان نفس الاسلاميين يقومون باشاعة هذه الظواهر، ومن ثم يريدون تقنينها لانها موجودة. كما ان مكافحة هذه الجرائم ليس من خلال اضفاء الشرعية عليها وتقديم الدعم القانوني لها، بل من خلال تجريمها ومحاسبة المجرمين.
ان أحد الحجج التي يقدمها الاسلاميون هي "ان لهذا القانون الجديد ضرورة، اذ جاء لحل مشاكل اجتماعية كثيرة في المجتمع، ووضع حد لظاهرة التفكك الاسري"! في حين ان البيان الذي اصدرته اللجنة التي صاغت قانون الاحوال الشخصية الحالي في عام 1959 يقول ان هذا القانون سن لان "في تعدد مصادر القضاء واختلاف الاحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة". اي ان القانون الحالي جاء ليعالج المشاكل التي خلقها الاحتكام الى احكام الفقية الطائفية. كما ان تزويج القاصرات والبدوفيليا وحرمان المراة من ابسط الحقوق وتدخل رجال الدين في امور الاسرة سوف يزيد من المشاكل بكل انواعها من اقتصادية واجتماعية وصحية ونفسية بمئات المرات.
ويدأب الاسلامييون على التاكيد بان زواج الاطفال هو امر طبيعي ولايمانعون تزويج القاصرات بحجة ان سن البلوغ ( البدني) وبلوغ الرشد ( العقلي) يختلف من شخص الى اخر وان سن التسع سنوات هو سن البلوغ في حين ان سن الرشد قد يكون اكبر من 9 سنوات. في الحقيقة ان احكام الفقة الحنفي لاتشترط الرشد، بل تشترط البلوغ فقط. كما ان ليس بامكان رجل الدين اي امكانية لتقييم مدى بلوغ الفتاة الرشد.ان من يحدد بلوغ الفتاة سن الرشد هو ولي الامر وليس شخص مختص. ان فكرة كون الفتاة بالغة بدنيا بمجرد بدء العادة الشهرية او بروز الثدي هو امر سخيف، فالدراسات تؤكد بان الحمل مثلا له اثار كارثية على الطفلة. هذا عدا ان الزواج والحمل يحتاج الى النضوج النفسي والعقلي والاجتماعي.
ويتحجج قسم من الاسلاميين بان هذا يحدث في الغرب ايضا بدليل ان الاطفال دون سن ال 18 يمكن ان يكون لهم بوي فريند (صديق حميمي)، فهم يهملون حقيقة ان الجنس هو غير الزواج ومسؤولياته والحمل والانجاب. كما ان القانون يمنع اقامة علاقة جنسية بين شخص بالغ وطفل، اي ان العلاقات الجنسية تكون بين افراد باعمار متقاربة.
ويقوم بعض الرجال الرجعيين والمتخلفين بتاييد هذا التعديل لان سقوط حق المطلقة بالحضانة يضمن راحتهم في حال قرروا الزواج من امرأة مطلقة. هل توجد انانية وشخصية مريضة بهذا القدر، بحيث يقبل بحرمان الطفل من رعاية امه، ويحرم الام من الطفل حتى تسهل حياته؟! ومن اجبر مثل هكذا متخلف على الزواج من مطلقة؟؟ كما يقولون من الافضل ان يعيش الطفل مع ابوه من ان يعيش مع زوج امه، ولكن لايقولون لماذا لاينطبق ها المنطق على الرجل الذي عادة مايتزوج بعد الطلاق؟!
مالذي يدفع تيارات الاسلام السياسي للقتال بهذه الضراوة من اجل فرض الشريعة الاسلامية الطائفية في هذا الوقت بالذات رغم الرفض الشعبي العارم. وماذا الذي جرى في المجتمع بحيث يستوجب تشريع هذا القانون اليوم؟
الهدف الأساسي من هذا "التعديل"!
يتحدث البعض عن ان هذا التعديل هو من أجل المنافسة مع التيار الصدري في تمثيل الشيعة، التيار الصدري الذي طرح يوم الغدير عطلة رسمية واقرها البرلمان، أو ان هذه العملية تمثل سعي شخص أو اشخاص من أجل الشهرة والترند و"الطشة" بالعراقي، أودغدة مشاعر الفئات المتخلفة والرجعية وكسبها وبالأخص انهم مقبلون على "انتخابات" وغير هذه. من الممكن ان تكون هذه الجوانب صحيحة أو لها مكان ما، ولكنها ليست اساس القضية. ان اساس هذه القضية هو سعي تيار معين من أجل ترسيخ وتثبيت أركان دولة طائفية، تمثل الشيعة وقوانين الشيعة أحد أركانها. وبالأخص اذا ما أخذنا بنظر الأعتبار التغيرات الكبيرة الجارية في المنطقة والتي يمكن ان تدفع الاوضاع نحو مسارات غير مرغوبة بالنسبة لهم.
من جهة أخرى، ان هذه الخطوة تاتي من ضمن رزمة أوسع الا وهي حسم مصير السلطة على صعيد العراق ككل، وترى علائم هذا الأمر بخصوص اقليم كردستان وكركوك ومصادرة الحريات السياسية والحقوق المدنية وحملات الاعتقالات واصدار القوانين الخاصة بهذا الصدد وغيرها

ان هذا التعديل هو تقهقر الى الوراء لعقود وربما قرون. ويعتبر تراجعاً للعراق الذي وقع على قانون الطفولة عن التزامته الدولية، ويمثل تراجعاً عن مكاسب المراة التي حققت عبر عقود من النضال. كما يكرس تقسيم المجتمع على اسس طائفية ويقوض سلطة القانون والدولة وينشر الفوضى فيما يخص الاحوال الشخيصة.
سوف يزيد الظلم وعدم المساواة وانعدام الحقوق، والفقر في المجتمع، ويتعاظم تسليع المرأة جنسيا والحط من كرامتها وسيزيد الخلافات الاسرية وتعدد الزوجات والطلاق عندما يتم تطبيق القوانين الطائفية على عقود الزواج القديمة، ويقوي سلطة الدين ورجال الدين على حياة الفرد ومن تدخل الدين في شؤون الدولة والتربية وحياة الانسان إجمالاً.
ان هذا التعديل يعكس مدى انحطاط الاسلام السياسي وقواه الرجعية. رغم استناد قانون الاحوال الشخصية الحالي على الشريعة الاسلامية، الا انه كان من القوانين المتقدمة نوعاً ما في المنطقة. ان تعديل القوانين الاجتماعية يجب ان يكون نحو الافضل، من اجل التلائم مع القوانين الدولية او تغيير مكانة شرائح معينة في المجتمع نحو الافضل، الا ان الاسلام السياسي يريد ان يعيدنا الى عهد الجواري.
ان هذا التقهقر لا يقتصر على العراق، بل هو من ميزات كل النظام الرأسمالي المتازم في هذه المرحلة من تطوره. فهناك تراجع في مستوى المعيشة وظروف العمل والحريات و الحقوق تقريبا في معظم انحاء العالم. ان مايحدث في العراق هو ما لدى النظام الرأسمالي العالمي لجماهير هذه البقعة من العالم. انه يتماشئ مع سياسات الهوية واحلال حقوق الاغلبيات والاقليات على حقوق الانسان العالمية. انه يتماشى مع "الديمقراطية البرجوازية" الغربية بالذات التي تتحمل مسؤولية كبيرة عما يحدث في العراق. فالغرب وامريكا بالذات انتجا هذا القيح في العراق. لقد وضعوا مجموعة حثالة في السلطة ليس لهم اي ربط بالمجتمع المدني، بالقانون وبالدولة.
هناك رفض واسع وعارم في المجتمع ضد محاولات تمرير هذا القانون. يجب تطوير هذا الرفض، اعطائه افق، وتوجيهه وقيادته. ان الوقوف بوجه هذا المسعى هو محطة اخرى من محطات التصدي للقوى الاسلامية والقومية والعشائرية. يجب ان لا تقتصر وظيفة كل قوى التحرر والمساواة على افشال امرار هذا القانون، بل النضال الحاسم من اجل تحسين قانون الاحوال الشخصية ومن اجل تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. ان هذه المحاولات من قبل الاسلاميين لن تقف الا من خلال ثورة تزيلهم من السلطة الى الابد، تصادر اموالهم وتقدمهم الى العدالة بسبب الجرائم التي ارتكبوها ضد سكان هذا البلد.