ويستمر الكابوس الذي تعيشه البشرية!
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 04:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حول الهجمة الاخيرة للقوى الاسلامية في سوريا!
من المعروف ان العنف والحرب هما صفة بنيوية للنظام الرأسمالي. مادام بقى النظام الرأسمالي في الحكم، سوف تستمر الحروب وسيستمر العنف السياسي باشكاله.
السبب الاساسي لهذه الصفة هو سبب اقتصادي، اذ لايمكن للنظام الاقتصادي الرأسمالي الاستمرار طويلا دون توسع ونمو مركب مستمر.ان النمو والتوسع الاقتصادي الدائمي يحتاج الى مصادر طبيعية وبشرية واسواق جديدة، وهذا يعني اخضاع وابتزاز واحتلال واستعمار وخلق مناطق نفوذ جديدة حول العالم. على اساس هذا العامل الاقتصادي يتم صياغة نظريات ايديولوجية وهويات سياسية رجعية مثل الهوية القومية والدينية و الليبرالية الخ لتبرير هذه الحروب والصراعات والعنف السياسي.
لم يعش الانسان الذي عمره اليوم ثمانين سنة مثلا يوما واحدا بدون حرب كبيرة في هذه البقعة من العالم او تلك من الحرب العالمية الثانية الى الحرب الكورية ، حرب فيتنام، الحرب العراقية الايرانية، حرب الخليج الاولى ضد العراق، حرب يوغسلافيا، افغانستان، حرب احتلال العراق، ليبيا، سوريا ،اليمن، اوكرانيا ،غزة ، لبنان والان سوريا مرة اخرى اضافة الى مئات ان لم يكن الاف الحروب والقلاقل والازمات الاصغر.
لقد كان للغرب بشكل خاص كقطب برجوازي مهيمن دور كبير في ادامة هذا العنف وهذه الحروب و يقف دائما مع القوى الاكثر رجعية في هذه الصراعات. ففي الصراع الحالي في سوريا، يقف الغرب مع القوى الاسلامية الارهابية للقاعدة وداعش تحت مسميات جديدة. ان زرع الفوضى هو ركن اساسي من استراتيجية الغرب في هذه المرحلة. ان وتيرة هذه الحروب والصراعات تتصاعد بسبب بروز قطب لايقبل بهيمنة الغرب و بالمعادلات الحالية التي تخدم مصالح القطب الغربي.
ان الهجوم التي قامت به "هيئة تحرير الشام" والقوى الاسلامية الاخرى ضد النظام السوري وسيطرتها على مدينة حلب، ثاني اكبر مدينة في سوريا هي جزء من حملة الغرب لهزيمة روسيا والتي تشهد حاليا ثلاث نقاط ساخنة مهمة وهي اوكرانيا وجورجيا وسوريا. اذ يخوض الغرب حملة كبيرة في جورجيا لتنظيم ثورة مخملية ضد النظام التي يتهمه الغرب بالولاء لروسيا. في الحقيقة ان حملة الغرب في جورجيا وحتى ارمينيا والان في سوريا هو للتعويض عن الهزيمة المتوقعة في اوكرانيا. فالغرب بحاجة ماسة للقيام بشي خاصة قبل وصول ترامب للحكم الذي لايمكن الوثوق بتصرفاته حسب رأي جزء كبير من الطبقة الحاكمة، وقبل وصول قوى في الغرب التي لاتتفق مع السياسات الحالية ضد روسيا.
رغم ان لكل طرف بدا من الغرب، واسرائيل وتركيا والقوى الاسلامية المنخرطة في هذا الهجوم، اهداف ومصالح خاصة به من هذا الهجوم الا ان هذا لايمنع من ان المحرك الرئيسي وراء هذا الحدث هو الغرب الجمعي.
ان الهجوم التي قامت به القوى الاسلامية لم يكن وليد اللحظة بل تم التخطيط والتحضير له لاشهر ان لم يكن سنوات. ان قيام اسرائيل بضرب اهداف قرب مسرح هذا الهجوم على مدار اشهر، حديث اسرائيل عن فتح جبهة جديدة في الجولان ضد نظام بشار الاسد، وجود خبراء وجنود من اوكرانيا بين صفوف القوات المهاجمة، قدرة هذه الميليشيات على استخدام المسيرات الانقضاضية بكفاءة والعديد من المؤشرات الاخرى تدل على التخطيط والتحضيرالمسبق. وهناك تقارير عن عقد اجتماع بين المخابرات الغربية والتركية والاسرائيلية قبل اسابيع على الحدود التركية -السورية.
لقد التقت مصالح كل من الغرب واسرائيل وتركيا والقوى الاسلامية في تنظيم هذا الهجوم. السبب في توقيت هذا الهجوم اضافة الى انتخاب ترامب وضعف موقف الغرب في اوكرانيا هو القناعة بان قوى القطب المقابل هي في وضع ضعيف، فحسب هذا الرواية روسيا غارقة في المستنقع الاوكراني وايران مشغولة بالمواجهة المحتملة مع اسرائيل وامريكا وحزب اللة تلقى ضربة موجعة في حربه مع اسرائيل والنظام السوري يعاني من ضعف بسبب الحصار المفروض عليه، لذا فان الوقت ملائم لشن هذا الهجوم.
لقد حققت القوى الاسلامية سبقا مهما، بسبب عامل المباغتة وضعف النظام وتشتت قواته على جبهة من الاف الكيلوميترات وضعف معنوياتها. ان انهيار قوات النظام السوري يذكر بانهيار" الجيش" العراق في الموصل او الجيش الافغاني ابان انسحاب القوات الامريكية. ولكن لا اتوقع ان يحالف الحظ هذه القوى وداعميهم في اسقاط نظام الاسد. فتناقضات هذه القوى كبيرة. وهناك رفض دولي لهذه القوى، اذ يصعب حتى على امريكا وبريطانيا من اعلان دعمهما الرسمي لهيئة تحرير الشام التي هي القاعدة تحت تسمية جديدة. كما تدعي تركيا عدم علمها بهذه العملية. كما اعلنت الجامعة العربية وحتى دول دعمت القوى الارهابية في سوريا قبل عقد مثل قطر والسعودية دعمها للنظام السوري. ولقد بدأ الطيران الروسي بقصف مكثف وتقوم بارسال تعزيزات من اسلحة وقوات نظامة ومرتزقة فاغنر، وهناك حديث عن قياك المليشيات الشيعية العراقية بالالتحاق بالقوات السورية. ان هذا الحدث اذا لم يؤدي الى اسقاط النظام السوري وهو امر مستبعد بنظري سوف يقوي موقف ايران ودعايتها، اذا ليس من الصعب الترويج بان هذا الحدث يخدم اسرائيل وهو يحجب الضوء عن جرائم اسرائيل في غزة، و يثبت على وجود تنسيق بين الغرب و اسرائيل وتركيا والقوى الارهابية.
ويجدر الاشارة بان هذا الحدث في المدى الطويل قد لا يكون في مصلحة تركيا وقد يؤثر على مكانتها، حيث برهنت بانها قوة لايمكن الثقة بها خاصة امام منظمة بريكس تحت حكم اردوغان وحزب العدالة والتنمية. اذ ضربت كل اتفاقاتها في استانا و سوتشي عرض الحائط. لقد قامت تركيا باستغلال حاجة روسيا لها للالتفاف على الحصار الغربي والعمل كمركز لتسويق النفط والغاز الروسي ومنع السفن الحربية الغربية للدخول الى البحر الاسود للضغط على روسيا لتقديم تنازلات من اجل ترسيخ مشروعها القومي في المنطقة اي مشروع تركيا الكبرى.
تشهد هذه المرحلة تطورات سريعة وخطيرة تضع مصير كل البشرية تحت خطر جدي مثل حروب كارثية تقضي على الملايين. ان ما يزيد من خطورة هذه المرحلة هو التخبط الذي يعيشه الغرب ايديولوجيا و سياسيا واخلاقيا.
ان الخاسر الاكبر من كل هذه الصراعات والحروب هى الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وخاصة في الدول التي هى مسرح هذه الحروب والصراعات. فهي تدمر مصادر عيش الملايين، تحرمهم من الامان، تربك حياتهم، تنشر الرجعية وتدمر مدنية المجتمعات.
يجب تكثيف الجهود لفضح كل النظام الرأسمالي وعنفه المنفلت العقال. يجب فضح الغرب بشكل خاص كقوة رجعية، تشعل الحروب والصراعات وعدم الاستقرار. لايمكن غض الطرف عن حقيقة بان بسبب الغرب وراس حربته في المنطقة، اسرائيل وبالتعاون مع تركيا تمكنت قوة قرووسطوية مغرقة في الرجعية، تذبح وتقتل من احتلال مدينة يسكنها الملايين. ان تحرير حلب من هذه القوى وان نجح سياخذ وقت وسوف يلحق المزيد من الدمار بالمدينة. ان اسقاط نظام الاسد على ايدي قوى رجعية مثل " هيئة تحرير الشام" ليس حدث ايجابي، يجب يجب تكثيف الجهود لبناء جبهة عالمية تفصل صفها عن كلا القطبيين العالميين المنخرطين في هذا الصراع.
--