يجب فضح حملة الغرب الاخيرة ضد حرية التعبير!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 18:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بينتْ الحرب في اوكرانيا وعملية الابادة الجماعية في غزة بان المساحة التي تفصل ارقى الديمقراطيات البرجوازية عن الانظمة الاستبدادية وعن الحاجة الى ممارسة القمع السياسي السافر هي اقل بكثير مما يظن الكثيرون حتى من المعارضين لهذا النظام.



مؤخرا، اعتقلت سارة ويلكنسون وهي مدافعة عن حقوق انسان ومراسلة بريطانية في مداهمة من قبل اثني عشر ضابط شرطة مكافحة الارهاب على منزلها في بريطانيا وقاموا بمصادرة اجهزتها الالكترونية بسبب تأييدها لفلسطين و التحدث والكتابة ضد الابادة الجماعية التي تقوم بها اسرائيل في غزة. واعترفت الشرطة بان الاعتقال جاء بسبب مزاعم تتعلق بنشر " محتوى" على الانترنيت يدعم مجموعات محظورة وهو ادعاء سخيف. وتضمن شروط الكفالة لإطلاق سراحها، الطلب بعدم استخدام الهاتف او الكمبيوتر مرة اخرى. المعروف ان ويلكنسون قضت كل حياتها في الدفاع عن القضية الفلسطينية وكانت تنتقد جرائم اسرائيل ودور الحكومة البريطانية في الابادة الحالية بشكل مكثف وواضح.



وفي اليوم نفسه قامت الشرطة بتوجيه ثلاثة تهم ضد احد مؤسسي مجموعة العمل المباشر من اجل فلسطين " داريكت اكشن-بلاستاين"، ريتشارد بيرنارد منها دعم "منظمة محظورة" و تشجيع " النشاط الاجرامي" بسبب القاء خطابين منفصلين. وتم اعتقال الصحفي ريشارد ميدهرست وهو بريطاني من اب انكليزي وام سورية في مطارهيثرو واعتقل لمدة قريبة من 24 ساعة وتم مصادرة اجهزته دون توجيه اي تهم له.







والسلطات الامريكية تنخرط في نفس النهج، اي حملة رقابة ومضايقة وتخويف، حيث قامت عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي -أف بي اي بغارة على بيت سكوت ريتر، مفتش الاسلحة السابق وصادرت اجهزته الالكترونية ومعدات صحفية بتهمة انتهاك قانون تسجيل الوكلاء الاجانب الامريكي نتيجة ظهوره على وسائل الاعلام الروسية. كما تم اعتقال الناشط والصحفي دان كوفاليك في احد مطارات امريكا ومصادرة اجهزته الالكترونية. وادانت محكمة امريكية ثلاث من عناصر "الحزب الاشتراكي للشعب الافريقي"، وهو اومالي يشيتيلا، وبيني هيس وجيسي نيفيل بالتامر للاحتيال على الحكومة الامريكية وهناك امثلة كثيرة اخرى. من المهم الاشارة ان كل هذه الاعتقالات حدثت بعد انخراط هؤلاء الاشخاص في انتقاد اسرائيل بالذات.







ليس للسلطات اي تهم حقيقية ضد اي من هؤلاء الصحفيين والنشطاء بل توجه لهم تهم غامضة تحت قوانين مكافحة الارهاب. اذ لم ينخرط اي منهم في اي عمل عنيف او ارهابي بل جاء القمع بحقهم بسبب ممارسة حق التعبير من خلال الحديث او الكتابة حول اراء لا تتماشى مع الرواية الحكومية فيما يتعلق بالحرب في اوكرنيا وحرب الابادة الجماعية في غزة. من الواضح ان هذه الممارسات اصبحت طريقة لإخضاع من يضع الرواية الرسمية تحت طائلة السؤال وينتقد موقف الحكومات الغربية من حرب اوكرانيا وغزة من خلال ارهابهم، مصادرة وسائلهم للتواصل مع الاخرين وتوريطهم في قضايا قانونية. ان انتقاد موقف الحكومات الغربية من حرب اوكرانيا وتصرفات اسرائيل ضد الفلسطينيين بل حتى التعبير عن تعاطف مع محنة الفلسطينيين هي كافية لتوجيه تهمة التعاطف مع الارهابيين وزعزعة الامن القومي ما يعني الحصول على زيارة من شرطة مكافحة الارهاب.



كما اعلن وزير الخارجية الامريكية، انتوني بلينكن قبل يوميين عن فرض المزيد من الحصار على قناة ار تي. هذا يعني قطع اي تمويل للقناة التي لها فروع في افريقيا وفرع باللغة الاسبانية مخصصة لأمريكا اللاتينية واخرى باللغة العربية للعالم العربي وغيرها ومصادرة اي تعاملات او دفوعات بالدولار بما فيه دفع رواتب العاملين لديها. وسوف تقوم الحكومة الامريكية والبريطانية والكندية بجولة في دول "عالم الجنوب" لشن حملة دبلوماسية مشتركة من اجل اقناع قادة العالم بمنع ار تي ودعم الغرب في مواجهة "الخطر الذي تشكله ار تي". من المعروف ان الاتحاد الاوربي قام بعد الحرب الاوكرانية باعتبار اعطاء منصة لوسائل الاعلام الروسية جريمة. هذا يعني منع المواطن في الغرب سماع رواية الطرف المقابل في الحروب الحالية.



قال بلينكن ان وسائل الاعلام المدعومة من قبل الكرملين لا تلعب دور سري في تقويض الديمقراطية في امريكا فحسب، بل ايضا التدخل في شؤون دول ذات سيادة حول العالم من خلال نشر معلومات مصدر اغلبها الكرملين وتنخرط في حملات للتأثير على سكان الدول الاخرى. ويدعي بان الحكومة الروسية تقوم بزرع وحدة في قناة ار تي لها علاقة بالاستخبارات الروسية. وقال جيمس روبين، المبعوث الخاص ومنسق مكتب وزارة الخارجية الامريكية للشؤون السياسية، "ان وسائل الاعلام الروسية هي مدغمة بشكل كلي في الدولة وتضلل السكان في " عالم الجنوب"". وقال ان منع قناة ار تي في انحاء العالم، هي حملة طويلة الامد مثل الحملة ضد شركة هواوي. وقد اعترف ان الحملة ضد ار تي هي لأنها " تبث بدون اي قيود او تحكم". واضاف، ان ار تي تسمح لروسيا ان تصل بشكل حر الى مواطنين الدول الاخرى مما له تأثير سلبي على آرائهم ورويتهم تجاه الحرب، اي ما معناه انها اقنعت الناس بالوقوف ضد دور الناتو في حرب اوكرانيا.



تقوم الدول الغربية بهذه الممارسات في وقت صادقت الحكومة الامريكية قبل ايام على صرف 1.6 مليار دولار من اجل الدعاية المعادية للصين في الخارج من اجل ضرب مصادقية مشروع الحزام والطريق. وللدول الغربية مئات بل الاف القنوات والاذاعات ومنظمات المجتمع المدني المخصصة للتأثير على الراي العام في الدول الاخرى. كما ان الكثير من العاملين في قنوات مثل السي ان ان وام بي ان بي سي وغيرها هم من عملاء السي اي اي الحاليين والسابقين وللمخابرات الغربية مكاتب خاصة عند اغلب منصات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، واليوتيوب وغيرها. ووزير خارجية امريكا، بلينكن نفسه هو من قام بكتابة الرسالة التي وقع عليها واحد وخمسون من رجال الاستخبارات السابقين والتي ادعت كذبا بان قضية كومبيوتر هانتر بايدن، ابن الرئيس الامريكي الحالي التي كشف عن جرائم وفضائح كانت مفبركة.



ان هذه الممارسات هي اعتراف ضمني من الغرب بانهم يخسرون حرب المعلومات والحرب الدعائية مع الاقطاب الاخرى. هذا يعني ان الغرب يخسر في مهنة يفترض انه يتقنها اكثر من اي طرف اخر. يعني بان جماهير الكثير من البلدان يثقون بأخبار ار تي اكثر من اخبار قنوات مثل بي بي سي او سي ان ان وغيرها لذا يلجا الغرب الذي يملا الدنيا ضجيجا حول قدسية المنافسة وحرية التعبير الى هذا النوع من القمع والقضاء على المنافسة.



ان حاجة الغرب لهذه الممارسات ليست بسبب قدرة ار تي على غسل ادمغة الجماهير حول العالم بل بسبب ضعف منطق الغرب، حاجته لحرب دائمية، والى نشر الفوضى وعدم الاستقرار حول العالم وممارسة السلب والنهب ووقوفه ضد مصالح جماهير بقية اجزاء العالم. انها ممارسات طرف ضعيف. ان اتهام وسائل اعلام واشخاص بنشاطات للتأثر " السلبي" على الراي العام وتقويض " الامن الوطني" هي تهم سخيفة تليق بالأنظمة الاستبدادية. هنا تقرر الدولة في الغرب اي معلومات هي ضارة ويجب على المواطن عدم الوصول اليها، ولذا تقوم بمنعها وفرض الرقابة عليها وهكذا يكون بإمكان المواطن الاطلاع على الرواية الحكومية او الرواية المقبولة من الدولة فقط. حسب هذا المنطق لا يوجد تعبير سياسي لا يمكن اتهامه بالتحريض على الكراهية او الدعاية السلبية او تقويض الامن الوطني او التدخل في الشؤون الداخلية او في الانتخابات.



ان حرية التعبير تتعلق ايضا بحرية التعبير عن الآراء التي لا نتفق معها ولا تشمل فقد حق الكلام بل ايضا حق القراءة والسماع. ان الاطلاع على الدعاية السياسية بما فيها الاجنبية هي حق من حقوق المواطن. ليس من حق احد بما فيه الدولة ان يحدد اي كلام هو ضار واي كلام هو مفيد. حق حرية التعبير السياسي ليس له شروط. ان ما تقوم به الدول الغربية هو تراجع عن مكتسبات حققتها الجماهير في تلك الدول عبر عقود من النضال. يجب فضح مساعي هذه الدول للتراجع عن هذه الحقوق الاساسية.