ماذا يميز الانقلابات الاخيرة في افريقيا؟؟
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7732 - 2023 / 9 / 12 - 18:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشهد افريقيا، خاصة منطقة الساحل ومنطقة غرب افريقيا، سلسلة من الانقلابات العسكرية، ويبدو انها سوف تستمر. السلسة الاخيرة من الانقلابات بدأت في 2020 وشهدت سبعة انقلابات ناجحة وستة انقلابات فاشلة. حدثت الانقلابات الناجحة في السودان والتشاد ومالي، وبوركينا فاسو، وغينيا والنيجر، والغابون والاربعة الأخيرة كانت جميعها مستعمرات فرنسية حصلت على استقلالها في الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي.
ليست الانقلابات العسكرية شيء غريب على الدول الافريقية، اذ شهدت هذه القارة 110 انقلاباً منذ حصول الدول الافريقية على استقلالها، حيث شهدت 45 دولة من مجموع 54 دولة انقلاب عسكري. ولكن معظم الانقلابات الأخيرة في افريقيا مختلفة عن الانقلابات السابقة. فمعظم الانقلابات المألوفة في افريقيا هي ضمن النخبة الموالية للغرب او كانت ترتب من قبل الغرب ضد حكام يخرجون عن طاعته. اما الانقلابات الأخيرة فهي في معظمها ضد الغرب وبديل الغرب للقارة الافريقية وتقوض نفوذه وخاصة فرنسا وامريكا التي كانت حاضرة بقوة في السياسات الداخلية لهذه البلدان على شكل مساعدات عسكرية وامنية و"مساعدات انسانية" واستثمارات. ولهذا نجد الموقف الرسمي الغربي معادي لهذه الانقلابات بحجج هي مبعث سخرية. اذ ادانت الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الافريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (ايكواس) الانقلاب الأخير في الغابون مثلا على حكم علي بونغو وهو عميل فرنسا، وطالبوا بإعادته للحكم باعتباره "الرئيس الشرعي". يجدر الإشارة ان علي بونغو ووالده حكما الغابون لمدة 56 سنة أي منذ 1967 أي بعد سبع سنوات من حصولها على الاستقلال من فرنسا في 1960. فهذا هو رئيس "شرعي" في نظر فرنسا والولايات المتحدة. ان الانقلابات الاخيرة متشابهة الى حد كبير في المبررات ونمطها وتوجهات الانقلابين، كما ان قادة الانقلابات في غينيا ومالي وبوركينا فاسو يعرفون بعضهم البعض، اذ تدربوا في نفس المدارس العسكرية الغربية.
لقد استخدم الجيش في هذه البلدان الغضب والتململ والاحتجاج بين الجماهير بسبب تدني المستوى المعيشي والفساد والجرائم ضد حقوق الانسان والتلاعب بالانتخابات للتدخل ضد الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب. وكان غياب الامن في دول نيجر، ومالي وبروكينا فاسو بسبب نشاط القوى الإرهابية مبرر قوي للانقلاب.
ان الغضب والاستياء في افريقيا تجاه الغرب وخاصة فرنسا ليس وليد اليوم. رغم حصول هذه الدول على استقلالها من الاحتلال الفرنسي الذي امتد من نهايات القرن التاسع عشر الى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، الا ان الدول الغربية مثل فرنسا سعت الى الحفاظ على موضع قدم من خلال فرض معاهدات غير عادلة على المستعمرات السابقة، خلق طبقة مصيرها مرتبط مع الغرب، وتنصيب انظمة موالية للغرب ومعتمدة على الغرب من اجل بقائها وعلى المساعدات الإنسانية والعسكرية الغربية وعلى مئات المشاورين الغربيين مقابل السماح للشركات الفرنسية للوصول الى الموارد الطبيعية والاسواق.
تعاني الكثير من الدول الافريقية من غياب الامن. لقد نشطت القوى الإسلامية الجهادية في افريقيا عقب الحرب الاهلية في الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي بين القوى الإسلامية والتيار القومي، الامر الذي دفع الكثير من الجماعات الإسلامية الى التغلغل الى عمق الدول المجاورة للجزائر من اجل النمو ومواصلة القدرة على القتال مثل تشاد والنيجر ومالي والاستفادة من بعض التوترات و القضايا والمشاكل الموجودة بين تلك الدول من اجل النمو. وقد تلقت دفعة قوية بعد اعلان الحرب على الإرهاب في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد حصلت هذه الجماعات التي كانت تمول نفسها من خلال التهريب على كميات كبيرة من الأسلحة التي اصحبت متوفرة للبيع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي وهدم الدولة في هذا البلد. وقد حرص الغرب على الاستفادة القصوى من هذه المشكلة حيث تفادى الغرب وخاصة فرنسا وامريكا من تقديم حلول فعالة للمشكلة الأمنية التي تشكلها القوى الإسلامية التي هي حلول سياسة واجتماعية في طبيعتها وركزوا على الحلول العسكرية للمشاكل الاجتماعية والسياسية. ولهذا فان خطر القوى الإسلامية يتفاقم، ففي 2003 مات 23 شخص في دول جنوب الصحراء الكبرى نتيجة الاعمال الإرهابية في حين ارتفع العدد الى أكثر من 400 شخص في 2022 رغم ان لفرنسا اكثر من 5000 عسكري في افريقيا ولأمريكا حوالي 7000 عسكري موزع على 29 قاعدة في 15 دولة افريقية. وقد ساعد نقل الأموال من ميادين الصحة والتعليم الى وزارة الدفاع في تفاقم المشكلة. وحتى من الناحية العسكرية ليس هناك استراتيجية فعالة لمواجهة المجاميع الاسلامية. لقد تفادى الغرب تمكين الدول الافريقية على محاربة القوى الإسلامية، بل جعلها معتمدة على القوات الامريكية والفرنسية المتواجدة في هذه الدول. ان بناء الأجهزة الأمنية وتقوية الجيش والشرطة وقوى مكافحة الإرهاب تحول هذه الاجهزة الى مصدر رزق للكثير مما يخلق مصالح في عدم القضاء على الإرهاب. كما إن هناك ادعاء بأن فرنسا وامريكا تقوم في حالات بدعم نفس الجماعات الإرهابية التي تدعي محاربتها. فبعد الانقلاب في النيجر قامت القوات الفرنسية بأطلاق سراح قادة القاعدة.
من الناحية الاقتصادية فان الدول الافريقية رغم الثروات الطبيعية والمعدنية الهائلة، تعاني من معدلات عالية من الفقر وتعتبر المستعمرات السابقة لفرنسا الافقر في القارة، فمثلا النيجر التي شهدت انقلاب مؤخرا هي ثاني افقر دولة في العالم حسب كل مقاييس التنمية البشرية، اذ هناك نهب مبرمج للثروة المعدنية في هذه البلدان، وتتراوح نسبة البطالة في هذه الدول بين 50-70%. وتعاني من غياب ابسط الخدمات، فمثلا 80% من سكان النيجر هم بدون كهرباء رغم ان 70% من الطاقة الكهربائية في فرنسا تأتي من اليورانيوم وثلث اليورانيوم الفرنسي يأتي من النيجر. لقد حرصت فرنسا على جعل هذه الدول مصدر للثروات المستخرجة وأسواق للبضاعة الفرنسية. وتقوم بنهب الثروات المعدنية مثل اليورانيوم والذهب والألماس والمنغنيس والحديد وغيرها مقابل أسعار رمزية. ان افريقيا الغربية هي ثالث منطقة استثمار بالنسبة لفرنسا بعد أمريكا وبريطانيا حيث تستثمر أكثر من الف شركة فرنسية في هذه المنطقة.
كما تتحكم فرنسا بعملة دول غرب افريقيا وهو الفرنك الغرب افريقي او فرنك س ف ا ولهذه العملة قيمة ثابتة كانت في السابق مرتبطة بالفرنك الفرنسي والان مرتبطة باليورو. ان ارتباط هذه العملة باليورو يجعل الاستثمارات الفرنسية في هذه الدول امنة كان تستثمر في اروبا نفسها لان التذبذب في سعر صرف العملة له تأثير على قيمة الاستثمارات والارباح. كما يجعل هذا الامر اقتصاديات هذه الدول شديدة التأثر بالصدمات الخارجية. كما يمنع هذا الامر دول غرب افريقيا من خفض سعر صرف عملاتها مقابل العملات الأخرى مثل اليورو والدولار وهذا يمنع صادرات هذه الدول من المنافسة وبالتالي يمنعها من بناء قاعدة صناعية وبالتالي تعتمد على تصدير عدد محدود من السلع. ويجب ان تحتفظ البنوك المركزية لجميع الدول التي تستخدم هذه العملة وعددها 12 دولة بما لا يقل عن 50٪ من أصولها الأجنبية في الخزانة الفرنسية، وتستخدم فرنسا هذه الودائع من اجل الحصول على القروض والقدرة على الانفاق وخدمة القروض.
ان انفجار هذا الغضب والمقاومة للغرب وحدوث هذه الانقلابات واخرها الانقلاب في النيجر والغابون واستهداف كل رموز الدول الفرنسية بما فيها السفارة والعلم والقاعدة العسكرية الفرنسية جاء بسبب انتشار الفقر والفساد وعدم الأمان وللغرب وفرنسا بالذات دور كبير في خلق هذا الواقع.
ولكن رغم ان هناك عوامل داخلية تقف خلف هذه الانقلابات، لكن لا يمكن تفسيرها وخاصة في توقيتها بالعوامل الداخلية فقط. قادة افريقيا يصبحون أكثر جرأة ويتحدثون جهرا ويلومون الغرب على ما يحدث في هذه البلدان. ان جرأة قادة الانقلابات تأتي بسبب وجود بديل في ظل المعدلات العالمية الحالية أي البديل الذي تقدمه دول مثل الصين وروسيا. ففي الوقت الذي يركز الغرب على اجراء انتخابات شكلية و "الديمقراطية البرلمانية" في هذه الدول وعلى "الاستقرار" الذي يعني الحفاظ على الوضع الحالي وعدد خلق مشاكل للغرب وسياساتهم في تلك البلدان وعلى الحلول العسكرية الفاشلة، تقوم الصين بالاستثمار في البنى التحتية التي تؤدي الى زيادة النشاط الاقتصادي في هذه البلدان. وفي الوقت الذي يمنع الغرب الدول الافريقية من التعامل مع أي طرف اخر مثل روسيا او الصين او الهند فان بقية الدول لا تضع مثل هذه الشروط للتعامل مع الدول الافريقية.
كما شاهدت النخبة في افريقيا، حماية روسيا للنظام السوري ضد مئات الاف من المجاهدين المدعومين من اقوى الدول الغربية ودول المنطقة في حين ان 15 سنة من الحملة الفرنسية بمساعدة امريكا ضد القوى الجهادية في افريقيا ادت الى تفاقم نفوذ هذه الجماعات وخطرها وخاصة في العقد الاخير.
لم تقف روسيا خلف الانقلابات الأخيرة في غرب افريقيا، كما يدعي الاعلام الغربي، والأعلام الروسية التي رفعت في المظاهرات المؤيدة للانقلاب في النيجر والغابون كانت مزروعة وهي لأغاضت الغرب اكثر من كونها دليل وقوف روسيا خلف هذه الانقلابات، الا ان قادة افريقيا يحسون بوجود بديل، ولهذا فان الانقلابات الأخيرة لها بعد عالمي ومرتبطة بالمعادلات العالمية.
بدلا من البحث عن الأسباب الحقيقة التي تقف خلف هذا الغضب في افريقيا تجاه الغرب يقوم الغرب باتهام روسيا، او النزعة التوتاليتارية او المعلومات الكاذبة في حدوث هذه الانقلابات. هذا الموقف يعجّل من انزواء نفوذ الغرب في افريقيا.