قمة بريكس الخامسة عشرة: المكاسب والاخفاقات!
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7718 - 2023 / 8 / 29 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انهت مجموعة "بريكس" الخمس ( البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب افريقيا) قمتها الخامسة عشرة في جوهانسبرج في جنوب افريقيا التي انعقدت في الفترة من 22 الى 24 آب الجاري.
إن أهم ما أعلن في هذه القمة هو إضافة ست دولة أخرى الى الكتلة وهي ايران والسعودية والامارات ومصر واثيوبيا والأرجنتين. لهذه الدول لحد الأول من كانون الثاني 2024، لقبول العضوية. تعتبر عضوية خمسة من الدول الستة المدعوة للانضمام، محسومة تقريبا، ولكن الارجنتين، هي الدولة الوحيدة التي يستبعد ان تنضم الى "البريكس"، اذ ان كلا المرشحين الاوفر حظا للفوز بالانتخابات المقبلة في شهر أكتوبر، هما ضد بريكس. يجدر الإشارة ان 22 دولة طلبت عضوية "بريكس" و42 دولة عبرت عن الاهتمام بهذه الكتلة، وهي مرشحة لطلب العضوية في المستقبل. ان عضوية دول مثل الجزائر واندونيسيا وتايلند وكازخستان وغيرها هي شبة مؤكدة في المستقبل القريب. يعبر كل هذا العدد من الدول عن رغبته بالانضمام الى "البريكس" رغم كل أنواع الضغوطات التي يمارسها الغرب لثني الدول من دخول هذا التكتل. فمثلا وعدت امريكا السعودية بتمكينها من الحصول على القدرات النووية مقابل التخلي عن بريكس.
ان الأهداف المعلنة لكتلة "بريكس" هي إقامة عالم متعدد الأقطاب، مستند على احترام السيادة ووحدة الاراضي وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعلى التعاون والشراكة والاحترام المتبادل والاستفادة من تجارب دول الأعضاء. وتوكد "بريكس" ان النمو والتطور الاقتصادي هو هدف أساسي، من خلال الاستثمار في البنية التحتية، اطلاق الإمكانات الاقتصادية الكامنة للدول الأعضاء، التجارة والتعاون على مستوى المناطق وبدون موانع، استثمار فائض التجاري في دول "البريكس" نفسها، وزيادة الإقراض من قبل " بنك التنمية الجديد" الذي انشاته "بريكس"عام 2015 بديلًا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالعملات المحلية كوسيلة للحد من تعرض الأعضاء لتقلبات أسعار صرف الدولار. واعلنت "بريكس" انها تسعى أيضا الى "اصلاح" الأمم المتحدة ومجلس الامن بحيث يكون لدول مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا والدول الفقيرة كلمة اكبر.
وتركز روسيا والصين بالذات على هدف بناء نظام اقتصادي وسياسي عالمي وآليات بدلا من النظام العالمي الحالي الذي يسيطر عليه الغرب منذ الحرب العالمية الثانية، الذي لا يلبي حاجات العالم الرأسمالي المعاصر الذي شهد بروز اقطاب اقتصادية وسياسية جديدة.
تقف عدة أسباب وراء رغبة كل هذا العدد من الدول للانضمام الى "البريكس" وهي: ان المستقبل الاقتصادي للدول الناشئة او الفقيرة هو مع "البريكس" وليس مع القطب الغربي، يقدم تكتل بريكس خيار اخر للدول الناشئة ان لم يكن بديل للنظام العالمي وآلياته الذي يهيمن عليه الغرب، ويقدم "بريكس" منصة يفترض انها تجمع دول لها نفس الهموم و الرؤية والاعتبارات، وتفهم حاجات الدول الناشئة اكثر من النظام العالمي الحالي وتعطيهم كلمة في إدارة شؤون العالم.
ولكن السبب الأهم هو الخوف من السياسات التي يتبعها الغرب بقيادة أمريكا المتمثلة بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، تغير الأنظمة التي تعارض سياسات القطب الغربي، فرض الحصار الاقتصادي على أي دولة تعبر عن أي خلاف مع الغرب إضافة الى استغلال مكانة الدولار الذي يستخدم في التعاملات الدولية و كعملة احتياطية عالمية ، بما فيه امتياز طبع الدولار لامتصاص ثروات الدول الأخرى وخاصة الدول الفقيرة والناشئة، امتصاص فائض الرأسمال حول العالم الى سوق السندات الامريكية، قدرة أمريكا للحصول على القروض بفوائد رخيصة وزيادة نسبة الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي الامر الذي يجعل من الصعب على الدول الفقيرة دفع الفوائد على القروض التي تحصل عليها بالدولار. وقد كان للغرب دور مهم في تعجيل نمو "بريكس" عن طريق وضع العوائق امام التجارة العالمية وزيادة وتيرة فرض الحصار الاقتصادي على الدول والكيانات التي لا تتفق مع الغرب ومصادرة ودائع البنك المركزي الروسي والبنك المركزي الفنزويلي وطرد روسيا من نظام سويفت.
لقد تم اختيار كل دول من دول الستة بعناية ودقة ومن خلال مساومات بين الدول الخمس الاساسية ل"بريكس". فالأرجنتين هي ثاني اكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية ولها قاعدة صناعية مهمة وهي تمتلك ثروات طبيعية وزراعية هائلة وتشهد نمو اقتصادي كبير رغم ازمة الديون. ينطبق نفس الشيء على اثيوبيا ومصر فهي دول كبيرة من ناحية السكان، ومهمة جدا من الناحية الجغرافية وتعتبر مصر منتج مهم للغاز الطبيعي ولها قاعدة صناعية مهمة واثيوبيا غنية بالثروات الطبيعية. اما السعودية والامارات فهي مهمة جدا من ناحية الطاقة وللإمارات أهمية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي وكونها مركز تجاري. كما سيكون بإمكان هاتين الدولتين دعم " بنك التنمية الجديد". وتعتبر إيران ثاني اكبر دولة فيما يتعلق بمخزون الغاز الطبيعي وهي قوة عسكرية ولها قاعدة صناعية كبيرة.
لقد أصبحت منظمة " بريكس" الان اكبر تكتل عالمي فيمل يتعلق بعدد السكان، إنتاج الطاقة من النفط والغاز، انتاج المعادن، القوى الشرائية، صناعة البضائع الخ، وهذا يمكنها من بناء قطب اقتصادي مقابل الغرب يكون بإمكان الأعضاء التعامل التجاري فيما بينهم دون الحاجة الى الغرب الى حد كبير، ولن يكون لأي حصار اقتصادي من قبل الغرب تأثير يذكر.
عدا إضافة أعضاء جدد، فالإنجاز الاخر لهذه القمة هو القرار بان يكون التبادل التجاري بين أعضاء المجموعة في العملات الوطنية، وتنشيط " بنك التنمية الجديد" التابع لبيركس وتقديم القروض الى الأعضاء في العملات المحلية. كما ناقشت وتم اتخاذ قرارات فيما يخص مجموعة من المواضيع مثل التعاون في مجال الصناعات الطبية، والزراعة، والتغير المناخي الخ.
ولكن في النفس الوقت لقد كان للأعضاء الخمسة خلافات حول العملة الموحدة وقد عجزت الكتلة في الإعلان عن عملة موحدة، رغم ان وظيفة هذه العملة لن يكون إزاحة العملات الوطنية كما حدث مع اليورو، بل ان تستخدم من قبل البنوك المركزية لتسهيل التجارة في التبادلات الكبيرة بين دول الأعضاء. كما هناك اختلافات بين دول البريكس فيما يتعلق بأهدافها، مرحلة التطور، موقفها من الغرب، وهناك طبعا المشاكل الحدودية بين الهند والصين. وقد انتقد بوتين بشكل ضمني، رضوخ جنوب افريقيا للضغوطات الغربية عندما عجزت عن تقديم ضمان بعدم القاء القبض عليه في حال حضور القمة، اذ قال بان القمة المقبلة في روسيا ستكون متحررة من أي ضغط خارجي، وانتقد رئيس جنوب افريقيا بالمقابل تدخل روسيا في أوكرانيا. ولم تتمكن دول أعضاء بريكس الخمسة لحد الان توحيد مواقفهما وطريقة التصويت في الأمم المتحدة. ان توسع المنظمة سوف يزيد من الخلافات ويجعل اتخاذ القرارات أصعب.
ولكن الأهم من كل هذا، يتم تصوير مجموعة بريكس كتكل فوق- طبقي اذا لم يكن لقضية الطبقة العاملة في دول الأعضاء أي مكان في هذه القمة. ولم يتم مناقشة أي من هموم وقضايا العامل في هذا الاجتماع. ان هذا الواقع يبين ان الاستغلال السافر للطبقة العاملة سوف يكون الوسيلة الأهم في المواجهة الشرسة بين الأقطاب الرأسمالية.