إسرائيل تفخّخ - البيجر - – قاتلة العشرات و جارحة الآلاف في لبنان ، مصعّدة بذلك خطر حرب إقليميّة


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 15:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

جريدة " الثورة " عدد 872 ، 23 سبتمبر 2024
https://revcom.us

عشيّة يوم الثلاثاء ، 17 سبتمبر 2024 ، آلاف " البيجر " الرقميّة عبر لبنان بدأ جرسها فجأة يدقّ – بصفير و دقّات و أنغام – كما لو أنّ رسالة قادمة إلى الآلة . و بعد لحظات تفجّ{ت في الأسواق و المنازل و السيّارات و المستشفيات . و فَقَدَ عديد الناس و هم يبحثون عن الرسائل المفترضة عيونهم أو وقع تشويه وجوههم تشويها شنيعا . و تسبّب تفجير البيجر في الأحزمة أو في الجيوب في قتل أو إعاقة حامليه .
فاطمة عبد الله ذات التسعة سنوات من العمر كانت قد عادت للتوّ إلى المنزل من المدرسة عندما أخذ بيجر والدها في إصدار صوت . كانت بصدد المسك به عندما إنفجر و مزّق وجهها فقُتلت و إنتشرت الدماء عبر الغرفة .
إكتظّت المستشفيات بضحايا جراحهم بليغة – ثقوب جراح في وجوههم ، أطراف مبتورة ، بطون مفتوحة ، مُقل العيون متفجّرة ، و عظام مكسورة . قال أحد الأطبّاء لم نشاهد جراحا مثل هذه من قبل أبدا .
لم يكن هذا سوء إشتغال في البيجر أو إنهيار في نظام مواصلات الهاتفيّة اللبنانيّة . كان هجوما إرهابيّا عن قصد و عمد نفّذته دولة إسرائيل و فورا قتل 12 شخصا و جرح ما لا يقلّ عن 3000 ، العديد منهم جراحا خطيرة . لقد أنشأت إسرائيل سرّا شركة ألكترونيّة و فخّخت البيجر ثمّ باعته إلى منظّمة حزب الله اللبنانيّة ، منظّمة أصوليّة إسلاميّة مدعومة من إيران، و كذلك إلى آخرين في لبنان . (1) ( أنظروا الملحق من أجل خلفيّة عن إسرائيل و لبنان و حزب الله ) .
عندما فجّرت إسرائيل هذه البيجر ، لم تكن مستخدمة من المقاتلين على الجبهة . من كان يحملها هم أناس كانوا بالأسواق و بالشغل أو في منازلهم مع أسرهم و أطفالهم . لقد حوّلت إسرائيل عمدا هذه الأشياء المدنيّة ذات الإستعمال اليومي إلى أسلحة عشوائيّة للقتل و الإرهاب . ( الكثير من اللبنانيّين مرعوبين الآن من أن يكون أيّ جهاز ألكتروني محمول يدويّا قنبلة موقوتة .)
الهجمات مستمرّة و تتصاعد إلى " مرحلة جديدة " من الحرب العدوانيّة الإسرائيليّة :
الهجوم الكبير ليوم الثلاثاء على الشعب اللبناني لم يكن مجرّد جريمة حرب إسرائيليّة أخرى ، بل كان كذلك تصعيدا جدّيا و خطيرا للغاية للصدام الجاري بين إسرائيل و حزب الله و الذى يمكن أن يُفضي إلى حرب تدميريّة شاملة ، حرب قد تؤدّى إلى حرب أوسع عبر الشرق الأوسط .
و يم الأربعاء ، 18 سبتمبر 2024 ، هواتف التولكى وولكى و بعض الهواتف المحمولة شرعت فجأة في الإنفجار مثل البيجر قبل يوم من ذلك . و إنفجر بعضها أثناء جنازة طفلة قتلتها إسرائيل في اليوم السابق . ما لا يقلّ عن 25 آخرين قُتلوا و أكثر من 600 آخرين جُرحوا . و بعض الأجهزة يبدو أنّها كانت معدّة لتطلق حرائقا كبرى و قد إندلعت النيران في أكثر من 71 منزلا و متجرا و على ألقلّ 18 سيّارة و درّاجة ناريّة .
ثمّ مع بدايات يوم الخميس ، صعّدت إسرائيل مجدّدا شانة حملتها للقصف بالقنابل الأشدّ في السنة ضد لبنان . أنجزت إسرائيل مئات الضربات الجوّية يوم الخميس و الجمعة و السبت . و كلّ من ألهداف العسكريّة و المدنيّة تلقّت ضربات . و قد تمّ تدمير مبانى سكنيّة بأكملها و ما لا يقلّ عن مسؤولين من أعلى قيادات حزب الله جرى إغتيالهم . و لوحدها ضربات يوم الجمعة قتلت حوالي 45 شخصا بمن فيهم ثلاثة أطفال و جرحت ما لا يقلّ عن 68 شخصا .
و تحذّر إسرائيل من أنّ حربها ضد حماس في غزّة و حزب الله في لبنان تدخل مرحلة جديدة و أخطر ، مركّزة على حزب الله في الشمال . و سيجلب هذا الفظائع تلو الفظائع للشعب اللبناني الذى بعدُ يعانى الويلات .
و تعهّد قادة حزب الله بالثأر من هذه الهجمات الأخيرة ، و يمكن أن يشعروا بأنهم مضطرّون إلى التحرّك . و إذا قام حزب الله بالردّ ، أو صعّدت إسرائيل أكثر في هجومها على لبنان ، قد يشعر حلفاء حزب الله في إيران و سوريا و العراق و اليمن كذلك بأنّهم مُجبرون على الإلتحاق بالقتال ، و هذا بدوره يمكن أن يدفع الولايات المتّحدة مباشرة إلى المعركة . (2) كلّ هذا له تبعات غير قابلة للتوقّع و كارثيّة بالنبة إلى ملايين الناس عبر الشرق الأوسط .
حكّام الولايات المتّحدة لم يُدينوا الإرهاب الإسرائيليّ و التصعيد الخطير :
يزعم حكّام الولايات المتّحدة أنّهم لا يعرفون و لا صلة لهم بالهجوم الإرهابي الإسرائيلي بالبيجر . لكن سواء علموا بذلك أم لا ، أو دعّموه أم لا ، لم يدينوا الهجوم الإسرائيلي و لم يسموه بالإرهاب ، بالضبط مثلما رفضوا إدانة الهجوم الإسرائيلي على غزّة أو أن ينعتوه بما هو عليه ، إبادة جماعيّة .
و الولايات المتّحدة لم تتردّد في تزويد إسرائيل بالمليارات من السلاح – في الشهر الماضي وافق بايدن على 20 بليون أخرى بما فيها صواريخ جوّ جوّ و طائرات مقاتلة . و مع تواصل الإبادة الجماعيّة حتّى بأكثر همجيّة في غزّة و تفجير أجهزة البيجر عبر لبنان ، أعادت كمالا هاريس تأكيد دعمها : أدعم قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ".
و يقوم حكّام الولايات المتّحدة بهذا لأنّ إسرائيل هي قلعتهم المسلّحة و كلب هجومهم المستعدّ لشنّ الهجوم على كلّ من يهدّد الهيمنة الإمبرياليّة الأمريكيّة في المنطقة و في العالم .
يمكن أن تكون ( و يمكن أن لا تكون ) للولايات المتّحدة إختلافات تكتيكيّة مع إسرائيل حول بعض المواضيع ، لكن الهيمنة على الشرق الأوسط حيويّ لسير أمريكا و إستقرارها و سلطتها العالميّة .
و الآن ، إمبرياليّو الولايات المتّحدة في معركة حادة جدّا للحفاظ على قبضتهم على هذه المنطقة . يواجهون تحدّيات من إيران و حلفائها في اليمن و لبنان ، و سوريا و العراق ، و كذلك المنافسين العالميّين مثل روسيا و الصين الذين يبحثون عن التأثير على الوضع بطرق مختلفة بينما يتدخّلون في مناطق أخرى تبحث الولايات المتّحدة عن الهيمنة عليها . و في هذا الصراع العام من أجل الهيمنة على العالم – وهو صراع تصاعد بشدّة في ظلّ بايدن و هو يحمل معه الخطر الكبير لحرب نوويّة – إسرائيل حيويّة للولايات المتّحدة أكثر من أيّ وقت مضى .
في هذا الوضع ، كلمات القائد الثوري و مؤلّف الشيوعيّة الجديدة ، بوب أفاكيان ، تكتسى صفة منتهى الإستعجاليّة :
" نحن ، شعوب العالم ، لم يعد بوسعنا السماح لهؤلاء الإمبرياليّين بمواصلة الهيمنة على العالم و تحديد مصير الإنسانيّة. و إنّه لواقع علميّ انّ الإنسانيّة ليس عليها أن تحيا على هذا النحو . "
عقود من العدوان الإسرائيلي على لبنان و المعركة الإسرائيليّة الراهنة مع حزب الله :
منذ تـأسيسها سنة 1948 ، شنّت إسرائيل بصفة متكرّرة حروبا عدوانيّة إجراميّة ضد لبنان . و كانت هذه الحروب جزءا لا يتجزّأ من التطهير العرقي و الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطيني على يد إسرائيل ، و كذلك توجيه الضربات لأيّة قوى في المنطقة تساند الفلسطينيّين أو تتحدّى هيمنة إسرائيل أو الولايات المتّحدة .
سنة 1948 ، من ضمن 700 ألف فلسطيني و فلسطينيّة أجبرتهم إسرائيل بالقوّة على مغادرة أراضيهم و ديارهم أكثر من 100 ألف لجأوا إلى لبنان . و اليوم يعدّون حوالي 270 ألف فلسطيني و فلسطينيّة في لبنان ، و هم يعيشون أساسا في مخيّمات لاجئين .
لقد خاضت إسرائيل حروبا ضد قوى سياسيّة مختلفة في لبنان سنة 1978 و سنة 1982 و سنة 1996 و سنة 2006 . و إحتلّت جنوب لبنان من 1978 إلى سنة 2000 . و قد أدّت هذه الحروب إلى مئات آلاف القتلى اللبنانيّين و تدمير مريع للمجتمع اللبناني . و تلقّت إسرائيل الدعم من الولايات المتّحدة في كلّ هذه الحروب .
و حزب الله منظّمة أصوليّة إسلاميّة قاعدتها الأساسيّة السكّان المسلمين الشيعة في لبنان . لقد تأسّس سنة 1982 كمليشيا تقاوم إحتلال إسرائيل وهي مصطفّة عن قرب مع جمهوريّة إيران الإسلاميّة . و حزب الله منظّمة رجعيّة تساند العلاقات الإضطهاديّة ، خاصة البطرياركيّة / الذكوريّة . و قد نما إلى قوّة سياسيّة و عسكريّة مهيمنة في لبنان الذى توجد فيه أيضا أعداد كبيرة من المسيحيّين و المسلمين السنّة .
في 7 أكتوبر 2023 ، لمّا شنّـ إسرائيل إبادتها الجماعيّة في غزّة ( على إثر الهجوم الرجعي لحماس ، بما في ذلك ضد المدنيّين ، في إسرائيل ) بدأ حزب الله بإطلاق صواريخ على أهداف شمالى إسرائيل . وهو يقول إنّه سيواصل القيام بذلك طالما إستمرّ الهجوم الإسرائيلي المجرم على غزّة .
و بدورها كانت إسرائيل تقصف بالقنابل أهدافا في لبنان ، بما في ذلك هجمات متعمّدة على الصحفيّين ، و هجمات عشوائيّة على المدنيّين و إستخدام واسع للفسفور الأبيض مع أنّ إستخدامه ضد البشر ممنوع عالميّا . إلى اليوم ، ظلّ هذا الصدام العسكري منحصرا نسبيّا لكن تصعيد إسرائيل الآن يمكن أن يكسر هذا الوضع و يدفع النزاع في إتّجاه أخطر بكثير .
هوامش المقال :
1- حزب الله في التعويل عليها لأنّه إعتقد أنّها أكثر أمانا من الهواتف الخلويّة .
2- لروسيا و الصين علاقات متنامية مع إيران و بلدان أخرى في الشرق الأوسط . عند هذه النقطة يبدو من غير المرجّح أهما سيواجهان عسكريّا الولايات المتّحدة أو حلفائها في المنطقة ، لكن هذا ليس خارج مدى الإمكانيّة إن شعُر المنافسان الإمبرياليّان للولايات المتّحدة أنّ مصالحهما الجوهريّة في خطر .