الكيان الصهيوني الأبن الشرعي للإحتكارات الرأسمالية
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 16:11
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يكن مفاجئا تصريح الرئيس الاميركي جو بايدن اثناء زيارته إلى تل أبيب، حين اعلن "لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها، خاصة إذا تمعنا بطبيعة العلاقة التاريخية التي تربط الحركة الصهيوني بالاحتكارات الرأسمالية.
فالدعم الذي تتلقاه "اسرائيل" من الولايات المتحدة ليس له علاقة بالخرافات التوراتية وأرض الميعاد، او "قصة المحرقة". فالحركة الصهيونية التي تمثل إيديولوجية البرجوازية اليهودية وخاصة المالية منها، هي ايديولوجيا الاحتكارات الرأسمالية. فقد نشأت العلاقة مبكرا مع تمركز الإنتاج في البلدان الرأسمالية. في مرحلة احتدام المنافسة في السوق الرأسمالي التي أفضت الى إستئثار كل من بريطانيا وفرنسا بنصيب الأسد في أهم المستعمرات في العالم، ومع تنامي القدرات الاقتصادية الألمانية؛ باتت المانيا معنية في توسيع حصتها في السوق الرأسمالي، في مواجهة الأزمة الرأسمالية الحادة التي انفجرت سنة 1873، والتي خلفت ركودا اقتصاديا في أوروبا استمر 22 عاما.
أحدثت أزمات فيض الإنتاج؛ حاجة رأس المال الى أسواق جديدة لتصريف منتجاته، والاستيلاء على مواد الخام بأسعار زهيدة، وتوفير أيدي عاملة رخيصة. فقد كشف لينين في كتابه الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية، "أن الحرب العالمية الأولى 1914-1918 كانت حربا امبريالية هدفها إعادة اقتسام المستعمرات و"مناطق نفوذ رأس المال المالي." دعا لينين إلى تحويل الحرب العالمية إلى حروب ضد الحكومات الرأسمالية في الدول الأوروبية. ومع انتصار الثورة الاشتراكية فضح لينين اتفاقية سايكس بيكو بعد العثور على نسخة من الاتفاقية السرية في أرشيف القيصر، التي مزقت الوطن العربي، وحرمته من اقامة مشروعه التحرري النهضوي، وذلك تمهيدا لغرس الكيان الصهيوني الاستيطاني في قلبه.
ليس صدفة ظهور الحركة الصهيونية على المسرح السياسي متزامنا مع تحول الرأسمالية الى دول إمبريالية، ومع انخراط الطبقة العاملة في النضال ضد سيطرة رأس المال، من أجل التحرر من الاستغلال الطبقي بقيادة أحزاب ماركسية، ورفض ماركس التعامل مع اليهود كقومية، بل كمواطنين يفترض اندماجهم في أممهم، وعلمنة الدولة وتكريس حريّة المعتقد الديني.
مع حصول الاحتكارات الاميركية على امتيازات نفطية في السعودية، إزداد اهتمامها بفكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين، ففي آب 1945طلب الرئيس الأميركي ترومان من الحكومة البريطانية إدخال مئة الف يهودي من أوروبا الى فلسطين، لإنشاء قاعدة عسكرية متقدمة في الوطن العربي. فمن بين أهم اسباب تلاحم الحركة الصهيونية بالمراكز الرأسمالية؛ موقفها الايديولوجي ودورها الوظيفي في حماية مصالح الاحتكارات الرأسمالية، فالموقع الجغرافي لفلسطين يحتل أهمية خاصة، حيث يربط الوطن العربي بطريق بري، كما يربط القارات الثلاث (اسيا وافريقيا وأروبا).
إذا ليس غريبا ما نشهده من دعم غير محدود للكيان الصهيوني من قبل الاحتكارات الرأسمالية، على الرغم من فشله في حماية نفسه. فإن زراعة جسم سرطاني غريب في المنطقة، يعتبر اكثر ضمانا لمصالح الاحتكارات الرأسمالية، من أي نظام عربي مهما قدم من تنازلات سيادية، او صفقات مريبة مع الاحتكارات الرأسمالية، كون المعاهدات والصفقات التي تبرمها الأنظمة العربية تتعارض مع مصالح شعوبها، وأمدها محدود مهما طال الزمن.
لم تأت ذكرى النكبة في هذا العام كبقية الأعوام السابقة، فالعدو الصهيوني في أسوأ احواله منذ عام 1948، فهو يعاني من أزمات متفاقمة ومتعددة؛ سياسية، اقتصادية، إجتماعية، وأمنية. بعد فشله العسكري والسياسي في تحقيق اهدافه المعلنة في إسترداد الأسرى، رغم مرور ثمانية اشهر على الحرب. وتعرض جيشه الذي "لا يقهر" للإذلال، بعد الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، واستنزاف قدراته العسكرية في قطاع غزة. رغم تدخل حاملات الطائرات التي هرعت لحمايته خشية من انهياره . اضافة الى تجنيد آلاف المرتزقة للقتال مع العدو، بعد اتساع ظاهرة التمرد في صفوف المجندين الصهاينة. وتشير المعلومات أن غالبية الذين غادروا فلسطين المحتلة لا يرغبون بالعودة، في الوقت الذي يعترف رئيس وزراء العدو بالهزيمة؛ حيث يعلن صراحة أن من يمنعنا من الدخول الى رفح يريدنا ان نكون مهزومين.
يأتي اعتراف العدو بالهزيمة؛ بعد ارتكابه أبشع الجرائم في التاريخ، بتدميرالبيوت على رؤوس الاطفال والنساء وكبار السن، وتدمير البنية التحتية والقضاء المبرم على وسائل الحياة، كتعبيرعن الوجه الحقيقي للفاشيين الجدد الذين نفذوا مجازر جماعية سقط ضحيتها اكثر من مئة الف شهيد وجريح.
ان حالة الغضب التي عبرت عنها جماهير الطلبة بإنتفاضتها التي شملت عشرات الجامعات الاميركية والأوروبية والكندية والاسترالية واليابانية، تتمحور حول شعارات اساسية مفادها وقف المجزرة الرهيبة، وتقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني، وفضح الكيان الصهيوني الفاشي ، والمطالبة بإنهاء كيانه الذي يمثل مصالح الإحتكارات الرأسمالية، وتصفية المشروع الاستعماري كحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، من أجل تحرير فلسطين من الوجود الصهيوني.
لقد كثرالحديث في الأونة الأخيرة من قبل سياسيين ومفكرين وخبراء عن قرب نهاية المشروع الصهيوني، وكان أخرها ما اعلنه المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه عن "بداية نهاية المشروع الصهيوني". معللا طرحه بالأسباب التالية:
الصراع الداخلي في اسرائيل بين العلمانيين والمتدينين سيستمر في المستقبل، واتساع التضامن العالمي غير المسبوق مع القضية الفلسطينية بسبب الحرب على غزة. تصنيف الكيان الصهيوني بالعنصري من قبل المنظمات الدولية الحقوقية "منظمة العفو الدولية "أمنستي"، و"هيومن رايتس ووتش". تردي الوضع الاقتصادي في الكيان وانتشار الفقر.
عجز الجيش عن حماية اليهود في الشمال والجنوب وتحول اليهود الى لاجئين داخل الدولة، وفشل الحكومة في توفير المساعدة لعائلات القتلى والجرحى. موقف الأجيال الجديدة من اليهود ورفضها للممارسات الإسرائيلية، حتى أن عدداً كبيراً منهم ينشط في حركة التضامن مع الفلسطينيين.
في حين استقبل الشعب الفلسطيني الذكرى في هذا العام بالأمل والتفاؤل بهزيمة الكيان الصهيوني وانتصار الشعب الفلسطيني وتحقيق اهدافه بالتحرير والعودة وتقرير المصير على تارغم من حجم التضحيات التي تفوق كل التقديرات.
ومن المفارقات الغريبة؛ في الوقت الذي تتسع حملة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، يتخلي النظام العربي والاسلامي عن واجباته، ولا تخفي بعض الأنظمة دعمها المباشر للعدو الصهيوني، او تركه يواجه مصيره امام العدوان الامبريالي الصهيوني، الذي يملك احدث وسائل القتل والدمار والاجرام، مما يكشف عن حالة الانهيار السياسي والاخلاقي التي وصل اليها النظام العربي امام الغطرسة الصهيونية ، هذا الانهيار لا يشكل خطرا على قطاع غزة وحده بل على معظم العواصم العربية، فالمقاومة الفلسطينية تشكل خط الدفاع الاول في مواجهة المحتلين الصهاينة، فالتصدي للمعتدين الغزاة واجب وطني قبل ان يكون واجب قومي.