السياسات الضريبية وراء ارتفاع اسعار المشتقات النفطية
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 7060 - 2021 / 10 / 28 - 02:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الأردن : اتسمت التغيرات التي طرأت على السياسات المالية خلال العقدين الأخيرين، بزيادة اعتماد الخزينة على الإيرادات الضريبية، على الرغم من تخفيض مساهمة القطاع المصرفي وكبار التجار وشركات التأمين في الايرادات الضريبية، بالمقابل ارتفعت نسبة مساهمة ذوي الدخل المحدود والشرائح الوسطى، من خلال التوسع في ضريبة المبيعات والضريبة الخاصة التي خضعت لها معظم السلع الأساسية، ما يفسر زيادة تكلفة الاحتياجات الأساسية، وانهيار القيمة الشرائية للرواتب والأجور، واتساع الفجوة الطبقية، نتيجة زيادة العبء الضريبي على الغالبية العظمى من المواطنين. كما يُفسّر أثر هذه السياسات الانكماشية في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة.
فقد شهدت السياسات الضريبية تعديلات واسعة منذ خضوع الاقتصاد الأردني لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، وكان أبرزها التخلي عن المبادئ الدستورية، التي تنص على «مبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية» بينما انطلقت المدرسة الجديدة التي تبنتها السلطات الرسمية في البلاد من مبدأ «المساواة في توزيع العبء الضريبي»، فقد استُحدثت الضريبة العامة على المبيعات التي أخضعت معظم السلع والخدمات للضريبة.
صحيح ان الاحتكارات الرأسمالية تتحكم باسعار النفط من خلال زيادة الانتاج او تخفيضة وفقا لسياسات العرض والطلب، لكن اسعارالمشتقات النفطية في البلاد تعتبر من بين اعلى الاسعار في العالم، مقارنة مع الدول غير النفطية، علما ان الأردن احتل المرتبة 120 عالميا في مستوى دخل الفرد السنوي، من الناتج المحلي الاجمالي. وقد شهدت البلاد تعويما لأسعار المحروقات في ربيع عام 2008 اي الغاء دعم المحروقات، وقد بلغ لتر بنزين اوكتان (90) في تموز 2008 بعد التعويم (735) فلسا ولتر بنزين اوكتان (95) (840) فلسا وكان سعر برميل نفط برنت في حزيران 2008 (140) دولار، ومع انخفاض اسعار النفط عالميا في سنة 2009 وما تلاها لم تخفض الحكومة اسعار المشتقات النفطية بنفس النسبة، وكان التبرير بأن هناك صندوق تحوط في وزارة المالية يُستخدم لدعم الاسعار في حال ارتفاعها عالميا، ولدى مساءلة الجهات المعنية عن الصندوق تبين ان لا وجود للصندوق!!!.
ليس هذا وحسب بل فُرضت ضرائب مرتفعة على المشتقات النفطية، وبقي لغز تسعير المشتقات النفطية بلا حل، الى ان اعلنت الحكومة في حزيران 2019 عن فرض ضريبة مقطوعة على المحروقات (370) فلسا على لتر البنزين اوكتان (90) و (575) فلسا على لتر البنزين اوكتان (95) و (165) فلساعلى لتر الكاز والسولار.
وقد لوحظ الارتفاع المتصاعد لاسعار المشتقات النفطية في البلاد حتى في ظل انخفاض الاسعار عالميا، فعلى سبيل المثال ان سعر لترالبنزين اوكتان (90) بلغ في تموز 2021 (810) فلسا ولتر بنزين اوكتان (95) (1.040) فلسا، بينما بلغ سعر برميل النفط برنت في حزيران 2021 (75) دولار. ويستطيع القارىء مقارنة اسعار المشتقات النفطية في سنة 2008 اثناء التعويم وفي ظل الارتفاع العالمي للنفط وبين الاسعار الحالية، ليكتشف مدى ارتفاع العبء الضريبي على المشتقات النفطية، والتي تصل الى اكثر من 100% .
ارتفاع اسعار المحروقات أحد أسباب الركود الأقتصادي
بما ان المحروقات مادة ارتكازية فإن ارتفاع اسعارها يؤدي الى ارتفاع العبء الضريبي على مختلف السلع والخدمات، بشكل مباشر كما هو الحال في فاتورة الكهرباء، وبشكل غير مباشر من خلال اضافة الضرائب على تكلفة الخدمات والسلع، والجدير بالذكر ان الضريبة المفروضة على المشتقات النفطية لا تخضع للمقاصة،(خصم ضرائب المشتريات من فاتورة المبيعات عند توريد الضريبة) كما هو الحال بالنسبة لضريبة المبيعات، فالضرائب المفروضة على المحروقات تعتبر من أهم اسباب ارتفاع العبء الضريبي، وباتت تشكل سببا رئيسيا من اسباب حالة الركود الاقتصادي، وتعتبر من المشاكل التي تواجه الاستثمار في البلاد، لضعف القدرة التنافسية للمنتج الأردني؛ بسبب ارتفاع الأعباء الضريبية على مدخلات الإنتاج، فإن ضريبة المبيعات ضريبة انكماشية، أسهمت بارتفاع تكلفة السلع والخدمات، إضافة إلى ارتفاع تعرفة الكهرباء، وبدلا من إعطاء الأولوية لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل، تنصب الجهود الرسمية نحو زيادة الجباية الضريبية.
تعد السياسات الضريبية والمالية أحد المحاور الرئيسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، فالتنمية الاقتصادية تعني وفرا في الإنتاج، وتوزيعا عادلا لعائدات التنمية من خلال الضريبة التصاعدية، وإعفاء الفقراء من الضرائب، كما تعني إحداث تغيرات ملموسة في حياة المواطنين، وتحسين ظروفهم المعيشية.
فمن الخطأ حصر السياسة الضريبية بتوفير المال للخزينة، أو الاعتقاد ان ارتفاع العبء الضريبي يؤدي الى زيادة ايرادات الخزينة، او التركيزعلى حيادية الضريبة، بهدف التوسع في تحصيل الضرائب، فالضريبة أولا، وقبل كل شيء؛ هي جزء لا يتجزأ من مشروع تنموي اقتصادي واجتماعي. وتبرز أهمية استخدام السياسة الضريبية في إزالة التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وتحفيز القطاعات المنتجة بسياسات ضريبية تفضيليّة وإنعاش الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار.
ان اعادة هيكلة المنظومة الضريبية بزيادة الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة على السلع الكمالية المستوردة، وخفض الضرائب غير المباشرة؛ بات متطلب اقتصادي حيوي لإعادة النشاط الاقتصادي، على أن تعيد الدولة إنفاق هذه الزيادة لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم لأبناء المجتمع عامة، إضافة إلى إنشاء وتطوير البنية التحتية للدولة بكافة جوانبها: المياه، الكهرباء، الطرق، النقل العام.