وداعا عيسى مدانات القائد الوطني والأممي


فهمي الكتوت
الحوار المتمدن - العدد: 6959 - 2021 / 7 / 15 - 13:33
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

الأردن - تعتبر التجربة الغنية للرفيق عيسى مدانات جزء لا يتجزأ من التجربة النضالية للحزب الشيوعي الأردني، فقد ارتبط اسمه وتاريخه النضالي بالحزب، فان قائدا سياسيا بحجم مدانات لا تقاس تجربته بموقعه التنظيمي ونشاطه المباشرة فحسب، فقد ترك بصماته على حياة الحزب بشكل عام. وقد سطر ورفاق دربه أروع صفحات المجد والبطولة، وارتبطت أسماؤهم بنشوء الحزب وإقامة الجبهة الوطنية، والتحالف مع الاشتراكيين والقوميين، في إلغاء المعاهدة الأردنية-البريطانية.
غادرنا الرفيق عيسى مدانات بعد حياة حافلة في النضال، كان له دور بارز في تأسيس الحزب الشيوعي الاردني وقيادة العمل الوطني والتصدي لسياسات الاحلاف والمؤامرات ضد فلسطين والاردن، وضد القهر والحرمان من ابسط الحقوق بالعمل والسكن والتعليم والعناية الصحية، وفك التبعية السياسية والاقتصادية عن المراكز الرأسمالية، وبناء اقتصاد وطني. ان الاطلاع على التجربة لنضالية الغنية التي خاضها شعبنا الابي بقيادة الرعيل الأول، وكان للقائد الشيوعي البارز عيسى مدانات دور مميز في قيادتها، التي حققت نجاحات ملموسة، مع التقدير لاختلاف الظروف وخصائص المرحلة. لقد نجحت الجبهة الوطنية في أواسط خمسينات القرن الماضي في قيادة الجماهير الشعبية وإقامة التحالفات وصولا لأغلبية نيابية، وحكومة وطنية برلمانية، كان للحزب الشيوعي دور مميز في قيادة الجبهة الوطنية التي حصدت ثاني اعلى الاصوات في الانتخابات النيابية لعام 1956 بعد الحزب الوطني الاشتراكي.
طالب مدانات في كلمة جماهيرية حاشدة انذاك بتطهير الأجهزة الرسمية من العملاء وايتام كلوب، محذرا من الوقوع بنفس الخطأ الذي وقع به مصدق في إيران في الابقاء على بنية الجهاز القديم في الحكم، والذي تآمر على الحكومة الوطنية بعد تأميمها شركات النفط. جاءت تحذيرات مدانات في مكانها، فالإمبريالية الاميركية لم تمهل الحكومة الشرعية المنتخبة طويلا، فبعد حوالي ستة أشهر من عمرها جرى الاطاحة بها، لمنعها من تنفيذ برنامجها الوطني، وحرمان الشعب الاردني من التمتع بحقه في اختيار حكومته ديمقراطيا. فأخضعت الاجهزة الامنية رئيس الحكومة سليمان النابلسي للإقامة الجبرية، وزجت بكوادر الحزب والحركة الوطنية في السجن الصحراوي في الجفر، واعتقل مدانات بعد اختفائه لمدة عام في نابلس مع عدد من القيادات الحزبية، امضوا زهرة شبابهم في السجون والمعتقلات، وزنازين المخابرات وغرف التعذيب.
وبعد انتفاضة نيسان المجيدة عام 1989، ترشح عيسى مدانات للانتخابات النيابية بقرار حزبي، وخاض حملة انتخابية مميزة، اتاحت له فرصة اللقاء بألاف المواطنين من ابناء محافظة الكرك، سواء من الذين عاصروه في خمسينات القرن الماضي، او الذين تتبعوا اخباره، وتنقلاته من السجون والمعتقلات الى البيوت السرية والاختفاء، كقائد سياسي، ومعارض وطني من طراز فذ، الذي تصدى للبوليس والاجهزة الامنية بكل بسالة دفاعا عن القضية العادلة التي تبناها، قضية الحرية والديمقراطية، دفاعا عن لقمة عيش الفقراء والكادحين، والموظفين.
طرح مدانات برنامجا وطنيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا شاملا، عبر من خلاله عن رؤيته الشخصية ورؤية حزبه، في ترسيخ الاستقلال السياسي للأردن، وانتهاج سياسة اقتصادية وطنية تستهدف بناء قاعدة صناعية وزراعية متينة، وفك علاقات التبعية الاقتصادية مع البلدان الرأسمالية، وعدم الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية الشقيقة، وتشجيع الصناعة الوطنية، ووضع خطة وطنية لمعالجة البطالة المتفاقمة، وحل مشكلة الانتاج الزراعي، بتوفير التسويق وتشجيع انشاء الجمعيات التعاونية الانتاجية، وتنمية البيئة الريفية، وسن قانون عمل جديد يعزز المكتسبات العمالية، ويضمن عدم التدخل في النقابات، ويكفل حق المعلمين ومستخدمي الدولة، والعمال الزراعيين بتأسيس نقاباتهم. وحماية حقوق المرأة وحقها بالعمل والحقوق المتساوية والعناية بالطفولة، وتضمن برنامجه قضايا التعليم والثقافة الوطنية والاعلام. كما تضمن بعدا وطنيا وقوميا بتقديم مختلف اشكال الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من اجل حقوقه الوطنية المشروعة، ودعم الانتفاضة الفلسطينية الباسلة ضد المحتلين الصهاينة، وتقوية العمل العربي المشترك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.
كان مدانات خطيبا مفوها، يتمتع بشخصية قوية وبثقة بالنفس، يرتجل كلماته في لقاءاته مع جمهوره بلغة عربية فصحة، وبتسلسل منهجي في طرح برنامجه وافكاره، محاورا جيدا، يتمتع بثقافة عالية، ويسعى باستمرار للحصول على المعلومة حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان يدخل بحوارات ومناقشات مع جمهوره في لقاءاته حول مختلف القضايا المحلية والوطنية. دخل الانتخابات النيابية بقائمة وطنية وكان ابرز حلفاءه الاستاذ محمد فارس الطراونة، تمتعا سويا بثقة ابناء الكرك، وانتخبوا ممثلين للشعب الاردني تحت قبة البرلمان، حصل عيسى على 10274 صوتا، على الرغم من ابتعاده القسري عن جمهوره خلال سنوات الاحكام العرفية الذي قضاها في السجن او العمل السري، وعلى الرغم من قصر المدة التي اتاحت له التواصل مع المواطنين في الكرك، بسبب اختفاءه نتيجة ملاحقته من قبل الاجهزة الامنية، انتخب مدانات تقديرا له ولحزبه، انتخب لكفاءته وجرأته وشجاعته ورباطة جأشه، انتخب لتاريخه المجيد وتضحياته النضالية . تميزت حملة مدانات الانتخابية، انها لم تأخذ طابعا عشائريا، وتشكلت اركان حملته من الشخصيات التقدمية من شيوعيين وقوميين من مختلف العشائر، ومن مختلف الاجيال، على عكس الحملات المتعارف عليها بحصر نشاط المرشح بعشيرته.
رفيقنا العزيز عهدا لك بمواصلة النضال لتحقيق الاهداف النبيلة التي كرست حياتك من اجلها، واتقدم بأحر العزاء والمواساة للرفيقة ام عامر التي وقفت بشجاعة الى جانبه في كل الظروف، واللاحباء عبير وسلافه ورادا وعامر وشقيقته ام المنذر وابناء وبنات شقيقات الرفيق واخص بالذكر د. وفاء و د. أمل و د. ريتا والمهندسة ريم وال مدانات جميعا.