التطبيع الاقتصادي لفرض سياسة الأمر الواقع
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 7082 - 2021 / 11 / 20 - 22:50
المحور:
الادارة و الاقتصاد
غني عن القول؛ ان المقاطعة الاقتصادية، تعتبر أحد الاشكال النضالية، التي تستهدف اضعاف قوات الاحتلال، فهذا الشكل من المقاومة يتيح الفرصة امام فئات واسعة من ابناء شعبنا الأردني، والشعوب العربية والشعوب المحبة للسلام عامة، المشاركة في التصدي للمعتدين، ويعيد الاعتبار لثقافة المقاومة في مواجهة نهج الاستسلام والتفريط .
لذلك دأبت الجهات الرسمية على فرض اشكال من التطبيع القسري غير المباشر، من خلال اتفاقيات مع العدو لتمرير سياسات تحتاج الى التصدي الجمعي والمنظم لاحباطه، ففد بلغ التبادل التجاري بين الأردن والكيان الصهيوني خلال السنوات العشر الاخيرة 2010- 2019 ،حوالي 926 مليون دينار منه (532 مليون دينار قيمة الصادرات الأردنية)، و (394 مليون دينار قيمة المستوردات)، والمتتبع للتفاصيل، يلحظ ؛ ان هناك تراجعا ملموسا في التبادل التجاري لغاية عام 2019، قبل ان يطرأ ارتفاع على المستوردات في عام 2020 ، مع البدء بتنفيذ صفقة الغاز، حيث بلغ حجم التبادل التجاري سنة 2010 حوالي 127 مليون دينار منه (64 مليون دينار صادرات اردنية) و(63 مليون دينار مستوردات من العدو)، وقد انخفض التبادل التجاري في سنة 2019 الى 54 مليون دينار ،(46 مليون دينار صادرات اردنية)، و(8 مليون دينار مستوردات)، والسبب في ذلك؛ تراجع دور ما يعرف "بالمناطق الصناعية المؤهلة" التي تصدر الى الولايات المتحدة، بضاعة مشروطة بنسبة مدخلات إنتاج من الكيان الصهيوني لا تقل عن 8% مقابل التسهيلات الجمركية، بهدف فرض سياسة التطبيع الاقتصادي الالزامي، للالتفاف على رفض الشعب الأردني سياسة التطبيع . وبفضل وعي الشعب الأردني واصراره على التصدي للسياسات العدوانية التوسعية، وعدم التعامل مع منتجاته.
فقد كشف تراجع التبادل التجاري ان جزءاً هاما من التطبيع مع العدو هو قسري تفرضه الجهات الرسمية، وينفذه رأس المال الجشع، الذي لا ينتمي للوطن، في حين تعبر هذه المعطيات عن الحس الوطني للشعب الأردني في مقاطعة البضائع الصهيونية.
تنبهت هلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأميركية الاسبق، الى هذه الظاهرة، تقول في مذكراتها، إن "إسرائيل" اكتشفت احتياطيات واسعة من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط؛ وهي تعيش مع الأردن، في سلام منذ توقيع معاهدة 1994، ولكن؛ لم تحظ هذه المعاهدة بشعبية المواطنين الأردنيين، وبناء على ذلك، هل يخاطر الأردن بمزيد من الاحتجاجات، ويسعى إلى اتفاق تجاري رئيسي مع "إسرائيل"؟ وهل يحتمل أن لا يفعل ذلك؟ وفي لقائها مع وزير الخارجية الأردني في كانون الثاني 2012، حثته على البدء بمحادثات مع "الإسرائيليين" سرا إذا لزم الأمر.
وقد انصاعت الجهات الرسمية الى توجيهاتها، وبعد محادثات سرّية، طوال عام، مع "الإسرائيليين"، أعلن عن اتفاق مبدئي مع العدو سنة 2014 لاستخدام الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط لتغذية محطة كهرباء في الجانب الأردني من البحر الميت.
وفي عام 2016 تم التوقيع على صفقة "الغاز الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني"، بقيمة 10 مليار دولار لمدة 15 عاما، بقرار من هيلاري كلنتون، وبتحركات سرية وفق توجيهاتها. وقد رُفضت الصفقة شعبيا، وشهدت البلاد تحركات واسعة لمقاومتها. والهدف من الصفقة فرض سياسة التطبيع على الشعب الأردني، وربط الاقتصاد الأردني بـ"إسرائيل"، بهدف التحكم بمفاصل الاقتصاد الأردني، إضافة إلى دمج الاقتصاد "الإسرائيلي" في المنطقة. وبصرف النظر عن المبررات التي تسوقها السلطات الرسمية لتغطية قرارها بالتوقيع على الصفقة، فإن هذا القرار يُعَدُّ قرارا سياسيا لا يمت للمصالح الوطنية والاقتصادية بصلة، وينطوي على مخاطر حقيقية.
أما التبرير الاقتصادي الذي تطرحه الجهات الرسمية لتمرير المشروع؛ فهو محاولة لتضليل الرأي العام، فالأردن يتمتع بمصادر محلية غنية لتوليد الطاقة، أبرزها الطاقة المتجددة من الشمس والرياح والصخر الزيتي، وامكانية تطويرحقل الريشة لانتاج الغاز المحلي، واستئناف الغاز المصري، عدا عن تمكنه من استيراد الغاز الطبيعي عن طريق ميناء العقبة عند الضرورة، فهناك خيارات عديدة لتغطية احتياجات الدولة. والاستفادة من الثروات الوطنية.
لقد كشفت المعلومات الأولية للاحصاءات العامة، عن ارتفاع قيمة المستوردات، خلال الربع الاول من العام الماضي 2020 الى حوالي 87 مليون دينار، مقابل حوالي 2 مليون دينار لعام 2019 ، وستواصل ارتفاعها بسبب البدء بصفقة الغاز التي باتت تشكل اهم اشكال التطبيع غير المباشر مع العدو.
وقد فتحت هذه الصفقة المشينة الباب امام زيادة الصادرات الأردنية للعدو، حيث وقعت وزارة الزراعة في 17 آب الماضي، على اتفاق يمنح المنتجات الزراعية الأردنية أفضلية في الأسواق "الاسرائيلية"، لرفع الصادرات الى ما يزيد عن 50 الف طن، من الخضار والفواكه. بدلا من قيام الحكومة في واجباتها بتوفير اسواق عربية وخارجية للمنتجات الزراعية الأردنية.
كما كشفت الخارجية الأردنية عن اتفاق لشراء 50 مليون متر مكعب من المياه الأردنية التي استولى عليها العدو، وتم التنازل عنها في اتفاقية وادي عربة، والتي اعترفت للعدو ليس في مياه نهر الأردن وحسب، بل وفي مياه اليرموك.
من جانب اخر؛ واضافة الى تسيير قوافل العمال الأردنيين للعمل عند العدو، هناك محاولات للتسلل الصهيوني التطبيعي، الذي يستهدف نساء أردنيات في غور الصافي، فقد كشفت بعض وسائل الاعلام عن رحلات نسوية صهيونية إلى الأردن، تمت بتنسيق مع ما يسمى
بمؤسسة "الحلول الخضراء المتكاملة" تحت غطاء المحافظة على البيئة، والقيام بعقد دورات تدريبية، وتشجيع الأعمال الحرفية، مستغلين الظروف المعيشية البائسة، فاننا اذ نشجب السماح لمثل هذا التحرك، ندعو للتواصل مع الجهات المعنية في غور الصافي لفضح اهداف العدو، ونتوجه لابناء شعبنا بسد جميع الابواب في وجه العدو.
السيدات والسادة ؛
بعد كل اشكال التطبيع المتعددة مع العدو الصهيوني؛ تخرج علينا الصحافة بما يعرف بصفقة الكهرباء مقابل الماء، "ستقيم شركة اماراتية مزرعة ضخمة للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في الأردن، لصالح العدو، في المقابل سيتم بناء محطة تحلية مخصصة للأردن على ساحل البحر الأبيض في المناطق المحتلة. من المفارقات الغريبة (نشتري الغاز من العدو لإنتاج الكهرباء بتكلفة سياسية ومادية مرتفعة، ونبيع العدو كهرباء من الطاقة المتجددة بتكلفة منخفضة) !؟ (نقيم محطة تحلية مياه رهينة عند العدو)!؟
اذا نحن امام المشروع الأميركي المعروف "بصفقة القرن" بصيغته الاقتصادية المتدرجة لخلق وقائع جديدة على الأرض، والخضوع للابتزاز الصهيوني، والارتهان السياسي، والرضوخ للشروط الاميركية بالسير في المشروع الصهيوني المبني على الحل الاقتصادي، متجاهلا الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وتمكين العدو الصهيوني من اختراق الأردن، وهو جزء من المشروع الإمبريالي الصهيوني، الذي يستهدف إقامة شرق أوسط جديد، وهيمنة العدو على الاقتصادات العربية، وتنصيبه وكيلا حصريا للولايات المتحدة على المنطقة العربية. وقد اصبحت بعض الدول الخليجية تشكل رأس حربة لتغلغل العدو، الامر الذي يستدعي تشديد النضال على المستويين المحلي والعربي وبالتنسيق مع محور المقاومة، للتصدي لسياسة التطبيع ونهج الاستسلام.
عاش الأردن حرا ابيا، وعاش النضال المشترك للشعبين الشقيقين الأردني-الفلسطيني ضد العدو الصهيوني.