خطة تحفيز النمو الاقتصادي الأردني
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 5531 - 2017 / 5 / 25 - 14:20
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أعلن مجلس السياسات الاقتصادية عن خطته لتحفيز النمو الاقتصادي للأعوام 2018 - 2022 تضمنت الخطة برنامجا تنفيذيا للسنوات الخمس. وتشتمل على استراتيجيات اقتصادية ومالية موزعة قطاعياً. مع تصور للإجراءات المطلوبة، على شكل سياسات أو مشاريع حكومية أو استثمارات بالشراكة مع القطاع الخاص. ويسعى البرنامج إلى مضاعفة النمو الاقتصادي خلال السنوات الخمس رغم الاضطرابات السياسية في المنطقة وفقا لما ورد في الخطة.
ومن المعروف أن البلاد تواجه ازمات اقتصادية حادة، إضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي إلى أدني مستوياته، فقد ارتفع عبء الدين العام ليصل إلى نحو 100 % من الناتج المحلي الاجمالي، ويتمثل التحدي الرئيسي بارتفاع تكلفة الاقتراض، فقد تجاوزت فائدة الدين العام مليار دينار سنويا، وأضحت معدلات الدين المحلي ترتفع مع عودة التضخم إلى الاقتصاد. فيما يلاحظ زيادة الإقبال على الإصدارات الحكومية الأخيرة، وهي سندات يورو بوند بفائدة 5.75 %، مما يعني بأن تكلفة خدمة الدين لهذا النوع من التمويل ستكون أضعاف تكاليف رصيد الدين العام. في حين ان القروض القديمة التي استحقت اعتبارا من العام 2016 كانت نسبة الفائدة عليها 2 %، ويجري استبدال القروض المستحقة بقروض جديدة مرتفعة التكلفة. إضافة إلى حاجة الخزينة إلى القروض السنوية لتغطية عجز الموازنة.
كما ارتفعت معدلات البطالة لتصل نسبتها إلى نحو 16 % مقارنة مع 12.5 % في العام 2010، ووصلت نسبة البطالة بين الشباب نحو 35 %، وارتفعت معدلات الفقر من 14.4 % العام 2010 إلى حوالي 20 % في العام 2016. علما أن دراسة أخرى مبنية على معلومات دائرة الإحصاء العامة تشير أن أكثر من ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر. ولتحقيق نمو اقتصادي بنحو 5 % وفق استهداف الخطة يتطلب زيادة في حجم الاقتصاد الأردني بواقع 1.3 مليار دينار أردني سنوياً.
يتناول برنامج النمو الاقتصادي؛ 19 مجالاً إصلاحيا وبيئة تمكينيه من خلال تحديد 95 إجراء بكلفة 635 مليون دينار مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية، و85 مشروعاً حكومياً بتكلفة 6.2 مليار دينار، وبتكلفة إجمالية لمشاريع الحكومة خلال السنوات الخمس تقدر بنحو 6.9 مليار دينار أردني. كما يسلط البرنامج الضوء على 27 فرصة استثمارية للقطاع الخاص بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 9.5 مليار دينار أردني.
وتنطلق خطة مجلس السياسات الاقتصادية من التوجهات والأهداف التالية:
تحسين مستوى معيشة المواطن. توفير منظومة نقل فاعلة ومستدامة تجعل من الأردن مركزا اقليميا منافسا في مجالات النقل البحري والجوي والبري والسككي واللوجستي وحكومة رقمية. مع الالتزام في المبدأ الدستوري بعدم فرض أي ضريبة أو رسم إلا بقانون، واعتماد مبدأ ربط الزيادة في الإيرادات الضريبية بالنمو الاقتصادي، ومعالجة التشوهات الضريبية، وضمان توفر آليات منافسة وكفؤة للتمويل خاصة للمشاريع الصغيرة، مع ضمان التوزيع العادل للائتمان المحلي، ولتحقيق ذلك تضمنت الخطة ما يلي:
1-تهدف الخطة الاستفادة من الميزة التنافسية التي يتمتع بها رأس المال البشري الأردني المؤهل، والظروف الاقتصادية المواتية للمشاريع، والأجور المنافسة، فلم يعد الأردن ينظر إلى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمعزل عن بقية القطاعات، إذ يتجه نحو رقمنة الاقتصاد ضمن خطة التحفيز الاقتصادي بتكلفة اجمالية 430 مليون دينار.
2-تطوير مصادر المياه والسير قدماً بتنفيذ مشروع ناقل البحرين البحر الأحمر-البحر الميت بكلفة 2 مليار دينار، ورفع وزيادة السعة التخزينية لكافة السدود بحيث تصل إلى 400 مليون متر مكعب وتنفيذ مشاريع الحصاد المائي والحفائر الصحراوية. وإنشاء محطة الطاقة الشمسية بقدرة 75 ميغاواط في الزرقاء، لتعزيز تزويد المياه إلى وسط وشمال الأردن. وبتكلفة إجمالية 3.47 مليار دينار.
3- تطوير واستخدام مصادر الطاقة المحلية التقليدية والمتجددة، والصخر الزيتي والتنقيب عن النفط والغاز وزيادة التوسع في مشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، والتنقيب عن النفط والغاز، وتطوير مناطق الآبار المحفورة سابقاً لتحسين ورفع إنتاج الآبار من النفط والغاز الموجودة في هذه المناطق ودراسة الاحتمالات النفطية فيها وحفر الآبار الاستكشافية فيها اللازمة لإنتاج النفط والغاز. مثل منطقة حقل حمزة ومنطقة بئر السرحان والبحر الميت والمرتفعات الشمالية. وتطوير حقل الريشة الغازي. وتنفيذ محطة توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الحرق المباشر للصخر الزيتي باستطاعة 470 ميجاواط.
وتعزيز المخزون الاستراتيجي للنفط الخام والمشتقات النفطية وبناء سعات تخزينية للنفط الخام والمشتقات النفطية في العقبة بسعة 100 ألف طن. ومشروع بناء سعات تخزينية استراتيجية في ووسط المملكة وبسعة 250 - 300 ألف طن للمشتقات النفطية و8000 طن للغاز البترولي المسال، وانشاء مشروع انبوب النفط الخام بين الزرقاء والعقبة. ومشروع خط أنابيب لتصدير النفط الخام العراقي عبر ميناء العقبة. إضافة إلى توسعة مصفاة البترول الأردنية. وبتكلفة اجمالية 4.3 مليار دينار.
4 - في مجال النقل: تنفيذ مشروع خط الباص السريع بين عمان والزرقاء بحيث يرتبط بخط الباص السريع في عمّان من خلال مشغّل وأحد. وتحسين وتطوير مرافق مطار ماركا لتمكينه من استقبال الرحلات منخفضة التكاليف. وإنشاء مطار جديد في الشونة الجنوبية لنقل المسافرين ونقل السلع الزراعية.
وإقامة مشاريع سكك حديدية؛ تشتمل على شبكة بطول 942 كيلومترا من سكك الشحن تربط المدن الصناعية الرئيسية والمراكز اللوجستية داخل المملكة، بالإضافة إلى ربط المملكة بالدول المجاورة وتربط دول الخليج بأوروبا. وميناء معان البري يخدم المجمع الصناعي في محافظة معان، ويكون على مقربة من المسار المقترح لمشروع سكك الحديد الوطنية، ويرتبط بعدد من الطرق المحلية والدولية السعودية والعراق. بتكلفة 2.7 مليار دينار.
5- أما القطاع الصناعي: رغم الحديث عن الصناعة واهميتها جرى تخصيص 5 ملايين دينار فقط لتحقيق إصلاحات لدعم الصادرات، لا يوجد مشاريع حكومية او استثمارية للقطاع الخاص، وتضمنت الخطة إقامة مشاريع لتطوير القطاع السياحي في العقبة.
7- القطاع الزراعي: وضعت الخطة 798.6 مليون دينار إنفاق حكومي لتطوير القطاع الزراعي، لتشجيع استخدام البذار المحسن والمقاوم للجفاف، ودعم البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا، وتشجيع استخدام المكننة في العمليات الزراعية إدخال الإنذار المبكر للتنبؤ في الأمراض والآفات العابرة للحدود. وتشجيع المشاريع الصغيرة في الريف والبادية المولدة للدخل وفرص العمل، وتوفير المياه لمربي المواشي في البادية من خلال مشاريع الحصاد المائي، ودعم استصلاح الأراضي في المناطق المروية بالأمطار.
7- قدر نصيب قطاع التعليم 2.8 مليار دينار، وتشمل بناء مدارس، وتأسيس مركز التميز للتدريب والتعليم المهني والفني، وإرساء نظام للقبول الموحد للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، وإعادة هيكلة إجراءات القبول في التعليم العالي، وتحسين توفير الخدمات للاجئين السوريين الوصول إلى التعليم الرسمي، تأسيس مركز مستقل للمناهج والتقييم وتطوير التعليم في مراحل الطفولة المبكرة والتعليم في المرحلة الأساسية والثانوية والتوجيهي، وتطوير التدريب الشامل للمعلمين.
8- كما تعهدت الخطة بتوفير التأمين الصحي الشامل والرعاية الصحية بتكلفة 852.6 مليون دينار.
مع كل التمنيات للخطة بالنجاح، لكن التمنيات وحدها لا تحقق الاهداف، فالتجارب السابقة مع النهج الاقتصادي السائد لا تزكي نجاحها، وهناك شروط سياسية واقتصادية لا بد من توافرها لنجاح الخطة، وتتلخص بتحقيق إصلاحات سياسية جوهرية تنطلق من المبدأ الدستوري "الشعب مصدر السلطات"، وفك التبعية، واتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية، لا يتسع المقام لذكرها.
أما السؤال الجوهري؛ ما هي المستجدات التي استدعت هذه الخطة... وما هي المعطيات الجديدة ... وكيف ستوفر الدولة المال لتغطية نصيبها في الخطة؟ وما هي حوافز القطاع الخاص في انفاق 9 مليار دينار على مشاريع الخطة؟ أم هي محاولة لإيهام الرأي العام بوجود خطة لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والنهوض بالاقتصاد الوطني.؟ من حق المواطن توجيه السؤال التالي: هل النهج السياسي والاقتصادي السائد، قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية، ووقف تدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين، وكبح معدلات التضخم، او ربط الاجور بمعدلات التضخم، وتوفير تأمين صحي شامل للمواطنين، ووقف العجز المتفاقم للخزينة، وتوفير فرص عمل لحل مشكلة الفقر والبطالة، وهل قادر على إعادة صياغة مناهج التعليم، وحل مشكلة الطاقة والنقل والمواصلات في البلاد التي اصبحت تشكل تحديا اضافيا للمواطنين، دون تحميل المواطنين أعباء تفوق قدراتهم.
إذا كانت الحكومة غير قادرة على وقف حالة التدهور الاقتصادي الاجتماعي، كيف تستطيع النهوض بالاقتصاد الوطني في ظل النهج الحالي، فالحكومة الحالية جزء من النهج العام الذي يتحمل مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، فأي خطة تحفيز تتحدث عنها الحكومة، إذا كانت لم تستطيع الالتزام بخطة سنوية مقدرة بقانون -الموازنة العامة – وهي لم تفلح في استثمار المنحة الخليجية بمشاريع تنموية، فقد انفقت على "ابنية وخلطات اسفلتية" تحت باب النفقات الرأسمالية في الموازنة، وبشكل مخالف حتى لشروط المنحة.
لقد استهدفت الخطة العشرية رؤية الأردن 2025 تحقيق نمو اقتصادي قدره 4.9 % في العام 2017، ما هي النتائج الأولية...؟ تراجع النمو الاقتصادي إلى 2 %. والتزمت الخطة العشرية بتغطية النفقات الجارية من الإيرادات المحلية بنسبة 100%، في حين لا توفر الإيرادات المحلية سوى 88 %، على الرغم من زيادة العبء الضريبي على المواطنين، وتعتمد الخزينة في تغطية النفقات الرأسمالية وعجز النفقات الجارية على المنح والقروض. كما استهدفت الخطة العشرية تخفيض نسبة الدين العام إلى 76 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017، وهي تقدر الآن بنحو 100 % بعد إضافة مليار دينار قروض إضافية وردت تحت باب التزامات سابقة في الموازنة، وهي نفقات خارج الموازنة وتشكل مخالفة قانونية ودستورية.
وبالعودة إلى تجارب سابقة نتعرف على النتائج البائسة لخطة الأعوام الخمس الاخيرة 2009- 2013 التي تضمنت؛ زيادة النمو الاقتصادي من 2.8 % إلى 6 % تراجع النمو إلى 2 %. كما استهدفت تخفيض عجز الموازنة قبل المساعدات إلى 3 %، ما زالت الموازنة تعاني من عجز يقدر بنحو 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، بعد فرض ضرائب إضافية على المواطنين، واستحداث ضريبة عامة وخاصة على المشتقات النفطية وصلت نسبتها إلى 42 % على بنزين اوكتان 95 و24 % على بنزين أوكتان 90، وزيادة الضرائب على مختلف المشتقات النفطية والاتصالات، والعديد من السلع الرئيسية.
أما القيم والمبادئ التي تناولتها الخطة والحديث عن تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، تتنافى كليا مع السياسات والتوجهات السائدة؛ ففي الوقت الذي تتحدث الخطة عن اعتماد مبدأ ربط الزيادة في الإيرادات الضريبية بالنمو الاقتصادي، تأتي ممارسات الحكومة عكس ذلك تماما، ويكفي الإشارة إلى ان الحكومة عازمة على زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 20 % في العام الحالي 2017 وفقا لما ورد في الموازنة في حين لم يحقق النمو الاقتصادي اكثر من 2 %!! وهي تتوعد بتعديل تعرفة الكهرباء لسداد ديون شركة الكهرباء الوطنية. اما الادعاء بالالتزام في المبدأ الدستوري بعدم فرض أي ضريبة أو رسم إلا بقانون، فقد اخترق هذا المبدأ الدستوري، واعتدت الحكومات على صلاحيات مجلس الامة بتعديل ورفع نسبة ضريبة المبيعات.
ويبقى السؤال الجوهري برسم الإجابة؛ من أين سيأتي التمويل لمشاريع الخطة؟ وهل تأتي الخطة وتمويلها في سياق التطورات الإقليمية والتحركات السياسية في المنطقة، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة شرق أوسط جديد يشكل العدو الصهيوني عموده الفقري. خاصة وان الخطة تركز على التوسع في البنية التحتية لتوفير خدمات للإقليم وليس لاحتياجات محلية فقط، أم أن مصير الخطة ليس أفضل حالا من سابقاتها.