موازنة تقليدية لا تبرر حالة التفاؤل
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 6073 - 2018 / 12 / 4 - 20:52
المحور:
الادارة و الاقتصاد
جاء مشروع قانون الموازنة لعام 2019 تعبيرا دقيقا عن النهج السائدة في البلاد، فالموازنة الجديدة تعتبرتقليدية، لا تختلف في جوهرها عن سابقاتها، ولم تستفد من الخلل الذي اعترى موازنات الاعوام السابقة، عمادها الرئيسي «الضرائب والمنح والقروض»، فقد بلغ مشروع قانون الموازنة لعام 2019 (9.255) مليار دينار بزيادة قدرها 551 مليون دينار مقارنة مع موازنة 2018 إعادة تقدير، منها 8.013 مليار دينار نفقات جارية و 1.242 مليار دينار نفقات رأسمالية، اما الإيرادات فقد بلغت 8.610 مليار دينار منها 8.010 مليار دينار إيرادات محلية موزعة كالتالي 5.273 مليار دينار إيرادات ضريبية بزيادة قدرها 722 مليون دينار وبنسبة 16%، مقارنة مع عام 2018 وايرادات غير ضريبية 2.736 بزيادة قدرها 312 مليون دينار، والمنح الخارجية 600 مليون دينار وقد تراجعت 315 مليون دينار مقارنة في عام 2018 إعادة تقدير.
تضمن مشروع القانون زيادة في الإيرادات المحلية نحو مليار دينار خلال العام القادم 2019، وفي حال تحقق طموحات الحكومة، سوف تغطي الإيرادات المحلية النفقات الجارية، وقد جاءت الزيادة في الإيرادات المحلية بسبب زيادة الايرادات الضريبية الناجمة عن قانون ضريبة الدخل وتوقعات الحكومة بزيادة إيرادات ضريبة المبيعات، فأن الزيادة المقدرة غير قابلة للتحقيق الا في حال تحفيز النمو الاقتصادي بشكل ملموس، مع ملاحظة جوهرية ان تحفيز الاقتصاد لا يتوافق مع سياسات زيادة العبء الضريبي وخاصة ضريبة المبيعات التي تشكل عقبة كأداء امام تطور النمو الاقتصادي، فالسياسات المالية تتعارض مع النمو الاقتصادي، ويبقى السؤال الموجه للحكومة؛ ما هي الخطوات التي تعمل على تحقيقها من اجل تحفيز الاقتصاد.
أصبحت الموازنة تعاني من اختلالات خطيرة، رغم تحذيراتنا فب الأعوام السابقة مرارا وتكرارا من تفاقم الاختلالات؛ فالرواتب والتقاعد والمساعدات الاجتماعية والفوائد تشكل 84% من النفقات الجارية ، (الرواتب والتقاعد 5.698 مليار دينار، والفوائد1.030 مليار دينار)، ان فشل السياسات المالية اوصل الموازنة العامة للدولة الى طريق مسدود، فقد بلغت فاتورة التقاعد 1.370 مليار دينار، وهي تزداد سنويا بشكل ملحوظ وكان يفترض ان تغطى فاتورة التقاعد من صندوق للتقاعد اسوة في الضمان الاجتماعي بدلا من استنزاف موازنة الدولة، والرواتب أصبحت تشكل عبئا على الموازنة بسبب تضخم الجهاز البيروقراطي من جهة، وارتفاع رواتب كبار الموظفين في الدولة من جهة أخرى، وخاصة الذين تصل دخولهم نحو 30 ضعف متوسط دخل الموظف الواحد. في حين لم تعد الدولة قادرة على توفير فرص عمل الامر الذي ادى الى ارتفاع معدلات البطالة، حيث كان يفترض توجيه النفقات الرأسمالية في الموازنة نحو المشاريع التنموية المولدة لفرص العمل. اما فوائد المديونية التي بلغت 1.200 مليار دينار بعد إضافة فوائد الهيئات الخاصة فقد أصبحت تساوي النفقات الرأسمالية. وبالتالي أصبحت الموازنة غير قابلة لتحقيق نمو اقتصادي ضمن النهج السائد في البلاد وان السياسات المالية والاقتصادية اخذة البلاد نحو المجهول.
اما النفقات الرأسمالية فهي تنصب معظمها على انشاءات ومباني ليست مولدة للقيمة المضافة، او توفير فرص عمل دائمة، واثرها الاقتصادي ينتهي مع نهاية المشروع ، وهي تكرار لنفس موازنات السنوات السابقة ولا تحمل أي جديد، ولا تعكس تعهدات الحكومة، بتحقيق "المشروع النهضوي" الذي يهدف الى توظيف طاقات الأردنيين وتلبية طموحاتهم نحو المستقبل وفق بيان رئيس الوزراء لم نرى انعكاسا له في الموازنة، وفي مجال التشغيل سيتم توفير 30 ألف فرصة عمل للأردنيين، بالإضافة الى التي يستحدثها الاقتصاد الاردني سنويا والمقدرة بين 35 الى 40 ألف فرصة عمل. معنى ذلك ان الحكومة تسعى لتوفير 70 ألف فرصة عمل، فالتوجهات العامة للموازنة لا تبشر في إمكانية تحقيق هذه الأهداف، ولم تخرج بعد عن سياق الموازنات السابقة التي خلفت أزمات عميقة في الاقتصاد الوطني، فالموازنة تعتبر من اهم أدوات توجيه الاقتصاد الوطني، علما ان سوق العمل يستقبل سنويا نحو 100 ألف باحث جديد عن العمل.
وللدلالة على بواطن الخلل من المفيد مراجعة نتائج موازنة 2018 فالموازنة العامة للدولة تعتبر من اهم المؤشرات لأداء الحكومة، صحيح ان حكومة الملقي التي اعدت الموازنة، الا ان حكومة الرزاز مسؤولة عن تنفيذ قانون الموازنة لمدة 7 شهور من العام الحالي 2018، وهي التي اقرت التعديلات "إعادة التقدير". فالنتائج الأولية لموازنة 2018 كما اعلنتها حكومة الرزاز ما يلى: بلغت قيمة الموازنة العامة للحكومة لعام 2018 (9.019) مليار دينار انخفضت بقيمة 315 مليون دينار في إعادة تقدير، ومن المفيد التوضيح ان نصف الانخفاض جاء على حساب النفقات الرأسمالية ومعظم الباقي على حساب تسديد التزامات سابقة، ولم يتم تقليص الانفاق الحكومي وفق ما تعهدت به الحكومة.، اما الإيرادات العامة في الموازنة بلغت 8.496 مليار دينار تراجعت بقيمة 606 مليون دينار وفق إعادة التقدير، علما ان بند المنح الخارجية ارتفع من 700 مليون دينار الى 915 مليون دينار، بزيادة قدرها 215 مليون دينار، حيث ارتفعت المساعدات الأميركية من 337 مليون دينار الى 535 مليون دينار للعام الحالي 2018. كما ارتفع عجز الموازنة من 1.223 مليار دينار قبل المساعدات الى 1.728، ومن المفيد الإشارة الى ان موازنة 2018 استهدفت زيادة في الإيرادات الضريبية 802 مليون دينار، تراجعت تقديرات الحكومة الى 207 مليون دينار، وهي ظاهرة تكررت في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من زيادة العبء الضريبي الناجمة عن الحزم الضريبية التي صدرت خلال العامين الأخيرين في شباط 2017 وشباط 2018 بزيادة ضريبة المبيعات على السلع والخدمات الضرورية، واثارها على الفئات والشرائح الفقيرة والمتوسطة، الا ان الإيرادات الضريبية انخفضت، فمن المعروف ان ضريبة المبيعات ضريبة انكماشية اثرت سلبا على النمو الاقتصادي.
ما يؤكد من جديد ان سياسة الجباية الضريبية لا تسفر عن نتائج ملموسة في زيادة الإيرادات، فقد استنفذت طاقات وقدرات المواطنين الشرائية، ووصل العبء الضريبي الى مرحلة لا يسمح بزيادة الإيرادات الضريبية، خاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، كيف يمكن لاقتصاد ينمو بنسبة 2% اقل من النمو السكاني ان يحقق نمو في الإيرادات الضريبية بنسبة 18% ؟ ومع ذلك هناك توقعات بانخفاض اخر على الإيرادات الضريبية مع ظهور نتائج الحسابات الختامية لعام 2018، لقد سبق وحذرت من المبالغة في الإيرادات الضريبية، خلال العام الماضي 2017، حيث تراجعت الزيادة في الإيرادات الضريبية من 940 مليون دينار الى اقل من 100 مليون، ومع ذلك تكررت هذه الظاهرة في مشروع قانون الموازنة لعام 2019.