الفاشية تنمو وتتغذى في مستنقع الحرب والاحتلال؛ والحرب تتغذى على مستنقع الفاشية..
عصام مخول
الحوار المتمدن
-
العدد: 7834 - 2023 / 12 / 23 - 09:58
المحور:
القضية الفلسطينية
*نحن نتهم الشرطة بالتطرف وتهديد أمن الجمهور.. ولسنا نحن المتهمين بالتطرف!* فيما يلي بيان رئيس الجبهة السياسي في افتتاح جلسة مجلس الجبهة العاشر*
منذ اللحظة الأولى لتدخل الشرطة الإرهابي وقيامها بتهديد صاحب القاعة التي تعاقدنا معها بالاغلاق لو أنه استقبل مجلس الجبهة في قاعاته، دعونا الى اجتماع مشترك لمكتب الجبهة والمكتب السياسي للحزب الشيوعي،
واتخذنا قرارا مبدئيا مفاده:
إننا مهما كلف الامر، فإننا لن نرضخ لإرهاب الشرطة ولن تهتز رُكَبُنا أمام صلف العدوان الفاشي.. وأن مجلس الجبهة العاشر الاستثنائي والسياسي الذي أعلناه مجلسا مفتوحا أمام كل شركائنا المعنيين في النضال ضد حرب الإبادة على غزة وضد الفاشية والملاحقات والاعتقالات، سيعقد دون تردد في موعده المقرر ومع شعاراته المقررة، وأننا سنخوض المعركة بشجاعة ومسؤولية، لحماية حقنا وحق المعارضين للحرب في ممارسة دورنا النضالي لوقفها وإدانتها، وللتصدي لتطاول الفاشيين بما فيهم عناصر التطرف في قيادة الشرطة!
وعندما اضطرت الشرطة ان تخلع القناع الإرهابي عن وجهها نتيجة ملاحقتنا لها شعبيا وإعلاميا، ادعت انها تتوقع أنه سيشارك في مجلس الجبهة גורמי קיצון متطرفون، (أهلا بالمئات من גורמי קיצון، انتم تشكلون رأس الحربة في مواجهة الحرب والفاشية والعنصرية والاحتلال). وادعت الشرطة: "من شأن هؤلاء المتطرفين أن يشكلوا خطرا على الامن العام ".. وقلبنا الطاولة على رأس افتراءات الشرطة وجعلنا من هذا التحريض لائحة اتهام بحق العناصر الفاشية التي تقودها، والتي تشكل خطرا حقيقيا على امن الجمهور وتفضح طابع ممارستها الفاشية على المنصات الإسرائيلية العامة ووسائل الاعلام القطرية.
منذ بدء الحرب كنا نعي المخاطر والأجواء الارهابية ومحاولات دب الرعب بين جمهور الشباب والشابات، والخطط المبيتة للإيقاع بالجماهير العربية بكل فئاتها والتحريض عليها..
وانطلقنا بمسؤولية وحذر، لكن دون تردد، من اجتماع الجبهة الشعبي القطري في سخنين، الى عشرات اجتماعات الاحتجاج وإدانة الحرب وتجريم قادتها، الى المبادرة لتنظيم مظاهرة تل ابيب اليهودية العربية الصاخبة، لكسر جدران التبهّم، ومتابعة محاكم ضحايا الفاشية، الى المساهمة الكبيرة في نشاطات لجنة المتابعة العليا الميدانية والإعلامية المتتالية، ولقاء الزوم اليهودي العربي الكبير، الى تظاهرات أم الفحم وباقة الغربية مؤخرا، كلها كانت خطوات متحدية لجدار الإرهاب السياسي.
ويجب ان أقول هنا كلمة بحق كفر ياسيف وبحق رئيسها الشجاع الرفيق شادي شويري الذي بادر الى الاتصال بي ونحن نبحث عن أشكال مبدعة لتنظيم مجلس الجبهة تحدياً لبلطجية البوليسية، ولو في العراء، وقال: أدعوكم لتنظيم مجلس الجبهة في قاعة المركز الثقافي في كفرياسيف.. ولم يكن ذلك غريبا على كفر ياسيف التي كانت دائما مدرسة نضالية وقلعة تقدمية جبهوية، عصية على الفاشية وإرهاب الدولة.. ويشرفنا اننا نلبي الدعوة اليوم.. وأننا نعقد مجلسنا في هذا الصرح الثقافي التقدمي والوطني.
هذا هو طريقنا... شجاعة ومسؤولية تاريخية، نقيس بها خطواتنا بميزان من ذهب، بحيث لا نغامر ولا نقامر بجماهيرنا، لكننا لا نتوانى عن المجابهة العنيدة مع قوى الحرب والفاشية، ونمضي الى مرحلة أعلى من النضال.
كنا نعي وما زلنا نعي، أننا إذا حاربنا الفاشية نحارب الحرب والاستيطان، واذا واجهنا الاحتلال والحرب نكون قد ضيقنا الخناق على الفاشية.
ولم يكن صدفة أن ينتعش الخطاب الفاشي والانفلات الفاشي منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب وأن تصعّد القوى الفاشية من استهدافها للجماهير العربية وحركاتها السياسية، وعمالها وطلابها وعاملي الجهاز الصحي ومحاضريها الجامعيين وشاباتها وشبابها كلما عمق الاحتلال من بحر الموت في غزة ومن حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني..
لن نسمح للقوى الفاشية أن تستفرد بالجماهير العربية!
إن القوى الفاشية الحاكمة في إسرائيل عندما تلجأ الى تحريضها العنصري الفاحش ونشر الكراهية تجاه الأقلية القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل وشيطنتها، فإنها لا تتوهم أن بمقدورها إخضاع المواطنين العرب الفلسطيين لنهجها وعقليتها الدموية، وإن جُلّ ما تبتغيه من إثارة الكراهية والعنصرية والشيطنة والكراهية ضد العرب، هو إخضاع الأكثرية اليهودية وإحكام السيطرة على وعيها الزائف ومواقفها وممارساتها ونشر الكراهية والأحقاد العنصرية في صفوفها وتخويفها وإرهابها لإخضاعها والقضاء على حرياتها وعلى مساحات العمل السياسي التي اعتادت عليها، مقدمة لاستهداف كل القوى السياسية الفاعلة في معارضة الحرب ومعارضة الفاشية وفي طليعتها الجبهة والحزب الشيوعي.
إن النضال اليهودي العربي الذي رأينا به خيارا استراتيجيا داخل الحزب الشيوعي والجبهة، ينتصب اليوم في المعركة ضد الحرب وضد الفاشية، باعتباره خيارا استراتيجيا مقنعا للمزيد من القوى اليهودية والعربية الأكثر التزاما وجاهزية لأخذ دورفي هذا النضال. وهذا هو سر انعقاد مجلس الجبهة الاستثنائي – السياسي والمفتوح امام شركائنا، هنا في كفرياسيف الشامخة، بهذه التركيبة الكفاحية العربية -اليهودية المعارضة للحرب، بعد أن كان مقررا انعقاده في موقع آخر قبل أن تطاله قدم الحرب الهمجية.
إن مسؤوليتنا اليوم ان ننتقل بالمواجهة مع الفاشية من موقع الدفاع الى موقع الهجوم، ومن موقع العزلة التي أرادوا فرضها علينا وعلى نشطائنا وقيادات هيئاتنا والتي طالت رئيس لجنة المتابعة الرفيق محمد بركة وقادة في لجنة المتابعة، وطالت نوابنا في الكنيست وسكرتير الجبهة ورفاقنا وحلفاءنا اليهود الابطال الذين يخوضون النضال الشجاع المناهض للحرب وللفاشية في مظاهرات تل ابيب والقدس وحيفا وفي المدارس والجامعات، ونشطاء حركتنا الطلابية العربية في الجامعات، وصار من المُلِح أن ننتقل بنضالنا، الى مواقع الهجوم ورفض محاولات عزلنا والاستفراد بنا وبالقوى الميدانية الفاعلة في كل موقع.
أوسع جبهة شعبية يهودية-عربية لوقف الحرب وصد الفاشية
وأطلقنا دعوتنا، ونطلقها اليوم مجددا من هذا المجلس الهام للعمل على بناء أوسع تحالف يهودي عربي في جبهة فاعلة ضد الفاشية، وأوسع لجنة ضد الحرب والجرائم بحق البشرية التي ترتكب فيها، ونطلق دعوتنا المبدئية من مجلس الجبهة، لتعميق النضال من أجل إخراج المدنيين في إسرائيل وفي غزة والضفة الغربية خارج دائرة الحرب والقتل وجرائم الحرب. والمطالبة بوقف الحرب، وتبادل الاسرى – الكل مقابل الكل ومقابل إنهاء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني..
إن مجلس الجبهة السياسي الاستثنائي يعود ويؤكد أنه لا توجد حلول عسكرية للصراع.. ولا لقضية الأسرى والرهائن... لقد تعلم الشعب في إسرائيل مرة أخرى أمس، أن الرهائن الوحيدين الذين عادوا وكان من الممكن ان يعودوا الى عائلاتهم أحياء أصحاء، هم أولئك الذين أفرج عنهم بالمفاوضات ومن خلال الهدن الانسانية، وأن جيش الاحتلال وقادة حرب الإبادة على غزة، قد عجزوا عن تحرير ولو رهينة واحدة عسكريا.
إن قادة حكومة الحرب يتحملون المسؤولية عن قتل الرهائن الإسرائيليين، ونحن ندعم معركة أهالي المحتجزين لإجبار الحكومة على وقف الحرب وتبادل الاسرى.. ونقول لهم: إن معركتكم بهذا الشأن هي معركتنا، فتحية لعائلات الرهائن والأسرى الذين يحاصرون بمطالبهم الإنسانية بلادة حكومتهم ووحشية ممارساتها بحق هذه العائلات.
لقد خانت حكومة الموت والمؤسسة الحاكمة في إسرائيل مواطنيها في غلاف غزة مرتين: مرة عندما تخلت عن دورها في حماية مدنييها في السابع من اكتوبر. ومرة عندما امتنعت عن استعادة الرهائن من خلال المفاوضات ووقف الحرب وأدت الى قتلهم.
أيام تاريخية ومسؤولية تاريخية
هنا في مجلس الجبهة يلتقي الاساس الصلب والحقيقي للديمقراطيين وقوى السلام العرب واليهود.. منذ ربع قرن صغنا معادلتنا للنضال المشترك على ساحة الجماهير العربية واستراتيجية نضالها الواضحة، وقلنا: نحن وحدنا، كأقلية قومية، لا نستطيع ان نحدث التغيير الديمقراطي التقدمي السلامي على الساحة الاسرائيلية، ولكن من دوننا ومن دون وزننا النوعي، ومن دون الانطلاق من سياستنا ومن جبهتنا اليهودية العربية ومفهومها للنضال اليهودي-العربي، فإن أحداً لا يستطيع!..
الجبهة، هذا البيت بما يجمعه وما يحتويه من موقف وما ينطلق منه من تجربة كفاحية طويلة ومتراكمة هو خميرة النضال الوطني بين الجماهير العربية في إسرائيل من جهة، وهو خميرة النضال اليهودي العربي الأممي الشجاع بأرقى مفاهيمه وأدق مضامينه الكفاحية، لا بتمييعها والتنازل عنها.
اللقاء العربي – اليهودي بالنسبة لنا ليس مجرد لقاء اجتماعي، فمثل هذا لا يحتاج الى حراك نطلق عليه صفة سياسية وخصوصا في ظل الحرب والفاشية.. المطلوب في ظروف البلاد والديكتاتورية الإرهابية المنفلتة، أن نحشد لبناء جبهة تناضل ضد الحرب وضد الفاشية. وهذا هو نداء مجلسنا ودعوته للقوى الفاعلة لإحداث التغيير.
وأسمح لنفسي أن أستعير المقولة نفسها حول القدرة على إحداث التغيير لأقول أنه في ظل الحرب والفاشية، فإن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وحدها لا تستطيع القيام بالمواجهة الضرورية الكافية لإحداث التغيير، لكن من دونها وبالقفز عنها فإن أحدا لا يستطيع..
إن أي نضال يهودي عربي حقيقي وفاعل لن يتم بالقفز عن الجبهة ورصيدها ومواقفها، وانما بالمرور عبرها والعمل الى جانبها والتعاون معها.
الجبهة هي الاطار العريق المفتوح للنضال المشترك وبناء التحالفات وتوسيعها مع كل القوى العربية الوطنية المعنية بالنضال من أجل الدفاع عن المساواة في الحقوق القومية والمدنية للمواطنين الفلسطينيين العرب داخل اسرائيل، والمعنية من موقعها على الساحة الإسرائيلية في المساهمة في معركة شعبها الفلسطيني للتحرر والاستقلال وممارسة حقه في تقرير المصير. وهي الإطار الأعرق في الدفاع عن حرية العمل السياسي والحريات الديمقراطية. نحن في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، لسنا وحيدين في الساحة ولا نريد أن نكون وحدنا، ولكننا من موقعنا المركزي ندعو الى استنفاذ كل الإمكانيات المتوفرة لشراكات ميدانية ووحدة كفاحية.
وفي طليعة ذلك في المعركة لوقف الحرب ومواجهة الفاشية، والدفاع عن الفئات المسحوقة والمهمشة والشرائح المرشحة للانحدار الطبقي التي ستطالب أكثر بدفع ثمن الحرب، وتحمل عبء الازمة الاقتصادية الخانقة التي سيجلبها العدوان على كل مجالات الحياة وفروع الاقتصاد باستثناء الصناعت العسكرية الإسرائيلية والعسكرية، الي تستفيد من الحرب لتجربة أسلحتها الجديدة، وتجنيد الاستثمار فيها وتجدي انتاجها العسكري..
جوهر الازمة في إسرائيل والبديل الذي تطرحه الجبهة
في 12 أيار 2023 نظمت الجبهة طاولة مستديرة في حيفا ناقشنا فيها رؤيتنا للازمة المعمقة الخانقة في إسرائيل كما عكستها حركة الاحتجاج غير المسبوقة على الانقلاب القضائي الفاشي، والتي شكّلت مقدمة أولى لحرب إبادة على الشعب الفلسطيني كان عنوانها مكتوبا بالبنط العريض على الجدار. وأقتبس من حوار أيار قبل أن تلوح نذر الحرب المباشرة على غزة:
*ليس صحيحا أن الانقلاب القضائي المعادي للديمقراطية، هو سبب الأزمة العميقة التي تعيشها إسرائيل.
وإنما الصحيح: أن الانقلاب القضائي الفاشي، هو النتيجة المباشرة للأزمة السياسية البنيوية العميقة في إسرائيل وهو النتيجة المباشرة لانغلاق الأفق أمام حل هذه الازمة.. التي لا مخرج منها في المدى المنظور.
*وليس صحيحا أن وصول القوى الفاشية وممثلي غلاة المستوطنين الى الحكم في إسرائيل هو سبب الأزمة البنيوية العميقة التي تواجهها إسرائيل،
وإنما الصحيح هو أن وصول حكومة الانتقال الفاشي الى الحكم هو النتيجة المباشرة للأزمة الإسرائيلية السياسية البنيوية المتراكمة والمستعصية وغير القابلة للحل وهذه الحكومة هي أحد تعبيرات هذه الازمة...
*وقد حددنا، أن الأزمة التي تخنق إسرائيل، وغير القابلة للحل هي في جوهرها أزمة مشروع الاحتلال المتواصل والاستيطان والضم والمصادرة والقتل اليومي.. وأن مشروع الاحتلال ذاته، هو الذي وصل الى نهاياته، وارتطم بالحائط، وبالباب الموصود. بالرغم من حكومة اليمين على المليان.
بعد خمسة عقود ونصف، لم يعد بمقدور مشروع الاحتلال والاستيطان ان يتقدم أكثر بالوسائل الاعتيادية لمنع انهاء الاحتلال ومنع تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله الوطني، فمشروع الاحتلال الاستيطاني لا يقبل بالفكاك والتخلص من المناطق المحتلة تمسكا منه بالجغرافيا والاستيطان وأرض إسرائيل الكبرى من جهة، ولا ينجح في ضم المناطق الفلسطينية خوفا من الديمغرافيا وفقدان الأكثرية اليهودية،
وهو ما يجعل الغوص في وحل الابارتهايد وخلق المقدمات لاشعال الحرب هو خيار الاحتلال الوحيد المفتوح امامه.
الفاشية والحرب توأمان سياميان!
مجلسنا هذا ينعقد بهدف الانتقال الى مرحلة أعلى في المعركة على وقف الحرب وصد الانفلات الفاشي في إسرائيل.
فالفاشية هي الملاذ الذي تلجأ اليه القوى الحاكمة المأزومة عندما تفقد القدرة على مواصلة الحكم ومواجهة أزمتها بالوسائل الاعتيادية... فتعمل على التخلص من أزمتها بالوسائل القمعية والديكتاتورية الإرهابية السافرة. إن كلمة "سافرة" هنا هي التعبير عن قرار القوى المهيمنة.. التخلي جهارا وبشكل معلن عن القواعد الديمقراطية وعن الحريات الديمقراطية (الانقلاب القضائي)، وبناء القاعدة الشعبية الغوغائية للقوى الفاشية، والتأسيس عليها لتشكيل المليشيات الفاشية، باعتبارها القوة الضاربة في خدمة مصالح الشرائح الحاكمة وحامية حكمها، في سعيها لقمع الحريات الديمقراطية، وقمع الأقلية القومية، وقمع حرية التعبير، وقمع حرية العمل السياسي، كلما غرقت القوى الحاكمة في أزمتها أكثر، الفاشية تغذي الحرب وتتغذى من ويلاتها ومن الجرائم بحق المدنيين التي ترتكب فيها.
الفاشية تحتاج الى حرب لتصدِّر أزمتها عبرها، والحرب بحاجة الى الفاشية لتزيل كل العقبات القانونية والإنسانية والديمقراطية والأخلاقية من طريقها، لتمارس حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في حالتنا، لتشريده وتدميره وتفتيته وتهجيره والتخلص منه.
حرب استراتيجية لتغيير ملامح الشرق الأوسط
أمريكا شريك فيها بامتياز
إن الحرب على غزة وإن كانت تبدو وكأنها الرد على هجوم السابع من أكتوبر والجرائم التي رافقته بحق المدنيين الإسرائيليين، لكنها في جوهرها كما ثبت منذ بداياتها، حرب مبيتة أكبر من السياسة المباشرة، تهدف الى خلق حالة استراتيجية جديدة تغير ملامح الشرق الأوسط.. هذه الحرب ليست حربا على حماس وعلى المقاومة الفلسطينية كما يدعي نتنياهو، ولا لتحرير الإسرائيليين المحتجزين في غزة، بقدر ما هي حرب إبادة مبيتة مسبقا على الشعب الفلسطيني، وتدمير كامل لقطاع غزة ومقومات الحياة فيه.. تهدف الى دفع مشروع استراتيجي كبير أكبر من إسرائيل نفسها، ومنطق هذه الحرب ومنطلقها: أننا لن نقبل بعد اليوم ان نعيش بجوار غزة.. ولذلك فلترحل غزة من جوارنا.. ولنشن حرب الابادة لإخلاء سكانها وتهجيرهم الى شمال سيناء ومنع تأهيلها ثانية لتكون صالحة لحياة شعبها.. وهي ليست حربا إسرائيلية فقط، بل هي حرب أمريكية، تتحمل الولايات المتحدة كامل المسؤولية عن جرائمها.. فالجرائم بحق البشرية التي ارتكبت في غزة ومنع قرار بوقف إطلاق النار بعد أكثر من سبعين يوما، هي ليست جرائم مرافقة للحرب، وإنما هي الحرب نفسها.
خذوا مشروع توزيع لاجئي غزة على دول العالم وتشتيتهم بحجة تحسين ظروفهم.. هو مشروع يجري اجتراره.. وهنا أذكر، أنني في 6 ديسمبر 2006 (اشهر قليلة بعد حرب لبنان) نشرت مقالا في الاتحاد حذرت فيه من مشروع روج له رئيس الحكومة في حينه أولمرت خلال زيارته لنظيره الإيطالي في روما رومانو برودي، لوضع خطة لتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على دول العالم، كجزء من مساعدة العالم الغربي لإسرائيل من أجل الحفاظ على أكثرية يهودية في فلسطين التاريخية.
ان حكومة "يمين على المليان" في إسرائيل اليوم:
هي حكومة احتلال على المليان – وهي حكومة استيطان على المليان –وهي ديكتاتورية إرهابية على المليان –
وهي تتطلب إزاحة الديمفراطية وحرية التعبير والعمل السياسي من طريقها على المليان، وتعتبرها عائقا لا بد من تجريفه من طريقها بالأدوات الفاشية الإرهابية السافرة على المليان.. وهي حكومة حرب على الشعب الفلسطيني على المليان يقول عنها بيني غانتس رجل مصالح الإدارة الامريكية في المجلس الحربي المصغر: في هذه الحرب لن يكون هناك يوم تالي في غزة..
هل هي حرب الفرصة الأخيرة.. أم فرصة انكفاء الاحتلال
نحن نتحدث عن حكومة فاشيين ومستوطنين، تعتبر أن لديها فرصة أخيرة قد لا تتكرر لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، والقضاء على حقه في تقرير المصير، وتصفية القضية الفلسطينية وفق خطة الحسم التي ادعاها سموتريتش، وهي في الحقيقة خطة مؤسسة مشروع الاستيطان الرسمية، وهي الخطة التي تخيّر الفلسطينيين بين ثلاثة خيارات: الخضوع للاحتلال والقبول بسلطته نهائيا – أو رفض العيش تحت الاحتلال والهجرة خارج فلسطين – والخيار الأخير هو الموت بما يملكه الاحتلال من فائض قوة وجرائم إبادة جماعية.
المصطلح الرائج اليوم هو: "غزة في اليوم التالي"! غانتس يزايد على نتنياهو: لن يكون هناك يوم تالٍ... لأن الحرب لن تنتهي.. ويتحدث عن تحالف دولي واقليمي يجري اعداده ليدير قطاع غزة لمرحلة انتقالية تعيد الى الحياة مشروع التطبيع مع السعودية الذي قطعه هجوم حماس.. يتحول في إطاره قطاع غزة الى حامي مصادر الغاز في مياه شرقي البحر المتوسط.. لذلك يجري الاعداد لمرحلة انتقالية.. تقوم على فكرة أن حماس دمرت مشروع التطبيع مع السعودية.. ولذلك يجب أن نبني على إقامة ائتلاف إقليمي وقوى عالمية (الناتو مثلا) من القوى المتضررة، بحيث يكون الهدف استعادة التطبيع، لا انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية، من دون أن يكون الفلسطينيون جزءا من حكم غزة في المرحلة القادمة. إنه مشروع القضاء على غزة وتفكيكها وتحويلها الى قاعدة للناتو (قد ينشأ في إطارها ناتو عربي) تتحكم بمرابض الغاز والنفط على الساحل الشرقي للمتوسط بما فيه بحر غزة..نتنياهو يريد ان تكون ورقته في الانتخابات انه الوحيد القادر ان يقول لا للامريكان حتى لمجرد التفكير المؤجل بالدولة الفلسطينية.
بين غزة.. والساكن في شارع غزة
في إحدى مظاهرات الاحتجاج على الحرب: ظهر الشعار التالي:
اذا لم يسقظ نتنياهو... ستسقط إسرائيل..
وإن أردنا تصويب هذا الشعار سنقول:
إذا لم يسقط الاحتلال.. والفاشية فإن إسرائيل ستسقط.. ونحن نقول إن هناك مصلحة جوهرية للشعبين بأن نسقط الاحتلال ونسقط الفاشية.
مشكلة إسرائيل والشعب في إسرائيل أنه في الوقت الذي يصر على الغاء القضية الفلسطينية فإنه يثبت كل يوم بأن أزمته لن تحل، الا بحل قضية الشعب الفلسطيني وتحرره واستقلاله وانهاء الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه الاستيطاني.
مصير غزة ومصير الساكن في شارع غزة يسيران في مسارين متعاكسين. فإما أن تسقط غزة ويبقى الساكن في شارع غزة ونهجه السياسي الفاشي والفاسد، قابضا على أمل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بالحياة، رهينة لمستقبله السياسي، وإما أن تصمد غزة ويسقط الساكن في شارع غزة، ليستقر في مزبلة التاريخ ويتحرر الشعبان من الاحتلال والفاشية..
فحي على الكفاح أيها الجبهويون العرب واليهود.. يا شعوب الشرق هيا لنضالنا المبين هذا وقت رد الغاصبين!.