لا عدالة اجتماعية من دون مساواة قومية ولا ديمقراطية من دون انهاء الاحتلال |
عصام مخول
الحوار المتمدن
-
العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 16:20
المحور:
القضية الفلسطينية
في النقاش المشروع بين حدة الشعار وسعة النضال أقترح معادلة ذهبية مفادها أن تكون حدة الشعار كعمق الازمة.. إن هذا السؤال يفرض نفسه علينا ونحن نخوض نضالا معقدا في وجه الازمة البنيوية المستعصية ومتعددة الأوجه، التي تنتجها الساحة الاسرائيلية المأزومة بنيوياً – على المستوى السياسي والاجتماعي والصحي والديمقراطي والاقتصادي والأيديولوجي.
في التعامل مع هذه الازمة اقترحت مرة تلو الأخرى ومن على كل منصة متوفرة، تحليلا ينطلق من أن هذه الازمة البنيوية الشاملة، ومن ثم المخرج منها، ليست أزمة انتخابية، وليست أزمة عابرة نابعة عن اصطفاف قوى انتخابية بعينها، وإنما هي في جوهرها أزمة سياسية وفكرية وأخلاقية تاريخية، عميقة عمق تماهي الدولة مع مشروع الاحتلال والاستيطان والضم، وعمق تنكر المؤسسة الصهيونية الحاكمة في اسرائيل، للحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعمق التحريض الفاشي على شرعية الجماهير العربية المواطنة في اسرائيل وحقوقها القومية واليومية ونشر عقلية الفصل العنصري من جهة، وعمق العداء للطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة، ولحقوق العاملين اليهود والعرب وفي طليعتها حقهم في التنظيم والأمان والعيش الكريم، وهي أزمة لا يمكن الإفلات منها وتجاوزها من دون نشوء وعي سياسي بديل عن الفكر السياسي السائد في اسرائيل، وقوة سياسية قادرة على حمل هذا الوعي وطرح تحدٍّ أمام منظومة القوى المهيمنة والمأزومة. إن مثل هذا الخيار ليس في متناول اليد اليوم في اسرائيل، ولكنه في جميع الحالات لا يمكن ان يتطور من خلال مجاراة الفكر السياسي السائد ولا من خلال التسليم بمفاهيمه التضليلية والتمييعية، وانما من خلال الصراع معه والانقلاب على مفاهيمه، وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.
ان الجمهور الاسرائيلي المثقل بالأزمة وبالأفق المسدود والابواب الموصودة، والذي خرج منهكا بعد ثلاث جولات انتخابية في عام واحد، انتهت بانهيار كحول لافان واستدفاء غانتس وحاشيته في أحضان نتنياهو وسياساته الاحتلالية والعدوانية نحو الخارج، والفاشية نحو الداخل، هو موضوعيا بحاجة الى قوة قادرة على طرح المخرج السياسي والاجتماعي، ليس بتمييع اللغة والمواقف وانما بجعلها اكثر حدة ووضوحا، تربط السياسي بالاجتماعي، والاقتصادي بالتاريخي، والديمقراطي بالطبقي، والفكري بالأخلاقي، وتعمل على بناء جبهة مناهضة للفاشية في اسرائيل.
إن هذا الهدف لن يتحقق من خلال اصطفاف تكتيكي انتخابي او غير انتخابي، وانما من خلال عملية سياسية تراكمية صبورة وعميقة، تهز المفاهيم الفضفاضة والقناعات البائدة المعششة في التيار المهيمن في السياسة الاسرائيلية.
لن يكفي في هذه الحالة الحديث بالعموميات.. مفهوم الديمقراطية، يبقى فضفاضا وعاجزا عن خلق التمايز بين القوى السياسية والاجتماعية ما لم يجر تحديد مضامينه في السياق القائم في اسرائيل المأزومة. فقد رفعت كحول لفان شعار الديمقراطية الزائّف، قبل أن تستقر نهائيا في حكومة نتنياهو، ورفع عمير بيرتس وإيتسيك شمولي شعار العدالة الاجتماعية قبل ان يصطفا وزيرين في حكومة رأس المال الكبير والمستوطنين برئاسة نتنياهو، ورفع هذه الشعارات وزير المالية "الاجتماعي" إياه موشيه كحلون، وسلفه يئير لبيد اللذين أدارا أشرس السياسات الليبرالية الجديدة في اسرائيل، فما الذي يميز الشعار الذي سيكون علينا أن نطرحه نحن الشيوعيين وحلفاءنا الجبهويين لنقنع ضحايا سياسات المؤسسة الحاكمة ونستحثها خارج الاجماع القومي الصهيوني؟ وما هو العنصر الجديد والسمة الرئيسية في سياستنا وفي الجبهة المعادية للفاشية التي ندعو الى إقامتها، التي تجعلها قادرة على إحداث اختراق في الوضع البليد القائم، و أن تكون مؤشرا الى المخرج من الازمة الشاملة؟
بين أيار 2013 وأيار 2020
حلقة الوصل بين السياسي والديمقراطي!
إن تميز موقفنا يكون بمدى قدرتنا ورغبتنا في تحديد السياقات التي نشأت الازمة الشاملة في اسرائيل على مستنقعاتها، وبمدى نجاحنا في إقناع الجمهور الواسع، اليهودي والعربي بالمواجهة المباشرة مع هذه السياقات وبضرورة تجفيف هذه المستنقعات حتى ولو تطلب ذلك ذبح بقرات مقدسة تمسك بها الجمهور حتى الان. ويصبح الكشف عن العلاقات المركبة التي تتفاعل بين الاشكال والفضاءات المختلفة التي تتمظهر الازمة من خلالها، تحدياً أساسياً يوجّه معركتنا.
في أيار قبل سبع سنوات فرض هذا النقاش نفسه على مشروعنا الكفاحي في الحزب الشيوعي والجبهة، وخصوصا في أعقاب اندثار حراك الاحتجاج الاجتماعي الذي استقطب في العام 2011 مئات ألوف الناس في اسرائيل الى الميادين والشوارع للاحتجاج على الازمة الاجتماعية الاقتصادية. كان السؤال الحاضر بقوة، كيف ننجح في استنهاض حركة الاحتجاج مجددا، من خلال التحالف مع قطاعات واسعة يهودية وعربية مستعدة لمواصلة حركة الاحتجاج. وكنت من بين المتحدثين في ختام مظاهرة يهودية عربية مركزية حاشدة جرت في مركز حوريف في حيفا تماما في مثل هذه الايام في 12 أيار 2013.
ومن المفارقات، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن أحد رفاقي الأعزاء كان قد أرسل لي هذا الاسبوع خبرا ملخصا لكلمتي التي ألقيتها في نهاية المظاهرة اليهودية العربية الكبيرة التي جرت في ميدان حوريف على جبل الكرمل نشرته الصحف والمواقع، أسوقه هنا كما هو لأنه الشاهد على السياقات والشاهد على العلاقات المقررة في الأزمة الخانقة ولأنه ما زال هو الجواب الذي نحتاج اليه.. ويقتبس الخبر النقاط التالية من كلمتي في حينه:
" عدنا الى الميادين والشوارع لنعلن، أن تحالف رأس المال والمستوطنين.. لن يمر!
يعدّون لنا المزيد من مشاريع الاستيطان والتحريض القومي ويؤججون العنصرية من أجل تمرير الضربات الاقتصادية الفاحشة.. "
"إن المؤسسة الحاكمة تهدف الى تفكيك جمهور العاملين وتفكيك ضحايا سياستها الاجتماعية البغيضة.. وردنا نحن العاملين اليهود والعرب أن نكون موحدين في النضال لاسقاط سياستكم الاجتماعية وضرباتكم الاقتصادية، ولإسقاط حكومة الشر هذه.."
"لقد نجحوا في السطو على حركة الاحتجاج في صيف 2011 ومصادرة رسائلها، ونحن هنا في الشوارع والميادين ثانية لنعلن أننا مصرون على استعادة حركة الاحتجاج، وعلى إعادة بنائها، كحركة احتجاج تؤكد على العلاقة المباشرة بين النضال ضد أباطرة رأس المال، وبين النضال ضد مشعلي الحروب والعدوان والاحتلال والاستيطان.."
"فلا عدالة اجتماعية من دون عدالة قومية ولا ديمقراطية من دون مساواة قومية.. ولن تكون هناك عدالة اجتماعية، من دون إنهاء الاحتلال ووقف مشروع الاستيطان.. سيكون على حركة الاحتجاج في هذه المرة ان تتعلم من التجربة الماضية وأن تقول كل الحقيقة للجماهير ولضحايا الرأسمالية الاسرائيلية الفاحشة،
علينا أن نزيل القناع عن الحقيقة الصارخة : أن هناك علاقة مباشرة بين استمرار الاحتلال والعدوان وبين الضائقة الاقتصادية والبؤس الاجتماعي..
لقد جمعت المؤسسة الإسرائيلية بعد الانتخابات الاخيرة، بين رأس المال الكبير والاحتلال، لإخراس الاحتجاج الاجتماعي والدوس على حقوق العاملين والطبقات المستضعفة، وبذلك علينا أن نجمع بالضرورة بين نضالنا ضد رأس المال ونضالنا ضد الاستيطان والعسكرة.. بنضالنا العمالي اليهودي العربي، نخوض المعركة لتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة القومية والسلام العادل"..
مثل هذه الرسائل كانت دقيقةً قبل سبع سنوات، ولكنها أكثر دقة وإلحاحا اليوم. الجمهور الاسرائيلي جاهز اليوم في ظل قنوطه وأزماته وتداعيات أزمة الكورونا للاصغاء للغة صريحة أكثر وحادة أكثر وسيكون علينا ألا نفوت الفرصة التي تلوح".
إن أصواتا جديدة على الساحة الاسرائيلية خارج بيئتنا السياسية أخذت تطرح من منطلقاتها هي التي تختلف عن منطلقاتنا ، مواقف وتحليلات شجاعة غير معهودة، تتناول جوانب من الازمة الشاملة في نظام الحكم في اسرائيل، وصولا الى المساهمة في تحليل الانحدار الفاشي فيها. وهي أصوات جديرة ان نوليها انتباهنا وأن نتابع تطورها وأداءها. وفاجأني مؤخرا خطاب عضو الكنيست إيلي أفيدار عن كتلة "يسرائيل بيتنو" اثناء مناقشة تعديل قانون أساس الحكومة، حين طرح السؤال: "هل تتحول اسرائيل أمام ناظرنا الى ديمقراطية بالاسم، وديكتاتورية بالفعل والممارسة".. وأضاف: "إن نتنياهو ينشر الهلع بين الناس لكي يمرر بالمقابل سبعين نظاما من أنظمة الطوارئ في مواجهة مع الكورونا، مقارنة مع 14 نظاما جرى تشريعها في حرب أكتوبر 1973." ولتحليل الازمة في اسرائيل يستند افيدار الى المفكر باكستون الذي حلل صعود الفاشية في اوروبا، وقال "ان الفاشية لم تنشأ بالضرورة لأن غالبية الجماهير كانت فاشية، ولا لأنها آمنت بنظرية فاشية، ولكنها نشأت لان غالبية الجماهير تغاضت عن التجاوزات العنصرية الصغيرة المتراكمة ضد المختلفين عن التيار المركزي، وتغاضت عن الدوس على الحريات الديمقراطية حين قام بها الحاكم الديكتاتور، ولأنها آمنت كقول موسوليني، بأن كل ما تحتاج اليه الجماهير هو الاصغاء لما يقوله "القائد"(الديكتاتور) والاندفاع لتطبيقه "..
إن أصواتا كانت تعتبر الحديث عن "فاشية اسرائيلية" أمرا محرّما وغير مشروع، باتت تعي أن أدوات تحليل الحالة الاسرائيلية ليس بوسعها القفز عن صندوق أدوات العمل الخاص بمؤسس الحزب الفاشي الايطالي موسوليني والخاص بالفاشيين في كل مكان.
نحن مقبلون على مرحلة سيكون من الغريب فيها التهرب من التعامل مع الفاشية الناشئة في اسرائيل بغير الادوات الضرورية تاريخيا لمواجهة الفاشية، محورها العمل على بناء جبهة مناهضة للفاشية تستقطب كل ضحاياها، وتقوم على المعارك العينية التراكمية في كل مجال، إن ما كان صحيحا ما يزال صحيحا وقد دقت ساعة العمل!