لا حياد في جهنم.. ولا حياد في الانتخابات!
عصام مخول
الحوار المتمدن
-
العدد: 7367 - 2022 / 9 / 10 - 11:18
المحور:
القضية الفلسطينية
لم تعد تنطلي على الناس الفكرة الموهومة في عالم الرأسمالية المتوحشة، وكأن دور الاعلام (الميديا) بكل وسائله بدءاً من أكثر الفضائيات رواجا وصولا الى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والى مراكز استطلاع الرأي، يتلخص في نقل صورة عن الواقع هدفها ان تعكس ما يحدث داخل المجتمعات، بل بات واضحا ان دور الاعلام المكثف يتركز في كي الوعي وصقل أدوات التفكير وإعادة انتاج الواقع وترشيد تصرف الافراد والتحكم بالأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجماعات والافراد، وخلق وعي زائف بما يتلاءم ومصالح القوى التي تقف من وراء وسائل الاعلام وتمتلكها أو تمتلك خدمات أصحابها وتدفع أثمان خدماتها السياسية والفكرية وأثمان دورها في التضليل.
من أجل أن تقوم وسائل الاعلام بوظيفتها هذه بشكل فاعل، يكون عليها قبل كل شيء آخر أن تتخفى وتخفي انتماءها الاقتصادي والسياسي ومصالحها الطبقية وأن تظهر بمظهر الاعلام الموضوعي والمحايد، ويكون عليها أن تخفي وجهها الحقيقي وطبيعة القوى التي تقف من ورائها والتي تقوم هي على خدمة مصالحها باعتبار ذلك تماما هو مبرر وجودها.
وفي هذا السياق فإن أهم ما تستهدفه وسائل الاعلام على تعدد أدواتها، هو ضبط تصرف ضحايا السياسة السائدة والمحتجين عليها وأولئك الذين لهم مصلحة وجودية في إحداث التغيير، والمعنيين بتغيير النظام السياسي والاجتماعي القائم، وبالمقابل فإنها تستهدف تشجيع مشاركة القطاعات المعنية بالمحافظة على الوضع المشوّه القائم والتوازن السياسي القائم وتعميق عدوانيته. وبهذا المعنى تنشط وسائل الاعلام ووسائل إعادة انتاج الوعي الزائف بشكل منهجي في خدمة أسيادها، لتحييد القوى المعنية والجاهزة للنضال لإحداث التغيير، والمعنية بالمشاركة السياسية والوحدة الكفاحية، وخصوصا في حالة الأقلية القومية العربية داخل إسرائيل والطبقات الشعبية التي تئن تحت عبء غلاء المعيشة والفقر والجريمة في الحالة الإسرائيلية ككل.
إن تركيز وسائل الاعلام العبرية والعربية منذ اليوم الأول للإعلان عن حل الكنيست والذهاب الى الانتخابات الحالية على فرضية نكوص الناخبين العرب عن المشاركة في التصويت في العملية الانتخابية والتنبؤ بنسب تصويت منخفضة، لم يكن مجرد نبوءة وانما كان محاولة منهجية ممأسسة لدفع الناس الى العزوف عن المشاركة في الانتخابات وخلق مناخ من الإحباط وتقليص وزن الناخبين العرب وإلغاء ثقلهم على الساحة الاسرائيلية. وهي فرضية فُرِضَت على الجماهير العربة بهدف محاصرتهم بوعي زائف وتلقفتها وسائل الاعلام بعضها بهدف ترسيخها، وبعضها تلقفها عن سذاجة وانجرار لكن ذلك كله أسهم في نشر هذا المزاج.
ان خلق الوعي الزائف يهيّئ البنى التحتية الضرورية لإعادة انتاج السياسة المأزومة القائمة، وتوازن القوى الطبقي والقومي القائم لصالح اليمين الشوفيني الاحتلالي من جهة، والضرورية في الوقت ذاته لإنتاج الإحباط والتقاعس والكسل والنكوص عن المشاركة السياسية لدى ضحايا السياسة المأزومة القائمة من الجهة الأخرى.
هذا هو المعنى الحقيقي لما تمارسه القوى الفاشية المتنفذة في الحكم والمتداولة عليه في إسرائيل اليوم. لقد نجحت بعض الجهات حتى الان في مواجهة هذا التحدي الذي يطرحه هذا التحليل، من خلال اعتباره ناتجا عن عقلية "نظرية المؤامرة"، الى أن أخذ أصحاب المؤامرة الحقيقية يجاهرون بنواياهم العنصرية والفاشية السافرة التي لم تترك لأحد الفرصة للقفز عن هذه النوايا المبيّتة والمنهجية لتحييد وزن الناخبين العرب.
//من المعني بتحييد الجماهير العربية و"قمع" مشاركتها في الانتخابات!
نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أمس الخميس تقريرا أوليا عن "حملة الليكود الانتخابية لضمان عودته الى الحكم"، وذلك كمقدمة لتقرير موسع ستنشره الصحيفة في عدد اليوم الجمعة9.9.22. وتقوم استراتيجية "حملة الليكود للعودة الى الحكم" وفق الصحيفة على ثلاثة ركائز علنية متكاملة: 1- ضمان نقل المصوتين بشكل منظم الى صناديق الاقتراع بشكل عام، والتركيز بشكل محدد على الصناديق التي جرى تصنيفها باعتبارها صناديق "الاقتراع الذهبية" والمنتشرة في مناطق منحت الليكود أكثرية أصواتها في الماضي لكن نسبة التصويت فيها كانت منخفضة 2- استهداف مجموعات تنتمي الى الصهيونية المتدينة "المعتدلة" وتشجيع خروجها للمشاركة في الانتخابات 3- "قمع" مشاركة الجماهير العربية في إسرائيل في عملية التصويت وتحييد وزنها.
إن الركيزة الثالثة الخاصة بقمع مشاركة الجماهير العربية في الانتخابات هي الهدف المعلن لغالبية القوى اليمينية والفاشية الفاعلة على الساحة السياسية الإسرائيلية التي تناوبت على الحكم في ظل حكومتي نتنياهو وبينت-لبيد سواء بسواء.
إن الإعلان بهذه الفظاظة عن مشروع قمع "مشاركة الناخبين العرب في الانتخابات"، كشرط من ثلاثة شروط يراها الليكود واليمين الفاشي ضرورية لعودته الى الحكم، يجب أن تكون الأمر الحاسم في تغيير المزاج الشعبي العام وناقوس خطر لتغيير النفس المتفشي المتسامح مع فكرة "مقاطعة" التصويت، لدى بعض الفئات المحبطة او المحتجة داخل جماهيرنا العربية في إسرائيل.
وعلى الرغم من أننا نعي أن هناك أسباب حقيقية لإحباط بعض القطاعات من المشاركة في العملية الانتخابية، وتذمرها من أشكال معينة من الأداء في الدورة الأخيرة، وبالرغم من أن طموحات قطاعات واسعة من الجمهور وقطاعات بين الشابات والشباب كانت أكبر من الأداء البرلماني والسياسي الميداني أحياناً، إلا اننا نقف أمام ساعة تتطلب المسؤولية وخصوصا لدى الأجيال الشابة والمصوتين الجدد وحراكات الشباب والحركات الشبابية السياسية، ساعة امتحان لقبول التحدي واتخاذ قرار وطني بالمشاركة الواسعة وبنسب عالية في العملية الانتخابية تفاجئ العنصريين، فنحن لا نملك خيار الوقوف على الحياد في هذه المعركة الانتخابية بالغة الأهمية. لأن أحدا لن يترك لنا خيارا لأي حياد. فلا حياد في جهنم. هناك إمكانية لأحد خيارين: فإما التجاوب مع استراتيجية الليكود لضمان عودته الى الحكم من خلال "قمع مشاركة الناخبين العرب" كما نقلت "يسرائيل هيوم"، أو وصول غيره من قوى الخطاب الفاشي، وإما استعادة الثقة بأنفسنا وبقدرتنا على إفشال هذه الاستراتيجية والالتحام بالمعركة لإلقاء ثقل الجماهير العربية وجمهور الشباب والنساء بشكل خاص في المعركة لتغيير المعادلات والتصدي لأولئك الذين يخططون لقمع مشاركتنا وقمع طموحاتنا وحقوقنا القومية والمدنية. إن إفشال مخطط "قمع" مشاركتنا السياسية لا يقل وزناً عن الدافع الذي يدفعنا للتصدي البطولي الذي يقوم به شعبنا وحلفائه التقدميون وأجياله الشابة لمخططات قمعنا في المظاهرات والجامعات وساحات النضال دفاعا عن بيوتنا ووجودنا وحقنا في التطور فوق ارضنا.
إن السياسة لا تحتمل الفراغ، فإذا أخلينا الساحة وتخلينا عن دورنا في المشاركة السياسية فإن اليمين الفاشي والمعادي لجماهيرنا العربية ولشعبنا كله هو الذي سيملأ الفراغ. لذلك يصر على دعوننا للتخلي عن المشاركة، ويفاخر باستراتيجيته القائمة على "قمع" مشاركتنا في العملية الانتخابية.