ال-تأثير- لا يتم من مواقع التبعية والاذدناب!
عصام مخول
الحوار المتمدن
-
العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 01:11
المحور:
القضية الفلسطينية
تشهد الساحة السياسية في إسرائيل أزمة بنيوية عميقة ومتراكمة تنعكس بشكل خطير على قضايا الجماهير العربية الفلسطينية المواطنة في إسرائيل وعلى قضايا الديمقراطية الأساسية وعلى حرية العمل السياسي. وتعكس أزمة الحكم المتواصلة في إسرائيل، تدهورا نوعياً خطيرا ومقلقا يأخذ منحيين متكاملين : المنحى الأول - احتضان القوى المتنفذة في الحكم للقوى الأكثر فاشية من جهة، والمنحى الثاني –الانتقال الى استراتيجية احتواء الجماهير العربية وإعادتها إلى أقفاص التدجين عبر اعتماد وكيل عربي للمؤسسة الحاكمة الصهيونية بين ظهرانيها من جهة ثانية، وذلك من خلال تفريغ قضاياها من مضمونها الوطني وتحويلها إلى سلع للمقايضة مقابل ولائها السياسي الذليل، والتنظير للاصطفاف مع اليمين بقيادة نتنياهو "اليميني على المليان" كخيار اول (كما صرح منصور عباس في مقابلة تلفزيونية على القناة 11 الاسرائيلية)، والاكتفاء في أسوأ الحالات بيمين بقيادة بينيت اذا تعثر نجاح نتنياهو بإقناع سموتريتش وبن غفير بقبول الجلوس مع منصور عباس. ويحدث هذا الاختراق بذريعة وهم "التأثير" والترويج "للسياسة الجديدة" وفي توظيف خطير لنهج الحركة الإسلامية الجنوبية وقائمتها "العربية الموحدة" التي تشكل امتدادا عضويا لحركة الاخوان المسلمين ونهجها الموغل في الرجعية والتهادن مع المشاريع الامبريالية إقليميا وعالميا.
مفهومنا للتأثير!
نواجه في السنوات الأخيرة حملة منهجية في مؤسسة الحكم في إسرائيل تعمل على تحريف مفهوم "التأثير" وتفريغه من مضمونه الكفاحي والثوري لتغيير السياسات، إلى مفهوم مشوّه يسعى للاندماج في هامش هذه السياسات وعند أسفل ذيلها، والتنازل المسبق ليس فقط عن طرح بديل لها بل التنازل حتى عن نقدها وإبداء موقف متحفظ منها. وتعمل المؤسسة الحاكمة بمنهجية على تشويه الثقافة السياسية الوطنية والتقدمية للجماهير العربية وحلفائها من القوى التقدمية اليهودية، وتصر بشكل منهجي على تحويل صفتها ومكانتها من أقلية صاحبة قضية وطنية وصاحبة حقوق قومية ومدنية وديمقراطية، إلى مجموعة "رعايا" تساوم على حقوقها وتستجديها من السلطان.
إن "التأثير" اللازم في مفهومنا عندما يدور الحديث عن السياسة العربية في إسرائيل، لا يتم بالضرورة من خلال القاء وزننا "لدعم تشكيل حكومة" معينة مقابل منع أخرى فقط او تشكيل "جسم مانع " في نسخ ميكانيكي للحظة تاريخية سابقة، وانما في ظروف السياسة الإسرائيلية المأزومة بالذات، فإن التأثير قد يكون في تعميق الازمة وسد الطريق أمام المخارج الوهمية والشكلية منها، ويكون بمنع تشكيل حكومة "بديل" أو حكومة "تغيير" لا تقل عن سابقتها في نهجها اليميني الاستيطاني المعادي لقضايا شعبنا والمعادية لمصالح الجماهير الشعبية اليهودية والعربية، حتى لو كان يقود هذه الحكومة زعيم المعسكر اليميني البديل لنتنياهو نفسه –بينيت مثلا وحتى مع اذدناب أحزاب اليسار الصهيوني الى نهجه اليميني من جهة، جنبا الى جنب مع اذدناب اليمين العربي المتأسلم على شاكلة الحركة الإسلامية الجنوبية وقواها المستسلمة لنهج منصور عباس من الجهة الأخرى. إن دور قوى اليسار والقوى الوطنية التقدمية في هذه الحالة وقدرتها على التأثير الحقيقي تكون في تعميق ازمة السياسة الإسرائيلية وتفجير التناقضات على ساحتها وليس توفير المخارج لها مقابل الفتات. ويكون بالدفع بمشروعنا السياسي والاجتماعي الأممي الكفاحي، اليهودي – العربي الى المقدمة، والنضال من أجل الإقناع به بصفته البديل الحقيقي للإجماع القومي الصهيوني السائد وللمؤسسة الصهيونية الإسرائيلية الحاكمة التي لا توفر أجوبة حقيقية لأي من قضايا الأساس.
تعزيز موقع الحزب الشيوعي باعتباره العمود الفقري للجبهة وتعزيز موقع الجبهة في أي تحالف هو صمام الأمان للنضال الوطني والتقدمي الفاعل!
أثبتت مسيرة الحركة الشيوعية في البلاد في جميع المراحل المصيرية المعقدة التي شهدتها على مدار أكثر من قرن من الزمن أنها هي التي "تمكث في الأرض" دون غيرها، لأنها تنفع الناس.. ولأنها شكلت في جميع مراحل التطور التاريخي الصاخب نقطة أرخميدس في بناء الوحدة الكفاحية وإنشاء التحالفات التقدمية وتوسيعها، وهي ما زالت تشكل اليوم أيضا، نقطة انطلاق راسخة لكل من توصل من بين اليهود والعرب الى القناعة بحتمية تحرر الشعبين العربي الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي من ربقة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية وانتزاع استقلالهما الحقيقي من براثن مؤامراتها.
وأثبتت هذه المسيرة التاريخية حقيقة إضافية يعرفها العدو ويجب أن يعرفها بعض ذوي القربى، أن الحركة الشيوعية المتمثلة في إسرائيل بالحزب الشيوعي، موجودة لتبقى، ليس قطعة مجيدة من التاريخ المجيد فقط، كما يحلو لبعضهم أن يتغزلوا بها، وإنما بصفتها القوة الفاعلة الأبرز في الحاضر والمستقبل، المرشحة والمعنية والقادرة موضوعياً وتاريخياً، على طرح بديل فكري وسياسي واجتماعي شامل للحكم في إسرائيل يستبدل الفكر والممارسة الصهيونية السائدة وإفرازاتها الخطيرة. هكذا علينا ان نرى الدور التاريخي للحزب الشيوعي ولمشروعه السياسي.
هناك من يبالغ في الثناء على الدور التاريخي للحزب الشيوعي شريطة التسليم بأن هذا الدور قد انتهى، وهو جزء من الماضي، و قد حان الوقت للتخلي عنه ووضعه في مكان محترم على رفوف التاريخ، وفسح المجال أمام مشاريع بديلة، قصيرة النفَس وقليلة الجَلَد، متشربة بطابع برجوازي صغير، يصر على ان يحقق ولو شيئا شكليا للمدى القصير حتى ولو بثمن التهاود في المواقف المبدئية والتهاون في الحقوق الجوهرية، لأنه يضيق ذرعا بالمشاريع التاريخية التي لا تقاس بأعمار بعض السياسيين الطموحين بل تقاس بمنظار تاريخي.
ومن الواضح أن من يطرح في السياسة ما يسميه "مشروع حياتي" لا طاقة له، بشكل منطقي وبنيوي بالمشاريع التاريخية، ولا بالصبر إزائها أيّاً كانت نواياه.
إن الخطر النابع عن اللجوء الى مفاهيم مثل :"مشروع حياتي" كامن بأن الحياة السياسية لأي فرد، ليست بالضرورة متوازية مع حركة المجتمع وتفاعل تناقضاته.. وغالبا ما تكون أقصر مدى ومدة من نضوج هذه التفاعلات.. وعندما يجري تحميل "المشروع" مثل هذه الصفة "الشخصية".. فإن السياسي سرعان ما يكتشف،على خلاف الشاعر المناضل، "أن التاريخ.. لا يمشي كما يملي"... فقد ينفذ صبره، ويغريه أن يقوم بإحراق المراحل، وتطويع المواقف والثوابت لتخدم المشروع ذا الطابع الشخصي لا أن يخدمها هو.
إن المنطق الميكانيكي من شأنه أن يولّد المغالطات، فإذا كان هناك من ينظر في التاريخ السياسي للبلاد فيرى أحزاب تاريخية مثل المباي والمبام والمفدال وغيرها من الأحزاب التي أسست دولة إسرائيل وقادت الحركة الصهيونية تاريخيا في عزّ أيامها ,قد غربت عن الساحة وغابت وتشظت وأصبحت جزء من التاريخ، فلماذا لا تتم تنحية الحزب الشيوعي جانبا والبحث عن بنى ومخارج جديدة أسهل، لا تعيقها النظريات والايديولوجيا والثوابت السياسية والمبادئ في القضايا الأساسية، فنصبح مشاريعنا أكثر قبولا وأكثر ليونة ومواقفنا أكثر ميوعة؟!
طابع الازمة السياسية في إسرائيل يحدد طبيعة التحالفات لمواجهتها
إن مشروع الحزب لبناء التحالفات بروح برنامجه التاريخي الذي قامت على أساسه الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في العام 1977 ما زال يشكل القاعدة السياسية الضرورية لبناء اصطفاف سياسي واجتماعي قادر على انتشال شعبي هذه البلاد من المأزق العميق الذي استقر فيه، وهو يشكل بذلك القاعدة القادرة على إنقاذ المجتمع الإسرائيلي من الحضيض الذي وصلت اليه قيم الديمقراطية والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية، في وقت يجري فيه تعزيز مواقع القوى الفاشية والاستيطانية في مفاصل الحكم في إسرائيل.
وادعائي الأساس، أن الازمة السياسية والاجتماعية والديمقراطية الشاملة التي دخلت فيها إسرائيل هي أزمة بنيوية عميقة ومستعصية على الحل ، ولا مخرج حقيقي منها الا بنشوء اصطفاف سياسي جديد يلتف حول مشروع سياسي واجتماعي جريء لا يتردد في إعادة أسباب الازمة الإسرائيلية الى جذورها الحقيقية : الى استعصاء حل القضية الفلسطينية في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومشروع الاستيطان والتنكر للحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني ورفض حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة عام 1967، وحل قضية اللاجئين والتنكر للحقوق القومية والمدنية للأقلية القومية العربية المواطنة في إسرائيل..، إن هذه القضايا ليست كليشيهات وشعارات قديمة، انها جوهر الازمة الإسرائيلية التي لم يعد بالإمكان التغاضي عنها. إن عمق الازمة الإسرائيلية يشكل فرصة للكشف عن العلاقة الجدلية بين المأزق الإسرائيلي من جهة والمأزق الفلسطيني من الجهة الأخرى، ويؤكد استعصاء إيجاد مخرج من الازمة البنيوية إسرائيليا، من دون إحداث اختراق يقود الى تفكيك المأزق الفلسطيني , من هنا علينا أن ننطلق.
ويبدو جليا اليوم أن الاحتلال الاسرائيلي المتواصل لكل المناطق الفلسطينية، قد تحول الى فخ تاريخي يوقع بالشعبين الفلسطيني والإسرائيلي معا، وأن ما نتج عن ذلك من انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين الاستيطاني والمدّ العنصري الفاشي في مفاصل الدولة، ليس من شأنه أن يقلل من راهنية مشروع الحد الأدنى السياسي الذي قامت على أساسه الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وإنما يستدعي منا تكثيف النضال بشجاعة من أجل إعادة دفع هذا البرنامج الى مقدمة المنصة باعتباره البرنامج القادر الوحيد الآن بالذات!
إن العودة الى البحث عن "الحجر الذي رفضه البناؤون" الذي أكثر إميل حبيبي من الاستشهاد به، لا تتم في أوقات البحبوحة، وانما تفرض نفسها خيارا ملحّاً بعد استعصاء الحل وتورط البنّائين وتيقّنهم من أن وقف انهيار البناء فوق رؤوسهم لن يتم الا بالعودة الى الحجر الذي رفضوه من قبل ليجعلوا منه "رأس الزاوية".
ومن الوهم الاعتقاد، بأن مجاراة انزياح الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين، ومطالبة القوى التقدمية الحقيقية بتفهم عجز اليسار الصهيوني بدلا من مواجهته وبدلا من تحدي مواقفه الهزيلة، من شأنها أن تحقق اختراقاً حقيقياً في الحالة الإسرائيلية يقود الى "معسكر ديمقراطي" يقلب الدنيا لنا رأسا على عقب!!
إن مشروع بناء جبهة مناهضة للفاشية فورا والعمل الجاد على إنجازها هو تماما مشروع الحزب الشيوعي والجبهة الذي لم نتوقف عن الدفع باتجاهه منذ سنوات. (انظري - الاتحاد –20 نيسان 2019.. عصام مخول – "المهمة الآن.. جبهة لمناهضة الفاشية"). ولا يتطلب الأمر اتفاقا على برنامج سياسي واسع ولا التوافق على قاعدة فكرية مشتركة. فالحزب الشيوعي والجبهة لا يشترطان اشتراطات أيديولوجية على أي من القوى المرشحة للمشاركة في مثل هذه الجبهة. وتوجهنا أن النضال المشترك في قضايا المواجهة مع الفاشية والدفاع عن الحريات الديمقراطية والربط بين الاحتلال والاستيطان وتعمق النهج الفاشي في إسرائيل من شأنه إن نجح أن يخلق قاعدة سياسية لتطوير تعاون أوسع في المستقبل، فتجربة النضال المشترك بمقدورها ان تعمّق الوعي وأن تطور نقاط التقاء إضافية مع الشركاء مهما كانوا بعيدين عن فكرنا وبرنامجنا السياسي.
الجذور الفكرية والسياسية للنقاش الدائر حول المعسكر السياسي
على خلاف الدعوة الى التعاون في إطار "جبهة مناهضة للفاشية" والتي لا تشترط توافقا فكريا وسياسيا واسعا، فإن الدعوة الى بناء معسكر سياسي ديمقراطي، دافعه الحقيقي هو بناء اصطفاف سياسي جديد تتطلب بالضرورة توافقا على برنامج حد أدنى سياسي، وتستدعي بالضرورة اشتراطا سياسيا يقوم على أساس التمييز بين التناقضات الأساسية الملحة والتناقضات الثانوية في الساحة السياسية والاجتماعية في إسرائيل وعلى إخضاع التناقضات الثانوية للتناقض الأساسي ,
فهل من المنطق أن نطرح مشروعا سياسيا لبناء معسكر سياسي نقول فيه مثلا عن الشركاء المحتملين: “على الأرجح ان نكون مختلفين حول : الصهيونية، يهودية الدولة، النكبة، اللاجئين، والمساواة القومية، والتوجه الاقتصادي وحتى نظام الحكم، كذلك قضايا إقليمية، وتحديد طابع الدول الكبرى وأهدافها.. وغيرها.. وطبعا متفقون على إقامة دولة فلسطينية بحدود ال-67، والمساواة وأبعاد من الديمقراطية والعدل الاجتماعي وصد الفاشية وغيرها" ...
هذه صياغة ملتبسة وخلط يوهم ضمناً وكأن بالإمكان أن تكون القوى التي تختلف معنا في الموقف من "الصهيونية" و"يهودية الدولة" و"النكبة" و"اللاجئين" و"المساواة القومية " من جهة، أن تكون "متفقة معنا" حقيقة، في الموقف من "إقامة دولة فلسطينية بحدود ال-67 " ومن "المساواة" و"العدل الاجتماعي" (ما المقصود أصلا بهذا الاستعمال الفضفاض لمصطلح: العدل الاجتماعي؟).. ألا يقود هذا الكلام الى "تضييع الطاسة" والى وهم لا أساس له في الواقع؟
إ فالقضايا " الخلافية المذكورة، تشكّل الأسس الفكرية والسياسية التي تقوم عليها استراتيجية الرفض الاسرائيلية تاريخيا. وهي القاعدة الفكرية التي يقوم عليها قانون القومية، وصفقة القرن ويقوم عليها تبرير مشروع الاستيطان والضم وممارسات الفصل العنصري والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وسياسة التمسك بالاحتلال لا إنهائه..
إن الإشكال الأخطر في هذه المعادلات أنها تفترض أن الشرط المسبق لبناء اصطفاف سياسي انتخابي جديد - "المعسكر الديمقراطي " تكون الجبهة مركبا في داخله، هو القبول بتمييع مواقف الحزب الشيوعي والجبهة في القضايا الوطنية المفصلية وفي المسائل الديمقراطية والاجتماعية الأساسية، ليس لإنهاء الاحتلال، بل للتعايش مع استمراره، بحيث يصبح تمسكنا بالمساواة في الحقوق القومية والمدنية في مواجهة قانون القومية مثلا،عائقا "وتحجراً" يجب إزالته من طريق التحالف السياسي الموعود والموهوم. ولا يخفف من التباس هذا الطرح بالطبع اقتراح تهريب القضايا الخلافية الى نقاشات ال"طاولة المستديرة الدائمة" تهرباً من حسم هذه النقاشات. وهي "فكرة مقلوبة على رأسها".. فدور الطاولة المستديرة أن تكشف مسبقا عن مساحة النضال السياسي المشترك الممكن لبلورة اصطفاف سياسي على أساسها، لا إطارا لتمييع المواقف وهضم التناقضات الاساسية.
ديمتروف - بين الجبهة الموحدة والتعاون الطبقي
ارتبط اسم جورجي ديمتروف القائد الشيوعي االبلغاري وزعيم الأممية الشيوعية (الكومنتيرن) ابتداء من العام 1935 وحتى حل الكومنتيرن في العام 1943 باعتباره من أهم قادة مقاومة الفاشية في أوروبا وربما بكونه أبرز المنظّرين لتحليل الطابع الطبقي للفاشية، والطابع الطبقي لمقاومتها، ونظّر ديمتروف للتحالفات الشعبية وأبدع في تنظيره وقيادته الفعلية للجبهة الموحدة المناهضة للفاشية. إن فكرة الجبهة المناهضة للفاشية او الجبهة الموحدة كما أسماها ليست فكرة عامة وفضفاضة، ولا حلما رومانسيا مطلقا. لقد برع ديمتروف في التمييز بين الجبهة الموحدة، المناهضة للفاشية، وبين التعاون الطبقي. واعتبر أن الجبهة المناهضة للفاشية هي نتاج تحديد التناقض الرئيسي، والقضية الأساسية الحاسمة، وعلى تحديد معسكر الأعداء، وتحديد معسكر الحلفاء ولو مؤقتا، من بين القوى الاجتماعية والسياسية التي تتناقض مصالحها الحياتية مع العدو الرئيسي. واعتبر ديمتروف " إن جبهة العمل الموحدة تستهدف توحيد جهود البروليتاريا وجميع الجماهير والجماعات والعناصر الكادحة في المجتمع الطبقي الراهن للذود عن مصالحها وحقوقها المتطابقة في اللحظة الراهنة، ضد البرجوازية الرأسمالية ورجعيتها،
بينما يشتت التعاون الطبقي صفوف الجماهير الكادحة، ويقوّض أحزابها ومنظماتها ويسهل على البرجوازية تحقيق مآربها الاستغلالية الجائرة، ويساعدها على فرض سيطرتها الطبقية على الأغلبية العظمى من الشعب الكادح ".
إن أهمية العودة الى ديمتروف هي ليست للمماثلة بين مرحلتين مختلفتين تاريخيا في غالبية تفاصيلهما، وانما في تمييز الحد الفاصل بين القوى التي لها مصلحة طبقية ووطنية وديمقراطية في المجابهة مع الفاشية ومع الاحتلال في حالتنا مثلا، وبين القوى الفاعلة التي لها مصلحة في المصالحة مع القوى الفاشية والتعايش مع الاحتلال بوئام بحيث لا يعكّر صفوها.. إن تحليلا كهذا هو الذي يقرر أي معسكر ديمقراطي لنا ان نطمح اليه. وما هي مضامينه وحدوده وشروطه السياسية. إنها مسألة أكبر من مجرد "مشروع حياة"!