اختراع -تيار ثالث-! العَجَلة من الشيطان
عصام مخول
الحوار المتمدن
-
العدد: 7361 - 2022 / 9 / 4 - 10:24
المحور:
القضية الفلسطينية
افتعال نقاش غير قائم داخل القائمة المشتركة حول مسألة التوصية عند رئيس الدولة ربما يساعد على تجاوز بعض النقاشات الداخلية عند هذا الحزب أو ذاك، لكنه بأي حال من الأحوال لا يرتقي بالنقاش السياسي ولا يخدم المواجهة الحقيقية مع تفشي الخطاب الفاشي، ولا يقدم مشروع الوحدة الكفاحية ولا قضايانا كأقلية قومية أية خطوة الى الامام. فالتوصية عند رئيس الدولة هي مسألة تكتيكية بامتياز، مهما بالغ البعض في التركيز عليها وتحويلها الى لب النقاش.
إن دور التكتيك أن يساعد على استعمال ما تملكه من قوة سياسية في لحظة مواتية، لتضاعف وزن وتأثير هذه القوة التي راكمتها على محدوديتها، بحيث تصبح أكثر فاعلية وأكبر وزنا من وزنها الموضوعي، وذلك من خلال استغلال تناقضات طارئة داخل المعسكر المعادي. فالتكتيك يسمح بإظهار بعض الليونة في قضية آنية من جهة، لكنه بالضرورة لا يعفي صاحبه في المقابل من التزام صرامة قصوى من حيث التمسك بالثوابت الاستراتيجية والأسس المبدئية التي توجه عمله السياسي وإلا تحوّل الأمر الى انتهازية رخيصة.
لقد أنهت اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي بيانها الصادر بتاريخ 6 آب 2022 بشأن مسألة التوصية لدى رئيس الدولة بقولها الواضح: "من الأهمية بمكان التأكيد ان الخارطة السياسية الحالية في اسرائيل لا يمكن ان تقود الى اية تشكيلة حكومية تتوافق وتجيب على ثوابتنا وعلى مطالبنا الأساسية".
وفي مقالتي في ملحق الاتحاد 12.8.2022 تحت عنوان: "انتخابات الخريف وخريف الاجماع الصهيوني" كتبت: "وإذا كان موقعنا في مواجهة الاجماع القومي الصهيوني المحموم، لا يسمح لنا في هذه المرحلة بالتأثير على تشكيل حكومة بديل تقدمي أو على إحداث تحول في الموقف من قضايا السلام الحقيقي والمساواة القومية والمدنية، فإن موقعنا يسمح لنا بتعطيل تشكيل حكومة تراوح في داخل الانحدار الفاشي، ولا تجيب على الحد الأدنى من شروطنا السياسية وهذا أضعف الايمان".
وإذا كان هذا هو موقف الحزب الشيوعي والجبهة فلماذا هناك من يحاول افتعال النقاش حول قضية التوصية معنا بالذات؟ ولماذا هناك من يحاول أن يخلق الانطباع أن نقاشه مع الحزب والجبهة هو في هذه المساحة؟
إن تحويل قضية التوصية عند رئيس الدولة على عضو كنيست ينيط به مهمة تشكيل الحكومة الى محور النقاش ولب الصراع، هو تسطيح للسياسة وخلط ضحل بين القضايا الاستراتيجية وقضايا التكتيك العيني العابر.. خاصة اذا ما استعمل هذا النقاش توطئة من أجل المماثلة والمماهاة غير البريئة بين فكرة التوصية لدى رئيس الدولة، وهي مسألة لا تتجاوز في أقصى حدودها ميدان التكتيك، وبين "نهج" الاندماج في الائتلاف اليميني المتطرف والتصويت الى جانب الحكومة، والانضواء داخل الائتلاف الحاكم وخطابه الفاشي السائد وتبني ثوابت الاجماع القومي الصهيوني والخطوط العريضة لسياسة الحكومة وهي مسألة استراتيجية خطيرة، فتصبح هذه المماثلة تبرئة لأولئك الذي اصطفوا فكريا وسياسيا لدى المعسكر المعادي للوحدة الكفاحية التقدمية والوطنية، ومساهمة في غسل أيديهم بعد أن اختاروا إدارة ظهورهم لوحدة النضال من أجل المساواة في الحقوق القومية والمدنية باعتبارها في مفهومنا ثنائية لا تنفصم عراها.
تهريب الجوهر..
ولذلك سيكون على أي تحالف أن يبدأ من تحديد مساحة الاتفاق في القضايا الاستراتيجية المبدئية ثم يمنح نفسه ليونة في كيفية استعمال قوته المتراكمة للتقدم نحو أهدافه الاستراتيجية. إن القرار إذا ما كانت هذه الخطوة التكتيكية تزيد وزن قوتي في المعركة على القضية الأساسية وعلى الأهداف الاستراتيجية أو تقلل من هذا الوزن وتشتته، هو المقرر في اختيار التكتيك الذي تلجأ اليه قوة سياسية في لحظة معينة من دون ميوعة من جهة، ومن دون تشنج من الجهة الأخرى..
وعلينا أن نصارح بعضنا بعضا.. هل نحن متفقون على الجوهر المقرر وعلى دورنا السياسي وعلى طبيعة الساحة السياسية التي نعمل فيها؟ وهل نحن متفقون على أننا نذهب الى الكنيست، لنمارس دورنا السياسي المركزي- كجماهير وكأقلية قومية فلسطينية مواطنة في إسرائيل وكقوى تقدمية عربية ويهودية - على الساحة السياسية الإسرائيلية باعتبارها الساحة السياسية المركزية التي نهدف الى إحداث التغيير عليها من خلال القاء ثقلنا للتصدي لموبقات الإجماع القومي الصهيوني والخطاب الفاشي السائد؟ هل نحن متفقون على دورنا في تحدي البنى الفكرية والاجتماعية المهيمنة في هذه الساحة وطرح بديل عن هذا الاجماع الصهيوني، يأخذ في الحسبان حقوقنا القومية والمدنية، ويأخذ في الحسبان مصلحتنا كأقلية قومية وكقوى تقدمية عربية ويهودية لها مصلحة بالدفاع عن الديمقراطية العميقة وعن الحريات الديمقراطية ومناهضة الفاشية وتفكيك البنى العنصرية ومجابهة عقلية الحرب والعدوان والتوسع الاحتلالي؟ أم أننا غير متفقين على ذلك..
هل نحن متفقون على أن بناء الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الجماهير العربية في إسرائيل يتم في ساحات النضال وأداته الوحدة الكفاحية ومنظماته الشعبية والحزبية والنقابية مكمّلا لنضالنا البرلماني وليس مقصورا عليه داخل أروقة الكنيست الإسرائيلي، ولكنه ليس بديلا عنه؟
وهل نحن متفقون على جوهر المعادلات التاريخية التي صاغتها وثيقة السادس من حزيران 1980 التي صدرت عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ونشرتها جريدة الاتحاد صبيحة 6 حزيران 1980، ثم انضم للتوقيع عليها ألوف الشخصيات الشعبية والنشطاء السياسيين من كل المشارب الفكرية والسياسية الوطنية والتقدمية والمنظمات الشعبية وممثلي الجمهور والحركات السياسية داخل الأقلية القومية العربية في إسرائيل في طول البلاد وعرضها وفي صلب الوثيقة: "نحن أهل هذا الوطن ولا وطن لنا غير هذا الوطن"... و "حتى لو جوبهنا بالموت نفسه فلن ننسى أصلنا العريق نحن جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب الفلسطيني"؛ وهي الوثيقة التي كانت القاعدة السياسية للدعوة الى عقد مؤتمر شعبي شامل للجماهير العربية بمشاركة القوى التقدمية اليهودية في إسرائيل التي تقبل بأسس وثيقة المؤتمر، وذلك في أشجع وأوسع محاولة تاريخية ومنهجية لتنظيم الأقلية القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل تنظيما سياسيا في مواجهة الاجماع القومي الصهيوني.. وتشكلت لجنة تحضيرية شاملة للإعداد للمؤتمر الشعبي التاريخي للجماهير العربية، وقاد اللجنة وترأس أعمالها القائد الوطني والشيوعي التاريخي د.اميل توما تحضيرا للمؤتمر في السادس من شهر كانون الأول 1980، قبل أن يقوم مناحيم بيغن رئيس الحكومة بصفته وزير الأمن بإصدار أمره الهستيري اعتمادا على أنظمة الطوارئ الانتدابية يحظر فيه تنظيم المؤتمر ويعلن عن إخراج المؤتمر واخراج اللجنة التحضيرية للمؤتمر ووثيقة السادس من حزيران خارج القانون. لقد نجحت حكومة الليكود الأولى بحظر انعقاد المؤتمر، لكن روح وأسس الاجماع الوطني والتقدمي في القضية القومية والديمقراطية التي حددتها الوثيقة، بقيت حيّة حاضرة الى يومنا هذا، تحاك منها أدوات النضال وتنشأ عنها اللجان الشعبية والحركات الطلابية والشبابية وأسس تنظيم الأقلية القومية العربية لتأخذ دورها الفعال في المعركة على احداث التغيير الشامل في إسرائيل وعلى حرية الشعب الفلسطيني وتحرره، وأصبحت أسس وثيقة 6 حزيران 1980 حجر الزاوية في بناء أية وحدة كفاحية وأي برنامج للنضال من أجل انتزاع المساواة في الحقوق القومية والمدنية أساسا لأي معركة لتفكيك البنى العنصرية والفاشية وبنى الاجماع الصهيوني العنصري حتى يومنا هذا.
فهل نحن متفقون على أن مهمتنا التاريخية أن نطرح على شعبي البلاد بديلا سياسيا واجتماعيا يستبدل الاجماع القومي الصهيوني بإجماع تقدمي يقوم على مبدأ المساواة في الحقوق القومية والمدنية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وحقهم في التطور فوق أرضهم ووقف سياسة الهدم والملاحقة والتحريض الدموي ومراهنة المؤسسة الحاكمة على تفشي الجريمة بين الجماهير العربية والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية قاعدة لأي حل سياسي؟ وهل نحن متفقون على طرح إجماع شعبي بديل يأخذ في الحسبان مصالح الطبقات الشعبية العاملة والمنتجة في وجه سياسة غلاء المعيشة وجشع الرأسمالية الخنازيرية المستندة الى تجارة السلاح الدولية والعدوان والاحتلال والاستيطان وتأجيج الحروب؟
إن هذه هي القضايا الحقيقية المقررة في واقعنا السياسي والوطني، وإذا كان هناك خلاف سياسي وازن فهو مرشح ان يقوم على هذا المستوى من القضايا الجوهرية، وإلا فما الداعي تماما لافتعال أزمة والبحث عن تبريرات لاختراع "تيار ثالث" غير متوفر أصلا ولا يرتقي الى طرح سياسي وفكري يساهم في بناء الأسس لوحدة كفاحية أو الارتقاء بالقضية الوطنية؟
إن قيام بعض شركائنا وأصدقائنا السياسيين بتوجيه مطالبتهم على مدار الأسبوعين الأخيرين الى الحزب الشيوعي والجبهة بالذات، ودعوتهما الى الالتزام بالتمسك بالحقوق القومية والمدنية للأقلية القومية الفلسطينية داخل اسرائيل، وعدم التفريط بقضية الشعب الفلسطيني الوطنية، شرطاً لموافقتهم على مواصلة الشراكة في القائمة المشتركة، انما يذهب بهم الى مباشرة الى "حارة السقايين"..