فوز أردوغان، والتحولات العالمية وانسداد آفاق النظام!
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7632 - 2023 / 6 / 4 - 16:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كان فوز أردوغان بانتخابات الرئاسية في تركيا نصرا لحلف روسيا وكل المعسكر المعادي للغرب، اذ كان هذا الفوز شيء مرحب به في روسيا بالذات وخيبة أمل كبيرة للغرب.
تغلب أردوغان على ممثل المعارضة في تركيا وفاز بالانتخابات في وقت كان من المفروض ان يخسر. كون الانتخابات غير عادلة لا تفسر هذا الفوز. لقد جاءت الانتخابات في وقت تشهد تركيا وضع اقتصادي مزري، اذ يصل التضخم الى 80%، وتشهد الليرة هبوط مستمر في قيمتها مقابل العملات الاخرى، وكون أردوغان في الحكم بشكل أو آخر لأكثر من عقدين من الزمن، الذي من المفروض ان يكون عامل ضده. وحدث زلزال مدمر في شباط من هذه السنة أي باشهر قليلة قبل الانتخابات الذي اودى بحياة أكثر من 50 الف شخص. ولا يوجد أي شك بان نسبة الوفيات العالية كانت في جزء منه نتيجة ممارسات البناء السيئة والفساد، اذ شيدت الكثير من الأبنية التي انهارت في عهده. وجاء هذا الفوز رغم تدخلات الغرب وخاصة الإدارة الامريكية وشخصيات مثل جون بولتن لصالح المعارضة. كما كان أردوغان مهندس الكثير من التدخلات الخارجية الفاشلة مثل التدخل في ليبيا وسوريا وهي التدخلات التي انتهت او ستنتهي بالضد من اهداف تركيا.
كانت هناك جملة من الاسباب التي أدت الى فوز أردوغان منها خبرته السياسية الهائلة وخاصة في التلاعب بالأحاسيس القومية والدينية وقدرته على اقناع الجماهير بان الوضع سوف يتحسن وقدرته على فضح المعارضة والكشف عن نقاط ضعفها وإقناع الجماهير بان الوضع سوف يزداد سوءا في ظل حكمها، والقاء اللوم على الاخرين من بينهم الغرب فيما آلت اليها الأوضاع الاقتصادية. كما ان الانتخابات حتما لم تكن عادلة. ولكن السبب الاهم كانت المسائل الاقتصادية والمستوى المعيشي للعامل التركي. رغم فشل أردوغان في إدارة الاقتصاد وخاصة في السنوات الأخيرة ووصول النظام الاقتصادي في تركيا الى طريق مسدود، الا ان العامل التركي يثق بأردوغان اكثر من المعارضة الهشة المؤلفة من عدة أحزاب لا يجمعها برنامج غير المعاداة لأردوغان والولاء الى حد ما للغرب. فالكثير تتذكر الأوضاع في تركيا تحت حكم الأحزاب الموالية للغرب عندما كان الاقتصاد في وضع أسوأ من الان و التضخم يحدث بنسب خرافية وكان الفساد أسوأ بكثير حتى من الوقت الراهن.
والسبب الأساسي الاخر في فوز أردوغان كان مواقفه فيما يتعلق بالصراع بين الغرب و القطب المقابل أي الصيني -الروسي ومنظمة بريكس. اذ يدعي أردوغان بانه محايد وما يحركه هو مصالح تركيا وليس الولاء لهذا القطب او ذاك. لقد تمكن بالفعل ان يخلق مكانة لتركيا ولبرجوازيتها وان يحولها الى قوة إقليمية وعالمية معتبرة من خلال اللعب بين القطبين. رغم كل ضغوطات الغرب، لقد حافظ على علاقة وثيقة مع بوتين وروسيا حيث تعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية اذ اقام محطات نووية للطاقة في تركيا. واشترى نظام اس 400 للدفاع الجوي، وفتح خط السيل التركي للغاز الروسي وهناك خطة لتحويل تركيا الى مركز لتسويق الغاز الروسي. والكثير من القطاعات الاقتصادية في تركيا تستفاد من روسيا بشكل كبير مثل قطاع البناء النشط في روسيا والسياحة وخاصة بعد حل مسالة مير كارت الذي هو كارت بنكي روسي تستخدمه الكثير من البنوك التركية.
في حين وجدت الجماهير في تركيا في المعارضة ممثلة للغرب وسياسته والابتعاد عن روسيا رغم وعود المعارضة بانها ستحافظ على تلك العلاقة. لقد كان هناك اعتقاد قوي بان فوز المعارضة سيعني فقدان تركيا لسيادتها كدولة مستقلة لصالح الغرب، الذي ليس له من الناحية الاقتصادية المزيد مما يقدمه لتركيا. يرى قسم كبير من البرجوازية التركية وحتى الجماهير بان مصلحتها هي في اللعب بين القطبين ان لم تكن في الوقوف مع القطب المقابل.
ان تدخل الغرب لصالح المعارضة ومحاولة تنظيم ثورة ملونة كان سبب أساسي في فوز أردوغان. كان أردوغان سيخسر الانتخابات مقابل أي معارضة اذا لم تكن بهشاشة المعارضة الحالية وغير موالية للغرب. ان الاحاسيس القومية والدينية قوية في تركا وخاصة منذ وصول أردوغان الى الحكم. تلعب مسالة سيادة تركيا وموقعها العالمي دور في حسم الانتخابات.
لقد سعت روسيا على اقامة علاقة قوية مع تركيا بغض النظر عن الخلافات، ووقفت مع أردوغان في الانتخابات الاخيرة. لقد كانت تركيا الى جانب حفنة من الدول مثل الصين وايران وكازخستان من اهم الدول التي مكنت روسيا من التحايل والتغلب على العقوبات، وعدا تزويد أوكرانيا بالطائرات المسيرة، تركيا الى حد ما محايدة في الحرب في أوكرانيا رغم كونها عضو حلف الناتو. كما قامت تركيا بغلق مضيق الدردنيل والبوسفور التي تربط بحر ايجة ومرمرة والبحر المتوسط بالبحر الأسود مما منع دخول السفن الحربية الغربية الى البحر الأسود.
تتعامل روسيا والصين ومنظمة بريكس مع مواقف تركيا بانها نابعة من مصالح تركيا والسياسات الثابتة وليس بسبب نزوات أردوغان.
مقولة لينين التي تقول" هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وأسابيع تحدث فيها عقود" تنطبق بشكل الكبير على هذه الفترة، فبعد ركود تمثل بسيادة الغرب على العالم منذ عقود، تحدث تحولات هائلة في المعادلات العالمية. فاليوم العالم مقسم الى العالم القديم- الغرب او سبعة الكبار والقطب الاخر- روسيا والصين ومنظمة بريكس. تضم بريكس اكبر دولتين من ناحية السكان أي الهند والصين واكبر دولة في العالم من ناحية المساحة أي روسيا. وتضم دول مهمة أخرى مثل البرازيل وجنوب افريقيا وهناك عشرات الدول في الطابور تود الانتماء اليها. ومنظمة بريكس تمثل الامل ومصدر النمو بالنسبة للبرجوازية العالمية.
في سنة 2020 كان الناتج المحلي لدول السبعة الكبار مساويا للناتج القومي لبريكس واليوم يمثل اجمالي الناتج القومي لدول سبعة الكبار 30% بينما تمثل دول البريكس 33% من الناتج العالمي. ومكانة الدولار كعملة احتياطية في تنازل سريع نوعا ما اذ يشكل الدولار اقل من 50% من احتياطيات البنوك المركزية بينما كان يشكل 80-90% في اوج قوة أمريكا. والكثير من الدول تقرر ان تكون التبادلات التجارية في العملات المحلية بدلا من الدولار وهناك محاولات جدية من قبل بريكس لإقامة عملة عالمية جديدة. وتبرز الصين وروسيا كوسطاء للسلام في الكثير من الأماكن في حين ان الغرب يسعى الى اشعال الحروب والتوترات. تريد معظم الرساميل والمشاريع التجارية حول العالم ان يكون لها علاقة مع بريكس لان النمو الاقتصادي يحدث في تلك الدول وليس في الغرب. ان ما مكن روسيا من الصمود في وجه الحصار الغربي إضافة الى التمتع بالاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالطاقة والمواد الغذائية هو قوة بريكس ووقوف الكثير من الدول بشكل صريح ضد الغرب.
ولكن هذه التحولات أيضا تبرز انسداد افاق كل النظام الرأسمالي ويفتح الاحتمالات امام ولوج الطبقة العاملة على المستوى العالمي الى ساحة الصراع. فالقطب الرأسمالي الذي يوفر حد أدنى من الحريات والحقوق للمواطن، أي الغرب يفشل في تحقيق نمو اقتصادي وبهذا المستوى المعيشي للإنسان في تلك الدول في هبوط. في حين ان القطب الذي يتمتع بنمو اقتصادي جيد أي دول منظمة بريكس عاجز ان توفير الحد الأدنى من الحقوق والحريات. لذا فان كل النظام برمته في ازمة. لذا من المحتمل ان التحولات العالمية لن تقتصر على الصراع بين القوى البرجوازية بل يمكن ان تؤدي الى نمو الصراع الطبقي. حتما ستشهد السنوات القادمة تحولات كبيرة ونأمل ان تكون لصالح الدفع بمصالح البشرية إلى أمام.