رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الجمهورية بشأن تجديد الخطاب الديني
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7004 - 2021 / 8 / 30 - 09:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السيد الرئيس
تابعت كمواطن مصري يحلم بغد أفضل لبلده تصريحات سيادتكم المتكررة في مناسبات عدة عن ضرورة تجديد الفكر الديني وتجديد الخطاب الديني ومؤخرا قضية إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نؤمن به، وفي هذا الشأن اسمح لي سيادة الرئيس أن أقول لا يمكن للمريض مهما حسنت نيته أن يعالج نفسه ولكن العلاج يجب أن يأتي من طبيب يمتلك العلم والحزم اللازمين للعلاج وأرى أن الطبيب في حالتنا هذه هو الدولة التي يجب عليها أن توفر المناخ اللازم لطرح القضايا الدينية بجرأة وإقدام ولذا يجب على الدولة حماية المفكرين والمجددين من أي اضطهاد يقع عليهم بسبب آراء تختلف عن السائد، وفي هذا فإنني أقترح ما يلي:
أولا: إلغاء (المادة 98 فقرة "و") في قانون العقوبات المصري
لقد تعرض الكثير من المفكرين والمجددين للتشكيك في عقيدتهم قبل وبعد إضافة المادة 98 فقرة "و" إلى قانون العقوبات لمجرد جرأتهم في التفكير وقد رصد الأستاذ حمدي الأسيوطي المحامي رحمه الله في كتابه القيم "ازدراء الأديان في مصر" قائمة بأسماء المفكرين الذين اُتهموا بأن ما يكتبونه من أفكار هو خروج عن الدين ويشكل تعديا عليه بدءً من الدكتور طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي"، والشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مرورا بمنصور فهمي في بحثه "أحوال المرأة في الإسلام"، والأستاذ خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ"، ومحمود الشرقاوي في كتابه "الدين والضمير"، والدكتور لويس عوض في كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية"، والكاتب علاء حامد عن رواية "مسافة في عقل رجل"، والدكتور نصر حامد أبو زيد عن مجمل كتبه ودراساته، والمدون كريم عامر عن كتاباته في المدونة، والدكتورة نوال السسعداوي عن مسرحية "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة"، والشاعر حلمي سالم عن قصيدته "شرفة ليلى مراد"، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، والشاعر أحمد الشهاوي عن ديوان "الوصايا في عشق النساء"، والفنانة ليلى علوي عن فيلم "باحب السيما"، والفنان عادل إمام عن مجمل أعماله الفنية، إضافة إلى الكاتب إسلام بحيري، والكاتبة فاطمة ناعوت، وأطفال المنيا الأربعة لتمثيلهم مقطع يسخر من "داعش".
لقد آن الأوان أن نتصدى في مصر لكل ما يتناقض مع الضمانات الدستورية لحرية الاعتقاد، وحرية التعبير، وحرية الدين والمعتقد بإلغاء مادة 98 فقرة (و) من قانون العقوبات المصري.
سيادة الرئيس
إن الخطر الحقيقي على وحدة الأمة ليس في الاختلافات العقائدية بين أبنائها ولكن في "خطاب الكراهية" وهو "أي قول أو لفتة أو سلوك أو كتابة أو نشر يحط من قدر فرد أو طائفة من الناس، على أساس الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى معايير تحكمية أخرى، أو يحرض على العنف ضدهم، أو يهاجمهم، أو يهددهم أو يروعهم، أو يدعو لإجراءات تمييزية ضدهم"، ومن ثم يجب تجريم هذا الخطاب.
ثانيا إصلاح الأزهر
لا يعترف الدين الإسلامي بأي وسيط بين الإنسان والله تعالى، ولذلك لا يوجد في القرآن الكريم أي ذكر لرجال الدين ولكن الحاصل في مصر وفي غيرها من البلدان الإسلامية أن المؤسسات الدينية تتمتع بنوع من القداسة وفي الوجدان الشعبي لا يختلف "الشيخ" الأزهري عن "القس" المسيحي أو "آية الله" الشيعي ولا يقتصر الأمر على عادة تقبيل يد الشيخ وبالذات في القرى، ولكن اللهث وراء الفتاوى يجعل هؤلاء المشايخ مصدر قوة وتأثير ومن الأفضل تنظيم هذه القوة بدلا من تركها نهبا للعشوائية كما هو الحال حاليا. في هذا الإطار أقترح ما يلي:
1- إدماج دار الإفتاء ووزارة الأوقاف في الجامع الأزهر، مما يؤدي إلى ضم وظيفة الإفتاء إلى شيخ الجامع الأزهر، وعودة الأوقاف الإسلامية إلى الأزهر وانفراده بتحصيل الزكاة من المؤمنين وحصيلة صناديق النذور في مساجد الأولياء مما يضمن استقلاله المالي ويفصل ميزانيته عن ميزانية الدولة.
2- ضم المساجد والزوايا السنية المملوكة لأفراد أو جمعيات إلى الجامع الأزهر وكذلك المساجد التي تديرها حاليا وزارة الأوقاف وانفراده بتعيين أئمتها.
3- إزالة الأثقال التي تعوق الجامع الأزهر عن أداء دوره الديني المتمثل في إعداد الدعاة وأئمة المساجد على غرار إعداد القساوسة، ويتأتى هذا بعدم تحميل الأزهر بعبء التعليم العام أو التعليم العالي ويتم إدماج المعاهد الأزهرية الحالية ضمن منظومة التعليم المدني تحت إشـــــراف وزارة التربية والتعليم، وفصل الكليات المدنية عن جامعة الأزهر. أما الجامع الأزهر فيقتصر دوره التعليمي على كليه للدراسات الدينية الإسلامية على غرار الكلية الاكليريكية اللاهوتية بهدف إعداد كوادر من الدعاة المسلمين قادرين على تعليم الدين الإسلامي بما يحتوية من عقائد ومناسك وشريعة ... الخ من خلال القرآن والسنة المؤكدة مع تطوير الدراسات الدينية بحيث تعالج مشاكل وقضايا الحاضر والمستقبل بدلا من حبسها في إطار الماضي السحيق، إلغاء التعليم الديني قبل الجامعي، ويلتحق بكلية الدراسات الإسلامية الراغبين في التفرغ للدعوة الإسلامية بعد انتهائهم من التعليم الجامعي.
4- تنظيم الجامع الأزهر على أسس تراتبية من أعلى إلى أسفل، أي من شيخ الأزهر المنتخب من هيئة كبار العلماء، غير القابل للعزل، ثم شيخ المحافظة، ثم شيخ القسم/المركز، ثم شيخ الحي/القرية، وصولا إلى شيخ مسجد الشارع، وهي الوظيفة التي يتولاها رجل الدين بعد تخرجه من كلية الدراسات الدينية التابعة للجامع الأزهر، وكلما زادت خبرته، ودراساته الدينية يصبح مؤهلا للارتقاء إلى المستوى الأعلى، ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من خبرات الشيعة أو الكنيسة القبطية.
5- الرقابة الصارمة من الدولة على مناهج تدريس الدين في المدارس والقائمين على تدريسها للتأكد من أن المحتوى لا يتضمن أي خطاب كراهية أو تشجيع على العنف ضد المختلف دينيا أو ما يهدد الوحدة الوطنية أو يتعارض مع حرية المعتقد.
سيادة الرئيس
آمل أن تطبق كل أو بعض المقترحات أعلاه من أجل تعديل البنية الدستورية والقانونية التي تطلق إمكانيات التغيير وبحيث يكون الدين محفزا وداعما للتقدم والتنوير الذي نتمناه جميعا لمصر.