حقائق حول موقع الضبعة
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن
-
العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 10:11
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
طالعت بصحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 22 أغسطس 2012 خبرا حول بيان صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بخصوص موقع الضبعة، ولدهشتي مما جاء به فقد رجعت إلى موقع المبادرة لأني أعتبرها من منظمات المجتمع المدني التي تتميز بالمصداقية والدقة في التوثيق والتحري، ولكن أدهشني أن وجدت فعلا أن البيان المعنون "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تحذر من اعتداء جديد على أهالي الضبعة" قد خرج عما اعتدناه من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من التزام الحقيقة وصدقية المعلومات فقد جاء مرسلا مليئا بالمعلومات المغلوطة ويفتقر للحد الأدنى من الدقة ويتلخص ما جاء به في ما يلي:
1- تم في عام 1981 نزع ملكية أرض بالضبعة لإقامة مشروع المحطة النووية، ونظرا لأنه لم يتم تنفيذ المشروع فيجب إعادة الأرض لأصحابها لانتفاء سبب المصادرة.
2- تم إخلاء السكان قسرياً في عام 2003 بقرار من محافظ مطروح آنذاك حمل رقم 160 لسنة 2003.
3- تحويل الأرض المنتزعة من أهلها إلى مصيف خاص ومنتجع سياحي لعاملي هيئة الطاقة النووية، وتوقف المشروع تماماً في عام 2006.
4- اعتزام هيئة المحطات النووية استخدام عامليها!! في إزالة "جميع صور التعديات على موقع الضبعة" بعد عيد الفطر مباشرة.
5- الاستغراب من إصرار هيئة المحطات النووية على المضي قدماً فى مشروع تؤكد كل المؤشرات على نية الجهات السيادية والتنفيذية مراجعته.
ويهمني بهذا الخصوص أن أوضح الحقائق التالية:
1- جميع الأراضي المخصصة لمشروع المحطات النووية أراض صحراوية مملوكة للدولة ملكية خاصة ولها وحدها حق التصرف فيها، ويحظر القانون وضع اليد على أملاك الدولة الخاصة أو حيازتها بأي صفة وأي وضع يد عليها لا يعتد به ولا يكسب صاحبه أي حق عيني بالتقادم، لهذا فإن القرار الجمهوري الصادر عام 1981 كان قرار تخصيص وليس قرار نزع ملكية، ولا شك أن الإدارة القانونية القوية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعرف تماما الفرق بين "التخصيص" و"نزع الملكية"، بناء على ما سبق يتضح أنه لم يتم نزع أي ملكية لأن الأرض أصلا مملوكة للدولة ولذا كانت التعويضات فقط عن المباني والمزروعات التي تم حصرها بمعرفة هيئة المساحة عند صدور قرار التخصيص عام 1981، وبالتالي لا مجال لحديث المبادرة المصرية عن "وجوب الانتهاء من المشروع الذى صدر قرار نزع الملكية لتنفيذه خلال عامين من تاريخ صدور القرار وإلا سقط وعد كأن لم يكن".
2- ليس لقرار محافظ مطروح رقم 160 لسنة 2003 أي علاقة بقرار إزالة جميع التواجدات والإشغالات الموجودة داخل موقع مشروع المحطة النووية، ولكنه يتعلق بالحزام الأمني خارج أسوار الموقع الذي تحدد بناء على كتاب من فرع إعداد الدولة للحرب بوزارة الدفاع الصادر بتاريخ 23 أغسطس 1981 وتضمن ضرورة ترك منطقة حرام عازلة خالية من أي منشآت..... وذلك حتى 2.5 كم (اثنين ونصف كيلومتر) من حدود الموقع، والسماح بإقامة تجمعات سكانية في حدود 25 ألف نسمة على مسافة 6 كم من حدود الموقع، أي أن المنطقة العازلة أو الحزام الأمني قد تحددت من قبل القوات المسلحة لأغراض الدفاع عن المحطة ضد أي اعتداءات عسكرية من دول أو منظمات إرهابية أو أفراد، وبالتالي فإن أي إشغالات في هذه المنطقة هي اعتداء على الحزام الأمني المحدد من قبل القوات المسلحة لأغراض الدفاع.
3- بمجرد صدور القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 قامت الهيئة المصرية العامة للمساحة بتقدير قيمة التعويض المستحق لكل حالة عن المباني والمغروسات فقط، حيث أن الأراضي مملوكة للدولة، ولم تتقيد اللجان التي قامت بحصر ومعاينة وتعويض المغروسات داخل أرض الموقع بالأسس المتعارف عليها، بل استرشدت بجداول وضعت بمعرفة لجان شكلت من المجلس المحلي لمدينة العامرية الجديدة، والمجلس المحلي لمحافظة مطروح زادت فيها من قيمة التعويضات المتعارف عليها في عام 1981، وعلى الرغم من ذلك فقد تم زيادة قيمة تعويضات المغروسات بنسبة 40% إضافية على القيمة المقدرة بمعرفة لجان التثمين إذا ما تم تسليمها قائمة (أي سليمة).
4- قامت هيئة المحطات النووية بدفع التعويضات المقررة قانونا لواضعي اليد داخل المساحة المحددة لإنشاء محطات نووية إلا أنهم ظلوا مقيمين بالأرض، وطالبت الهيئة الجهة الإدارية المنوط بها تنفيذ القانون وإخلاء الموقع من التعديات وهي محافظة مطروح، إلا أنها تقاعست وراوغت وناورت، إزاء هذا العبث وإهدار المال العام صدر بتاريخ 28/7/2003 أمر القائد العام للقوات المسلحة بإزالة جميع التواجدات والإشغالات الموجودة داخل أسوار المحطة والصادر بشأنها القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 حيث سبق صرف التعويضات لها بمعرفة وزارة الكهرباء والطاقة، وإزالة جميع التواجدات الغير مستقرة الموجودة داخل الحزام الأمني للمحطة والواقعة على مسافة 2.5 كم شرقا وغربا من حدود أسوار المحطة وجنوبا حتى طريق الإسكندرية/مطروح، وحصر جميع الإشغالات المستقرة وتوصيفها والتي يصعب إزالتها المتواجدة داخل الحزام الأمني.
5- بتاريخ 31/7/2003 صدر كتاب عن الأمانة العامة لوزارة الدفاع حدد الإجراءات المطلوبة من كل جهة والتي ألزمت محافظة مطروح بإصدار إنذارات إدارية بصفة فورية لجميع الإشغالات الغير قانونية والتي لم يصدر لها أي تراخيص داخل الحزام الأمني 2.5 كم شرقا وغربا وإزالتها فورا خلال (15) يوم من تاريخه، وعدم إصدار أي تراخيص جديدة داخل الحزام الأمني وإبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، وحصر دقيق وتوصيف لجميع الإشغالات المستقرة داخل الحزام الأمني ... لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، وبناء على ما سبق صدر 133 قرار إزالة وتم إخطار مديرية أمن مطروح لاتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ الإزالة لهذه الإشغالات الغير قانونية، وصدر قرار محافظ مطروح رقم 160 لسنة 2003 بعدم تخصيص أو إصدار تراخيص داخل الحزام الأمني للمحطة، وحصر جميع الإشغالات غير القانونية المستقرة الصادر لها تراخيص داخل الحزام الأمني وهي 39 إشغال منها قريتين سياحيتين، وقد تقرر في إطار الحل التوفيقي الإبقاء على هذه الإشغالات المستقرة.
6- من السقطات التي وقع فيها بيان المبادرة الزعم بأنه "تم تحويل الأرض المنتزعة من أهلها إلى مصيف خاص ومنتجع سياحي لعاملي هيئة الطاقة النووية، وتوقف المشروع تماماً في عام 2006"، وباعتباري عملت بالموقع لمدة خمس سنوات (2002-2007) وكنت المهندس المقيم، أستطيع أن أؤكد بضمير نقي أنه لا وجود لمثل هذه المنتجعات، وقد كنت أتوقع بعد اقتحام الموقع من قبل عصابات مسلحة، وزيارته من قبل ما يسمى بـ "لجنة تقصي الحقائق" والتي شاركت فيها المبادرة، أن يكون الكشف عن هذه المنتجعات السياحية المزعومة مدعما بصور وأفلام فيديو التقطها أعضاء "لجنة تقصي الحقائق" بدلا من الاكتفاء بحضور مأدبة غداء، والعنعنة وهو أمر لا يليق بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي أكن لها كل احترام، من ناحية أخرى فالمشروع لم يتوقف تماما في عام 2006 كما زعم البيان، والعكس هو الصحيح فقد توقف المشروع عام 1986 لمدة 20 سنة وتم إحياءه عام 2006 بعد اتضاح أكاذيب وزير البترول سامح فهمي بأن مصر غنية بالغاز الطبيعي لتبرير تصديره إلى إسرائيل.
7- من الأمور المثيرة للسخرية الزعم باعتزام الهيئة "إزالة التعديات عن طريق العاملين بها، متجاهلةً القنوات التنفيذية الشرعية المنوط بها تنفيذ مثل هذا القرار حال صدوره وفقاً لإجراءات ومعايير محددة قانوناً"، وقد رجعت لجريدة الأهرام التي نسب البيان إليها هذا الخبر ولم أجد أي ذكر لاستخدام العاملين بالهيئة في إزالة التعديات، وليس لدى الهيئة – أو غيرها من الإدارات المدنية بالدولة - جيش أو شرطة خاصين بها فكل العاملين بها عاملين مدنيين ولا يمتلكون أي أسلحة، وتنظم المادة 970 من القانون المدني كيفية إزالة التعدي على ممتلكات الدولة وتنص على أنه "في حالة حصول التعدي يكون للوزير المختص (وزير الكهرباء والطاقة في حالتنا) إزالته إداريا"، وبالطبع سيتم هذا بالتعاون مع الجهات التي يمكنها التنفيذ بالقوة وهما على سبيل الحصر وزارة الداخلية ووزارة الدفاع.
8- وأخيرا أعجب للأسباب التي دعت لأن تقحم المبادرة نفسها في مجال لا تعرف عنه شيء وهو مجال الطاقة، دون أن تحاول حتى تنظيم ندوة عن الموضوع تدعو له الأطراف المختلفة، ويتضمن البيان أقوال غير معقولة مثل القول بـ"إصرار هيئة المحطات النووية على المضي قدماً فى مشروع تؤكد كل المؤشرات على نية الجهات السيادية والتنفيذية مراجعته"، وكأن الهيئة ليست جزء من الجهاز التنفيذي للدولة، وكأنها تستطيع المضي قدما في هذا المشروع ليس فقط دون موافقة سياسية صريحة، ولكن أيضا دون التزام حكومي راسخ بتمويل المشروع والقيام بأعبائه المختلفة، أو القول دون دراية بأن "البدائل المتجددة للطاقة - والتي تمثل حلولاً أكثر أمناً واستدامةً وفعاليةً لمشكلة الطاقة في مصر من حيث الكلفة الاقتصادية والآثار البيئية وإستراتيجية التوليد والاكتفاء من الطاقة"، وكأن وزارة الكهرباء والطاقة حين تخطط للتوسعات المستقبلية لمنظومة التوليد الكهربي، تفتقر للخبراء في مجالات التوليد باستخدام الطاقات التقليدية، والطاقات المتجددة، والطاقة النووية.
ما يحزنني فعلا أن مثل هذه البيانات توحي للقارئ بأن الهدف هو تنفيذ ما سعت إليه إسرائيل طبقا لما أعلنه أمنون شاحاك رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق "كل الوسائل مقبولة لحرمان الدول العربية من القدرات النووية".