ماذا يحدث في مشروع المحطة النووية بالضبعة؟
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن
-
العدد: 6948 - 2021 / 7 / 4 - 20:46
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
كانت مصر من أوائل الدول التي أدركت أهمية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في تعزيز التقدم والازدهار في كافة مناحي الحياة كالتطبيقات النووية والإشعاعية في مجالات الزراعة والصناعة والطب النووي، بالإضافة لمجالات توليد الكهرباء وتوفير الطاقة الحرارية للتطبيقات الصناعية وتحلية مياه البحر. وبينما انطلقت تطبيقات النظائر المشعة وتكنولوجيا الإشعاع فقد تعثرت محاولات إدخال الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر منذ أول محاولة عام 1964 حتى آخر محاولة في عهد الرئيس مبارك عام 1986 الذي اتسم عهده بالركود وتوقف البرنامج النووي لمدة عشرين عاما بذلت أثنائها محاولات مستميتة من القطاع الأكثر طفيلية في الرأسمالية المصرية للاستيلاء على موقع الضبعة وإعلان وفاة البرنامج النووي رسميا وهو ما قوبل بمقاومة عنيفة من القوى الحية في المجتمع المصري وعززها استيقاظ النخبة الحاكمة على حقيقة نضوب احتياطيات الغاز الطبيعي وتحول مصر من دولة مصدرة إلى دولة مستوردة للغاز، وهو ما أدى لبعث البرنامج النووي.
في عام 2007 أعلن القرار الاستراتيجي ببدء برنامج لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وأن مصر ستبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، وأخذ في الاعتبار إمكانية التعاون مع روسيا، وفي هذا الإطار تم توقيع اتفاق التعاون في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية وروسيا الاتحادية في 25 مارس 2008 وهو إطار للتعاون يماثل اتفاقات أخرى موقعة مع فرنسا وكندا وكوريا الجنوبية وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما تم اختيار شركة "وورلي باسونز" كاستشاري للمشروع في 2009، وصدر القانون رقم (7) لسنة 2010 بتنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية وإنشاء الجهة المسئولة عن الرقابة على الأنشطة النووية والإشعاعية، وفي بدايات سنة 2011 تم الانتهاء من إعداد المواصفات الفنية ووثائق طرح المناقصة، إلا أن المشروع توقف بسبب اندلاع ثورة 25 يناير. ومع ذلك صدر قرار رئيس الوزراء رقم 1326 لسنة 2011 المنشور بالجريدة الرسمية – العدد 42 (مكرر) في 26 أكتوبر سنة 2011، بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية الصادر بالقانون رقم 7 لسنة 2010، ولكن في يناير 2012 جرى اقتحام موقع المحطة النووية بالضبعة من قبل مجموعات مسلحة تقودها عناصر سلفية وتدميره بالكامل ونهب معداته
بعد 30 يونيو 2013 تسارعت خطوات تنفيذ البرنامج من خلال:
• استعادة أرض المشروع بواسطة القوات المسلحة بعد التوصل لاتفاق مع الأهالي برعاية المخابرات الحربية (30 سبتمبر 2013)
• بدء التفاوض الرسمى مع شركة روس آتوم الروسية بشأن عرضهم لإنشاء المحطة النووية بالضبعة لتوليد الكهرباء ( مارس 2015).
• التوقيع علي اتفاقيتين (19 نوفمبر 2015) مع روسيا هما:
o التعاون بين مصر وروسيا لإنشاء وتشغيل محطة الطاقة النووية بالضبعة.
o قرض روسي لتمويل بناء وتوريد المحطة النووية (نشر في الجريدة الرسمية – العدد 20 في 19 مايو 2016)
• التوقيع على بدء سريان عقود تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة وتزويد مصر بالوقود النووى (11 ديسمبر 2017) بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، ووقع عن الجانب المصري الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة وعن الجانب الروسى المدير العام لشركة "روس آتوم"، أليكسي ليخاتشوف.. وهي العقود التالية:
o عقد التصميم والتركيب،
o وعقد توريد الوقود النووى،
o وعقد توفير المعونة الفنية فى التشغيل والصيانة،
o وعقد إنشاء مستودع لتخزين الوقود النووى المستهلك
وأعلن أنه سيتم ربط الوحدات النووية وتشغيلها وفقًا للجدول الزمني لتشغيل الوحدات النووية الذي ظلت الوزارة متمسكة حتى شهور قريبة وهو: الوحدة الأولى في 9 فبراير 2026، والوحدة الثانية في 12 أغسطس 2026، والثالثة في 12 أغسطس 2027 والأخيرة في 9 فبراير 2028، أي أن بناء المفاعل الأول سيستغرق ثمان سنوات وشهرين يتخللهم بحد أقصى فترات توقف مجموعها ثلاث سنوات وثمانية أشهر للحصول على التراخيص المطلوبة في المراحل المختلفة للمشروع أي أن مجموع فترات الإنشاء سيكون أربعة سنوات ونصف.
فقد حددت المادة 13 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية المراحل المختلفة لترخيص المحطات النووية، والمدة الزمنية التي ستصدر خلالها هيئة الرقابة النووية والإشعاعية الترخيص المطلوب من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة، على النحو التالي:
• أولا: مرحلة إذن قبول اختيار الموقع ... يصدر الإذن خلال سنة
• ثانيا: مرحلة إذن الإنشاء ويقدم الطلب مرفقا به عدد 12 وثيقة منها صورة من إذن قبول الموقع ويصدر الإذن خلال 18 شهر
• ثالثا: مرحلة إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل .. ويصدر الإذن خلال 6 شهور
• رابعا: مرحلة إذن تحميل الوقود والوصول للحرجية ... ويصدر الإذن خلال شهرين
• خامسا: مرحلة ترخيص التشغيل ... ويصدر الإذن خلال 6 شهور
• سادسا: مرحلة ترخيص الخروج من الخدمة بمرحلتيه (الإيقاف – التفكيك) ... ويصدر الإذن خلال سنة.
رغم التكتم الشديد وعدم الشفافية التي اتسم بها تنفيذ المشروع منذ بدء تنفيذه إلا أن الإحساس العام كان الارتياح للخطوات المتخذة فمن ناحية صدر إذن قبول الموقع في 10 مارس 2019 من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بدعم من بعثة مراجعة دولية لها الصفة الاستقلالية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراجعة الوثائق المقدمة وبالأخص فيما يتعلق بمراجعة تقرير تقييم الموقع والجزء الإشعاعي من تقرير تقييم الأثر البيئي، ومن ناحية أخرى فقد تسربت أنباء عن تطوير البنية الأساسية غير النووية مثل ميناء لاستقبال المعدات الثقيلة بدلا من تطوير الطرق بتكلفة باهظة، وإنشاء مبان إدارية ومدينة سكنية للعاملين الروس والمصريين ... الخ.
ولكن بدأت تصريحات رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية تتضارب وتعكس عدم متابعة ما يجري في المشروع. فقد صرح سيادته في أكثر من مناسبة آخرها طبقا لتصريحه لجريدة اليوم السابع بتاريخ 21 مايو 2021 بأنه تم تقديم الطلب للحصول على إذن الإنشاء في نفس يوم الحصول على إذن قبول الموقع ، وهو ما كان يفترض معه طبقا للقواعد المحددة من قبل هيئة الرقابة النووية والإشعاعية أن يصدر إذن الإنشاء في موعد أقصاه 10 سبتمبر 2020 إذا كانت جميع المستندات المطلوبة جاهزة ولا ينقصها إلا صورة إذن قبول الموقع الذي حصلت عليه الهيئة في نفس اليوم. إلا أنه قبيل الموعد المفترض لصدور إذن الإنشاء أكد سيادته في حديث لجريدة الوطن بتاريخ 28 مايو 2020 "أنه من المتوقع أن يصدر إذن قبول الإنشاء لموقع محطة الضبعة النووية خلال شهريونيو المقبل" أي قبل أقصى موعد طبقا للائحة التنفيذية للقانون النووي. ولكن بعد أسبوع واحد نشر تصريح لرئيس الهيئة يفيد بأن الموعد المتوقع هو يوليو 2021 أي بتأخير سنة، وعاد وأكد في 13 ديسمبر 2020 لجريدة اليوم السابع نفس الموعد الجديد ، ومؤخرا وقبيل الموعد الثاني المحدد فاجأنا السيد رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية بتصريح في 14 مايو 2021 في موقع اليوم السابع أكد فيه "أنه من المتوقع أن يصدر إذن قبول الإنشاء لموقع الضبعة يوليو 2022". أي بتأخير سنتين عن الموعد الذي كان يفترض فيه صدور هذا الإذن، وهو ما أكده سيادته مؤخرا (الشروق 1 يوليو 2021) بقوله "نأمل الحصول على إذن الإنشاء للمحطة خلال النصف الثانى من 2022.. ووضع أول طوبة قبل 6 أكتوبر من العام المقبل (2022)" وأضاف إنه "يتوقع تشغيل المفاعل الأول من محطة الضبعة النووية خلال عام 2028، على أن يتم بدء المفاعل الرابع والأخير فيها خلال فبراير 2030".
التأخير في حد ذاته متوقع فهذه أول محطة نووية لتوليد الكهرباء بمصر، ولم يسبق لهيئة المحطات النووية تشييد أي محطة نووية ولم يسبق لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية ترخيص أي محطة نووية لكن الشفافية مطلوبة ويجب أن يكون الشعب متابعا لتطورات العمل في إنشاء المحطة وأي عوائق وكيفية حلها ومن المسئول عنها فهو في نهاية الأمر من سيتحمل تكاليف هذه المحطة والتكاليف الإضافية الناجمة عن التأخير في إنشاء المحطة والتأخير في حصاد العوائد المالية من تشغيل المحطة.
إن مسئولية التأخير سنتين حتى الآن عن تنفيذ مشروع المحطة النووية لتوليد الكهرباء تنحصر في:
1- هيئة المحطات النووية بعدم تفهمها لمتطلبات الحصول ترخيص الإنشاء من قبل هيئة الرقابة النووية والإشعاعية ومن ثم عد نقل متطلبات ترخيص الإنشاء للروس لتوفيرها.
2- الجانب الروسي بتقاعسه عن توفير متطلبات الترخيص والتي لن تختلف كثيرا عن متطلبات الترخيص في روسيا نفسها أو في أي من البلدان التي تم فيها أو يجري إنشاء محطات روسية.
3- هيئة الرقابة النووية والإشعاعية التي يمكن أن تكون متعنتة في بعض المتطلبات أو غير واضحة فيها
أظن أن الجهة الوحيدة التي يمكنها استجلاء الحقيقة هي مجلس النواب الذي يملك استدعاء وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الذي تتبعه هيئة المحطات النووية ورئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية باعتبارها هيئة مستقلة وتحديد المسئول عن التأخير: هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، أم هيئة الرقابة النووية والإشعاعية؟ هل هو جهل من قبل الأولى بمتطلبات الترخيص أم تعنت من جانب الثانية؟ وما هي إجراءات تلافي القصور إن وجدت؟ وعلى ضوء عدم خبرة أي من الهيئتين بترخيص محطات نووية في السابق هل يتم الاستعانة باستشاريين عالميين ذوي خبرة أم أن الأمر متروك للاجتهادات الشخصية؟ وفي أي نقطة نحن في عملية الترخيص؟