برنامج مقترح لتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن
-
العدد: 4859 - 2015 / 7 / 7 - 14:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تخوض مصر الآن معركة مصيرية في مواجهة عصابات الإرهاب الأسود المدعومة من دول وأجهزة استخبارات اجنبية تستهدف هدم الدولة الوطنية المصرية وتخريب مستقبل البلاد وإعادة حكم الإرهاب الأسود الذى ثارت عليه جماهير الشعب المصري قبل عامين.
ولكننا ندرك أن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون مواجهة شاملة تبدأ بتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب، وتنتهي بالتنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي هذا الإطار فإننا نتبنى البرنامج التالي لتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب:
أولا: تجديد الخطاب الديني
تشكيل لجان عالية المستوى تضم متخصصين في اللغة العربية وعلوم القرآن والعلوم الطبيعية تتولى إعداد تفسير حديث للقرآن الكريم، وإعداد كتاب حديث يضم الأحاديث الصحيحة التي تعتمد على سلامة المتن وعدم تناقضه مع القرآن الكريم ولا مع العلوم الطبيعية، وإعداد كتاب حديث بأصول الفقه يعالج المشاكل الحالية للمسلمين ويبتعد عن الخرافات وقضايا الماضي، وتكون هذه الكتب هي الكتب المعتمدة في تخريج الدعاة ومشايخ الجوامع من الجامع الأزهر.
ثانيا: تطوير الأزهر
وذلك بتأكيد سلطة الأزهر الدينية والتخفيف عنه بحذف الزوائد الدنيوية غير المؤهل لها وذلك عن طريق:
1- توحيد مؤسسات الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف في مؤسسة واحدة هي الجامع الأزهر.
2- تنظيم الأزهر هرميا بحيث يتشكل من وحدات يرأس كل منها شيخ برئاسة هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الجامع الأزهر الذي تنتخبه الهيئة، ويليها هيئة مشايخ المحافظة برئاسة شيخ المحافظة، ثم هيئة مشايخ المركز أو القسم برئاسة شيخ المركز أو القسم، ثم هيئة مشايخ القرية أو الحي برئاسة شيخ القرية أو الحي، وصولا إلى شيخ الشارع، ويتم اختيار المشايخ في أي مستوى بواسطة هيئة المشايخ في المستوى الأعلى.
3- إلغاء الزوايا أسفل العمارات السكنية، ونقل تبعية المساجد للجامع الأزهر وتقوم هذه المساجد بتدريس الدين الإسلامي للراغبين عن طريق "مدارس الجمعة" بالمساجد على غرار "مدارس الأحد" بالكنائس، وإلغاء تدريس الدين الإسلامي بواسطة أي جهة أخرى كوزارة التربية والتعليم.
4- إلغاء التعليم الأزهري وضمه لوزارة التربية والتعليم، وفصل الكليات المدنية عن الأزهر، واقتصار دور الأزهر على تخريج الدعاة وأئمة المساجد بعد انتهائهم من دراستهم الجامعية.
5- تطهير الجامع الأزهر من الإخوان والسلفيين وإبعادهم عن أي مناصب فيه.
6- ضمان استقلال الأزهر في كل شئونه، وعدم تدخل الدولة في شئونه، وعدم تدخله في شئون الدولة.
ثالثا: حل الجمعيات الدينية
ومصادرة أموالها ومقراتها، ومنع الدروس الخصوصية فى كل المراكز التابعة للمساجد والكنائس، وتحويل تبعيتها لوزارة التربية والتعليم و كذلك العيادات والمستوصفات التابعة لدور العبادة و تحويل تبعيتها جميعا لوزارة الصحة، فالأصل ان التعليم و الصحة من مهام الدولة
رابعا: مكافحة التمييز الديني والفرز الطائفي
توجد أسس قانونية للتميز الديني في مصر ولكن اخطر مصادر التمييز الديني هي تدني الوعي الشعبي وزيادة الانغلاق الطائفي الذي يدفع أيضا إلى ممارسة العنف الطائفي تجاه الأقليات، كما أن هناك جهات تدفع تجاه التمييز الديني والاستعلاء الطائفي وازدراء الطوائف الأخرى.
كل مواطن مصري أيا كانت عقيدته الدينية يجب أن يتساوى مع كل المواطنين ليس فقط أمام القضاء ولكن أيضا في المعاملات اليومية، ولمناهضة التمييز الديني والفرز الطائفي نقترح الإجراءات التالية:
1- مكافحة التمييز الديني في التعليم
أ- إعمال حزمة من التدخلات الإدارية الصارمة لاستئصال التخلف والتعصب الديني من مؤسسات التعليم عن طريق:
• استئصال المعلمين السلفيين والتابعين للإخوان المسلمين من المنظومة التعليمية وعدم السماح لهم بالاقتراب منها مطلقا (الدروس الخصوصية مثلا)، واستبدالهم بخريجي الجامعات العاطلين عن العمل بعد تأهيلهم تربويا.
• تطبيق معايير صارمة لتقييم أداء المعلمين ومدى التزامهم بقواعد واضحة ومعلنة للتدريس والسلوكيات في الفصول المدرسية وفي تعاملهم مع الطلاب.
• التدقيق في اختيار المعلمين والمعلمات والاهتمام بالإضافة إلى الاختبارات التحريرية والشفوية لهم، بإجراء المقابلات الشخصية والفحص النفسي للمتقدمين لضمان عدم تسرب عناصر متعصبة دينيا إلى الحقل التعليمي والتربوي.
• إعادة تأهيل العاملين بالوظائف التدريسية بحيث يصبحون قادرين على استخدام الحوار والحجة، ولا يتلاعبون بالنصوص لترويج فكر متعصب، ولا يخرجون عن نصوص المناهج الدراسية المعتمدة، ويعتمدون على المنطق والعلم، ويعملون على نشر ثقافة التسامح الديني.
ب- تطهير كليات التربية ومدارس المعلمين من المعلمين والأساتذة والطلاب السلفيين والتابعين لجماعة الإخوان المسلمين، والتأكد من خلو المقررات الدراسية من كل ما يعمق التقسيم والفرز الطائفي بين المواطنين المصريين.
ج- تدعيم سيطرة الدولة على كافة المنظومات التعليمية لضمان الجودة التعليمية في التطبيق العملي، والتأكد من عدم تحول المدارس إلى مشروعات تجارية استغلالية فاحشة، وبما يكفل التنوع في برامج التعليم مع ضمانة توافرها للجميع بحسب الرغبة والكفاءة، وعلي أساس التعليم الوطني الذي يدعم الهوية المصرية، وتأميم المدارس التابعة لجماعات دينية والتي يقتصر الالتحاق بها على أبناء أتباع هذه الديانة.
د- الاستفادة من خبرات وتجارب البلدان المتقدمة في القضاء على كافة أنواع التمييز وخاصة التمييز الديني في المدارس والجامعات، عن طريق تطوير المناهج، ومحتوى ومضمون المقررات التعليمية، ونظم التقييم والامتحانات، وأساليب التعلم، وتعديل كافة التشريعات بما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص ومنع كافة أشكال التمييز في المؤسسات التعليمية.
2- مكافحة التمييز الديني في الإعلام
رغم الجهود المخلصة لبعض الإعلاميين والصحفيين في مواجهة التعصب الديني والطائفية في مصر إلا أن الإعلام مهموم بشكل عام بالهوية الدينية لموضوعاته وأشخاصه، وبالتالي يبرز نفسه باعتباره إعلاما طائفيا وليس باعتباره إعلاما مصريا، ومن هنا فإن التغطية الإعلامية للأحداث الطائفية في مصر تبرز كتغطية إعلامية منحازة طائفيا. ويلاحظ في هذا الصدد أن أجهزة الإعلام المصرية – المسموعة والمرئية والمقروءة – قد دأبت على تغطية الأحداث الطائفية بشكل يفتقر عادة إلى احترام القواعد المهنية الأمينة.
كما تلاحظ إن هذه الخطابات الدينية المتطرفة لا تعبر عن التيار الرئيسي للمسلمين والمسيحيين، فغالبية المصريين - من المسلمين والمسيحيين على السواء - ترفض هذا الخطاب المتعصب، إلا أن المشكلة الرئيسية تكمن في غياب مناخ وآليات مؤسسية تساعد في إبراز موقف هذه الأغلبية على الجانبين إعلاميا، وتمكنها من تنظيم صفوفها وتشكيل جبهة موحدة قادرة على التصدي للشحن الطائفي، ومن المؤسف أن التغطية الإعلامية السائدة تبرز هذه الأغلبية على الجانبين وكأنها مستسلمة لآلة الفرز والشحن الطائفيين الأعلى صوتا في إعلام المتطرفين. في ظل هذا الوضع يعتبر التصدي للخطاب الطائفي المتعصب شرطا جوهريا لحرمانه من التحدث باسم المصريين بعد تقسيمهم إلى طوائف عنوة واقتدارا، وفي هذا الإطار فإننا نقترح الإجراءات التالية:
أ- إنشاء مجلس قومي مستقل للإعلام المرئي والمسموع غير خاضع لأي سيطرة أو تدخل حكومي يتولى مراقبة احترام وسائل الإعلام المصرية لحرية التعبير، والتأكد من أنها لا تمارس الدعوة إلى الكراهية والتمييز على أساس الدين أو اللون أو العنصر أو الجنس أو على أي أساس آخر، ويعمل طبقا لمدونة مبادئ مهنية تجرم التمييز بكافة أشكاله، ويديره مجلس أمناء من الشخصيات العامة المعروفة باستقلاليتها.
ب- إقامة مرصد مدني يتولى رصد الخطابات الطائفية وانتهاكات مبدأ المواطنة في الإعلام والثقافة والفن وغيرها من أشكال الخطاب العام، كما يتولى إجراء دراسات وأبحاث بشأن المواطنة فيما يتعلق بالوعي العام وجذور التمييز الديني والخطابات الطائفية وطبيعتها ومقولاتها الأساسية، بما يتيح وضع أسس فكرية ومنهجية عميقة لخطاب المواطنة، ومخاطبة المواطنين والسلطات العامة وفقا لنتائجها.
ج- إلزام وسائل الإعلام بإعلاء مبدأ المواطنة بما يحمله هذا المبدأ من معاني عميقة تقوم على تأكيد المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ومن ثم جعل قيمة المواطنة أرضية صلبة وخلفية قوية لا غنى عنها في المعالجة الصحفية/ الإعلامية للأحداث المختلفة.
د- إلزام وسائل الإعلام باحترام المعتقدات الدينية وعدم الإساءة إليها أو تناولها بالتجريح، ذلك أن كل إنسان إنما يؤمن بمعتقده الديني إيماناً مطلقاً ويرفض المساس به أو تناوله بالنقد الجارح، مما يتطلب الالتزام بالقيم التي تحافظ على وحدة المجتمع المصري بكل تنوعه وتناغمه وعلى رأسها قيمة المواطنة.
ه- إلزام وسائل الإعلام سواء المملوكة للدولة أو للقطاع الخاص والتي تتناول الشئون الدينية أو الأحداث الطائفية بالأصول المهنية في صياغة وتحرير الأخبار والتقارير وفقا للقواعد المهنية السليمة من حيث دقة وتوثيق المعلومات، ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحا وممكنا.
و- حث المؤسسات الإعلامية على إصدار مدونة سلوك تحكم العمل الإعلامي فيما يتعلق بتغطية الشئون الدينية والأحداث ذات الطابع الطائفي.
3- تفعيل المبادئ التي نص عليها الدستور
أ- إلزام مؤسسات الدولة بالقيام بدورها في تفعيل أسس دولة سيادة المواطنة والقانون، وفي تكريس مبدأ المساواة الذبن ينص عليهما الدستور كسياسة عامة تترجم واقعيا فيما يتخذ من قرارات إدارية ومشروعات قوانين.
ب- تفعيل المادة (74) من الدستور والتي تنص على أنه "للمواطنين حق تكوين الأحزاب ألسياسية بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بســبب الجنــس أو الأصل أو على أسـاس طائفى أو جغرافى .... الخ."، وذلك بحل جميع الأحزاب القائمة على أساس ديني ومصادرة ممتلكاتها وتصفية كل نشاط لها
ج- التوجه إلي خيرة خبراءنا القانونيين والحقوقيين للعمل على تعديل المادة الثانية من الدستور باستنباط مقاصد الشريعة الإسلامية، جنبا إلي جنب مع استلهام كافة القيم التي استقرت عليها الإنسانية والتي تضمنتها جميع الأديان والشرائع السماوية وغيرها من قيم حثّت عليها مواثيق حقوق الإنسان وتوافق عليها العالم وأقرها منظماته الدولية لجعلها هي المصدر الرئيسي للتشريع.
د- تشكيل لجنة وطنية تتولى فحص وتنقية القوانين المصرية من كل ما يقيد حق المواطن المصري في حرية العقيدة وفي ممارسة الشعائر، بما يتضمنه ذلك من تجريم فرض العقائد بالإكراه والقوة سواء من قبل الدولة أو المنظمات أو الأفراد، مع تجديد المطالبة بإلغاء خانة الديانة من كل الأوراق الرسمية أو على الأقل جعلها اختيارية.
ه- إصدار تشريع يجرم أي تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق ويعاقب عليه بجزاء قانوني، يحاسب بموجبه كل من يثبت ممارسته التمييز ضد أي مواطن أو مواطنه، وإنشاء هيئة قومية تتولى مراقبة حقوق المواطنة وتضطلع بمهمة تلقي الشكاوى الخاصة بالتمييز ضد المواطنين والبت فيها.
و- إصدار قانون موحد لإنشاء وترميم دور العبادة دون تفرقة على أساس الديانة.
ز- تشكيل مفوضية تكافؤ الفرص ومكافحة التمييز
ح- دعم ومساندة المبادرات الفردية والجماعية التي تدعو لمزيد من النشاطات المشتركة بين المواطنين المصريين على اختلاف معتقداتهم الدينية في كافة مناحي الحياة.
إن التمييز الديني والفرز الطائفي هما مصدر الإرهاب الذي يمثل أحد الأخطار الجسيمة التي تهدد وطننا ومواطنينا، ويتأكد إدراكنا لهذا الخطر بالنظر إلى كثير من المجتمعات حولنا التي تمزقها صراعات طائفية واسعة النطاق، ومن ثم فعلينا أن نبذل كل ما يمكننا كي نجنب وطننا مصر مصيرا مشابها وأن ندفع على العكس تجاه التسامح والتضامن الوطني مستلهمين تاريخنا الحديث، وخبرات العالم المتقدم في هزيمة الطائفية والانتصار لثقافة المواطنة والحقوق المتساوية لجميع المواطنين.