تهمة ازدراء الأديان عودة للقرون الوسطى
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن
-
العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 23:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في القرون الوسطى كانت تهمة "الهرطقة" في الفكر المسيحي و"الزندقة" و"البدعة" في الفكر الإسلامي كفيلة بأن يفقد الإنسان حياته، وهما تعنيان "كل ما يتعارض مع الرأي القويم، أو هي كل نكران لحق قويم"، والهرطقة والزندقة ليستا وصفا موضوعيا و إنما تنطلق من وجهة نظر من يستخدمها الذي ينتمي إلى جماعة كانت قد اتفقت فيما بينها مسبقا على ما هو صحيح و ملتزم بالأصل، لذا وجدنا اتهام كوبرنيكس بالهرطقة لأنه نفى مركزية الأرض وقال أن الكواكب تدور في فلك حول الشمس. والأرض واحدة من هذه الكواكب وتدور حول محورها. وفي هذه الفترة تعرض العديد من العلماء للاتهام بالهرطقة.
أما في العصر الحديث، فتعود جرائم التعدي على الأديان إلى ما قبل عام 1883 أخذا عن القانون الفرنسي الصادر في 17 مايو 1819 في العديد من المواد العقابية (المواد 160 و161 و176)، ولكن قانون الصحافة الفرنسي الصادر في 29 يوليو 1881 ألغى القانون على أساس أن الجرائم المنصوص عليها تعد من جرائم الرأي التي لا يجوز للقانون أن يعاقب عليها، إلا أن المواد العقابية في قانون العقوبات المصري بقيت على حالها، ثم أضيفت إلى تلك جريمة جديدة هي الأكثر شهرة وذيوعا وتشددا ومغالاة في عقوبتها وهي جريمة "ازدراء الأديان" (المادة 98 فقرة "و") التي ظهرت في قانون العقوبات المصري بمقتضى القانون رقم 29 لسنة 1982 بعد اغتيال الرئيس السادات فيما سمي وقتها بـ "قانون مكافحة الإرهاب".
وفي الآونة الأخيرة تصاعدت الاتهامات بجرائم التعدي على الأديان وازدرائها بحيث أصبحت سيفا مسلطا على الرقاب وقيدا على حرية التعبير وحرية الاعتقاد اللتين يضمنهما الدستور، فلم ينجوا من براثنها مسلم أو مسيحي، رجل أو امرأة، شاب أو طفل، وشهدت الفترة الأخيرة توسعا كبيرا في استخدامها بهدف ترويع المواطنين على اختلافهم أعمارهم وأديانهم ومشاربهم. كما اتسمت أغلب الحالات بانتهاك حق الضحايا في المحاكمة العادلة التي كفلها لهم الدستور والقانون؛ فبات الاتهام بازدراء الأديان ذريعة لعقاب المواطنين وسلبهم حرياتهم بغض النظر عن حقيقة كون الوقائع التي اتهموا فيها تشكل جريمة من عدمه.
وقد رصد الأستاذ حمدي الأسيوطي في كتابه القيم "ازدراء الأديان في مصر" قائمة بأسماء المفكرين الذين اُتهموا بأن ما يكتبونه من أفكار هو خروج عن الدين ويشكل تعديا عليه بدء من الدكتور طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي"، والشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مرورا بمنصور فهمي في بحثه "أحوال المرأة في الإسلام"، والأستاذ خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ"، ومحمود الشرقاوي في كتابه "الدين والضمير"، والدكتور لويس عوض في كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية"، والكاتب علاء حامد عن رواية "مسافة في عقل رجل"، والدكتور نصر حامد أبو زيد عن مجمل كتبه ودراساته، والمدون كريم عامر عن كتاباته في المدونة، والدكتورة نوال السسعداوي عن مسرحية "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة"، والشاعر حلمي سالم عن قصيدته "شرفة ليلى مراد"، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، والشاعر أحمد الشهاوي عن ديوان "الوصايا في عشق النساء"، والفنانة ليلى علوي عن فيلم "باحب السيما"، والفنان عادل إمام عن مجمل أعماله الفنية، ثم أخيرا بيشوي كميل كامل، ونجيب ساويرس، وإبراهيم عيسى، وألبير صابر، ومعلمة الأقصر دميانة عبيد عبد النور، ومؤخرا الكاتب إسلام بحيري، والكاتبة فاطمة ناعوت، وأطفال المنيا الأربعة لتمثيلهم مقطع يسخر من "داعش".
لقد آن الأوان أن نتصدى في مصر لكل ما يتناقض مع الضمانات الدستورية لحرية الاعتقاد، وحرية التعبير، وحرية الدين والمعتقد بإلغاء مادة 98 ( و ) التي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات او بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز الف جنيه كل من استغل الدين في الترويج او التحبيذ بالقول او بالكتابة او بأية وسيلة اخرى لأفكار متطرفة بقصد اثارة الفتنة او تحقير او ازدراء احد الاديان السماوية او الطوائف المنتمية اليها او الاضرار بالوحدة الوطنية او السلام الاجتماعى ." وذلك لأن:
1. استخدام هذا المقياس الفضفاض المسمى بـ"الأفكار المتطرفة" يهدد بأن ينتهي النظام القانوني بما يشبه محاكم التفتيش فيفتح باب التفتيش في الأفكار، ومن ثم العقائد والحجر عليها بدعوى الهرطقة – بالمفهوم المسيحي – تارة، والردة والزندقة – بالمفهوم الإسلامي – تارة أخرى، ويرد المجتمع بأسره إلى الظلامية والجمود، وإجهاض جميع التطلعات بتطوير الخطاب الديني.
2. هذه المادة تتناقض مع المادة 64 من الدستور التي تنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون"، والمادة 65 "حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". وتتناقض مع ما جاء بالمادة 67 من أنه "لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري".
3. انطوى نص المادة على مفردات عديدة اتسمت بالغموض الشديد مثل "استغلال الدين في الترويج و............ لأفكار متطرفة" و"إثارة الفتنة" و"الإضرار بالوحدة الوطنية"، وهو ما يتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يفرض اختيار المشرع لعبارات محددة وواضحة تمنع أي سلطة مطلقة للقاضي في تحديد أركان العقوبة، حتى يعرف المواطن بكل وضوح حقوقه وواجباته فلا يرتكب فعلا يكتشف فيما بعد أنه جريمة
إن الخطر الحقيقي على وحدة الأمة ليس في الاختلافات العقائدية بين أبنائها ولكن في "خطاب الكراهية" وهو "أي قول أو لفتة أو سلوك أو كتابة أو نشر يحط من قدر فرد أو طائفة من الناس، على أساس الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى معايير تحكمية أخرى، أو يحرض على العنف ضدهم، أو يهاجمهم، أو يهددهم أو يروعهم، أو يدعو لإجراءات تمييزية ضدهم"، ومن ثم يجب تجريم هذا الخطاب.
لذا من المقترح تعديل المادة 176 إلى: "يعاقب بالغرامة وقدرها مائة ألف جنيه كل من حث او حرض على كراهية فئة من فئات الشعب علانية على نحو ادى الى التحقير منها بالقول الشفوى او بالكتابة او بالإشارة او بغيرها من وسائل التعبير العلني. وإذا تضمن التحريض انكارا لمبدأ المساواة وحظر التمييز بين الناس، يجوز ان تقترن الغرامة بعقوبات اخرى غير سالبة للحرية. فإذا افضى الفعل الى تكدير للسلم الاجتماعي، او الى اضطراب، أو إلى عنف ساهم فيه مرتكب التحريض، يجوز للقاضى وفقا لدرجة الاخلال بالسلم الاجتماعي الاضطراب أن يوقع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد عن سنتين مع عدم الاخلال بالعقوبات السابقة.
على اليسار أن يلعب دورا نشطا في نشر ثقافة حرية الاعتقاد وحرية التعبير وتجريم خطاب الكراهية، وأن يحاول العمل مع أعضاء مجلس النواب القريبين من هذا الموقف لإصدار التشريعات التي تقنن المبادئ الدستورية التي توافق عليها الشعب.