منابع الإسلام - الفصل الثالث - 10
كامل النجار
الحوار المتمدن
-
العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 00:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يونس والحوت:
محمد، لا شك، قد سمع عن يونس من ورقة بن نوفل أو من الأعراب الذين اختلطوا باليهود، واقتبس قصة يونس منهم. ولكن كعادته لم يتحقق من التفاصيل فأتى بقصة تختلف كثيراً عن قصة يونس في العهد القديم. في العهد القديم هناك سورة كاملة اسمها يونان Jonah. وملخصها أن الرب قد أمر يونان بن أمتاي أن يذهب إلى مدينة نينوى في العراق لينذرهم أن الرب سوف يدمر المدينة بسبب سلوك أهلها. ولكن يونان خاف أن يذهب إلى نينوى وهرب إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع الأجر وركب السفينة ليهرب. وفي وسط البحر هبت عاصفة شديدة وكادت السفينة أن تغرق، فرمى الملاحون بالقداح، وخرج قدح يونان فرماه البحارة في البحر والتقمه حوت كبير. وظل يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي، ثم أمر الرب الحوت أن يخرجه من بطنه. خرج يونان وذهب إلى نينوى وأنذر المدينة التي استمعت له، ولبس سكانها وملكها ملابس خشنة واستغفروا ربهم، فعفا عنهم (سفر يونان، الإصحاح الأول، الآيات 1-14)
فأخذ محمد القصة وأضاف لها بعض الرتوش، وأتى بسورة كاملة اسمها "يونس" بها مئة وتسع آيات، وكل هذه السورة بها آية واحدة فقط تتحدث عن يونس (فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) (يونس، 98). وهذه الآية الواحدة حتماً ليست من عند إله في السماء لأن الخطأ النحوي الفاضح يفسدها، فتفقد معناها. والكل يعرف أن "لولا" حرف امتناع لوجود، أي امتنع حدوث فعلٍ معين نسبةً لوجود شيء أخر. فنحن نقول مثلاً: لولا الدواء لمات المريض. وهذا يعني أن موت المريض امتنع لوجود الدواء. ولكن الآية المذكورة تقول: لولا أن قرية آمنت، ولا نجد جواباً لهذا الشرط. كل ما نجده هو أن القرية آمنت فنفعها إيمانها. ليس هناك امتناع لوجود وليس هناك أي حاجة للحرف "لولا". ثم يزيد الطين بلة فيقول: إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب. والحرف "إلا" أداة استثناء، نستثني بها شيئاً عن أشياء أخرى. فكل القرى التي آمنت نفعها إيمانها، إلا قوم يونس. فنفهم من سياق الجملة أن قوم يونس لم ينفعهم إيمانهم. ولكنه يقول لنا (لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب). يعني إيمانهم نفعهم بأن كشف عنهم العذاب، وبالتالي لا فائدة للاستثناء هنا. فإذا كانت هذه الآية من عند إله، فهو إله لا يتحدث العربية.
ثم أتى محمد بسورة الصافات، وبها ثمان آيات تتحدث عن يونس (وإن يونس لمن المرسلين [139] إذ أبق إلى الفلك المشحون [140] فساهم فكان من المدحضين [141] فالتقمه الحوت وهو مليم [142] فلولا أنه كان من المسبحين [143] للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [144] فنبذناه بالعراء وهو سقيم [145] وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين [146] ). فالقرآن هنا يخبرنا أن يونس خرج من بطن الحوت وهو سقيم، أي مريض، فأنبت الله عليه شجرةً من يقطين. واليقطين هو القرع الذي يشبه نباته نبات البطيخ، وبالتالي هو حتماً ليس شجراً. والقرآن لا يذكر أي شيء عن مدينة نينوى، ولا يخبرنا ماذا فعل يونس بعد أن أنبت الله عليه شجرة اليقطين. والقصة بكاملها لا تعني أي شيء بالنسبة للقارئ الذي ليس له فكرة عنها من مصدر أخر.
وفي سورة القلم، وبدون أي مناسبة، يقول لنا (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم [48] لولا أن تداركه نعمةٌ من ربه لنُبذ بالعراء وهو مذموم [49] فاجتباه ربه فجعله من الصالحين [50]). محمد يخبرنا هنا أن يونس، لولا أن تداركه رحمةٌ من ربه لنُبذ بالعراء وهو مذموم. وأخبرنا في الآيات السابقة أنه نُبذ بالعراء وهو سقيم أي مريض. فأين رحمة ربه التي تداركته.
الروم والفرس:
منذ أن نقل الإمبراطور قسطنطين عاصمة الإمبراطورية الرومانية إلى مدينة القسطنطينية في تركيا الحالية حوالي عام 320 ميلادية، بدأت المناوشات بين الإمبراطورية الساسانية (الفرس) والإمبراطورية الرومانية. واستعانت كلٌ منهما بالعرب في حدود إمبراطوريتهما. وكما تقول الحكمة العربية "الحربُ كرٌ وفرٌ" فقد استمرت الحروب بينهما عدة عقود. ففي عام 602 للميلاد غزا الفرس الإمبراطورية الرومانية واحتلوا سوريا ما عدا أنطاكيا. وفي عام 611 سقطت أنطاكيا للفرس. وفي عام 614 سقطت القدس للفرس كذلك. ثم في عام 622م تغلبت الإمبراطورية الرومانية على الفرس.
وأراد محمد أن يثبت أنه رسول من الله وأن الله يطلعه على الغيب، فقال في قرآنه (غُلبت الروم [2] في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [3] في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذِ يفرح المؤمنون [4] بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم [5] وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون [6]) (سورة الروم).
كل هذه الأحداث من عام 602 إلى 622 حدثت في حياة محمد، وهو كان يسافر إلى سوريا في التجارة، فلا بد أنه سمع ورأى تحضيرات الروم، وراهن على أنهم سوف يغلبون الفرس، فأتى بهذه الآيات. ولكن الشيء غير المفهوم هو لماذا يفرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس، والمؤمنون أنفسهم سوف يحاربون الروم في سوريا بعد سنوات قليلة. يقول المفسرون إن المؤمنين فرحوا بانتصار الروم على الفرس لأن الفرس كانوا صابئة والروم كانوا مسيحيين. ولكن القرآن يقول (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، والرومان في القسطنطينية كانوا من أتباع الكنيسة الكاثوليكية التي تقول بالأب والابن والروح القدس، فهم بالتالي بالنسبة للقرآن، كفار.. ويقول القرآن كذلك إن الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يعني أنهم مؤمنون. فلا أرى أي سبب يجعل المسلمين يفرحون بانتصار الروم على الفرس. كل ما في القصة أن محمداً أراد أن يوهم أتباعه أنه يعلم الغيب بواسطة جبريل، وبالتالي فهو رسولٌ من الله.
تشريع وعادات العرب قبل الإسلام:
محمد كان نتاج البيئة التي تربى فيها. بيئته كان فيها المسيحيون، والأحناف وبعض اليهود، وكانت الغالبية تتعبد للأصنام كوسيط بينهم وبين الإله الذي في السماء. وكانت الكعبة في مكة (البتراء) هي معبدهم الذي يحجون إليه كل عام. وقد كانت هناك أكثر من عشرين كعبة في أماكن متفرقة من جزيرة العرب. المجتمعات العربية المستقرة كانت لها قوانينها وعاداتها التي تربى عليها محمد ولم يستطع أن يتمرد عليها فاقتبسها وجعلها جزءاً من دينه الجديد. بيد أن دينه الجديد كان جديداً بالاسم فقط ولكن كل قصصه وتشريعاته قد أخذها محمد مما سبقه من الأديان، ومن عادات وتشريعات البيئة التي نشأ فيها.
الزواج قبل الإسلام:
من حق الرجل في الجاهلية إن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد ولا حصر. إذ لم تحدد شرائعهم للرجال عدد ما يتزوجونه من نسائهم (65). وجاء محمد وحدد للرجل أربع زوجات في وقت واحد، ولكن يحق له أن يطلق من بشاء منهن ويتزوج غيرها على شرط ألا يزيد عن الأربعة في عصمته. وبالتالي يصبح عدد النساء اللاتي يتزوجهن الرجل غير محدود، تماماً كما كان يفعل عرب ما قبل الإسلام. ثم أباح للمسلم أن يعاشر ما ملكت يمينه من السبايا أو الإماء مهما كان عددهن.
كان الطلاق قبل الإسلام في يد الرجل، أما النساء فلهن العدة، ولذلك كان بعض النسوة يشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بإيديهن، إن شئن أقمن، وإن شئن تركن معاشرتهم وأوقعن الطلاق، وذلك لشرفهن وقدرهن. ومن هؤلاء النسوة: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش الخزرجية، وفاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وأم خارجة صاحبة المثل: أسرع من نكاح أم خارجة، ومارية بنت الجعيد، وعاتكة بنت مهرة، والسوا بنت الأعبس. وقد عرفن بكثرة ما أنجبن من ذرية في العرب، وقد تزوجن جملة رجال.
وطريقة طلاق المرأة للرجل في الجاهلية، طريقة طريفة لا كلام فيها ولا خطاب. "كان طلاقهن انهن إن كن في بيت من شعر حوَّلن الخباء، إن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب. وإن كان قبل اليمن حولنه قبل الشام، فإذا رأى ذلك الرجل علم انها قد طلقته، فلم يأتها". وهذه إلطريقة هي طريقة أهل الوبر في الطلاق. ومتى طلقت المرأة زوجها، تركت داره والحي الذي يسكنه، لتعود إلى بيتها والحي الذي تنتمي اليه.(66)
والطلاق الشائع بين اهل مكة عند ظهور الإسلام، هو طلاق المرأة ثلاثا على التفرقة: وينسب أهل الأخبار سنهُ الى اسماعيل بن ابراهيم، فكان أحدهم يطلق زوجته مرة واحدة، وهو أحق الناس بها، ثم يعود اليها إن شاء، ثم يطلقها ثانية: وله أن يعود اليها إن رغب، حتى إذا استوفى الثلاث انقطع السبيل عنها، فتصبح طالقة طلاقا بائناً ومعنى هذا عدم إمكان الرجوع الى الزوجة بعد وقوع الطلاق الثالث مهما أوجد المطلق له من أعذار. ويذكر أهل الأخبار قصة وقعت للاعشى حينما أتاه قوم زوجه وطلبوا منه تطليقها، ولم يقبلوا منه طلاقها إلا بعد ثلاث تطليقات، اعادها ثلاث مرات. فعد طلاقه لها طلاقاً بائناً.
ويظهر ان الجاهليين كانوا قد أوجدوا حلا لهذا الطلاق الشاذ، فأباحوا للزوج أن يرجع زوجه اليه بعد الطلاق الثالث، ولكن بشرط أن تتزوج بعد وقوع الطلاق الثالث من رجل غريب، على أن يطلقها بعد اقترانها به، وعندئذ يجوز للزوج الأول أن يعود اليها بزواج جديد. ولذلك عرف الطلاق البائن: أنه الذي لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إِلا بعقد جديد. وقد ذكر في كتب الحديث ويقال في الإسلام للرجل الذي يتزوج المطلقة بهذا الطلاق ليحلهّا لزوجها القديم "المحلل" ويقال لفاعله "التيس المستعار"
ثم جاء محمد وعمل بنفس التشريع الجاهلي وسمح لأتباعه بأن يطلق الرجل زوجته مرتين ويُسمى هذا طلاق رجعه، إذ يحق للرجل أن يُرجع زوجته أثناء فترة العِدة بدون استشارتها. ولكن إذا طلقها المرة الثالثة، فلا يجوز له الرجوع إليها إلا بعد أن تتزوج رجلاً غيره، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، ثم يطلقها وهنا يجوز لزوجها الأول أن يرجعها. وهو نفس التشريع الجاهلي.(جواد علي، تاريخ العرب، ج 2، ص 828).
وكان الطلاق قبل الإسلام حقاً من حقوق الرجل، يستعمله متى شاء. أما الزوجة، فليس لها حق الطلاق، ولكنها تستطيع خلع نفسها من زوجها بالاتفاق معه على ترضية تقدمها اليه، كأن يتفاوض أهلها أو ولي أمرها أو من توسطه للتفاوض مع الزوج في تطليقها منه في مقابل مال أو جُعْل يقدم اليه. فإذا وافق عليه وطلقها، يقال عندئذ لهذا النوع من الطلاق "الخلع". وقد أجاز محمد هذا النوع من الطلاق.
المراجع:
(65) جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج2، ص 612
(66) نفس المصدر، ص 829