دراسة منهجية للقرآن - تافصل السادس - العنف في القرآن
كامل النجار
الحوار المتمدن
-
العدد: 7388 - 2022 / 10 / 1 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ أن ظهر الإنسان على الأرض سيطر الخوف عليه. الخوف من الحيوانات المفترسة، ومن الظواهر الطبيعية مثل الرعد والبرق، وكذلك الخوف من الموت والفناء النهائي، فاخترع الإنسان الآلهة المتعددة لتمنع عنه الأذى ولتمنحه الحياة الأبدية في العالم الأخر، وتمنحه الطمأنينة في هذه الحياة.
كل الأديان قبل الإسلام، ما عدا اليهودية، كانت أدياناً مسالمة منحت كل إنسان الحق في أن يعبد الإله الذي يستهويه. جاءت اليهودية كنتيجة للعنف الذي تعرض له العبرانيون في سنوات السبي البابلي عندما غزا نيبونخذ أرض فلسطين وسبى العبرانيين وساقهم إلى بابل كعبيد.
اليهودية تنضح عنفاً ضد كل من هو خارج ملة بني إسرائيل، حتى الأطفال. فقد أوصى الإله يهوه موسى بضرب رؤوس الأطفال على الحيطان، وسبي العذارى من نساء الأقوام الأخرى الذين سماهم "الأميين".
(2فَقَالَ لِي الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ مِنْهُ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ وَأَرْضِهِ، فَتَفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي حَشْبُونَ. 3فَدَفَعَ الرَّبُّ إِلهُنَا إِلَى أَيْدِينَا عُوجَ أَيْضًا مَلِكَ بَاشَانَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ. 4وَأَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ لَمْ نَأْخُذْهَا مِنْهُمْ. سِتُّونَ مَدِينَةً، كُلُّ كُورَةِ أَرْجُوبَ مَمْلَكَةُ عُوجٍ فِي بَاشَانَ. 5كُلُّ هذِهِ كَانَتْ مُدُنًا مُحَصَّنَةً بِأَسْوَارٍ شَامِخَةٍ، وَأَبْوَابٍ وَمَزَالِيجَ. سِوَى قُرَى الصَّحْرَاءِ الْكَثِيرَةِ جِدًّا. 6فَحَرَّمْنَاهَا كَمَا فَعَلْنَا بِسِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، مُحَرِّمِينَ كُلَّ مَدِينَةٍ: الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ. 7لكِنَّ كُلَّ الْبَهَائِمِ وَغَنِيمَةِ الْمُدُنِ نَهَبْنَاهَا لأَنْفُسِنَا)
وطلب يهوه منهم أكثر من ذلك فقال («مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا، وَطَرَدَ شُعُوبًا كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، 2وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْدًا، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ، 3وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. 4لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا. 5وَلكِنْ هكَذَا تَفْعَلُونَ بِهِمْ: تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُقَطِّعُونَ سَوَارِيَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ تَمَاثِيلَهُمْ بِالنَّارِ)
الأديان الأخرى مثل المسيحية، والبوذية، في جنوب شرق آسيا والشنتو في اليابان، والديانة الهندوسية في الهند، وديانة السيخ، وكل الأديان البدائية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأديان الشعوب الأصلية في أستراليا، لا تدع إلى العنف. ولكن نسبةً لتأثر محمد باليهودية، فقد ملأ قرآنه بآيات العنف والقتل.
ومحمد لا يخفي إعجابه بالتوراة، فيقول في قرآنه (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّـهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام 154). وبناءً على إعجابه بالتوراة فقد أكثر من غزواته للقبائل المجاورة، كما أكثر من آيات القتل والسبي. ولم يذكر لنا التاريخ أن أي نبي أو رسول أتى يحمل سيفاً لنشر رسالته غير محمد. يقول ابن القيم إن محمداً كان له تسعة أسياف. وإله القرآن تفوق على يهوه بأن أمد جيوش محمد بآلاف من الملائكة مسومين يحاربون معهم.
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال 9)
ويساعد إله القرآن جنود محمد بأن يُلقي الرعب في قلوب غير المسلمين: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال 12).
إله القرآن بعد أن أمد جيوش محمد بالملائكة ليحاربوا معه وألقى الرعب في قلوب المخالفين، طلب من محمد أن يُحرّض المسلمين على القتال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) (الأنفال 65).
ولكن إله القرآن بسرعة تبين له أن المسلمين لم يكونوا بالقوة التي افترضها فيهم، فخفف عنهم وقال إن المسلم يستطيع أن يقتل اثنين من الكفار بدل العشرة الذين قال بهم في الآية السابقة: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال 66). فإله القرآن الذي يقول عن نفسه إنه يعلم ما تخفي الأنفس ويعلم ما سوف يحدث مستقبلاً لم يكن يعلم ان المسلمين ضعفاء فبعد أن قال إن المسلم يقتل عشرة رجال من الاعداء، علم لاحقاً أنهم ضعفاء فقال المسلم يقتل اثنين من الأعداء، مع انه هو الذي يرمي وهو الذي يقتل. إذاً الضعف في الإله نفسه الذي يرمي ويقتل. لكنه لم يكن يعلم أنه ضعيف إلا بعد موقعة هوازن عندما هرب المسلمون من ميدان القتال وتركوا محمداً يقف منفرداً. فأتى بهذه الآية التي تنسخ ما قبلها من قوة الإله.
لم يكتف إله القرآن بتحريض المسلمين على قتال الكفار فأرسل آيةً إلى رسوله يطلب منه عدم أخذ أي أسير، بل عليه أن يقتل الأسرى حتى يروي ظمأ إله القرآن للدماء: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال 67).
إله بني إسرائيل يشجعهم على ملاقاة العدو ويعدهم أنه سوف يكون معهم ليهزموا الأعداء رغم تفوقهم العددي على بني إسرائيل: («إِذَا خَرَجْتَ لِلْحَرْبِ عَلَى عَدُوِّكَ وَرَأَيْتَ خَيْلاً وَمَرَاكِبَ، قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْكَ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، لأَنَّ مَعَكَ الرَّبَّ إِلهَكَ الَّذِي أَصْعَدَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 2 وَعِنْدَمَا تَقْرُبُونَ مِنَ الْحَرْبِ يَتَقَدَّمُ الْكَاهِنُ وَيُخَاطِبُ الشَّعْبَ 3 وَيَقُولُ لَهُمْ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: أَنْتُمْ قَرُبْتُمُ الْيَوْمَ مِنَ الْحَرْبِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. لاَ تَضْعُفْ قُلُوبُكُمْ. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِدُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ، 4 لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ لِكَيْ يُحَارِبَ عَنْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ لِيُخَلِّصَكُمْ.)
وإله القرآن يشجع المسلمين على القتال ويعدهم أنه سوف يجعلهم يظهروا كثيرين في عيون الأعداء: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّـهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (الأنفال 44). مع ملاحظة أن كاتب القرآن قد أخطأ في هذه الآية وقال (ويقللكم في أعينهم) وهو يقصد (ويكثركم في أعينهم) بينما ترونهم قليلين.
ولتشجيع المسلمين على القتال يعدهم مغانم كثيرة بعد المعركة: (وَعَدَكُمُ اللَّـهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح 20).
عرب ما قبل الإسلام كانوا يُحرّمون القتال في الأشهر الحرم – ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب – وهي أربعة أشهر بلا قتال وغنائم. كان محمد ينتظر بفارغ الصبر نهاية هذه الأشهر حتى يستأنف القتال وجمع الغنائم والسبايا، فقال: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة 5).
هذه الآية من سورة التوبة تُسمى آية السيف، ويقول فقهاء الإسلام إنها قد نسخت مائة وأربع وعشرين آية تسامح بالقرآن.
(فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّـهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمد 4). وهنا يغيّر إله القرآن رأيه عن الأسرى الذين قال لمحمد أن لا يكون له أسرى لكنه في هذه الآية يقول له يمكنه أخذ فدية من الأسير لإطلاق سراحه، وإن لم يكن للأسير ما يفدي به نفسه يمكنه أن يمنّ عليه ويطلقه.
في البدء كان إله الإسلام يحث المسلمين على القتال ولكنه أخيراً هددهم بالعذاب إن لم يخرجوا مع رسوله لغزو القبائل المجاورة التي لم تكن تمثل أي تهديد لمحمد ودينه الجديد: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) (التوبة 39).
كلٌ من يتخلف عن غزوات محمد يهدده إله القرآن بعذاب جهنم: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة 81).
إله القرآن يحث المسلمين على قتال جيرانهم إذا لم يسلموا: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة 123). ويجب على المسلم الذي يحارب جاره غير المسلم أن يظهر له غلظةً وعنفاً شديداً.
وإله القرآن لا يتردد في نصيحة رسوله أن لا يدعُ إلى السلم ما دام هو في موقف القوي: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّـهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد 35).
وإله القرآن يحب المسلمين الذين يقاتلون من أجله في صف واحد كالبنيان المرصوص. وقد سمى سورة كاملة في القرآن باسم "الصف":
(إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف 4)
إله القرآن لا يقل قسوةً وعنفاً عن إله بني إسرائيل، الذين كان محمد معجباً بهم وجعل ثلث آيات القرآن عنهم.