سورة الإسراء 2
كامل النجار
الحوار المتمدن
-
العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 11:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(وَمَا مَنَعَنَآ أَن نّرْسِلَ بِالاَيَاتِ إِلاّ أَن كَذّبَ بِهَا الأوّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاَيَاتِ إِلاّ تَخْوِيفاً) (59)
انعدام المنطق يظهر جلياً في هذه الآية. إله السماء يقول لنا إنه توقف عن إرسال المعجزات لأن الأولين لم يؤمنوا بها ولم تخوفهم، كما قصد إله السماء من إرسالها. فلماذا إذاً يستغل حوالي ثلث آيات القرآن ليحكي لنا عن المعجزات التي أرسلها لموسى ولقوم نوح، ولوط، ويونس، وأصحاب الرس وغيرهم، الذين رأوا المعجزات ولم تقنعهم، فكيف تقنعنا نحن الذين لم نرَ من تلك المعجزات شيئاً. وإذا كان قد توقف عن إرسال المعجزات لأنها لم تقنع الناس، فما هو الهدف من رحلة الإسراء والمعراج التي قام بها محمد ليلاً والناس نيام؟
(وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً) (60)
عندما تهكم أهل مكة على محمد بعد أن زعم لهم أنه ذهب إلى السماء السابعة ورجع إلى مكة في نفس الليلة، جاء محمد بهذه الآية على لسان ربه ليقول له إن رحلتك إلى السماء السابعة ومقابلة الأنبياء كانت رؤية أريناك إياها، أي حُلماً، وليست حقيقة. والغرض من هذه الرؤية هو فتنة الناس، أي اختبارهم. وهذا اعتراف من إله السماء أن الإسراء كان حُلماً حلم به محمد. وقد احتار كل المفسرين في تلك الشجرة الملعونة التي ذكرها رب القرآن هنا بدون أي مناسبة، وبدون أي رابط أو صلة لقصة الإسراء. كل المفسرين لفوا وداروا حول هذه الشجرة وقالوا إنها شجرة الزقوم المذكورة في سورة الدخان (إن شجرت الزقوم. طعام الأثيم) (الدخان 43-44). وقد اعترف هنا إله القرآن أنه يحاول تخويف الناس بالمعجزات وبالوعيد، ولا يزيد الناس هذا التخويف إلا طغياناً ورفضاً للرسل. ومع أن الناس في غالبهم ظلوا يرفضون تصديق الرسل، لا تمر بضع سنوات إلا ادعى أحد المسلمين أنه رسول الله، وآخر من فعل ذلك هو المصري دكتور رشاد خليفة في أمريكا بعد أن كتب كثيراً عن الإعجاز العددي في القرآن، وخاصةً في العدد تسعة عشر. وقد قتله أحد مغسولي الدماغ في أمريكا
( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً) (63)
عندما أمر إله السماء إبليس أن يسجد لآدم فتكبر ورفض وتحدى إله السماء وقال له أمهلني إلى يوم القيامة وسوف أُضل جميع خلقك، قال له مؤلف القرآن على لسان إله السماء: استفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد. كل مسلم يعلم أن الشيطان يوسوس للإنسان ولم نسمع أحداً يقول إن الشيطان صرخ في وجهه، فكيف يستفززهم بصوته؟ وهل الشيطان ذلك المخلوق غير المرئي والذي يصل السماء الدنيا ليسترق السمع، يحتاج إلى خيول في تنقلاته؟ فكيف يقول له مؤلف القرآن استفززهم بخيلك؟ إله القرآن يقول للشيطان (شاركهم في الأموال والأولاد). ماذا يستفيد الشيطان من الأموال والأولاد؟ هل يذهب الشيطان إلى السوبرماركت ليشتري طعامه، والتراث الإسلامي في الأحاديث النبوية يخبرنا أن الشيطان يعيش في المجاري وطعامه عظام الحيوانات. وإله السماء في هذه الآية يتكلم مباشرةً مع الشيطان، فلماذا يقول له. (وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا). أما كان صحيح اللغة يستدعي أن يقول له (وعدهم وما تعدهم إلا غرورا؟)
(رّبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (65)
هذا أحد ادعاءات رب السماء الكثيرة التي لا يقدم لنا أي دليل عليها. هو يزعم هنا أنه يسير للناس السفن والمراكب في البحر. ما دام هو الذي يسير السفن في البحر، لماذا ترك الرومان يستغلوا العبيد لمئات السنين في أساطيلهم الحربية ليجدفوا السفن في المعارك، ومات منهم الآلاف من الإرهاق. لماذا لم يسيرها تلقائياً "بالرموت كنترول" وينقذ حياة أؤلئك العبيد؟ وهناك آلاف السفن التجارية، على مر العصور، تحطمت نتيجة ارتطامها بالصخور عندما تهب عليها العواصف، وكمال قال الشاعر "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". فهل أصاب الخلل مقدرة الإله في تسيير تلك السفن أم قصد تحطيمها؟. لو كان كما يدعي، قبطاناً ماهراً، لجعل السفن تتفادى مثلث برمودا في البحر الكاريبي الذي أصبح مقبرةً لمئات السفن.
(أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً) (68)
مرة أخرى يزعم رب السماء أنه باستطاعته أن يُسقط على الناس كسفاً من السماء. ولكن عندما تحدى أهل مكة محمداً وقالوا له (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الشعراء 187)، فكر وقدّر وقال (ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (الأنفال 33). ولم يتعظ مؤلف القرآن بذلك، فرجع وقال للناس في سورة الإسراء هذه عندما زعم لهم أنه صعد إلى السماء ورجع، فقالوا له لن نصدقك حتى لو تصعد السماء أمامنا (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا) (92). وبما أن المثل يقول "أهل مكة أدرى بشعابها" فأهل مكة كانوا يعرفون قثم بن عبد اللات جيداً، ويعرفون أنه لم يكن مرسلاً من السماء
(وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاّتّخَذُوكَ خَلِيلاً) (73)
عندما يئس محمد من عرب مكة، وقبل أن يبايعه أهل يثرب، عرض عليه أهل مكة أن يؤمن بآلهتهم وسوف يومنون بإلهه. وافق محمد على ذلك وصلى بهم وقرأ (أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى. إن شفاعتهن لترجى) (النجم). وعندما لامه أصحابه فيما بعد وأنبه ضميره، زعم أن هذه الآيات ألقاها الشيطان على لسانه. فسميت الآيات الشيطانية. وبعد عدة أيام أتى بالآية أعلاه على لسان ربه ليقول للناس إن ربه وبخه على ما حدث. وقال له ربه لو اذعنت إليهم (إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (الإسراء 75). ويعجز الإنسان أن يفهم كيف يعاقبه ربه بأن يذيقه ضعف الحياة. ما هو ضعف الحياة. متوسط عمر الإنسان ثمانون عاماً، ونوح عاش ألف سنة إلا خمسين (كما يقول القرآن). فهل ضعف الحياة مائة وستون عاماً أم ألفان؟ وهل لو زاد حياته للضعف يكون ذلك عقاباً له؟ ثم هدده أن يزيده ضعف الممات. هل يقصد أنه يميته مرتين، أم يجعله يمكث في قبره مدة أطول بعد أن يبعث بقية الموتى؟ تفنن المفسرون وقالوا إله القرآن يريد أن يقول لأذقناك عذاب ضعف الحياة وعذاب ضعف الممات. وهذا يثبت أن إله القرآن لا يستطيع أن يعبر عما يريد أن يقوله. وما هو عذاب ضعف الحياة وعذاب ضعف الممات
(أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَىَ غَسَقِ الْلّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) (78).
هذه هي الآية التي فرضت الصلاة على المسلمين في العام العاشر من بدء ادعاء النبوة. وقد بدأت بصلاتين: صلاة عند مغيب الشمس ثم صلاة الفجر. وبالتدريج زادها حتى صارت خمس صلوات في اليوم
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً) (85)
إجابة شافية وكافية لمن يريد أن يعرف شيئاً عن الروح
(وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً) (90)
مرة أخرى يتحدى أهل مكة قثم بن عبد اللات أن يثبت لهم أنه رسول من عند إله السماء بتفجير ينبوع في مكة. وبالطبع لم يستطع أن يثبت لهم.
(وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىَ فِي السّمَآءِ وَلَن نّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبّي هَلْ كُنتُ إَلاّ بَشَراً رّسُولاً) (90-93).
هذه هي الشروط التي فرضها أهل مكة على قثم ليؤمنوا بنبوته، ومن تلك الشروط أن يحضر لهم ربه والملائكة ليروهم بأعينهم. وبالطبع لم يستطع أن ينفذ أي واحد من هذه الشروط لأنه كان مدعياً كالذين ادعوا النبوة من قبله
( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّي لأظُنّكَ يَمُوسَىَ مَسْحُوراً) (101)
بدأ صاحب القرآن السورة ببني إسرائيل وها هو يختمها ببني إسرائيل.
(فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزّهُم مّنَ الأرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مّعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (103-104)
النسيان مشكلة كبيرة للإنسان، خاصةً إذا تقدم في السن. القرآن يخبرنا مراراً أن رب السماء أرسل موسى لفرعون ليقنعه أن يطلق سراح بني إسرائيل ليهاجروا من مصر، وكان فرعون يرفض رغم كل الابتلاءات التي نزلت بمصر من الجراد والقمل والدم. وها هو هنا يقول لنا إن فرعون أراد أن يطرد بني إسرائيل من الأرض فغضب عليه إله السماء وأغرقه
(قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً) (107-108)
وأخيرا لجأ كاتب القرآن إلى الكذب. فهو يقول لقثم قل لأهل مكة آمنوا أو لا تأمنوا فإن الذين جاءهم العلم من قبل (اليهود والمسيحيين) إذا يتلى عليهم القرآن يخرون للأذقان سجوداً. لم نسمع أو نقرأ أن يهودياً أو مسيحياً خر للأذقان سجوداً للقرآن وهويبكي. حتى المسلمين لا يخرون سجودا ويبكون إلا تجار الدين في المساجد
(قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرّحْمَـَنَ أَيّاً مّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسْمَآءَ الْحُسْنَىَ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (110)
رحمن اليمامة أي مسيلمة هو المقصود من هذه الآية لأن أهل مكة قالوا لقثم إنا نعرف أنك تتعلم من رحمن اليمامة. وهذا أغضب صاحب الدعوة فقال على لسان إله السماء: أدعوا الله أو ادعوا الرحمن، فله الأسماء الحسنى. ولا أرى أي حسنى في أسماء مثل المنتقم، الجبار، المتكبر، المذل، الخافض، وخير الماكرين.
وأكثر ما يعجبني في هذه السورة هو محاولة اعتذار محمد لزيد بن حارثه بعد أن أخذ محمد زوجته زينب. فكما قلنا أعلاه أن السورة مكية ولكن بها عشر آيات مدنية أضافها محمد بعد أن هاجر إلى المدينة. فروى لأصحابه ما رآه في الجنة عندما صعد إلى السماء السابعة، فقال، كما يروي القرطبي في تفسير الآية الأولى " أَخَذْتُ عَلـى الكَوْثَرِ حتـى دَخَـلْتُ الـجَنّة، فإذَا فِـيها ما لا عَيْنٌ رأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمَعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإذَا فِـيها رُمّانٌ كأنّهُ جُلُودُ الإبِلِ الـمُقَتّبَةُ، وإذَا فِـيها طَيْرٌ كأنّها البُخْتُ» فقالَ أبُو بَكْرِ: إنّ تِلكَ الطّيْرَ لَناعِمَةٌ، قالَ: «أكَلَتْها أنْعَمُ مِنْها يا أبـا بَكْرٍ، وإنّـي لأَرْجُو أنْ تَأكُلَ مِنْها، ورأيْتُ فِـيها جارِيَةً حسناء أعجبتني، فَسألْتُها: لَـمَنْ أنْتِ؟ فَقالَتْ: لزَيْدِ بْنِ حارِثَة» فَبَشّرَ بِها رَسُولُ اللّهِ ]...[ زَيْدا".