دراسة منهجية للقرآن - الفصل الحادي عشر - السؤال والأمثال
كامل النجار
الحوار المتمدن
-
العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 08:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عرب مكة لم يصدقوا أن محمداً رسول من الله، وكذلك لم يصدقه اليهود. ولذلك أكثر عرب مكة من سؤاله عن عدة أشياء ليختبروا صدق نبوته. وفي كل مرة كانت أجابته لا تفيد السائل شيئاً. فمثلاً سأله العرب عن الحيض: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة 222).
السائل كان يريد أن يعرف ما هو الحيض، ولماذا تحيض النساء ولا يحيض الرجال. فإجابة محمد تدل على جهل المسؤول بموضوع السؤال. أجابهم بأن الحيض أذًى ونصحهم باعتزال النساء حتى يتطهرن. وهم أصلاً كانوا يعرفون أنه أذًى لأنهم يرون الدم يخرج من مهبل المرأة. والدم علامة الأذى. لكنهم كانوا يريدون معرفة السبب. وقال لهم إذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله. والله لم يأمر في القرآن بإتيان المرأة في مكان معين، إنما قال (نساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنّى شئتم) (البقرة 223). و "الحرث" لا تعني الفرج أو المهبل. فالقرآن ذاته يقول (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى 20).
يقول الطبري في تفسير هذه الآية: "حرث تعني العمل. فمن كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله ونضاعف له حسناته. ومن يرد عمل الدنيا نزده منه وما له في الآخرة من نصيب." وبالتالي نساؤكم حرث لكم تعني نساؤكم عملٌ لكم فآتوا عملكم متى شئتم. ثم أن إله القرآن اختار أن يكون غير جازم في كلامه فاستعمل الظرف "أنّى" الذي يمكن أن يكون ظرف زمان أو ظرف مكان. وقد أختار بعض الصحابه مثل ابن عباس وعبد الله بن عمر ظرف المكان، وقال إنه يجوز إتيان المرأة في الدبر. ففي المعجم الأوسط للطبراني قال أنا علي بن سعيد ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال إنما نزلت نساؤكم حرث لكم رخصةً في إتيان النساء في الدبر.
----------------------
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) (طه 105).
من المؤكد أن أهل مكة لم يسألوا محمداً ماذا يفعل الله بالجبال يوم القيامة. فأسئلتهم لمحمد كانت عبارة عن اختبار. فربما سألوه كيف تكونت الجبال، أو ربما هل الجبال لها مهمة في الحفاظ على توازن الأرض، مع ملاحظة أن الفكرة السائدة وقتها كانت فكرة أن الأرض مسطحة.
جواب محمد كان (ينسفها ربي نسفاً). هل يعطي هذا الجواب أي معلومة مفيدة؟ الجبال كانت مهمة عند عرب الحجاز لأنهم كانوا يلجؤون إليها إذا هاجمهم عدو، وفي مكة بالذات كانوا يصعدون الأبقار فوقها ويربطون في أذنابها فروعاً من الشجر ويشعلون النار في تلك الفروع كأحد الطقوس التي يعملونها وقت الجفاف ليطلبوا من رب السماء أن ينزل عليهم المطر. وكانت أصنام نايلة وأساف على رأس الجبال بالصفا والمروة. فجواب محمد أن ربه ينسفها نسفاً غير مفيد لهم ولا لنا الآن.
----------------------
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) (الكهف 83)
وقد رأينا الذكر الذي تلاه عليهم وجعل ذا القرنين يبلغ مشرق الشمس ومغربها، ويجد عندها ناساً لا يكادون يفقهون قولاً. وقد ناقشنا في الصفحات السابقة أخطاء فكرة محمد عن الكرة الأرضية وعن الإسكندر الأكبر. فسؤالهم عن ذي القرنين لم يقدم أفكارهم قيد أنملة، إن لم يكن أخرها بإخبارهم أن الشمس تغرب في عين حمئة.
وأكثر ما لفت نظري في هذه القصة هو قول إله القرآن لذي القرنين: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) (الكهف 86). هذه الآية تكشف ولع إله القرآن بالعذاب. فهو يهدد من لا يؤمن برسالته الأخيرة بنار تشوي الجلود وتذيب ما في الإمعاء، ويربطونهم بمقامع من حديد. فها هو يعطي ذا القرنين الإذن ليعذب القوم الذين وجدهم عند مغرب الشمس، دون أن يحدد الذنب الذي ارتكبه هؤلاء الناس حتى أذن لذي القرنين بعذابهم. ومن المؤكد أن ذا القرنين لم يكن يعرف أي شيء عن هؤلاء القوم قبل أن يصلهم، ولا يعرف لغتهم، فما هو تبرير هذا الإذن بعذابهم؟
----------------
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء 85).
تخبرنا كتب التراث أن هذا السؤال طرحه اليهود على محمد لاختباره. وللأسف محمد لم يستطع أن يأتي بإجابة تفيد السائل. قوله "الروح من أمر ربي" لا يقدم ولا يؤخر إذ أن كل شيء من أمر ربه، من النوم إلى الإيمان بالرسالة الجديدة، إلى أفعال الشخص المسلم. ولزيادة التهرب من الإجابة يقول لهم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). بالطبع لو كانوا يملكون من العلم في ذلك الزمان ما نملكه الآن لما احتاجوا أن يسألوه هذا السؤال.
-----------------
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة 219).
عندما سألوه عن الخمر، لم يكن محمد قد قرر ماذا يفعل مع من يشرب الخمر، فقال لهم فيها منافع للناس ولكن إثمها أكبر من نفعها. والإثم شيء معنوي، بينما المنافع فعلية ومحسوسة. ومحمد لم يمنع الخمر إلا بعد أن استقر بالمدينة، وحدث له موقف مع عمه حمزة. ذكر ابن قدامة المقدسي أن حمزة عم محمد كان في منزل وهو سكران وتغنيه قينة، وكان علي بن أبي طالب قد أناخ ناقةً وجمل أمام المنزل، فخرج حمزة وبقر بطون الناقة والجمل وقطع الكبدة والسنام من كلٍ. فذهب علي إلى محمد يشتكي حمزة. فجاء محمد إلى المنزل وشتمه حمزة، فخرج ولم يقل شيئاً
حتى بعد هذا الحادث القرآن لم يُحرّم الخمر إنما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة 90). والاجتناب لا يعني التحريم بدليل أن القرآن يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات 12). يُستحب في المسلم أن يجتنب الظن، ولكن الظن ليس حراماً.
فلماذا تكون الخمر حراماً بكلمة "اجتنبوا" ولا يكون الظن حراماً مع أن القرآن قال "اجتنبوه". والدليل الأخر أن تحريم الخمر ليس وارداً هو أن القرآن لم يحدد عقوبة لشرب الخمر. والثابت حسب كتب الفقه هو أن محمداً جلد شارب الخمر أربعين جلدةً وعمر بن الخطاب حين أصبح خليفةً جلد ثمانين جلدةً.
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج 30). فقول الزور ليس له عقوبة دنيوية والقرآن يقول نفس كلمة "اجتنبوه" التي استعملها مع الخمر.
إذا رجعنا إلى موضوع الأسئلة مرة أخرى، نجد القرآن يقول لمحمد: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة 189). عرب مكة كانوا يستعملون التقويم القمري منذ زمن طويل قبل أن يولد محمد، وكانوا يعرفون أن الهلال يتحول إلى قمر كامل ثم يصير هلالاً مرة أخرى. وكانوا يوقتون الحج والأشهر الحرم بالهلال. فهم يعرفون الهلال حق معرفةٍ، ولكنهم عندما سألوا محمداً عن الأهلة كانوا يودون معرفة الكيفية التي يتحول بها الهلال إلى قمر، أو القمر إلى هلال. ولكن إجابة محمد لم تروِ غليل السائل إذ قال لهم إن الأهلة مواقيت للحج. مرة أخرى كان محمد كمن فسّر الماء بالماء.
الأمثال:
المثل هو ملخص لتجارب عاشها الناس ولخصوها في مثل قصير يحكي نتيجة هذه التجارب حتى تستفيد منها الأجيال القادمة. فمثلاً العرب قالوا "إن ترد الماءَ بماٍ أكيس". يعني لو كنت تعيش في منطقة لا ماء بها ولا بد من أن تسافر على حمار أو بعير لتملأ قربتين أو ثلاثة بالماء، فالأحسن أن تأخذ معك قليلاً من الماء وأنت ذاهب لترد. ربما تجد البئر قد انهارت، أو وقف عليها حيوان مفترس وعطشان يريد أن يشرب. ولأن الرحلة طويلة وأنت تحتاج أن تشرب بسبب حرارة الطقس، يكون هذا المثل القصير قد لخص تجربة غير سارة ليجنّب الناس تكرار هذه التجربة. ولكن أمثال القرآن لا نجد فيها مثل هذه الحكمة:
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون. قالوا ما أنتم ألا بشرٌ مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم ألا تكذبون) (سورة يس 13 – 15).
فماذا نستفيد من هذا المثل؟ قرية أرسل إليها رسولين مع بعض فكذبهما أهل القرية، فأرسل إله القرآن رسولاً ثالثاً ليعزز به الاثنين. وكذلك رفض أهل القرية أن يصدقوهم. فهل الثلاثة رسل أكثر إقناعاً من الرسول الواحد؟ وهل يمكن أن تتكرر هذه القصة في نفس القرية أو قرية مجاوره كانوا قد سمعوا بالقصة الأولى، حتى يستفيدوا من المثل؟ حتماً لن تتكرر وبذا يصبح المثل بلا قيمة فعلية. وإله القرآن الذي يعلم الغيب نتوقع منه أن يعلم مسبقاً أن أهل القرية سوف يكذّبون الرسول الواحد أو الرسولين، ولذلك يكون تعزيزهما برسول ثالث ضرب من الإصرار على الخطأ.
--------------
(ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر 29).
هذا بلا شك مثلٌ غريب جداً، وما كان يجب أن يصدر من أله في السماء من المفروض أنه خلق الناس سواسية. فهو يقول في مثله هذا أنه ضرب المثل بعبدين مملوكين. أحدهما يشترك فيه عدة رجال متشاكسون فيما بينهم، والأخر يملكه رجل واحد. فهل يستويان؟ وربما أُعجب إله القرآن بهذا المثل فشكر نفسه، وقال الحمد لله. بل أكثر الناس لا يعقلون. الرسالات السماوية من المفروض أن تأتي لتغيير الوضع والعادات في مكان يختاره إله السماء. فلو قرر إله السماء أن يحافظ على العادات القديمة، فليس هناك أي مبرر لإرسال الرسل. إله القرآن كان المفروض فيه أن يُحرّم الرق كما حرّم الربا، ولكن لأن محمداً كان تاجراً، والتاجر يحب المال، حافظ على الرق لأن العبد أو الأمة مال، ومحمد كان يملك عدة إماء وعبيد. وأغنياء مكة كانوا يملكون العبيد والإماء، ولو حرّم الامتلاك لما تبعوه. فالمثل لا يخدم غرضاً لأنه من الناحية العملية لا يمكن أن يشترك عدة رجال ليشتروا عبداً واحداً، وسعر العبد أو الأمة لم يكن مرتفعاً ليجعل عدة رجال يشتركوا في عبدٍ واحد.
--------------------
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس 78).
هذا ليس مثلاً إنما سؤالٌ عادي أراد سائله أن يعرف من يحيي العظام وهي رميم. إله القرآن يزعم أنه سوف يحيي العظام وهي رميم. وفي الحقيقة حتى العظام، مع طول الزمن، تتحول إلى أملاح تمتصها الأرض ويصبح القبر خالياً. فليس هناك حتى عظام رميم في القبر. فهذا سؤال معقول جداً من شخص يريد أن يعرف الحقيقة، ولكن الإجابة غير مقنعة. والسائل لم يضرب مثلاً
--------------------
(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (هود 24).
مرة أخرى لا نجد مثلاً هنا، بل مقارنة بين شخص أعمى وأخر بصير، وبين رجلٍ أصم و رجلٍ يسمع. الرجل الأعمى يمكن أن يكون أفضل من الرجل المبصر. أبو العلاء المعري كان أحكم وأفضل من مئات الرجال الذين عاصروه. والدكتور المصري طه حسين الذي كان يملي أفكاره لرجل بصير يكتبها له كان أفضل من الكاتب وأفضل من آلاف الرجال من حوله. الموسيقار بيتهوفن كان أصم ومع ذلك كتب موسيقى كلاسيكية تُعد من أجمل الموسيقى الكلاسيكية حتى الآن. فالمثل الذي قدمه لنا القرآن لا يخدم غرضاً، إنما يُعلّمنا التحامل على ذوي العاهات والتقليل من شأنهم. -------------------
(إِنَّ اللَّـهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة 26)
هذا المثل به خطأ لغوي. كان من المفروض أن يقول إنّ الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما دونها، أي أصغر من البعوضة. أما أن يقول بعوضةً وما فوقها، ففوقها يمكن أن يكون فيلاً أو دينصوراً، فيكون المثل فقد عامل المفارقة بين الإله الكبير خالق الكون، وشيء أصغر من البعوضة. وعلى كلٍ حتى لو قال أصغر من البعوضة، فالمثل لا يفيد السامع أو القارئ شيئاً. ونحن نقول، كما قال كفار قريش: ماذا أراد الله بهذا مثلاً.
--------------------
(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل 76)
إله القرآن دائماً يتهكم على ذوي العاهات التي خلقها هو، كما يقول. رجل أبكم لا يستطيع النطق لكنه يعقل ويفهم كل شيء، وسليم الجسم، لماذا يقول إله القرآن إنه لا يقدر على شيء؟ ولماذا كل ذي عاهة يكون له مولى يرسله ليقضي له حاجاته. إنه منطق الجهل بالعاهات الجسدية والعقلية التي تحتاج تفهماً وليس تهكماً. وهذا المثل لا يفيد في الإيمان ولا في العلاقات الإنسانية
----------------
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم 28)
ماذا أراد الله بهذا مثلاً؟ رجل يملك عبيداً وإماء، هل يشاركونه في ثروته؟ بالطبع لا. فهم لا يملكون حتى حريتهم، فكيف يمكن أن يكونوا شركاء في ثروة سيدهم. إذا أراد إله القرآن أن يقول إن الناس لا يشاركونه سلطته المطلقة، فهذا شيء مفروغ منه بالنسبة للمؤمنين به. أما غير المؤمنين به فهم لا يعترفون به ولا بسلطته، فما فائدة هذا المثل بالنسبة لهم؟
-------------------
(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل 102)
هذا مثل يمكن أن يضربه حاكم متسلط يهوى التحكم في حياة محكوميه، ولكن لا يجب أن يصدر من إله يقول (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل 61). فلو كفرت القرية بنعمة إله القرآن، كان يجب عليه كإله ألا يؤاخذ الناس بأفعالهم، أن يصبر حتى يوم الحساب ليحاسبهم. لكن يبدو أن عقلية التسلط تغلبت على العدل.
-------------------
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا. كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا. وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا. وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا. .... فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا. أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا. وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) (الكهف 32 – 42).
كل هذه القصة الطويلة ليضرب لنا مثلاً برجلين يملك أحدهما جنتين ولا يملك الأخر شيئاً. فتفاخر صاحب الجنتين بكثرة ماله، وهو شيء طبيعي أن يتفاخر الإنسان بما يملك. وإله القرآن يقول: (جعلنا لأحدهما جنتين)، وفي الحقيقة الرجل جعل لنفسه جنتين بجهده بدليل أن القرآن يقول (فأصبح يُقلّب كفيه على ما أنفق). فهو قد أنفق ماله وجهده لإنشاء هاتين الجنتين. وكونه تفاخر بأمواله فعاقبه إله القرآن بإتلاف الجنتين. فهذا مثلٌ بائس لأن إله القرآن يقول فجرنا خلال الجنتين نهراً. والشيء الطبيعي أن يُنشيء الإنسان جنته أو جنتين حول النهر ولا ينشيء الجنتين ثم ينتظر إله القرآن ليفجر خلالهما نهراً. هذا المثل البائس لا يجب أن يأتي من إله عادل.
-----------------
(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم 11)
أولاً هذا المثل به خطأ تاريخي لا يُغتفر. فرعون الخروج كان اخناتون، أول من أدخل فكرة توحيد الإله في مصر. وزوجته كانت نفرتيتي التي حتماً لم تقل الكلام الذي أنطقها به إله القرآن لأنها استلمت الحكم بعد اخناتون ولم تعلن التوحيد، بل سمحت للكهنة أن يقيموا الديانة التعددية في مصر بعد وفاة اخناتون. ثم أن المثل لا يخدم غرضاً واضحاً. فلو فرضنا أنها قالت ذلك الكلام وطلبت من إله القرآن أن يبني لها بيتاً في الجنة، هل هذا سيجعل الناس يومنوا بإله القرآن؟