دراسة منهجية للقرآن - الفصل الثامن - الولاء والبراء
كامل النجار
الحوار المتمدن
-
العدد: 7392 - 2022 / 10 / 5 - 08:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جماعة الإخوان المسلمين كانت تفتخر بشعارها الذي يقول "القرآن دستورنا، ومحمد رسولنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". فهل القرآن يصلح دستوراً لدولة؟
ما هو الدستور؟ هو مجموعة من القواعد التي ترسى مبادئ حماية الحقوق والحريات العامة، وتحدد شكل الدولة وقواعد الحكم، وتنظم السلطات العامة “التشريعية والتنفيذية والقضائية” من حيث اختصاصاتها وحدودها وعلاقاتها ببعضها البعض من ناحية، ومن ناحية أخرى بعلاقاتها بالفرد فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والحريات العامة.
كلمة "الفرد" هذه في التعريف مهمة جداً. ففي الدولة الديمقراطية الحديثة تُعرف الديمقراطية بحكم الشعب، بواسطة الشعب، من أجل الشعب، مع مراعاة أن الغالبية تختار الحكومة ولكن تسن قوانيناً تحفظ حقوق الأقليات وتراعي حقوق الفرد.
الفرد في القرآن وفي التشريعات الفقهية الإسلامية لا وجود له. الفرد والأقليات يذوبون في الأمة. أي دولة في العالم الآن تحتوي على عدة إثنيات وعدة لغات وعدد من المعتقدات الدينية. هذه الأقليات يجب أن يحميها الدستور من تغول الأغلبية. لكن إله القرآن لا يعترف بذلك. هذا الإله يريد أن يكون المسلم هو الحاكم، وغير المسلم يدفع الجزية عن يدٍ وهو صاغر. ولا يريد أي نوع من الصداقة أو المعاشرة بين المسلم وغير المسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّـهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة 51). ليس هناك دولة اليوم تخلو من اليهود والنصارى. ولكن المسلم لا يجوز له أن يصادقهم أو يتولاهم.
(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا) (الكهف 102).
منتهى الغيرة من إله القرآن الذي يقول إن من يتخذ الذين لم يؤمنوا برسالته أولياء لن يوالوا الله. ولا علاقة البتة بين موالاتنا الدنيوية وبين المعتقد الديني. يمكن أن يكون جيراني يهود، وأسهر معهم وأحضر أفراحهم، ثم أذهب إلى المسجد من منزلهم. ولكن ذلك لا يعجب إله الإسلام.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (الأنفال 73). أعتقد أن إله القرآن هنا قد قال عكس الذي يحدث. فالفتنة في الأرض والفساد الكبير يحدث عندما تنعدم الصداقة ومبادلة الآراء، ومشاركة الحلول المقترحة بين المسلمين وغيرهم
(وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة 81). بدل أن تكون المائدة مكاناً يلتقي فيه الجيران من مسلمين ومعتقدات أخرى لتبادل الآراء لتفادي الصدام، أصبحت سورة المائدة صيدلية لصرف حبوب الكراهية والتفرقة بين الناس في الوطن الواحد. فالمؤمن الذي يصادق الكفار شخصٌ فاسق مهما كان ملتزماً بعبادة إله القرآن.
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا) (النساء 139). غالبية الناس لا يتخذون الأصدقاء أو الأولياء ابتغاء للعزة. الصداقات تتكون بين الناس عندما يكون هناك تجانس بين الأفكار والميول الاجتماعية والهوايات. ولا تتكون الصداقات ابتغاء العزة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّـهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة 23). لا أعتقد أن هناك أي دين على وجه الأرض، باستثناء اليهودية والإسلام، يدعو أتباعه لمقاطعة إخوانهم وآبائهم لمجرد أنهم اختاروا أن يعتنقوا ديناً مخالفاً. إذا كان هذا موقف إله القرآن من الأبوين والإخوان إذا لم يسلموا، ما ذا يكون موقفه من جارك أو زميلك في العمل إذا لم يكن مسلماً؟ ويكرر القرآن الآية باختلاف بسيط:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة 22)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّـهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) (النساء 144). إله القرآن لا يتوانى عن استعمال التهديد والوعيد ضد المسلم الذي يتخذ أولياءً من غير المسلمين. فكيف للناس أن يعيشوا مع بعض في وئام في دولة من دول عالم اليوم، والمسلم مهدد بغضب الله إذا اتخذ أولياء وأصدقاء من جيرانه أو زملائه في العمل من غير المسلمين.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة 71).
إله القرآن يقول بأشياء لا تحدث في الواقع. المؤمنون والمؤمنات في البلاد الإسلامية مثل إيران، وباكستان، وأفغانستان، ليسوا أولياء بعض ولا ينهون عن المنكر، ولا يأمرون بالمعروف، بل يمارسون الكذب والخداع على بعضهم، ويستغلون النساء للدعارة بمسميات عديدة مثل "بيوت العفة" في إيران للنساء الفقيرات والأرامل المعدمات اللاتي تجبرهن ظروفهن للعمل في الدعارة لكسب قوتهن، ويفجرون مساجد الفئات المسلمة الأخرى المختلفة عنهم في المذهب. كل الذي تخدمه هذه الآية هو تشظية مواطني البلاد إلى فئات تحارب بعضها البعض، وتظلم المخالف في العقيدة، وقد تبيح قتلهم كما تفعل داعش الآن. فالقرآن لا يخدم المواطنة، بل يخدم التفرقة والحروب بين مواطني الدولة الواحدة.
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (النساء 89).
حسب منطق القرآن، جارك المسيحي يود أن تترك الإسلام وتكفر بإله الإسلام، كما كفر هو. عليك أن تدعوه إلى الإسلام وأن يهاجر في سبيل الله ويؤتي الزكاة، أي بمعنى أخر أدعه كي يسلم فإن لم يستجب، فخذه واقتله حيثما وجدته، ولا تصادقه وتتخذه ولياً. لا أعتقد أن هناك دعوة للتفرقة والحروب أكثر من هذه الآية.
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة 4).
هل يتخيل القارئ أي دعوة للفرقة والاغتيالات السياسية بين المواطنين أكثر من هذه الدعوة؟ الابن يقول لأبيه ومجموعته: بدت بيننا وبينكم العداوة والبغضاء لمجرد أن الأب لم يقبل رأي الابن فيما يتعلق بالمعتقدات الدينية؟ لا يمكن أن تكون هناك دولة في القرن الحادي والعشرين يعتنق بعض مواطنيها هذه الأفكار الهدامة. مثل هذه الدولة، إن وُجدت، مصيرها دمار نفسها بسبب القتال بين مواطنيها، تماماً كما حدث في السودان عندما شن الشيخ حسن الترابي والديكتاتور البشير الحرب ضد جنوب السودان، لا لأي سبب سوى أن سكان جنوب السودان مسيحيون أو لا دينيون. وانتهت الحرب بانفصال جنوب السودان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة 1). حتى لو أسّر المسلم المودة لجاره المسيحي، فقد ضل سواء السبيل.
حتى بعد أن يموت غير المسلم لا يجد غفراناً من المسلمين وصفحاً لأن إله القرآن يقول لرسوله (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة 84)
ويزيد إله القرآن من التحريض على الكراهية حتى إن حاول المسلم أن يُظهر بعض الحب لجاره غير المسلم (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران 119).]
هل يمكن أن تتخيل تحريضاً على الكراهية لجارك أكثر من هذا؟ حتى لو أسريت المحبة لجارك المسيحي يعلم إله القرآن بسريرتك ويعاقبك عليها. هذا التحريض على غير المسلم هو ما دفع بعض المسلمين الأوائل لقتل آبائهم، وأعمامهم لأنهم قد أساؤوا لمحمد. فعندما قال عبد الله بن أبي سلول: "عندما نرجع المدينة سوف يخرج الأعز منها الأذل"، يقصد محمداً والمهاجرين، طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول الإذن من محمد أن يسمح له بقطع رأس أبيه لأنه كفر بإساءته لمحمد. نفس هذا الحماس نراه اليوم في باكستان ونيجيريا وبنغلاديش عندما يقتل ويحرق المسلمون مسيحياً بتهمة إساءة الإسلام أو إهانة محمد.
لا يمكن لدولة حديثة فيها عدة إثنيات ومعتقدات أن يكون دستورها القرآن الذي يحرض على كراهية غير المسلم ولا يسمح حتى بالمجاملات في المناسبات الدينية. فالقرآن لا يسمح للمسلم بتهنئة غير المسلم في أعياده ولا في مناسباتهم الاجتماعية. التحريض على الفتنة بين الطوائف المختلفة أسوأ من القتل كما يقول القرآن نفسه (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة 191). وبعد كل هذه الآيات التي تحض على كراهية غير المسلم يقول لنا إله القرآن (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف 29).
لكل هذه الأسباب نرى أن القرآن لا يصلح دستوراً لدولة حديثة.