نظرية الانتظام الذاتي auto-organisation
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 00:23
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
إلى من يبحثون بإخلاص عن كيفية تشكل الانتظام في الكون، دون مهندس عبقري أوجد ورتب هذا الانتظام:
From ChatGPT AI:
نظرية الانتظام الذاتي (Auto-Organisation) أو ما يُسمى أحيانًا التنظيم الذاتي، هي مفهوم علمي وفلسفي واسع يُستخدم في علوم الطبيعة والأحياء والفيزياء والكيمياء وعلم الاجتماع وحتى علوم الحاسوب.
جوهر الفكرة هو أن الأنظمة المعقدة يمكن أن تُنتج انتظامًا أو بنى منظمة دون الحاجة إلى “مُسيطر خارجي” مباشر، بل نتيجة للتفاعلات الداخلية بين عناصر النظام نفسه.
الفكرة الأساسية
في الأنظمة الكلاسيكية كان يُفترض أن أي انتظام يحتاج إلى مُصمم أو مُنظم خارجي.
لكن نظرية الانتظام الذاتي تبيّن أن النظام نفسه، من خلال التفاعلات المحلية بين عناصره، يمكن أن يولّد انتظامًا معقدًا وهادفًا.
بمعنى آخر: الفوضى قادرة على إنجاب النظام، إذا توفرت الشروط المناسبة.
***
أمثلة طبيعية:
فيزيائية: تكوّن البلورات من محلول ملحي. جزيئات الملح ترتب نفسها تلقائيًا في نمط شبكي منتظم.
بيولوجية: تطور الكائن الحي من خلية واحدة (الزيجوت) إلى ملايين الخلايا المتخصصة، عبر تفاعلات داخلية وشبكات جينية.
بيئية: أسراب الطيور أو أسراب الأسماك التي تتحرك في تشكيلات منظمة دون قائد مركزي.
كيميائية: تفاعلات بيلوسوف–جابوتنسكي (Belousov–Zhabotinsky) التي تُظهر أنماطًا دورية أو حلزونية في الوسط الكيميائي.
***
الخصائص العامة للانتظام الذاتي
اللاخطية: النظام لا يستجيب بشكل مباشر أو خطي للمدخلات.
الانفتاح: يحتاج إلى تبادل للطاقة أو المادة مع المحيط (ليس نظامًا مغلقًا).
التغذية الراجعة (feedback): التفاعلات بين الأجزاء تقوي أنماطًا معينة وتضعف أخرى.
الاستقرار الديناميكي: النظام يظل منظمًا رغم التغيرات الخارجية، لكنه قد ينتقل إلى أنماط جديدة إذا تجاوز “عتبات حرجة”.
تطبيقات في مجالات مختلفة:
علم الاجتماع: نشوء العادات أو القواعد الاجتماعية تلقائيًا من التفاعلات بين الأفراد.
الاقتصاد: تكوّن الأسواق والأسعار من التفاعل بين العرض والطلب دون سلطة مركزية.
علوم الحاسوب: الخوارزميات التطورية، الشبكات العصبية الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي المستوحى من الدماغ.
الفيزياء الحديثة: دراسة “أنظمة بعيدة عن الاتزان” (Prigogine) التي تُظهر أن الفوضى تولّد انتظامًا جديداً.
📌 يمكن تلخيص النظرية بعبارة:
“النظام ليس مفروضًا من الخارج، بل منبثق من الداخل.”
***
نظرية الانتظام الذاتي (auto-organisation) من منظور علمي بحت كما تُدرس في الفيزياء، الأحياء، والكيمياء:
1. الإطار الفيزيائي:
النظام الفيزيائي إذا كان مفتوحًا (أي يتبادل المادة والطاقة مع الوسط الخارجي) وبعيدًا عن الاتزان الحراري، يمكن أن يُظهر سلوكيات غير متوقعة:
بدلاً من أن ينهار إلى فوضى عشوائية، قد يتكون نمط منظم.
هذا ما سماه إيليا بريغوجين (Ilya Prigogine) “البُنى المبدَّدة (Dissipative Structures)”.
🔹 مثال:
خلايا بنارْد (Bénard cells): عند تسخين طبقة رقيقة من السائل من الأسفل، يظهر نمط سداسي من الدوامات. هذه البُنى تتشكل ذاتيًا دون تدخل “منظم”.
2. في الكيمياء:
بعض التفاعلات الكيميائية (مثل تفاعل بيلوسوف–جابوتنسكي) تُظهر أنماطًا دورية أو حلزونية ملونة.
السبب: التغذية الراجعة غير الخطية بين المواد المتفاعلة.
هذا دليل على أن “النظام الديناميكي الكيميائي” يمكن أن ينتظم ذاتيًا بعيدًا عن الاتزان.
3. في الأحياء:
الكائنات الحية مثال كلاسيكي للانتظام الذاتي.
تكوّن الأعضاء: من خلية واحدة مخصبة، تتكرر الانقسامات، وتظهر شبكات تنظيمية (جينية + بروتينية) تقود الخلايا إلى التخصص.
النظم العصبية: الدماغ يُنظم ذاته من خلال التفاعلات بين مليارات الخلايا العصبية، دون وجود “مركز تحكم” واحد.
الشروط العلمية للانتظام الذاتي:
العلماء حددوا خصائص أساسية يجب أن تتوافر:
1- النظام مفتوح: يتبادل الطاقة أو المادة مع المحيط.
2- بعيد عن الاتزان: لو كان في حالة اتزان تام فلن يظهر انتظام (كل شيء يصبح ساكنًا).
3- تفاعلات لاخطية: الاستجابات ليست تناسبية، بل مضاعفة أو متضاعفة بشكل غير متوقع.
4- التغذية الراجعة الموجبة والسالبة:�
الموجبة تضخّم بعض الأنماط.
السالبة تكبح أنماطًا أخرى.�النتيجة = نشوء انتظام مستقر.
الرياضيات والنمذجة
يُستخدم علم الأنظمة الديناميكية (Dynamical Systems) لوصف هذه الظاهرة.
المعادلات التفاضلية اللاخطية تُظهر ما يسمى “جاذبات (Attractors)” حيث تستقر الأنظمة على أنماط معينة رغم الاضطراب.
مثال: جاذبات لورينز (Lorenz attractor) التي تشرح كيف يمكن للفوضى أن تنتج أنماطًا متكررة.
📌 الخلاصة العلمية:
الانتظام الذاتي ليس “معجزة”، بل نتيجة حتمية لخصائص الأنظمة الديناميكية المفتوحة البعيدة عن الاتزان.
هذه الأنظمة تُنتج انتظامًا جديدًا عبر التفاعلات الداخلية + تدفق الطاقة، وهو ما يفسر أنماطًا في الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، وحتى علم الأعصاب.