قراءة في فنجان الإنسانية


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 22:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خرج العالم الغربي من الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية والفاشية، برد فعل مضاد تفاقم إلى حد التطرف. أنتج ليبرالية ككائن رخو بلا جلد يحميه من هجوم الميكروبات.
رد فعل يساوي بين السمكة والثعبان.
وبين الحمامة والخفاش.
بين الذئب والحمل.
أنتج ثقافة مفرطة في الرقة. بحيث صارت عاجزة عن مقاومة عوامل الهدم والموت التي تتهددها.
تلك التي نصنّفها اليوم بالليبرالية اليسارية.
***
ربما هي بضع عقود فقط
وتبدأ الحضارة الغربية في التصدع بدءاً من مركزها الأوروبي.
وقد تتأخر أمريكا بعض الوقت في اللحاق بها.
لكن من المشكوك فيه أن تنجو من ذات المصير.
***
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية في تسعينات القرن الماضي، تحدث فرنسيس فوكو ياما عن "نهاية التاريخ". وتحدث صموئيل هنتنجتون عن "صراع الحضارات".
لكن لا التاريخ انتهى،
ولا الحضارات تتصارع!!
فقد ظهر الوحش الداعشي الذي كان قد تسلل لشرايين مراكز الحضارة، مع بداية القرن الحادي والعشرين. وبدأت من 11 سبتمر 2001 مرحلة لا صراع حضارات، ولكن صراع البدائية والهمجية الوحشية ضد الحضارة.
مايحدث بدءاً من أوروبا عملية انتحار واغتيال. فأوروبا تفتح أحضانها باسم الإنسانية والحرية والمساواة لموجات الهمجية والعداء المحموم لكل هذه القيم، وللحضارة في صميمها. لتستقر وتستشري في سائر أنحاء العالم الغربي. التخلف والهمجية تغزو الآن أوروبا لتغتال حضارتها بثبات وإصرار. حتى الآن دون عنف وسلاح. لكنها تستشري في شرايين وجسد أوروبا بالهجرة الشرعية وغير الشرعية من مراكز الفقر والجهل والكراهية المحمومة، لتطعن الحضارة الإنسانية في قلبها!!
اليسار والفوضويون والعدميون جميعهم الآن في خدمة موجات الإسلاميين باختلاف تصنيفاتهم وهياكلهم التنظيمية. جميعهم وإن تباينت أو حتى تضادت رؤاهم يهدمون بصبر وبلاكلل أركان بلاد الكفر والكفار!!
يبدو الأمر هكذا اغتيالاً للحضارة الإنسانية من قبل الهمجية الوحشية. لكنه بالدرجة الأولى حالة إقدام على الانتحار طوعي من قبل من أفقدهم فرط التحضر الحذر والحرص على حياتهم وحضارتهم، أو بالأصح على حضارة الإنسانية جمعاء!!
السؤال الآن هل إذا ما اجتاحت الهمجية أوروبا وحولتها لخرائب ومزابل، هل عندها ستصمد أمريكا وكندا وأستراليا؟
هل ستبدأ الحضارة من جديد في روسيا والصين وجنوب شرق آسيا؟
أم سيمتد تحالف هوس الداعشية والفوضوية اليسارية، ليحطم كل مايمت للحضارة بصلة على سطح كوكب الأرض؟!!
*****
أتخيلني ركبت آلة الزمن إلى المستقبل.
وإذا بالصين تتسيد العالم.
وتُشَيَّد حضارة إنسانية
جديدة قادرة على البقاء.
وقادرة على حماية نفسها
ممن أسقطوا الحضارة
الغربية بتسللهم إلى شرايينها.