رسالة يسوع


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 08:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الحقيقة أن رسالة يسوع التي نستطيع ببعض الجهد والحذق استخلاصها من الأناجيل الإزائية الثلاثة (متى ومرقس ولوقا)، وبالنسبة للاهوت المسيحي الذي اتخذ هيكله الأساسي في القرن الرابع الميلادي، هذه الرسالة تعد بذرة صغيرة على هامش ثمرة متضخمة.
فالإضافات التي تم كسوة البذرة الأصلية بها (صنعت من الحَبَّة قُبَّة) كما يقولون.
وفيما يلي محاولة للعثور ولتحديد معالم هذه البذرة الأصلية لرسالة يسوع.

دائرة فكر ورسالة يسوع (1/2)

هذه العبارات من الأناجيل توضح وتحدد نطاق وحدود رسالة يسوع التبشيرية كما عرفها تلاميذه.
قبل أن يتدخل شاؤل الطرسوسي (بولس) ويحولها لرسالة عالمية:

"فأجاب وقال: «لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة»" (مت 15: 24)
****
"فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب»." (مت 15: 26).
****

"لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ." (مت 7: 6).
****
"أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ."
(يوحنا 4: 22).
****
"هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 10: 5- 6).
****
"إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ." (يو 1: 11).
************

دائرة فكر ورسالة يسوع (2/2)

يقول كاتب إنجيل متى على لسان يسوع:

"«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت 5: 17).

"فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." (مت 5: 18).

بالفعل كانت رؤى وتعاليم يسوع رغم تميزها عن تعاليم الكتبة والفريسيين، لا تخرج على الناموس.
وإنما كانت تستهدف فهماً عميقاً له،
وليس فهماً حرفياً يصفي عن البعوضة ويبلع الجمل.

حتى كسر وصية حفظ يوم السبت، التي هي أحد الوصايا العشر.
والتي عقوبة كسرها الموت رجماً،
كما أمر الإله بنفسه حكماً على حطاب يوم السبت في العهد القديم.

كان يسوع بكسره السبت عامداً متعمداً يريد لفت الانتباه،
إلى أن الهدف هو صالح الإنسان،
وأن الشريعة من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل الشريعة.

هكذا فالفهم المتطور والعميق لهدف شريعة موسي كان هو كل رسالة يسوع التبشيرية.

كما كانت شرائع المجتمع اليهودي هي دائرة وعيه وإيمانه.
وهي الدائرة التي دار داخلها وعيه الديني،
وتمحورت حولها تعاليمه.

حتى في وصف يسوع لليوم الأخير أو يوم القيامة كما تعودنا أن نقول، نجده يقول:

"حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي وَسْطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجًا، وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا،" (لو 21: 21).

"وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ،" (مت 24: 20).

ويتضح من هذا أن العالم كله كان في نظر يسوع هو منطقة اليهودية والقرى المحيطة بها.
وماعدا ذلك غائب عن وعيه.
أو لاقيمة له ولمن فيه في نظره.
وهو الأمر الذي كان واضحاً في كلامه وسلوكه.
كما يتضح من الجزء الأول عاليه.

وأغلب الظن براءته التامة من أي إضافات لذلك المحور والدائرة،
تلك الإضافات التي ارتأى الرواة إضافتها لسيرته،
من قبيل التشويق للمستمعين.
والتعظيم لذكرى ذاك الحمل الوديع الذي سيق كشاة إلى الذبح. وظلم وتذلل ولم يفتح فاه.