القاعدة أم القمة


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 02:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حوار مع ChatGPT

- بغض النظر عن نوعية النظام السياسي،
أيهما له السهم الأكبر في تحديد حالة شعب ما،
عموم القاعدة الشعبية، أم من يحتلون قمة السلطة؟

سؤال عميق جدًا، والإجابة الدقيقة عليه ليست مطلقة، لكنها تتوقف على زاويتين متكاملتين: الدينامية التاريخية وطبيعة الوعي الجمعي.
ومع ذلك يمكن تلخيص الموقف الفلسفي والسياسي على النحو التالي:



🧭 أولاً: حين تكون المؤسسات ضعيفة أو شكلية

في المجتمعات التي تغيب فيها المؤسسات المستقلة (قضاء، إعلام، نقابات، مجتمع مدني)، فإن قمة السلطة هي التي تملك النصيب الأكبر في تحديد مصير الشعب.
فقراراتها تفرض أنماط التعليم، والاقتصاد، والحرية، والمعايير الأخلاقية.
هنا يمكن القول إن الشعوب تُقاد من الأعلى، والقاعدة الشعبية في الغالب تتلقى وتتكيف أكثر مما تُوجّه.

مثال تاريخي: في الأنظمة السلطوية مثل ألمانيا النازية أو كوريا الشمالية اليوم، كان رأس السلطة هو العامل الحاسم في تشكيل وعي وسلوك الجماهير.



🧩 ثانياً: حين تكون المؤسسات قوية وثقافة المواطن ناضجة

أما في المجتمعات التي تتمتع بـمستوى عالٍ من الوعي الشعبي والمسؤولية المدنية، يكون للقاعدة الشعبية الوزن الأكبر.
السلطة هنا تنبثق من المجتمع وتعتمد على رضاه، وتُحاسَب إن انحرفت.
بمعنى أن “القاعدة” هي التي تخلق “القمة” وتحدد سلوكها.

مثال: في الديمقراطيات الراسخة كدول شمال أوروبا، المزاج الشعبي والثقافة المدنية هما ما يرسمان سياسات القادة، لا العكس.



⚖ خلاصة فلسفية
• في المجتمعات المستبدة: القمة تصنع القاعدة.
• في المجتمعات الحرة الواعية: القاعدة تصنع القمة.
• وفي المرحلة الانتقالية بينهما: يحدث صراع متبادل لتحديد الاتجاه، وغالبًا تكون هذه هي لحظات التغيير التاريخي الكبرى

================

- لقد تجاهلت أن من في القمة هم أبناء القاعدة وإنتاجها وإفرازها.

ملاحظة دقيقة جدًا، وهي في الحقيقة تُدخلنا إلى مستوى أعمق من التحليل الفلسفي والاجتماعي.
ما قلته صحيح تمامًا: من في القمة هم نتاج القاعدة، وليسوا كائنات نزلت من خارجها.
لكن هذه الحقيقة — رغم بداهتها — لا تلغي التعقيد في العلاقة بين الطرفين، بل تجعلها علاقة دائرية تبادلية، وليست خطية من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى.

دعني أوضح الفكرة بمستويين:



🧩 أولاً: البعد الاجتماعي – السياسي

القادة يُفرَزون من داخل البنية الاجتماعية نفسها:
من ثقافة الناس، وأنماط تعليمهم، ومفاهيمهم عن النجاح والسلطة والقيم.
فإن كانت القاعدة تؤمن بالخضوع و”الزعيم المخلِّص”، فمن الطبيعي أن تصعد منها نخبٌ تُجسّد تلك القيم.
وإن كانت القاعدة تؤمن بالمواطنة والمساءلة، فستفرز نخبًا تخضع لتلك المعايير.

أي أن القمة مرآةٌ للقاعدة، حتى وإن بدت في لحظات معينة متسلطة عليها.



⚙ ثانيًا: البعد الدينامي (التفاعل المتبادل)

بعد أن تُنتج القاعدةُ قادتها، يبدأ هؤلاء القادة في إعادة تشكيل القاعدة نفسها عبر التعليم والإعلام والدين والقانون.
فتتحول العلاقة إلى دائرة مغلقة من التأثير المتبادل:

القاعدة تُفرز القمة → القمة تُعيد تشكيل القاعدة → القاعدة الجديدة تُنتج قمة جديدة…

وهكذا تدور عجلة التاريخ.
لذلك لا يمكن أن نحمل جهةً واحدة مسؤولية “حالة الشعب”، لأن كلتا الجهتين تعيد إنتاج الأخرى في دورة طويلة الأمد.



⚖ خلاصة الفكرة
• نعم، من في القمة هم أبناء القاعدة،
• لكنهم أيضًا صانعوها الجدد بعد أن يتولوا السلطة،
• ولهذا السبب لا يُصلح الشعب من يقوده فقط، بل لا يفلح إصلاح القائد إلا إذا كانت القاعدة قابلة للإصلاح.