مصر جديدة على النمط الروماني
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 19:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مصر الآن في حالة مخاض. لولادة مجتمع جديد تخطى طور الجنين، واستكمل مقومات خروجه للنور.
تتجسد هذه الولادة التي ينفصل فيها الجنين عن الأم، في العمل الذي يجري في مصر الآن بهمة في اتجاهين:
أ- اتجاه ترقية حياة وتعليم القطاع الذي يمتلك الثروة، وذلك في كوميونات خاصة وجامعات خاصة ومدارس إنترناشيونال.
ورغم تدني أصول نسبة غير محددة من منتسبي هذا القطاع من حيث المستوى الثقافي والفساد بمختلف أنواعه، إلا أن الجيل الثاني ثم الثالث من هؤلاء أغلب الظن سيكون أرقى بالفعل حضارياً من آبائه وأجداده. نظراً لتكفل توفر الثروة بتوفير مقومات النهضة الحضارية.
ب- اتجاه تجهيل وانكفاء الطبقتين الوسطى والدنيا. لكي تغرقا فيما هي منغمسة فيه من دروشة وفساد وتحلل أخلاقي وسلوك فوضوي.
الأمر أقرب لنمط الحياة في امبراطورية روما القديمة. حيث مجتمعات الأسياد الراقية. وجحافل العبيد الذين يعملون في خدمتهم، ويكدحون في المزارع وسائر الأعمال اليدوية الشاقة.
***
قد يجد أصحاب النزعات اليسارية في هذا العرض فرصة للشجب والتنديد بما يحدث بمصر لو صح استعراضنا هذا.
لكنني رغم انتمائي عضوياً للقطاع المصري العريض الجاري دفعه لمصيره لتشكيل طبقة عبيد مصر الجديدة، أنظر للأمر ومايجري نظرة أظنها أوسع أو أبعد مدى.
نظرة تقدر احتمال تحقق الممكن. واستحالة تحقق المستحيل.
فخلال المسيرة الحضارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، أي منذ بداية الدولة المصرية الحديثة عام 1805 على يد محمد علي باشا وأسرته، أثبت الشعب المصري عجزه، بل ورفضه للتحضر على النمط الغربي. فكانت الردة التي مثلتها جماعة الإخوان المسلمين. وساندهم فيها عسكر يوليو 1952.
وهو مايتكرر الآن بنفس المنهج. تحالف ثم انقلاب لانتزاع السلطة. كما حدث في العهد الناصري. فرغم انتقال الإخوان من كرسي السلطة إلى السجون، جاري تدعيم انتشار أفكارهم وسلطانها الاجتماعي الذي يتفشى الآن. ليشمل التعليم والإعلام. مع توسع دور المؤسسات الدينية، وامتداد نشاطها وتأثيرها إلى كافة مناحي الحياة المصرية. كما سيطر الاتجاه الديني المنغلق كذلك على الخطاب الرسمي والشعبي السياسي. متستراً بدعاوى العروبة والعداء للعالم الغربي الكافر الذي يعادي بلاد المسلمين. وبالقضية الفلسطينية، متواكبة مع تأجج المشاعر الجماهيرية الجاري شحنها. والمنتشية والمساندة لأعمال الإرهاب الفلسطيني، باعتبارها مقاومة بطولية
***
إذا كان ذلك كذلك بالفعل. وكانت الهضبة السكانية المصرية الضخمة غير قابلة للتحضر،
وتنحدر بمعدل سريع لحالة ردة حضارية وتحلل أخلاقي وتفسخ اجتماعي، فلابأس ولو من قبيل "إنقاذ مايمكن إنقاذه"، أن يتم اقتطاع شريحة منها، لوضعها على طريق التحضر. حتى لو جاء ذلك على حساب إهمال وتردي مقومات حياة الكتلة الأعظم، التي ستتبوأ في مصر الجديدة مناصب الخدم والعبيد!!
هكذا سيتشكل المجتمع المصري من طبقتين فقط وليس ثلاث طبقات كالتقسيم المعتاد. وذلك مع إفقار الطبقة الوسطى. والتحاقها اقتصادياً بالطبقة الدنيا.
***
هذه التركيبة التي قد تبدو بغيضة وبشعة، أفضل للمحيط الإقليمي لمصر. بل وللعالم كله، من مصر مهلهلة فاشلة بكاملها.
كما أنه يتفق مع المثل القائل "مالايُدرك كله، لايُترك كله"!!
كما أن الشريحة العليا الجديدة بارتباط مصالحها بالقاعدة الدنيا، ستعمل تلقائياً على عدم تفاقم تردي وسقوط الطبقة الدنيا.