(صراع ديني او شكل ديني للصراع)


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 8115 - 2024 / 9 / 29 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أحد العناوين الفرعية من كتاب المفكر الراحل مهدي عامل "نقد الفكر اليومي"، وفيه يعيب على بعض الكتاب الماركسيين انزلاقهم نحو منطق الفكر النقيض، والذي يفسر الصراع على أساس انه ديني، باعتبار ان الدين "محرك اول"، وهذا هو المنطق النقيض لتفسير الصراع بأنه طبقي، هذا الانزلاق وقع-ويقع- فيه الكثير من الكتاب والمفكرين، وقد كان مهدي عامل يحارب هذه النظرات غير العلمية لفهم الصراع.

صادق جلال العظم في كتابه "النقد الذاتي بعد الهزيمة" هو أكثر مفكر احصى التصريحات والأراء التي خرجت من مفكرين وصحفيين ومحللين وكتاب ورؤساء دول، خصوصا قبل وبعد حرب 1967، فمثلا هو ينقل لنا ما قاله يوسف الحاج "رئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية" رأيه بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ما نصه:

"لماذا أصر اليهود على المجيء الى فلسطين... لأنهم يريدون تكذيب المسيح" او رأيا آخر له "الصراع القائم اليوم تحت سمائنا، لا يدور بين اليهود والعرب، انما دائر بالأصل بين اليهود والمسيح اولا". وغيرها العشرات من مثل اراء كهذه انتشرت في وقتها-ولا زالت-، مفسرة الصراع على أساس ديني.

هذه "الرؤى الأسطورية"، يعاد انتاجها بشكل قوي وفعال كلما تجدد الصراع في المنطقة، فهي تجد لها مبررات كبيرة وكثيرة، خصوصا وان القيمين على هذا الصراع من الأقطاب الرأسمالية الكبرى، أغرقوا المنطقة كلها بالفكر الديني-الطائفي، بل ان اشكال الحكم صارت دينية خالصة.

إسرائيل كائن طفيلي صنعته قوى كبرى، للمحافظة على مصالحا في المنطقة، فتواجدها العسكري الاستعماري لا يمكن ان يدوم الى الابد، استبدلت هذا الاستعمار بهذا الشكل العنصري المقيت، والذي يعتمد وجوده ويستمد ديمومته من الغاء الاخر؛ الإدارات الامريكية والغربية تحافظ على هذا وجود هذا الكيان بشكل بكل ما تملك من قوة، فهي بالنسبة لهم "أكبر حاملة طائرات في العالم".

إيران من جهتها تريد ان تكون قوة إقليمية في المنطقة، فقد ارتمت بالحضن الروسي-الصيني، وتحت ايديولوجية "تصدير الثورة" قامت بتأسيس أذرع لها في المنطقة، هذه الاذرع المسلحة بدأت تشكل قوى كبيرة، قسم منها ابتلع الدولة، وبدأ قسم منها بتهديد المصالح الامريكية والغربية، فهل يمكن السكوت على ذلك؟

الغرب وامريكا استخدموا كائنهم اللقيط والطفيلي، بعد ان تم تسليحه بأرقى الأسلحة والمعدات، وجرى امداده بكل ما يحتاج لإدارة الصراع والانتصار فيه، فبدأت تلك الالة الوحشية بقتل عشرات الالاف وتدمير مدن كاملة، تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"؛ وهي بالحقيقة لتكسير هذه الاذرع وتحجيم قوتها او انهائها تماما، وأيضا ل "قضم" المزيد من الأراضي لصالح هذا الكيان اللقيط.

اغتيال نصر الله، وقبله هنية، وقبلهم سليماني، وبعدهم قد يكون الحوثي او أحد قادة الفصائل المسلحة في العراق، كل هذه الاغتيالات تؤكد على المضي بسياسة التصفية الكاملة للأذرع المسلحة الإيرانية، وقد يكون بعدها اسقاط النظام في إيران، من يعلم ما ترتكبه ثيران هائجة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تقود المنطقة الى المجهول، فمن اجل مصالحها مستعدة لحرق العالم.

ان مشاهد القتل والدمار والنزوح صارت مألوفة لهذه المنطقة، التي تشهد حالة من الحزن والانكسار، وكل ذلك بسبب مصالح رأسمالية قبيحة وقذرة، ما شأن الناس المسالمة بهذه الحروب والصراعات العنيفة والدموية، ليس في كل ذلك شيء يعني الناس، ليس في كل ذلك أي مغزى أخلاقي، لقد البسوا هذا الصراع شكلا دينيا، لكنه في جوهره صراع اقطاب رأسمالية متصارعة.

طارق فتحي