المغرب، رتب لنقل الحكم صوب ترسيخ الاستبداد والعبودية الجديدة


بن حلمي حاليم
الحوار المتمدن - العدد: 8053 - 2024 / 7 / 29 - 03:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

حكم الرحيل الملك الحسن الثاني المغرب بقوة الحديد والنار، وقد ناضل قسم من الشعب المغربي ضد سياساته ونظامه، وعارضته قوى برجوازية وطنية وليبرالية، ويسار ثوري، لكنه كان أقوى منهم، وشتتهم، وقمع كل الانتفاضات الشعبية التي حدثت في عهده نتيجة حياة الفقر المدقع والحاجة إلى ضروريات الحياة، وزج بالمعارضين/ت في السجون الفظيعة.
وحاول قسم من الجيش الملكي تنظيم انقلابين على نظامه في سنتي 1971 و1972 وفشلوا، وتم رمي من نجوا منهم من الموت أثناء العمليتين في السجون السرية التي ظلت الدولة المغربية بكل مؤسساتها الرسمية تنكر وجودها بصفة رسمية وعلنية.
وفي 1975 أراد ضم الصحراء الغربية للمملكة بالقوة، لكن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب واجهته سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا من اجل استقلالها، وقد عرف الملك كيف يوظفها في سياساته بصورة كبيرة، منها، أولا : خلق قضية للجيش وإبعاده عن وسط المغرب ومحيط العاصمة الرباط، وفتح مجال للبيروقراطية العسكرية للاغتناء، ثانيا: توظيف سياسة"الوحدة الوطنية" كما تفعل جميع الأنظمة الرأسمالية، وبذلك ربط عرشه بهذه القضايا، وأحاط نفسه بمجموعة ضيقة نفذت حكمه الاستبدادي.
وقد قضى الشعب المغربي نحو ثمانية وثلاثون سنة [ 38 سنة] تحت القهر الشديد لحكمه، وقد كانت كل الانتخابات والمجالس النيابية التشريعية صورية للواجهة وكل الحكومات التي تعاقبت في عهده عملت لتطبيق تعليماته.
وحسب عدد من الصحف والمواقع بان بعض المقربين/ات من الملك الحسن الثاني، صرحوا بان الخمس السنوات الأخيرة من حياته قضاها في صحة غير جيدة، وظهر عليه المرض بصورة كبيرة.
ولذلك مهد عملية سياسية لابنه، وولي عهده محمد السادس، نظرا للقضايا الكبرى والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المطروحة على البلد، دفعته إلى التخفيف من شدتها، فقد أنشاء عدة مجالس تصب في هذا الاتجاه منها : المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من اجل تصفية ارث انتهاكات جسيمة واختفاء قسري وقضايا اغتيالات سياسية حصلت في عهده وبأمره .
ففي 1988 بدأ في بناء مسجد كبير جدا بمدينة الدار البيضاء، ومول الفقراء المغاربة قسم مهم من تكلفته من دمهم بمساهمات إجبارية وقد استفاد من ذلك الرأسماليين الأجانب الفرنسيين من عملية بنائه وتجهيزه؛ وحمل اسم مسجد الحسن الثاني؛ لتحسين واجهة الاستبداد بمسحة دينية.
ففي1989 أعلن من طرف الأنظمة الاستبدادية بالمنطقة عن تأسيس" اتحاد المغرب العربي" من طرف كل من [موريتانيا، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب] وإنشاء سوق مشتركة بينهم، وكان مكان الإعلان عن هذا "الاتحاد" هو المغرب.
ففي شهر سبتمبر/ أيلول 1990، نشر الكاتب والصحفي الفرنسي جيل بيرو كتاب حمل عنوان [صديقنا الملك] باللغة الفرنسية معتمدا في انجازه على شهادات هاربين من السجون ورسائل انتقلت عبر اسر وعائلات المعتقلين في سرية تامة ومضمونة، وقد احتج الملك على ذلك وحشد زمرة من الكتاب والصحفيين والمثقفين والمؤرخين/ات لحملته ضد الكاتب وفرنسا وربط المسالة بأنها تمس "سمعة المغرب" في العالم.
و قد انطلقت منذ سنوات 1989و1990،العملية السياسية للتخفيف على الدولة من الضغط حول قضية حقوق الإنسان، وأعلنت عن إطلاق سراح مجموعات أولية من السجناء السياسيين، وكذلك العسكريين الذين شاركوا في الانقلابين من سجن سري بقرية تازممارت؛ وفي 1991، أطلقت الدولة والنظام الملكي عدد من السجناء كانوا مخفيين لأزيد من 17 سنة.
وفي 1991 بعثت الدولة المغربية فوج من الجيش الملكي لمنطقة الخليج أثناء غزو دولة الكويت من طرف النظام العراقي تحت حكم صدام حسين؛ وقد خلق هذا الغزو العدواني خلافات بين الدول العربية.
ففي 12 يونيو/حزيران 1991 أعلن عن غلق السجن السري بمنطقة قلعة مكونة الذي سجن فيه عدد من المعارضين، وكان من بينهم معتقلين/ات صحراويين وطنيين منتمين لسياسة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب [ بوليساريو] وغلق سجن سري بمنطقة اكدز قرب مدينة وارزازات الذي اعتقل فيه معارضين/ات يساريين وصحراويين.
ففي 15 سبتمبر/ أيلول 1991 أعلن عن غلق السجن السري تازممارت؛ حصل ذلك بعد الضغط على النظام الحاكم من طرف عدة منظمات حقوقية مغربية ودولية، بتعاون كبير مع اسر وعائلات المعتقلين والمختفيين والمغتالين السياسيين والنقابيين، عندما تم الكشف عن السجن الرهيب، وهي الفترة التي طرح فيها محمد بن سعيد ايت ايدر الأمين العام لحزب "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" سؤال في مجلس النواب المغربي بصفته نائبا حول مصير العسكريين الذين كانوا مسجونين ومحكومين بمدد محددة بسجن مدينة القنيطرة.

الرأسمالية والاستبداد يقودان لازمة سياسية والبرجوازية تبحث عن حل

تراكمت الأزمات في المغرب بجل القطاعات إضافة إلى قضية الصحراء الغربية والبحث عن حل من خلال تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، كما طرح، وقد تم قبوله والاتفاق عليه من طرف الملك الحسن الثاني والعاملين معه بمحيطه الضيق؛ ثم قضية الثقافة الامازيغية وحقوقها، لان عدد مهم من المغاربة اهتموا بها واشتغلوا عليها؛ وقضية النساء والمساواة في كل الحقوق؛ وقضية الإسلام السياسي الذي برز بصورة كبيرة في المغرب؛ ثم قضية أزمة الديون التي رهنت المغرب لدى المؤسسات المالية الدولية...الخ
ففي هذه الظروف تشكل تحالف سياسي من طرف أحزاب تنتمي للحركة الوطنية البرجوازية المغربية، التي سبق لها أن تأسست في سياق " الإجماع الوطني" و" الوحدة الوطنية" و"السلم الاجتماعي" سنوات 1975 و1983؛ وتمثل التيارات الفكرية والسياسية الليبرالية الحداثية والمحافظة معا، وهي لا تختلف بصورة جذرية مع جل ما جاء في دساتير الملك.
تشكلت تحت اسم " الكتلة الديمقراطية" في 17 مايو/ أيار 1992، من طرف كل من : حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
فهي تصف نفسها بالأحزاب الوطنية الديمقراطية: حزب الاستقلال الذي جمع مختلف طبقات وأفكار متعددة سنة 1944، ويعد الأساس الذي انشق عنه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، هذا الأخير الذي انشق عنه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975؛ بينما حزب منظمة العمل الديمقراطية الشعبي تعود إلى جناح يميني من حركة 23 مارس الماركسية – اللينينية، التي ظهرت سنوات1965 و1970 من خلال انشقاق عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولها توجه قومي عربي؛ أما حزب التقدم والاشتراكية الذي تأسس سنة 1974 فهو من أصل حزب التحرر والاشتراكية الذي ينتسب إلى الحزب الشيوعي المغربي.
كانت مهمتهم الأولى والأساسية: تثبيت الوحدة الترابية واستكمالها؛ ثم في ما بعد الطموح إلى إقرار الديمقراطية الحقيقية في كل مضامينها، وبناء المغرب العربي الكبير، كخيار أساسي لشعوب المنطقة؛ فقد اتفقت الأحزاب المذكورة، وزعمائها [ محمد بوستة عن حزب الاستقلال، وعبد الله ابراهيم عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعبد الرحمن اليوسفي عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعلي يعتة عن حزب التقدم والاشتراكية، ومحمد بن سعيد ايت ايدر عن حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي] على لائحة مطالب منها:

[1 ـ تثبيت استرجاع المغرب لأقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب والنضال بكل الوسائل من أجل استكمال الوحدة الترابية للبلاد•
2 ـ إقرار إصلاح دستوري عميق يضمن ترسيخ دولة المؤسسات وتعزيز سلطة القانون، ودمقرطة وتحديث أجهزة الدولة على كافة مستوياتها، ويكرس فصل السلطات، ويحدد مسؤولية كل سلطة، ويكفل قيام حكومة تكون ممثلة لأغلبية الشعب ومتحملة لمسؤولياتها الكاملة أمام مجلس النواب، ويحقق استقلال القضاء، ويصون حقوق الإنسان، ويحمي الحريات العامة والخاصة، ويكون إطارا ناجعا لتلبية طموحات الشعب وتطلعاته المشروعة في تحقيق التنمية والتقدم في كنف تكافؤ الفرص والتكافل والعدالة الاجتماعية، ولبناء مجتمع عصري يعتمد الإسلام ويستند إلى كل المقومات الثقافية والحضارية للشعب المغربي•

3 ـ إرساء مؤسسات ديمقراطية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو المهني أو الوطني، تكون منبثقة من الشعب ومتمتعة بثقته، الأمر الذي يستوجب إحاطة الانتخابات العامة، الجماعية والمهنية والتشريعية وكل الاستشارات الشعبية بجميع الضمانات السياسية والقانونية والإدارية والعملية الكفيلة باحترام إرادة المواطنين والمواطنات في التعبير عن اختياراتهم، بحرية ونزاهة.
4 ـ إقرار مشروع وطني للتنمية والتحرر والتقدم، وإرساء سياسة بديلة للإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي تستهدف بالأساس:

أ ـ تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين/ت، وضمان حقوقهم في الشغل والتعليم والتكوين والصحة والسكن والنقل والعيش الكريم•
ب ـ وضع خطة متكاملة لمحاربة البطالة، وتشغيل الشباب، وتوظيف كل الطاقات البشرية في إطار توسيع مجالات الاستثمار والإنتاج والتجهيز، وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية، وتعبئة إمكانات التعليم والتكوين والبحث العلمي والتكنولوجي لكي تكون في خدمة تطور المجتمع بكل فئاته وقطاعاته•
ج ـ وضع إستراتيجية للتضامن الوطني تجعل حدا للفوارق الاجتماعية والجهوية والقطاعية، وتحقق المساواة بين المواطنين/ات في الحقوق والواجبات•
د ـ وضع ميثاق وطني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعموم المواطنين/ت، يضمن حقوق النساء والطفولة على وجه الخصوص، ويرسي دعائم سياسة وطنية لحماية البيئة•
هـ ـ إقرار سياسة متكاملة وصارمة تحدث قطيعة جذرية مع ما يسود المجتمع والإدارة من فساد، وارتشاء، واستغلال للنفوذ، وشطط في استعمال السلطة ونهب للثروات وتبذير للموارد الوطنية، وتسلط على المواطنين وإخضاعهم لضروب الإكراه والترهيب •

5 ـ العمل على بناء المغرب العربي الكبير باعتباره اختيارا استراتيجيا، ولا يمكن النهوض والتقدم خارجه، على أساس تركز بنائه بالمشاركة الديمقراطية الفعلية لشعوبه بمختلف مكوناتها• وسيكون له دور أساسي في تأكيد وتعميق التزاماتنا العربية والإسلامية، والدفع قدما بالأمة العربية نحو مزيد من رص الصفوف لمواجهة ما يتهدد مصيرها ومصالحها الحيوية من تحديات وأخطار، ولمساندة الكفاح المشروع للشعب الفلسطيني من أجل إقرار حقوقه الكاملة في إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف بقيادة ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية•

ويفرض كل ذلك على المغرب انسجاما مع تقاليده واعتبارا لما يحظى به من موقع متميز، أن يكون منفتحا على جيرانه ومحيطه: شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، وان يقوم بدوره كاملا في العمل من أجل استتباب الأمن والسلام القائمين على العدل والإنصاف في كل أرجاء العالم، وخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي ينبغي أن تتحول إلى منطقة سلام وتعاون.
وتؤكد الأحزاب الوطنية الديمقراطية أن التوجهات والإصلاحات المذكورة، بقدر ما هي ضرورية وأساسية في ذاتها، فإنها تشكل السبيل لأقوم لإنقاذ البلاد من الأخطار المحدقة بها، ولتجاوز الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي حكمت على السواد الأعظم من الشعب بالتفقير والتهميش•

وتؤكد كذلك أن من مستلزمات الدخول في العهد الجديد الذي تتوق إليه البلاد، استتباب جو عام من الانفراج السياسي والاجتماعي، وذلك بإطلاق سراح كل المعتقلين من أجل أفكارهم أو نضالهم السياسي والاجتماعي، والسماح بعودة المغتربين إلى أرض الوطن، وإعادة المطرودين إلى عملهم، وتوقيف مسلسل المتابعات والمضايقات، والدخول فورا في حوار جدي ومسئول بهدف تلبية المطالب المادية والمعنوية للشغالين، والاستجابة لمطامح الشباب وعموم الكادحين في العيش الكريم•

وإن الأحزاب الوطنية الديمقراطية، انطلاقا من شعورها بمسؤولياتها التاريخية في هذا الظرف الدقيق والمصيري في تاريخ المغرب المعاصر، تعلن عن تأسيس “الكتلة الديمقراطية” إطارا عاما مفتوحا، من أجل تنسيق مواقفها وتوحيد جهودها في نضالها الموحد من أجل تحقيق أهدافها المشتركة•
وتقرر من أجل ذلك إحداث هيئة عليا دائمة تتشكل من الأمناء العامين للأحزاب المنضوية، تجتمع بصفة دورية ومنتظمة لتحديد المواقف واتخاذ المبادرات الموحدة في نضالها المشترك الذي يتوجب أن تخوضه بإسهام أوسع الجماهير، وبتعبئة كل ما يزخر به مجتمعنا من طاقات حية وفعاليات مؤمنة بحتمية التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية•

وتوجه الكتلة الديمقراطية النداء الحار إلى كل الشعب المغربي وجميع قواه من هيئات ومنظمات وطنية والى جماهير الشباب، للتعبئة والالتفاف• بكل وعي وهمة ومسؤولية ـ حول هذا المشروع الوطني الديمقراطي، من أجل مواجهة التحديات المصيرية، والانفتاح على آفاق المستقبل ـ بكل ما تملكه من طاقات وقدرات ـ للانطلاق نحو نهضة وطنية شاملة]
هذا جزء من برنامج أو خريطة طريق وضعتها "الكتلة الديمقراطية" للأحزاب المغربية المذكورة.
وسبق ان بعثت " مذكرة" إلى الملك من طرف كل من : محمد بوستة عن حزب الاستقلال، وعبد الرحيم بوعبيد عن حزب الاتحاد الاشتراكي حول تعديلات دستورية؛ لكن في 1992 تم إرسال "مذكرة إصلاحات دستورية" متفق عليها من طرف " الكتلة الديمقراطية" مباشرة بعد تشكلها إلى الحسن الثاني.

اتفاقيات ودستور بعيدا عن أغلبية الجماهير الشعبية الفقيرة وبدونها

وفي صيف سنة 1992 قام بتعديلات جد طفيفة على القانون الأسمى بالبلد، مراجعة دستورية، وتم إجراء استفتاء عليها لمنحها صفة الشرعية الشعبية، ونشرها بالجريدة الرسمية؛ ودائما تتم العملية باتفاق مع خبراء في صياغة الدساتير الاستبدادية والحكم الفردي المطلق، لكن في المغرب له وضع مختلف عن باقي الأنظمة الاستبدادية، يكمن في تقاليد عتيقة من القرون الغابرة، متعارضة تماما مع ما وصلت إليه " الديمقراطية البرجوازية" في القرن العشرين، سواء في أنظمة ملكية أو جمهورية.
فقد أعلن في التعديلات الدستورية لسنة 1992 على: نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية. وفي الفصل الرابع عشر، حق الإضراب مضمون؛ وأضيفت فقرة تقول" سيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق" مما يوضح مصالح الأقلية الرأسمالية هي الأساس، بينما العمال والأجراء المغاربة قوى منتجة متوفرة مضمونة ورخيصة ولا تشكل مشكل للرأسمالية وأرباب العمل.
وفي الباب الثاني من الدستور المتعلق بالنظام الملكي، ففي فصله التاسع عشر" الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. وفي الفصل الرابع والعشرون " يعين الملك الوزير الأول، ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، وله أن يعفيهم من مهامهم، ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها.
وفي الفصل الثامن والعشرون: للملك أن يخاطب مجلس النواب والأمة، ولا يمكن أن يكون مضمون خطابه موضوع أي نقاش. وفي الفصل الثلاثون: الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله الحق في التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق. وفي الفصل الحادي والثلاثون: يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء وممثلو المنظمات الدولية. وفي الفصل السابع والثلاثون: لا يمكن متابعة أي عضوا من أعضاء مجلس النواب، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته بمناسبة إبدائه لرائي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ماعدا إذا كان الرائي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك.
هذه كانت بعض الفصول التي ركز عليها النظام لخدمة حاشيته الصغيرة والطبقة الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد المغربي ومصالح القوى الامبريالية، وضمان استمرارها من خلال دستور يرسخ حكم الاستبداد، ومصاغ لفائدتها، وقد قدم للاستفتاء في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 1992، وكانت النتائج الرسمية التي أعلنت عنها الدولة، كما يلي : في داخل البلد [11.461.470 صوت بنعم] و[4.844 صوت بلا]. و المغاربة في خارج البلد [247.423 صوت بنعم] و[5.324 صوت بلا] وهذه عملية سياسية ذات صبغة قانونية لمنح دستور مصاغ على مقاس الاستبداد صفة شعبية ذات أغلبية لتنفيذه بالقوة.
كانت هذه العملية من الترتيبات السياسية بعد ما تم اكتشاف مرض الملك الحسن الثاني والتقارير الطبية التي اشتغلت عليها الدائرة الضيقة للقصر، وبالأخص تقارير للأطباء أجانب.
تأسست " الكتلة الديمقراطية" على أسس هشة نتيجة طبيعتها فقد ظلت توظف في معاركها السياسية الطبقة العاملة والجماهير الشعبية بالأحياء المكتظة بالسكان المحرومين بمحيط وهوامش المدن، وفي الأرياف معا، وقد استفادة جيدا من انعدام حزب يناضل من اجل حقوق الفقراء المغاربة، وبما أن أغلبية البيروقراطية النقابية تنتمي لأحزاب الكتلة الديمقراطية، كانت تضغط بالمركزيات النقابية الموجودة في معاركها السياسية على النظام الملكي والأقلية القليلة من الرأسماليين المسيطرين على الاقتصاد المغربي؛ من اجل منحها مكان في جهاز الدولة، والمساهمة مع الملك في ذلك .
فبيروقراطية مركزية نقابة الاتحاد المغربي للشغل ظلت وفية لخدمة النظام منذ تأسيسها في 20 مارس /اذار1955 في فترة المعارك السياسية من اجل التحرر الوطني ضد الاستعمار الأجنبي الرأسمالي والامبريالي المدني والعسكري، أما الأقسام غير الخاضعة للتبعية المباشرة لسياسة القصر فظلت تابعة للأحزاب الليبرالية والمعارضة البرلمانية التي سعت إلى تعاون مع النظام الملكي ومشاركته تدبير شؤون البلد، لكن هذا الأخير ظل رافضا لهذه العملية السياسية، حتى أصاب الملك الحسن الثاني مرض شديد وبدا يحضر لنقل الحكم لابنه وولي عهده، مما جعله يفتح عدة أبواب لها للتعاون والمساهمة في المهمة.
فأحزاب" الكتلة الديمقراطية" أنشاء بعضهم مركزية نقابية تابعة لسياسته يوظفها من خلال بيروقراطية نقابية حزبية في معاركه السياسية تستعمل إيديولوجية النظام الملكي نفسه منها: " "الوحدة الوطنية" و" الإجماع الوطني" و" السلم الاجتماعي" وبالأخص في قضية الصحراء الغربية والنزاع السياسي والعسكري والدبلوماسي عليها.
ففي أوائل 1960 أسس حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية مركزية نقابية حملت اسم" الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" وظلت تابعة له يوظفها في معاركه السياسية المحافظة واليمينية الوسطية تحت سيطرة بيروقراطية نقابية تابعة له إلى اليوم.
وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978 أسس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وهي مركزية نقابية ظلت تابع له وظفها في معاركه السياسية، واستطاعت في بداية نشاطها أن تضم قوى يسارية متعددة بما فيها التيارات الماركسية، لكن نشاط هذه الأخيرة كان مراقب ومحصور من طرف البيروقراطية النقابية المنتمية للاتحاد الاشتراكي خصوصا بعد انشقاق جناح عنه منتصف 1983يعد نفسه وفيا للشهداء السياسيين والنقابيين؛ سيؤسس حزب" الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" فيما بعد.
إضافة للسيطرة على النقابات فإنهم سيطروا كذلك على عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والنسائية والثقافية والشبابية...الخ
إن تحالف " الكتلة الديمقراطية" وهي ديمقراطية مزيفة، بل هي كتلة انتهازية، ظل كل منهما يربط اتصالات وفتح قنوات مع دولة الرأسماليين الكبار وممثلهم النظام الملكي بصفة انفرادية؛ وقد ظهر ذلك بصورة واضحة حول عملية التصويت على دستور 1992.
فقد اختلفت حوله مكونات" الكتلة الديمقراطية" فحزب التقدم والاشتراكية سليل حزب التحرر والاشتراكية وهذا الأخير الذي ليس سوى الحزب الشيوعي المغربي باسم جديد، فقد أعلن عن موافقته على الدستور والتصويت عليه بنعم، بينما الأحزاب الأخرى للكتلة رفضته ودعت لمقاطعة عملية التصويت عليه.
فمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي أصدرت بيان للرأي العام تدعو للمقاطعة على أساس " ميثاق الكتلة الديمقراطية" وصرح الكاتب العام للاتحاد الوطني للقوات الشعبية لصحيفة " أنوال" بان حزبه قرر عدم المشاركة في التصويت للدستور، لان التعديلات لا تتماشى مع التطورات التي عرفها البلد.
دفعت الترتيبات السياسية والتمهيد للخطوات المستقبلية إلى عدم إجراء الانتخابات التشريعية في وقتها المحدد في أكتوبر/ تشرين الأول 1990، لعدة أسباب منها: الالتزام بالاستفتاء للشعب الصحراوي حول تقرير المصير تحت إشراف[ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية] التي تأسست بقرار لمجلس الأمن للأمم المتحدة في ابريل / نيسان 1991؛ وبعد ما صيغ دستور على مقاس الاستبداد وطرحه للاستفتاء الصوري للشعب المغربي والإعلان عن نتائجه.
بدأت الاتفاقيات المعلنة والمضمرة مع الأحزاب لإجراء الانتخابات في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1993؛ وكانت نتائج أحزاب " الكتلة الديمقراطية " كما يلي:
حزب الاستقلال 43 مقعد باقتراع مباشر، و9 مقاعد باقتراع غير مباشر، المجموع 52 مقعد. حزب التقدم والاشتراكية 6 مقاعد باقتراع مباشر،و4 مقاعد باقتراع غير مباشر، المجموع 10 مقاعد. حزب الاتحاد الاشتراكي 48 مقعد باقتراع مباشر، و4 مقاعد باقتراع غير مباشر المجموع 52 مقعد. حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي مقعدين[2 مقاعد] باقتراع مباشر، وصفر مقعد[ 0 مقعد] بالنسبة للاقتراع غير المباشر. وحول نتائج مكونات " الكتلة الديمقراطية" بحثت عن معلومات عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على [الانترنت] لكني لم أجد أي معلومات دقيقة، مما يبين أن الحزب لم يبقى له إلا الاسم والتاريخ فقط، وهو فعلا الأصل الذي انشقت عنه جل التيارات الاتحادية بما فيها الجناح الثوري المسلح لحركة 3 مارس سنة 1973 التي حكم على عدد من أعضائها بالإعدام ونفذ؛ بينما حزب " الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" قاطعها ودعا لمقاطعتها.
وحصلت النقابات على مقاعد بالاقتراع غير المباشر؛ وكانت كما يلي: الاتحاد المغربي للشغل 3 مقاعد. والكنفدرالية الديمقراطية للشغل 4 مقاعد.
تكون مجلس النواب من 333 عضوا، منهم 222 انتخبوا بالاقتراع العام المباشر و111عضوا بالاقتراع غير المباشر من طرف هيئة ناخبة، تألفت من أعضاء المجالس الحضرية والقروية، ومن طرف هيئات ناخبة تشكلت من المنتخبين في الغرف المهنية ومن ممثلي المأجورين.

مهمة سياسية يجب القيام بها

هذه النتائج لم ترضى عليها أقسام من داخل أحزاب " الكتلة الديمقراطية" بينما أقسام أخرى لم تعبر عن رفضها لها، لأنها تسعى للمناصب والاستفادة من جهاز الدولة الرأسمالية.
و كان من الغاضبين عليها بصورة كبيرة عبد الرحمن اليوسفي الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي استقال من مهام سياسية بما فيه الكتابة العامة للحزب احتجاجا على ما حصل أثناءها، وفي السنة نفسها غادر المغرب نحو فرنسا، لكن جناح داخل حزب الاتحاد الاشتراكي ظل متصل معه من اجل العودة للبلد لأنهم يعتبرون " الوطن يحتاجه" حسب رؤيتهم السياسية للوضع المغربي؛ لكن الحقيقة كانوا يسعون من خلاله للوصول إلى نعمة الرأسماليين الكبار والنظام الملكي.
صادقت الدولة المغربية في 1993 بتحفظ شديد على عدة اتفاقيات منها : المتعلقة بمناهضة التعذيب، وجميع أصناف التمييز ضد المرأة، وحقوق الطفل؛ وقامت بتعديلات طفيفة على بعض القوانين الجنائية حول الأحكام بالسجن وإمكانية استئناف الصادرة منها بحق المتهمين/ات.
عاد اليوسفي إلى البلاد بعد نفياً اختيارياً في فرنسا لمدة نحو سنة ونصف [18 شهراً] وكان قد تخلى عن الكتابة العامة للحزب في 1993 بعد نتائج انتخابات مجلس النواب [البرلمان] على أساس "الشكوك" حولها، وأعلن حزب الاتحاد الاشتراكي بعد الانتخابات أن استقالة كاتبه العام عبد الرحمن اليوسفي تعد احتجاجاً على ما وصفه بتلاعب الحكومة في الانتخابات .
فالحزب لم ينتخب كاتبا عاما بعده، لكن محمد اليازغي، نائبه الأول تولى قيادة الحزب مؤقتاً حتى يعقد الحزب مؤتمره العام السادس الذي ظل مؤجل، فالمؤتمر الخامس انعقد في أواخر ابريل / نيسان 1989، الذي عبر من خلاله الحزب عن اتفاقه من الملك وحاشيته حول قضية الاستفتاء بالصحراء الغربية بعدما كان احتج عليه عندما قبلت به الدولة المغربية ،وقد تولى اليوسفي زعامة الحزب في 8 يناير/ كانون الثاني 1992.
فعندما غادر عبد الرحمن اليوسفي البلد احتجاجا حسب رائيه على تزوير انتخابات سبتمبر/ أيلول 1993، واستقر بمدينة [كان] في فرنسا، ظلت الاتصالات معه من طرف محمد بوستة عن حزب الاستقلال بموافقة من الملك الحسن الثاني، وقد عملوا كل جهدهم من اجل عودته، لأنهم مصرين على إتمام ما عملوه مع الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي الرحيل عبد الرحيم بوعبيد؛ لان هذا الأخير وبوستة كانوا بعثوا في1989 "مذكرة" لأجل تعديلات دستورية وسياسية.
وقد نظموا زيارات متتالية إلى اليوسفي في فرنسا، وعمل محمد بوستة بجد على عودة اليوسفي للمغرب؛ وأرسل إليه الملك الراحل الحسن الثاني، مستشاريه من اجل عودته لبلده ووطنه وحزبه؛ لان مهمة عسيرة مطروحة وهو الأكثر ترشيحا لانجازها.
كانت مناورات الملك الحسن الثاني مع أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية و" الكتلة الديمقراطية" تسير في اتجاه خلق أجواء مناسبة لمستقبل النظام الملكي، وظلت المؤسسة الملكية تفتح اتصالات مع أشخاص من داخل كل الأحزاب، وتتحدث معهم على الاتفاقات والتعاون بعيدا عن القرارات التنظيمية والمجالس الوطنية والمؤتمرات الحزبية؛ وظل الملك يعمل من اجل خلق مناسبة لما بعد داخليا وخارجيا، وبالأخص أدواره في مشاكل الشرق الأوسط والقضية اليهودية وعلاقتها بالحركة الصهيونية واحتلالها لفلسطين وتشريد شعبها، وإنشاء "دولة إسرائيل" للقومية اليهودية فيها.
ففي 14 سبتمبر/ ايلول 1993 زار اسحق رابين الملك الحسن الثاني عائد من واشنطن بعد توقيع " اتفاقية أوسلو" بالنرويج، لان له علاقة وطيدة مع الصهاينة المغاربة بدولة الاحتلال في فلسطين وله تمثلية سياسية ودبلوماسية هناك؛ ويعد الحسن الثاني من مهندسي اللقاءات بين إسرائيل وعناصر نافذة في منظمة التحرير الفلسطينية منهم : ياسر عرفات، وممهد لتوقيع " اتفاقية [الحكم الذاتي] الفلسطيني في غزة وأريحا في صيف 1993 بواشنطن.
وفي 1994 أصدرت الدولة المغربية من خلال الملك عفوا عن عدد من السجناء السياسيين، والسماح بعودة عدد من اللاجئين المغاربة السياسيين المعارضين/ات من الخارج إلى بلدهم بعد عقود في المنافي.
وفي صيف 1995 بدأت سلسلة الاتصالات العلنية والسرية بين أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية، في مقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي من خلال كاتبه العام عبد الرحمن اليوسفي حول ما أطلق عليه " المصالحة التاريخية مع نظام الحسن الثاني" وقد عرف هذا الأخير كيف يتعامل معها في ظروف خاصة متعلقة بالقضايا المطروحة على نظامه من جهة، وكذلك بحالته الصحية التي ازدادت تعقد مع مرور الأيام.
ففي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 1995 سفر الملك الحسن الثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة ذكرى لتأسيس الأمم المتحدة، وفي ذلك الوقت اصدر الديوان الملكي بلاغ بأنه دخل المستشفى الأمريكي" اكورنيل نيويورك هوسبيتل" وتولى ولي العهد محمد السادس مهام رسمية نيابة عن الحسن الثاني بالأمم المتحدة في تلك الأيام.

دستور وقوانين لقهر أغلبية الفقراء ومنع الحريات السياسية

وعندما رفضت الأحزاب السياسية الأربعة لتحالف" الكتلة الديمقراطية" تعديلات على بعض الفصول في دستورعام 1992، قامت الأقلية الرأسمالية الحاكمة و ممثلها النظام الملكي والدولة بمناورة جديدة تفاعلا مع المستجدات الوطنية والعالمية، واقترحت تعديلات على الدستور من جديد، وقدمته للاستفتاء في 13 سبتمبر/ أيلول 1996 لمنحه شرعية شعبية كالمعتاد، وهي عملية سياسية شكلية لا علاقة لها بالديمقراطية الحقيقية، وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول في السنة نفسها أعلن عن نتائجه كما يلي:عدد المسجلون في المغرب12.287.651؛ وعدد الأصوات الصحيحة 10.380.911،وعدد مجموع المصوتين/ات داخل البلد وخارجه، 10.443.132، وعدد الأصوات المعبر عنها بنعم 10.332.469 وعدد الأصوات المعبر عنها بلا 48.442 صوت.
هذه هي النتائج المعلن عنها رسميا من طرف الدولة المغربية ؛ أما التعديلات فهذا بعضها : ففي تصدير الدستور جاء " تتعهد المملكة المغربية بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا" وهذه القضية فرضتها ظروف الضغط الوطني والعالمي، لكن الوثائق شيء والممارسة على ارض الواقع شيء أخر.
وجاء فيه كذلك: " كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل على السلام والأمن في العالم" وهذه المسالة مرتبطة بقضية الصحراء الغربية وتنظيم الاستفتاء حول تقرير المصير للشعب الصحراوي، وكذلك مسالة التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي احتل فلسطين، والاتفاقيات حول السلام بالشرق الوسط.
أما الأبواب والفصول : الباب الأول ، أحكام عامة، المبادئ الأساسية، الفصل الأول : نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية"- الفصل الثاني : السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية" - الفصل الثالث : الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثليهم.- الفصل التاسع: يضمن الدستور لجميع الموطنين: حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة؛ حرية الرائي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع؛ حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم. ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. – الفصل العاشر: لا يلقى القبض على احد ويعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون. المنزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون. – الفصل الحادي عشر: لا تنتهك سرية المرسلات.- الفصل الثالث عشر : التربية والشغل حق للمواطنين على السواء.- الفصل الرابع عشر: حق الإضراب مضمون. وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق.
فهي فصول مصاغة بصفة خاصة لمصلحة الأقلية الرأسمالية الحاكمة والنظام الملكي في المغرب الذين قهروا الشعب وسجنوه في المعتقلات السرية، وعملوا على ترطيب الأجواء مع الضحايا واسر وعائلات المختفيين والمغتالين بهذه التعديلات الطفيفة على الوثيقة الدستورية، أما جوهر القضية المتعلقة بالحكم والسلطة السياسية فإنها حاجة مختلفة تماما ولا جدال حولها مهما كانت الظروف، وكانت هذه التعديلات بالنسبة لمن نجوا من الموت في السجون السرية وقسوة التعذيب مسالة ذات فائدة في ما تبقى لهم ولهن من عمر وحياة.
أما الباب الثاني المتعلق بالملكية فقد جاء في الفصل التاسع عشر: الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.- الفصل الثالث والعشرون: شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته.
هنا روح الحكم في المغرب ومركز السلطة الفعلية، وهذا الفصل تطمئن له الطبقة الرأسمالية الكبرى المغربية والدول الامبريالية لأنه يحميها حماية مانعة من أي خطوة جذرية تسعى للتغيير الحقيقي في المغرب.
وفي الفصل الرابع والعشرون: يعين الملك الوزير الأول. ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول. وله أن يعفيهم من مهامهم. ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها.- الفصل الثامن والعشرون: للملك أن يخاطب الأمة ومجلس النواب ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش.- الفصل الثلاثون : الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله حق التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق.- الفصل الحادي والثلاثون: يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء وممثلو المنظمات الدولية. يوقع الملك المعاهدات ويصادق عليها غير انه لا يصادق على المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة إلا بعد الموافقة عليها بقانون. تقع المصادقة على المعاهدات التي يمكن أن تكون غير متفقة مع نصوص الدستور بإتباع المسطرة- وفي الباب الثالث المتعلق بمجلس النواب – الفصل السادس والثلاثون : يتكون البرلمان من مجلسين مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه]
كانت هذه بعض التعديلات التي لا تمس جوهر الحكم الفعلي ومحاسبة من يحكم، بل قدست سلطة وحكم وشخص الملك وجعلت كل ذلك فوق الدستور، ومنعت الحريات السياسية والفكرية، وفتحت مجال للانتهازيين والبرجوازية الصغيرة والبيروقراطية النقابية لالتحاق بخدمة النظام السياسي من خلال خلق مجلس المستشارين لكي تحمد نعمته.

الرأسماليون الكبار يحكمون والأحزاب البرجوازية تخدمهم

فقد خلقت الدولة مجلس اقتصادي واجتماعي، وجاء ذلك في الفصل الثالث والتسعون من دستور 1996، وبذلك تصبح الأحزاب السياسية شكلية ومهمتها المنافسة على خدمة الطبقة الرأسمالية المغربية من خلال مجلسي النواب والمستشارين على المستوى التشريعي، والجماعات المحلية الحضرية والقروية على المستوى التنموي، وهذه سياسة ظلت تحكم المغرب منذ استقلاله المنقوص. وجاء في الفصل الرابع والتسعون ما يلي: للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جميع القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي. يدلي المجلس برأيه في الاتجاهات العامة للاقتصاد الوطني والتكوين. وفي الفصل الخامس والتسعون : يحدد قانون تنظيمي تركيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتنظيمه وصلاحياته وطريقة تسييره.
وبهذا المجلس وغيره جعلت دولة الأقلية الرأسمالية التي يمثلها الملك برامج الأحزاب السياسية المغربية بلا معنى وغير قابلة للتحقيق، فمهمتهم خدمة النظام السياسي والاغتناء من خلال جهاز الدولة والصفقات والمشاريع والاستيراد والتجارة والنهب والاختلاس، أما السلطة محسومة وسياسة الدولة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي تحدده الطبقة الرأسمالية الكبرى التابعة للامبريالية.
وجاء في الباب العاشر المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات- الفصل السادس والتسعون: يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية. ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخل ومصروفات الأجهزة الخاضعة لرقابته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها، ويعاقب عند الاقتضاء على كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة. وفي الفصل السابع والتسعون: يبذل المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للبرلمان وللحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون. ويرفع إلى الملك بيانا عن جميع الأعمال التي يقوم بها. وفي الفصل الثامن والتسعون: تتولى مجالس جهوية للحسابات مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها. وفي الفصل الثاني بعد المائة : يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم المسئولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما إنهم مسئولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية.
فقد قبلت ثلاثة أحزاب من مكونات " الكتلة الديمقراطية" التعديلات الدستورية، ورفضتها "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي".
إذن شؤون البلد والفقراء المغاربة تحت سيطرة دولة رأسمالية ونظام استبدادي، ففي 20 آب/ أغسطس 1996 أعلن الملك الحسن الثاني في خطاب حث المغاربة على التصويت الايجابي على دستور 1996، وحدد في خطابه صياغة النصوص التي يجب أن تسيير الأمور نحو" التوافق" وفي 26 نونبر/ تشرين الثاني 1996 انطلقت المشاورات مع الأحزاب السياسية حول مشروع مدونة الانتخابات، وتسجيل ملاحظاتها؛ فقبلتها أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية الحداثية والتقدمية والديمقراطية المزعومة والمحافظة والتقليدية ودخلت في حوارات ومفاوضات علنية مع وزارة الداخلية التي يشغل منصبها الوزير إدريس البصري منذ 1977وهو من أطاع الملك وعمل لمصلحته بتفاني وجد، وسهر على تنفيذ كل تعليماته بينما بعض من سبقوه بالمنصب حاولوا الانقلاب عليه منهم الجنرال محمد اوفقير، مما جعل أقسام من المعارضين/ات حملوا ادريس البصري المسؤولية وإبعادها عن الملك الحسن الثاني، بينما هو صرح في كل مناسبة بأنه ظل ينفذ سياسة النظام الملكي والدولة المغربية إلى ساعة وفاته.
تم عرض مشروع " مدونة الانتخابات" في دورة استثنائية على الجلسة العامة بمجلس النواب، وبما أن دور الأحزاب هو خدمة الدولة الرأسمالية فقد رحبت بها وزكتها وكان موقف أحزاب من مكونات" الكتلة الديمقراطية" كل من : حزب الاستقلال ، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، متفقون عليها، واعتبروها " مدونة الدولة والحكومة وأحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة" وإنها مشروع الجميع " لا غالب ولا مغلوب" حسب رائهم؟
أمام مجلس نواب صوري تم عرض مدونة انتخابية لمنحها صفة تشريعية وهي مسالة شكلية ومفهومة لدى الجميع، لان أمرها حسم بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، وهذه هي السياسة التي تحكم المغرب الأقصى.
لقد مرت الترتيبات السياسية التي سلكتها دولة الطبقة الرأسمالية في المغرب على أحزاب " الكتلة الديمقراطية" بسرعة خاطفة وفككت تحالفها من جهة وزعزعت بنيان مكوناتها من جهة ثانية؛ وظهرت عدة انشقاقات في صفوف الأحزاب التي شكلتها.
ففي سبتمبر/ أيلول 1996 تأسس "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" من طرف مجموعة انشقت عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بزعامة أعضاء مؤسسين للمنظمة منهم : عيس الورديغي، محمد الحبيب طالب ولطيفة جبابدي وطالع السعود الأطلسي، وعبد الصمد بلكبير، وغيرهم، وتعمق المشكل حول الموقف من التعديلات الطفيفة على دستور 1996 ومدونة الانتخابات التي أنجزتها وزارة الداخلية تحت تدبير الوزير إدريس البصري مهندس الخريطة الحزبية بالمغرب؛ فالدولة تقوم بفتح قنوات الاتصالات من داخل الأحزاب من اجل مصالحها وهي معركة سياسية موازية مع استعمال الاعتقالات والاغتيالات السياسية لزعماء من معدن صلب، فهذا الانشقاق نتج عنه عراك حول الممتلكات والجريدة والمقرات بينهما، وبدأت المشاكل داخل الحزبين فيما بعد.
في أجواء الانتخابات انشقت مجموعة عن حزب التقدم والاشتراكية تزعمها التهامي الخياري احد الأعضاء المؤسسين للحزب وكان في حزب التحرر والاشتراكي بعد حضر الحزب الشيوعي، و أسسوا في يوليو / تموز1997 حزب" جبهة القوى الديمقراطية" وجريدة المنعطف.
وفي 14 نونبر/ تشرين الثاني 1997 جرت الانتخابات التشريعية وكانت نتائجها بالنسبة لأحزاب " الكتلة الديمقراطية كما يلي: حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 57 مقعد، حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية 32 مقعد، حزب التقدم والاشتراكية 9 مقاعد، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي 4 مقاعد؛ وحصل الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنشق عن المنظمة على 10 مقاعد، وحصل حزب جبهة القوى الديمقراطية المنشق عن حزب التقدم والاشتراكية على 9 مقاعد.
بينما الأحزاب اليمينية والليبرالية والرجعية التي ارتبطت تاريخيا بجهاز الدولة وبالنظام الملكي واغلب مؤسسها من اطر بيروقراطية بالإدارات والشرطة والجيش والرأسماليين الكبار القدماء والجدد، فقد حصلت على نسبة مهمة من المقاعد؛ فحزب التجمع الوطني للأحرار الذي تأسس بعد الصراع على الصحراء الغربية واندلاع الحرب حولها مع البوليساريو، فقد تأسس الحزب من طرف صهر الملك احمد عصمان ورئيس حكومة سنوات 1972 و1977، وهي الفترة التي تأسس فيها الحزب في أكتوبر / تشرين الأول 1978؛ وحصل على 46 مقعد في انتخابات 1997 وهو الثاني بعد الاتحاد الاشتراكي.
حزب الحركة الشعبية الذي ظهرت بوادره سنة 1957 حصل على التصريح القانوني في فبراير/ شباط 1959 أثناء الصراع السياسي حول بناء الدولة الجديدة بعد الاتفاقيات التي جرت في المنتجع السياحي بمدينة [ايكس - ليبان] بجنوب شرق فرنسا،وتمت في الضاحية الغربية [ سان كلو] بالعاصمة باريس، على أساس" الاستقلال" في إطار التكامل والتبعية بجل المجالات، وقد أسس الحزب من اجل الدفاع عن الملاكين العقاريين الكبار ونظام الحكم المطلق للملك، وابرز مؤسسيه محجوب احرضان الذي كان ضابط في الجيش الاستعماري الفرنسي، وعبد الكريم الخطيب الذي انشق عن حزب الاستقلال والتحق باحرضان ورباعته، موظفين في ذلك القضية الامازيغية من جهة احرضان، والدين الاسلامي السني من جهة الخطيب، بانتهازية كبيرة، وقد استغلوا فقراء الأرياف بالواحات والجبال المغربية بصورة مكشوفة؛ حصل حزب الحركة الشعبية في انتخابات 1997 على 40 مقعد.
حزب الاتحاد الدستوري تأسس قبل انتخابات سنة 1984 بسنة واحدة، وفي الاستعداد لها من طرف الرأسماليين وبعض الليبراليين والمثقفين المرتبطين بالقصر الملكي، في بداية السياسات الخاضعة للمؤسسات المالية الامبريالية ومخططاتها الاقتصادية والاجتماعية،وكان من ابرز مؤسسه المعطي بوعبيد احد الأعضاء البارزين في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقد تقلد عدة مناصب وزارية في جهاز الدولة أيام الانتفاضات الشعبية سنوات 1981 و1983، التي خرج حزب الاتحاد الدستوري في ظروفها؛ وحصل على 50 مقعد في انتخابات 1997.
هذه الأحزاب التي ظهرت في ظروف خاصة، أما الأحزاب الأخرى فاغلبها منشقة عنها، باستثناء التي لها مسار أخر مختلف تماما، ومحسوبة على التنظيمات الديمقراطية الجذرية واليسارية الجذرية والماركسية الثورية وليس لها علاقة بهذا المسار ولم تشارك فيه.
تكون مجلس النواب من 325 عضوا انتخبوا بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، 295 عضوا منهم انتخبوا على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية و 30 عضوا على الصعيد الوطني.
تكون مجلس المستشارين من 270 عضوا انتخبوا لمدة تسع سنوات، ثلاث أخماس المجلس انتخبتهم في كل جهة من البلد هيأة ناخبة مكونة من ممثلي الجماعات المحلية، أما الخمسان الباقيان من أعضاء المجلس فانتخبتهم هيئات ناخبة من المنتخبين في الغرف المهنية من كل الجهات، و أعضاء انتخبوا على المستوى الوطني من هيأة ناخبة من ممثلي المأجورين.
ففي 14 مارس / اذار1998 تشكلت حكومة ترأسها حزب الاتحاد الاشتراكي وتقلد كاتبه العام عبد الرحمن اليوسفي منصب الوزير الأول، ومن خلفه تاريخ مهم من المعارك من اجل الديمقراطية قامت به أقسام جذرية من الحركة الوطنية البرجوازية منها من اختار حمل السلاح ضد الاستبداد وطمح لتأسيس جمهورية بالمغرب، جناح من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وقد نشط عبد الرحمن اليوسفي في قسم من هذه المعارك منذ 1944 بوسط الطبقة العاملة، وبوسط المهاجرين قسرا للخارج، البروليتاريا المصدرة للامبريالية وبالأخص فرنسا، ونشط بحركة المقاومة ضد الاستعمار، وكان من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959 مع : الشهيد الوطني المختفي المهدي بن بركة، ومحمد الفقيه البصري، وعبد الله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد والمحجوب بن الصديق، وآخرين كثر.
تعرض عبد الرحمن اليوسفي للاعتقال عدة مرات سنوات 1959، وفي 1963 وحكم عليه بسنتين موقفة التنفيذ، وكان من الشهود في قضية اختطاف المهدي بن بركة وانتقل إلى فرنسا في نونبر/ تشرن الثاني 1965مباشرة بعد الاغتيال في 29 أكتوبر/ تشرين الأول من اجل ذلك يمثل الحزب باعتباره طرف ومعني بالقضية، ومنذ ذلك اليوم ظل منفيا، و طلب المدعي العام الحكم عليه في جلسات محاكم مدينة مراكش سنوات [1969- 1975] بالإعدام.
وفي 20 آب /اغسطس1980 صدر حكم بالعفو عن عدد من المعتقلين والمنفيين من بينهم طبعا عبد الرحمن اليوسفي الذي عاد إلى بلده ووطنه المغرب في أكتوبر/ تشرين الأول في السنة نفسها، وبهذا التاريخ النضالي اعتبر نفسه اكبر من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبذلك فتح قنوات اتصال مع النظام بدعم من أقسام من داخل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية عالميا وقاريا وإقليميا، وفي 8 يناير / كانون الثاني 1992 توفي الكاتب العام للحزب وزعيمه عبد الرحيم بوعبيد، بدا النقاش حول من سيخلفه ويتحمل مسؤولية الكتابة العامة بعده، وتحملها اليوسفي وأصبح الحزب يعرف نقاشات داخلية بالأخص من طرف شبيبته " الشبيبة الاتحادية" حول عدة قضايا، منها : التعاون مع النظام الملكي؛ هذه هي ظروف عودة عبد الرحمن اليوسفي من المنفى وتحمله مسؤولية الكتابة العامة للحزب.
فعبد الرحيم بوعبيد زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي احد مهندسي الاستقلال الناقص للمغرب الأقصى، ظل يتنقل بين فرنسا والمغرب ومدغشقر مكان السلطان محمد بن يوسف وولي العهد الحسن الثاني، ومدريد؛ وهو عضو مهم بالوفد المغربي المحاور والمفاوض مع القوى الاستعمارية حول قضية معاهدة الحماية سنة 1912، والاستقلال الناقص سنوات 1955 و1956، وقد تقلد عدة مناصب مهمة في تأسيس الدولة الحديثة للمغرب، منها : وزير الدولة مكلف بشؤون المفاوضات، وتقلد منصب وزير الاقتصاد والمالية.
كانت أهم المناصب الأساسية في حكومة ما عرف لدى قسم من الصحافة في المغرب " التوافق" و"التناوب" و" التناوب التوافقي" بيد الملك الحسن الثاني وتقلدها أشخاص من نظامه مرتبطين به بصورة مباشرة ووثيقة، منهم : عبد اللطيف الفيلالي وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، ، وادريس البصري وزير الدولة في الداخلية، عمر عزيمان وزير العدل، عبد الكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. بالإضافة إلى اغلب المناصب المهمة كانت من نصيب الأحزاب السياسية المرتبطة بالقصر الملكي، حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الوطنية الشعبية.

طقوس البيعة لقهر الرعايا في القرن الحادي والعشرون

وفي 23 يوليو/ تموز 1999 توفى الملك الحسن الثاني وأعلن الحداد وشعر أغلبية المغاربة بان شيء ما حصل بالبلد، كان حدث كبير أن يموت ملك مستبد سحقهم، وترك أملاك لا تعد ولا تحصى، من ملايير دولار، وقصور فخمة بجل المدن الكبيرة واقامات ملكية فاخرة بالمدن الصغرى تصرف عليها أموال باهظة يوميا ، وأراضي شاسعة وضيعات فلاحية عصرية، ومناجم المعادن والفسفاط، وشركات بجل القطاعات الصناعية والمالية، وكان يعد من أثرياء العالم، بينما أغلبية الشعب المغربي عاشوا في عهده كل أصناف الحرمان والجوع والذل والسكن في مدن الصفيح، وملايين من المتسولين بالشوارع؛ والبلد غارق في الديون.
وفي التاريخ نفسه نظمت حكومة عبد الرحمن اليوسفي مراسيم " البيعة" لولي العهد محمد السادس لتولى الحكم والسلطة الفعلية على المغرب الأقصى، ويصبح ملكا على عرش مملكة أسلافه، وقد اعتبرت طقوس" البيعة" بأنها " بيعة حضارية قانونية وشرعية، وتم التوقيع عليها على هذا الأساس.

ملك جديد عهد جديد استبداد مستمر

لقد انطلقت حملات دعائية للمغرب حول هذه المرحلة بعد الحسن الثاني بصورة واسعة جدا، بينما هي في حقيقتها ظرف فرض على الدولة خلق مساحة جد ضيقة لهامش التنفس قليلا بعد 38 سنة من القمع الشديد، وبدا الإعلام الرسمي والصحافة والمثقفين الليبراليين والرجعيين الانتهازيين يتحدثون عن " عهد جديد" و" انتقال ديمقراطي" و" تجربة مغربية فريدة من نوعها" بينما السلطة والمال بيد القلة القليلة من الرأسماليين؛ والشباب ينظمون قوافل للهجرة عبر قوارب تتسبب لهم بالموت الجماعي بأعماق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط؛ فواجع إنسانية لم تنتهي.
و في 20 آب/ أغسطس 1999 قدم الملك الجديد محمد السادس خطابا للشعب المغربي، أكد على مسؤولية الدولة عن "الاختفاء" وأعلن عن إقامة "هيئة تحكيم مستقلة للتعويض عن الأضرار المعنوية والمادية لضحايا الاختفاء والاحتجاز التعسفي وذويهم، وذلك ضمن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وقد ألقى على عاتق هيئة العفو مهمة تلقي طلبات التعويض من ضحايا "الاختفاء" أو ورثتهم، ومن ضحايا الاحتجاز التعسفي، وكذلك تحديد مقدار التعويض الذي يجب أن تدفعه الدولة لهم؛ وكان التعويض من الأموال العمومية، ولم تصادر أموال العهد الماضي ولم يحاكموا المسؤولين/ات على ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في حق المعارضين/ات، ولم تعاد الأموال المنهوبة من المؤسسات العمومية، وبذلك يكون أغلبية الفقراء هم/ن من دفعوا ثمن جرائم الحكام من تكاليف معيشتهم/ن.

حملات الدعاية للعهد الجديد واستمرارية الاستبداد

بعض المشاركين/ات في الحملة الدعائية وصل من الوقاحة السياسية إلى الدعاية " للتجربة المغربية" في مجالات حقوق الإنسان والمصالحة مع الماضي، وطي صفحة الجرائم والانتهاكات والاغتيالات ونهب الأموال والسرقة..الخ؛ وعمل على أن تستفيد من النظام المغربي بعض البلدان التي مرت من مثل ما عشاه المغاربة.
وقد انطلقت الدولة والعهد الجديد في بيع البلد للامبريالية والشركات الكبرى الرأسمالية العالمية بما فيها الأرض والماء، وبدأت تضيق من مساحة التنفس بعد ما انتهت شهور" البيعة الحضارية" و مهمة أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بدأت إحدى مهام الدولة المغربية الحقيقية بجعل المغاربة عبيد للرأسماليين، لان " البيعة الحضارية" تحتاج إلى " رعايا حضاريين" عبودية مزدوجة تحت الاستبداد السياسي والاستغلال الرأسمالي بدل مواطنين/ات يتمتعون بسيادة شعبية على بلدهم بتقرير مصيرهم/ن، ويحاسبون من يحكمهم.
وفي 9 نونبر/ تشرين الثاني1999 نحو أربعة أشهر بعد وفاة الحسن الثاني، أعفا الملك محمد السادس وزير الداخلية إدريس البصري من مهامه، ووسمه بإحدى الأوسمة الكبرى للعرش الملكي؛ فإدريس عين سنة 1995 وزيرا للدولة ووزيرا للداخلية في حكومة عبد اللطيف الفيلالي، لما فصلت وزارة الاتصال عن وزارة الداخلية، وتقلد منصب وزير الداخلية في 14 مارس 1998 في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، وكان الحسن الثاني متشبث به في كل المفاوضات التي جرت معه حول تشكيل الحكومة منذ 1992.
هذا الإعفاء كان ترتيب سياسي ضروري في المرحلة لأنه متعلق بالحسن الثاني وعهده، بينما أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية اعتبرته انجازا عظيما للعهد الجديد.
وفي يوليو/ تموز2000 تشكل عمل سياسي بين تيارات يسارية ديمقراطية من "حركة الديمقراطيين المستقلين" و"الحركة من اجل الديمقراطية" و" الفعاليات اليسارية " وهي تمثل مجموعة من الأشخاص المنتميين للفكر اليساري الديمقراطي،ومنظمة العمل الديمقراطية الشعبي، وأسسوا "حزب اليسار الاشتراكي الموحد" بسلك عملية الاندماج والانصهار.
ففي الفترة الفاصلة بين تولي الملك محمد السادس الحكم في 23 يوليو/ تموز 1999 وإجراء الانتخابات التشريعية في 27 سبتمبر /ايلول2002، حدث مستجدات في تحالف" الكتلة الديمقراطية" منها: انعقاد المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي وانشق عنه جناح البيروقراطية النقابية بزعامة نوبير الاموي وعبد المجيد بوزوبع ورباعتهما وأسسوا حزب" المؤتمر الوطني الاتحادي" في أكتوبر/ تشرين الأول 2001 بمدينة الدار البيضاء المركز الاقتصادي للمغرب.

ففي 27 سبتمبر/ أيلول 2002 جرت الانتخابات التشريعية، في ظروف " الكتلة الديمقراطية" المفككة والتي عرفت انشقاقات في صفوفها بينما الملك الجديد شكل حاشية حسب الظروف والسياق؛ وكانت نتائجها بالنسبة لأحزابها كما يلي: حزب الاتحاد الاشتراكي 50 مقعد. حزب الاستقلال 48 مقعد. حزب التقدم والاشتراكية 11 مقعد. حزب اليسار الاشتراكي الموحد 3 مقاعد. حزب المؤتمر الوطني الاتحادي 1 واحد. الحزب الاشتراكي الديمقراطي 6 مقاعد. جبهة القوى الديمقراطية 12 مقعد.
وقد عرفت هذه الانتخابات بروز الإسلام السياسي القريب من النظام الملكي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية وهو قسم منشق عن" الشبيبة الإسلامية" القريبة من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فقد حصل على 42 مقعد محتل الرتبة الثالثة.
وبدا النقاش والتنافس على تشكيل الحكومة، وعين الملك الجديد للعهد الجديد إدريس جطو وزير أول وهو رأسمالي ورب عمل مرتبط بحاشية القصر، وكان تقلد منصب وزيرا للتجارة والصناعة في 1993 وكون حكومته في 22 أكتوبر / تشرين الأول2002 من الأحزاب التالية : حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الشعبية، وظلت أهم المناصب دائما بيد الملك، الرحيل الحسن الثاني والحالي محمد السادس.

بعد هذه الانتخابات انتهت مهمة عبد الرحمن اليوسفي وتأكدت بعد تعيين إدريس جطو واستقطاب اطر حزب الاتحاد الاشتراكي إلى خدمة النظام بصفة مباشرة بعيد عن الانتخابات، وانشقاقات جماعية وفردية؛ وقسم كبير منهم جعلوا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب ملكي من الدرجة الأولى.
واعتبر الرحيل عبد الرحمن اليوسفي تعيين إدريس جطو وزير أول للحكومة خروج عن" المنهجية الديمقراطية" ولكن ما لم يستوعبه الزعيم الوطني قيد حياته أن ذلك كان ضمن" البيعة الحضارية" للنظام المغربي التي اشرف عليها ووقعها واعتز بها.
وان الانتقال من "البيعة الحضارية" و"الرعايا الأوفياء" إلى المنهجية الديمقراطية والمواطنة الحقيقيين تمر عبر المجلس الوطني التأسيسي، وهذا الممر لم يسلكه المغرب بعد؛ وستحققه الثورة الاجتماعية وتؤسس دولة الفقراء والمعدمين المغاربة.