فلسطين تقاوم أفظع احتلال في التاريخ ببسالة وصمود
بن حلمي حاليم
الحوار المتمدن
-
العدد: 7772 - 2023 / 10 / 22 - 18:47
المحور:
القضية الفلسطينية
استمرت القوى الامبريالية في عملها بكل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية ، منذ نهاية الحرب الامبريالية العالمية الثانية على غرس كيان سياسي، وتشكيل دولة في منطقة الشرق الأوسط للقومية اليهودية، وطرد سكان فلسطين.
اليوم في منتصف تشرين الأول 2023 نزل الناس من مختلف الفئات إلى شوارع، وساحات جل الأماكن في العالم من ثقافات وقوميات متعددة، بعضهم محتجين وساخطين على هذه الاستمرارية في خلق هذا الكيان بالمنطقة، والبعض ضد قصفه وحصاره لقطاع غزة بعد العملية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية" حماس" التابعة لتنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ وهي حركة يمينية رجعية، لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة، بتوسيع مساحة الغضب الأممية على الأفعال الإجرامية للكيان الصهيوني، وهذا العامل لم يكن متوفر في السابق حتى أواخر القرن العشرين.
إن ما شاهده سكان العالم في العقدين الآخرين من القرن الواحد والعشرين، ويتابعونه اليوم عبر هذه الوسائل المتاحة، هو واقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، منذ تشكل كيانه من طرف الامبريالية العالمية، هذه هي حياة الفلسطينيين والفلسطينيات، بالأخص ابتدأ من سنة 1948، وقد عمق مشاكل كفاحهم أزمة كبرى، تجلت بالأساس في انعدام القيادة الثورية العلمانية والاشتراكية والديمقراطية والأممية، التي بإمكانها سحق الرأسمالية والامبريالية، والدولة الدينية العسكرية اليمينية والرجعية والظلامية.
الكيان الصهيوني له تناقضاته البنيوية الداخلية
فالصراع الطبقي في قلب الكيان حاد، والمعارك الإيديولوجية يصعب طمسها، وإنشاء كيان سياسي عسكري وديني وقومي منسجم مائة في المائة، هذا أمر مستحيل، ولهذا يستوجب ألا يوضع كل من خدعته السياسات الصهيونية وجرته الأطماع صوب فلسطين قادما إليها من إحدى بقاع العالم، في خانة واحدة مع جهاز الكيان الصهيوني الرأسمالي العامل لمصالح الامبريالية بالمنطقة، فالمخدوع يمكنه أن يفتح عقله يوما ما، ويفهم حقيقة القضية والدين معا، علما أن أقسام كبرى من اليهود مهتمين جدا بالمعرفة والقراءة والعلم، أما إيديولوجية ربطهم بالتجارة والربح، وتشكيل جماعات الضغط (اللوبي) لهذه المصلحة فقط، فهي غير مقنعة ولا تخدع إلا الكسالى والمصدقين - ات للحكايات الخرافية المتوارثة من العهود القديمة والغابرة.
ولذلك تعمل كل الإيديولوجيات الدينية والعقائدية على حفر أساطيرها وخرافاتها ومعتقداتها على عقول الصبايا في مرحلة الحضانة، قبل أن يتموا سبع سنوات من عمرهم وعمرهن، فمن يقف ضد التعليم العلماني وفصل الدين عن الحياة الاجتماعية والسياسية؟ وهذه من إحدى المعارك الإيديولوجية الكبرى التي يستوجب خوضها كل يوم؛ فالشباب اليهودي الذي ورث ثقافة من نصوص التوراة وأساطير موسى، والشباب المسيحي الذي ورث ثقافة نصوص الإنجيل وأساطير عيسى، والشباب العربي والمسلم الذي ورث ثقافة القرأن ونصوص أساطير محمد، مطلوب منهم ومنهن الانفتاح على ما وصل إليه العلم والفلسفة، والاقتصاد والسياسة في القرن الواحد والعشرين، والخروج من الثقافة الموروثة أبا عن جد، المنغلقة.
واهم من يطلب الأنظمة الحاكمة مساندة فلسطين
إن الدول أجهزة سيطرة بيد الأقلية الرأسمالية، وتتحكم بالمؤسسات العسكرية، وشرعية إنشاء مصانع الأسلحة بكل الأصناف، وقوانين تجارتها، وتنظيم صفقاتها العلنية والسرية، ولهذا فالدول الصناعية الكبرى المسيطرة على الأوضاع العالمية، في مصالحها حماية الأنظمة الاستبدادية (الديكتاتورية) بالمنطقة، وساهمت في تشكيلها، ووضع اسر وراثية على رأس السلطة في بعضها، وحمت انقلابات عسكرية ذات إيديولوجيات قومية عربية تعد ذاتها " تقدمية"، وشكلت دول طائفية، وبهذه السياسات الرأسمالية الاستعمارية، والامبريالية جعلت كل المنطقة تحت هيمنتها السياسية والاقتصادية.
لقد تعاونت الدول حديثة الاستقلال المغشوش، وغير الحقيقي مع الدول الكبرى الرأسمالية، والامبريالية على سحق الشيوعيين بالمنطقة، وحتى الأحزاب الشيوعية التي تشكلت كان جلها تابع وخاضع لسياسة الاتحاد السوفيتي ودبلوماسيتها، وسياسة جوزيف ستالين واتفاقياته مع الرأسمالية والامبريالية العالمية، خصوصا بعد بروز الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة السياسية العالمية، ثم استمر الخضوع بعده، وهذه السياسات التي جرت بالمنطقة ساهمت بقسط كبير جداًً في مأساة الشعب الفلسطيني.
الأنظمة العربية الحاكمة بالفعل في القرارات المصيرية، السابقة والحالية، هي من اقتناء أنواع الأسلحة من الامبريالية لردع شعوب المنطقة، وحماية مصالحهما المتبادلة، لأنها تابعة وخاضعة لها، ولم تقف ضدها، ولن تقف ، ولا تقدر، فهي تنفذ بقوة السلاح على الشعوب برامج المؤسسات المالية الدولية؛ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما مؤسستان بيد الامبريالية العالمية ويعدان من الأدوات الاستعمارية حاليا في عهد العولمة الرأسمالية، والنيوليبرالية، والشركات متعدية للقوميات.
لقد فجرت شعوب المنطقة ثورة أواخر 2010 وأوائل 2011 وظلت مستمرة حتى الآن، بأشكال مختلفة بحيث تهب كل مرة منطقة ما ببلد من بلدان المنطقة، لكن سلاح الأنظمة الحاكمة، المدفوع ثمنه للامبريالية من قوت وغذاء وشراب، وسكن، ونقل وتعليم، وصحة وسفر، وترفيه، وثقافة، ورياضة الشعوب، هو الذي قتل السكان الثائرين، ودمر وخرب بلدانهم وبلدانهن، ومن هنا يظهر من يحمي الكيان الصهيوني، ويعمل ضد استقلال فلسطين الكبرى الاشتراكية العلمانية حامية كل الأديان والثقافات واللغات والقوميات، ولا أرى حلا للقضية غير هذا، يستوجب أن يستمر الغضب والاحتجاج على الأنظمة الحاكمة.
الاحتجاج بكل مكان وتضامن الشعوب
ان الاحتجاج على القصف الصهيوني على قطاع غزة بفلسطين، لن تهتم به الديمقراطية البورجوازية بالدول الرأسمالية والامبريالية، لان السلطة محسوم أمرها من طرف أقلية بيدها العنف الشرعي حسب تصنيفاتها للأشياء، وهي تعمل بصورة مستمرة للإجهاز على مكتسبات الطبقات الشعبية والطبقة العاملة بالأخص، وعلى هامش الحرية واحترام الرأي العام ووضع حساب له، حصل هذا في عقود سابقة، أما الآن بعد صعود اليمين الرجعي والإيديولوجيات الدينية بالدول الرأسمالية الكبرى، تقلصت قوة الشارع.
فلسطين بلد محتل من طرف الصهيونية وتدعمها الامبريالية العالمية، لأنها تعمل لمصالحهم بالمنطقة، وشعب فلسطين باسل وصامد، ولم يقضي عليه هذا التعاون في ما سبق، ولن يقضي عليه في القادم من الزمن، والتضامن الذي عبرت عنه الشعوب بكل أنحاء العالم مهم جداً، ويمنحه معنويات كبرى للوقوف في وجه أعداء البشرية.
إن شعوب العالم التي حاولت قوة عدوة إبادتها، تصمد وتعزم على الحياة، وتتقوى بإرادتها، والولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت إبادة السكان الأصليين للقارة الأمريكية بصورة نهائية ومحوهم من الوجود، هي الدولة نفسها التي تعمل وتساند الصهيونية على سحق سكان فلسطين.
الم تلقي الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل آب / أغسطس 1945 القنبلتين الذريتين على شعب اليابان؟ وقتل نحو 140000 بمدينة هيروشيما، ونحو 74000 بمدينة ناجازاكي، أليست هذه جريمة بين الأنظمة الرأسمالية والامبريالية يذهب ضحيتها السكان؟ وقد حصل هذا بعد نهاية الحرب العالمية الامبريالية الثانية.
لكن اليابان قوة صناعية واقتصادية رأسمالية امبريالية اليوم، ولها نفوذ في العالم، والجريمة مسجلة في مقررات التاريخ بكل اللغات في العالم، ويدرسها الأطفال، هل قضت الولايات المتحدة الأمريكية على اليابانيين بالقنابل الذرية؟
لم يقضي الكيان الصهيوني على الفلسطينيين، ولن يقضي عليهم وعليهن أبدا؛ فلسطين كبرى هي الحل، عبر طوفان التحرير والاستقلال.