الإنسان ذو الخيال الباحث عن الوهم
سامى لبيب
الحوار المتمدن
-
العدد: 7572 - 2023 / 4 / 5 - 19:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (128) .
- تفتني مشاهدة الأفلام السينمائية التى تتعاطي مع الأساطير والسحر والميثولوجيات الدينية القديمة بالرغم أنني لا أعتقد بهذه الخرافات فما الذي يجعلني معجباً مفتوناً بها ؟
لا يكون جودة وتقنية وإبداع العمل السينمائي الباعث على الإفتنان والإعجاب فقط بل هناك أشياء أخري كثيرة ذات حضور , فبداية نحن أمام تدوين لفكر وإبداع وفكلور إنساني قديم كعمل ادبي , كذا نحن أمام منتج أدبي فني يداعب الخيال والإثارة المصاحب لهذا العمل الفني ليكون ذو تأثير كبير .
- لقد إكتشفت تعريف جديد للإنسان , فالإنسان يتفرد عن باقي الكائنات الحية بانه ذو خيال باحث عن الوهم , وهذه صفة أصيلة ومتفردة في الإنسان كونه ذو وعي وحالة ذهنية متقدمة .
الخيال مرافق للذهنية الإنسانية من القدرة على تركيب صور مادية مع بعضها بشكل تلقائي عفوي كفكرة الحصان المجنح وعروس البحر , فالتخيل سهل والأمور لن تكلف سوى تركيب أجنحة في حصان وذيل في جزع إمرأة ليعبر المرء عن تخيلاته وأحلامه وآماله وإحباطاته منتجاًً عالمه الخاص ليكون الفرق بين صاحب الأسطورة والفرد العادي أن صاحب الأسطورة والخرافة قادر على التعبير والبوح بتخيالاته مقترباً بإبداعه من تطلعات وأحلام وتخيلات الآخرين لتلقى رواجاً .. لتكون المصيبة عندما يصير الخيال ذو حضور ووجود وفعل في ذهنية ونفسية الإنسان .
- الخيال هو الباعث للإنسان على التقدم والتحضر بغض النظر عما نراه من شطحات الخيال , فحتى هذه الشطحات والخرافات هى أعمال أدبية فنية فنتازية جديرة بالتقدير كحال الأفلام السينمائية التى أشرت إليها .
يبقى الخيال الباعث الحقيقي للإنتاج الفني فلا يوجد فن من غير خيال لتكون وظيفة وإبداع الفنان صياغة عمل وتشكيله بأدواته مداعباً خيال وتصورات الآخرين .
- هناك علاقة وثيقة بين الخيال والوهم , فالوهم تصورات وشطحات خيالية فنتازية غير متقيدة بالظروف الموضوعية العقلانية المنطقية ومن هنا يأتي جمالها وحضورها وسط جماهير باحثة عن حلول سحرية آملة في كسر صرامة الواقع المادي .
يجب الإشارة والتاكيد أن حضور الخرافات والأوهام نتاج أن الإنسان جاهل تماما بالظروف الموضوعية المادية المنتجة للأحداث كذا لا يجب إغفال أن هناك بحث وإستسهال للحلول السحرية الفنتازية التى تحقق آماله وأحلامه بدون مجهود .
- لا تكون الخرافات والأوهام حكراً على الشعوب القديمة والمجتمعات الدينية التي تبدع الخرافة والاسطورة وتروج لها , فحتى الشعوب الغربية المتقدمة حضارياً مازالت تستحضر الخرافة والوهم ولكن في حدود ضيقة وليست على العموم كحال المجتمعات الشرقية .
الحضارة الغربية قد تكون لفظت الأساطير والخرافات الدينية لتضعها في إطار الفلكلور والأدب الشعبي فقط ولكن الغربيون لديهم خرافتهم وأوهامهم أيضا كحال الإيمان بالحظ والتفاؤل والتشاؤم .
- الإيمان بالحظ أصيل في الفكر الإنساني عموماً كونه يداعب الإثارة والمفاجأة ليخلق الأمل السريع السهل في النجاح والتوفيق بينما الأمور هي صدف عشوائية نجهلها ولعل هذا متعة المتعاملين مع ألعاب الحظ أن يتعاملوا مع صدف وعشوائية الحياة وليس قوانين مادية صارمة .
- في الحقيقة أن الحظ يخضع لقوانين المادة التى يصعب حسابها وتتبعها , فرمية الزهر لن تجلب أرقام حظ من نفسها , فرمية الزهر خاضعة لمحصلة قوى عديدة كقوة الرمية ومعامل سطح الإحتكاك وتاثير الهواء في الغرفة ألخ ومنها تأتي رمية زهر النرد ولكن كوننا نجهل هذه المعادلة ومن الصعوبة تتبعها وحسابها في ثانية فنحن نترك الأمور للصدفة التى تجلب الجظ .
- التفاؤل والتشاؤم والأشياء التى تجلب البركة والسوء هو جهل إنساني بالظروف الموضوعية كما لا تخفي عن رغبة إنسانية في تعليق النجاح والفشل على شماعة الآخرين سواء أكانوا بشر أم مادة .
- الإنسان لم ولن يتحرر من الخرافة والوهم طالما هو صاحب خيال ذو جهل باحث عن حلول سحرية ولكن يبقى التطور والتحضر الإنساني كفيل بتقليل منسوب ومستوى الخرافة لأقل المستويات فلا تكون كل عالم وحياة الإنسان .
دمتم بخير .
فلنعيش بخيال منتجين أعمال خيالية إبداعية جميلة شريطة ألا نستعير ونسجد لتخيلات الآخرين كذا أن لا نسقط تخيالاتنا على الواقع لتكون ذات وجود وفعل .