الإنسان المتعثر في مثاليته .
سامى لبيب
الحوار المتمدن
-
العدد: 7216 - 2022 / 4 / 12 - 18:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- المثالية حالة فكرية تخيلية تأمل فى الكمال والصفا والسلام والنقاء التام لتبتعد عن أرض الواقع ناشدة حالة من الإكتمال خالقة لفكرة المطلق دون أن يكون لها أى سند ووجود حقيقي .
- الفكر المثالي يلغي جدلية الحياة المتمثلة فى وجود الضد فهو يفترض حالة تخيلية لوجود ذو حالة منفردة متفردة لا يضاهيها أى وجود آخر بينما الحياة تتواجد من النسبية وصراع الاقطاب والأضداد .
- الإنسان الذي أبدع وتخيل الحالة المثالية تعثر فيما إفترضه عنها فتخبط بين فرضياته بل صارت هذه الفرضيات مناقضة لما تعلمه من مُفردات الحياة لتنحو فرضياته نحو اللاجدوي والعبثية .
- فكرة الإله لا تخرج عن المثالية المفرطة التى تحاول أن تكسر منطقية وصرامة الوجود المادي لتحلق منفردة بأجنحة التخيل والوهم ناشدة حالة من الإكتمال تتحدي بها واقعها المادي أو قل هو البحث عن وجود متخيل غير خاضع للنقص والنسبية .
- فلننظر لفرضية الإله الأزلي الأبدي لنجدها فرضية وتخيل لا يوجد ما يثبتها سوي رغبة إنسانية فى رسم صورة يتحدي يها واقعه وموته بوجود آخر يمتلك الوجود السرمدي , ولكن هذه الفكرة والتخيل يناقض مفهومه عن الحياة ليصير هذا الوجود الأزلي السرمدي بلا جدوي ولا معني .
- إنعدام الجدوي والمعني يطل فى وجود بلا إنتهاء فلن نُدرك حينها معني الحياة والوجود فنحن نعرف ونعشق ونستمتع بالحياة من وجود الموت .. أى أن الإنتهاء يعطي معني وتعريف للحياة والوجود أما إستمرار حالة وجودية بلا توقف وإلى مالانهاية فلا يمكن توصيفها بحياة ولتسأل هنا عن تعريفها وجدواها .
- فلتنظر وتتأمل فى الفكرة المثالية بالعلم والمعرفة المطلقة لتكتشف عبثية هذا الفرض من منطلقين , المنطلق الأول أن قيمة ومتعة العلم والمعرفة يأتي من التغلب علي جهل فهكذا تعامل الإنسان مع العلم والمعرفة بينما الفرضية الإلهية تنفي الجهل ليكون العلم والمعرفة الإلهية المفترضة أرشيفية بلا جدوي .. ولك أن تتأمل فى فرضية ان الإله يعلم عدد البيض فى بطن كل حشرة وعدد أوراق الشجر والثمرات علي كل شجرة ألخ .. فما جدوي هذه المعرفة وماذا أفادته هذه المعرفة الأرشيفية .
- المنطلق الثاني أن العلم والمعرفة ليس زينة وترف فمنهما يأتي التطور والإرتقاء وذلك بتراكم المعرفة وتصويبها , بينما فى الفرضية الإلهية فالعلم والمعرفة ليس لهما أى قيمة وجدوي , فالإله المفترض لا يسعي نحو التطور بحكم فرضية أن ما أنتجه كامل ومثالي لتتوقف هنا أمام معني وجدوي هذه المعرفة التى لن تزيد عن ارشيف مدون على قرص مدمج .
- المعرفة والعلم المطلق المسبق ليس بذات معنى.. فالأمور ستكون بمثابة أرشيف أو c.d كبير مُخزن عليه المعلومات بشكل هائل بلا أى معنى ولا جدوي , فما قيمة معرفة عدد البيض فى بطن كل سمكة أو ذبابة فهل ستكون وظيفة الإله أن يراجع عدد البيض ويراها تتطابق مع معرفته ؟!.. ما معنى مشاهدة أفلام قديمة مرة ثانية مُدرك كل القصة والسيناريو والأحداث والكادرات ليجدها كما يعرفها لم يختل فيها شيئ ولم يعتريها التغيير.!
- إشكاليات المطلق .. هناك تناقض صارخ وفج فى الصفات عندما تتحلي كل صفة بالمطلق , فهناك تناقض بين صفة العدل المطلق والرحمة والمغفرة المطلقة , فالعدل المطلق لن يمرر أى هفوة بدون عقاب , والرحمة والمغفرة المطلقة ستبدد أى عدل وعقاب مهما كان كبيراً , فصفة المطلق فى كلتاهما لا تحقق وجود الصفة الأخري , كذا هناك إشكالية كبيرة بين القدرة المطلقة والعلم والمعرفة المطلقة , فالقدرة المطلقة ستحقق قدرة الإله عن فعل أى شئ دون أن يحوله شي , بينما المعرفة المطلقة ستبدد القدرة الإلهية المطلقة فالإله مُجبر على تحقيق معرفته المسبقة لتحوله عن أي قدرة مغايرة مخالفة لعلمه .
- المطلق والمثالي والصمت والوحدة .. من مواصفات المطلق أن يكون متفرداً منفرداً فلا يكون له زوجة ولا حبيبة ولا ولد ..لا يكون له من يحاكيه ويسامره فلن يكون هناك أحد فى مقامه ليجالسه ..سيكون الآمر الناهى فقط ولن يُسمح لأحد أن يكون له صديقاً أو حبيباً يتشاور معه فهكذا الآلهة سرمدية أزلية قبل كل الوجود ليست فى حاجة لأحد ولا يدنو من مقامها أحد
- الإله يعيش وحيداً فوفق الميثولوجيا الدينية التى تعلن أن الإله كائن قبل الكل .. أزلى أبدى وهذا يعنى أنه كان وحيداً منفردا ً منذ الأزل بلا صاحب ولا ونيس ولا خادم يؤنس وحدته .. فحتى الملائكة والشياطين والعفاريت لم تكن متواجدة معه منذ الأزل فلو تواجدت فهذا يعنى أنها ليست مخلوقة وتنافسه فى الألوهية .!
هكذا تعثر الإنسان فى المثالية التى أنتجها ليجعل فكرة الإله وحيداً منعزلاً صامتاً لا يتحدث مع أحد ولا يتواصل مع أحد ليعيش الصمت التام والوحدة القاتلة ليفقد الفكرة معني الحياة ! وليتعثر الإنسان ثانية فى مثاليته ويدعي بأن هناك أحباب الإله من أنبياءه فالفكر المثالي يحمل التناقض ولا يصمد كثيراً !
- المطلق المثالي والمشاعر والإنفعال . المطلق المثالي لا يجب أن يكون صاحب مشاعر ولا منفعلاً متفاعلاً مع الأحداث , فالمشاعر هي أحاسيس وردود فعل بشرية تتأثر بالأحداث بينما الإله المفترض فوق الأحداث بل هو خالقها فرضاً فلا يجب ان بنقعل ويتفاعل مع الأحداث .
الإنسان المتعثر في مثاليته جعل الإله صاحب مشاعر ففي الميثولوجيات الدينية رسم الإله منفعلاً متفاعلاً بل عصبياً فهو يحب ويكره ويغضب وينتقم وينحاز ويندم ألخ من مشاعر إنفعالية فهكذا الإنسان يهبط بالمثالية على أرض الواقع ليتعايش معها .
- المطلق والتطور . دعك من نظرية التطور البيلوجية ولتتعامل مع فكرة وفلسفة التطور التى تعني التغيير والتحديث والتقدم والتى تعني حيوية وحراك الحياة , لتجد أن المطلق لا يعتريه أى تغيير او تحديث فالأمور كاملة لا يعتريها النقص كما أن العلم الإلهي كامل وليس بحاجة للإستزادة والتعديل والتبديل لنصل لحالة مفترضة من الوجود صماء تفتقد للحياة .
- الصفات وغياب الضد والآخر. يغفل الفكر المثالي ان الصفة والكينونة لا تتحقق إلا بوجود أضداد ومنافسين وكينونات أخري فالقول بأن الله غني ومالك الملك ومهبمن ألخ لا معني ولا قيمة لها , فالغني يكون من وجود آخرين يمتلكوا قسطاً من الغني أو الفقر فمن هنا تتحقق صفة الغني لأتذكر هذا المخبول فى القصة الفنتازية الذي عاش وحيداً على الارض ليصرخ بأن كل الأراضي والسهول والجبال ملكي ! ومن هنا يتعثر الإنسان في مثاليته ليسقط تخيلاته على أرض الواقع بتعسف وعدم منطقية .
دمتم بخير .
المثالية فكر خيالي متوهم فلا يوجد فى الوجود شئ مثالي فكل الأشياء تتعاطي مع المادة والنقص والنسبية .