تعليق مختصر علي برنامج الحزب الاشتراكي المصري
حسن خليل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6114 - 2019 / 1 / 14 - 02:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تعليق مختصر علي برنامج الحزب الاشتراكي المصري
أصدر الحزب الاشتراكي المصري " رؤية برنامج " - و تقع في 150 صفحة - و هي في اللينك التالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=623971
بداية أود تحية الجزب علي هذا الانجاز المهم و الضروري و أن كنت لا اعرف هل استخدام كلمة رؤية تعبير عن أن هذا البرنامج لم يكتمل بعد أو عكس ذلك . علي كل حال يقتضي وضع البرامج الاشتراكية كثيرا من الجهد الفكري في الشروط المائعة الرجراجة التي نعيشها اليوم. و سيكون تعليقي مختصرا لأن كل قضية تحتاج للكثير من التعليق و القضايا كثيرة كما أنني غير مطلع بما يكفي علي أدبيات الحزب التي ربما توضح بعض الجوانب.
1 -ما هي استراتيجية هذا الحزب : رغم أن البرنامج يشير في جملة أن الاشتراكية هي هدف الحزب الاستراتيجي فليس واضحا ما هي علاقة هذة الاستراتيجية بمجمل برنامج الحزب !! فهل يتبني الحزب مقولة استكمال مهمات الثورة البرجوازية !! أم يعتقد في الانتقال مباشرة للاشتراكية في ميزان قوي مناسب !!
2 -التحليل الطبقي لطبيعة النظام : يفترض أن يبني حزب اشتراكي مواقفه علي أساس تحليل طبقي للمجتمع و خاصة نظام الحكم و هو الامر المفتقد في البرنامج. و هناك أشارات من نوع " رأسمالية كومبرادورية " و هذا تعبير شائع و أن كنت أظنه مضلل بعض الشيء فأن كانت التبعية تصل لهذا المدي فكيف قاوم النظام الضغوط الامبريالية الكثيرة بعد 30 يونيو و التي عددها البرنامج نفسه . لا شك أن في رأسماليتنا عنصر كومبرادوري و لكن العنصر الغالب فيها هو أنها رأسمالية ريعية تستند لسلطة الدولة. اي بيروقراطية ريعية تابعة.
3 -هل يمكن أن يكون شعار حزب اشتراكي عيش حرية عدالة اجتماعية؟ تتصدر هذة الشعارات مقدمة البرنامج و أعتقد أنها شعارات لا تصلح لحزب أشتراكي شعارات الحزب الاشتراكي يجب أن تكون نابعة من و متوجهة إلي الطبقات التي يتوجه لها. ثم ما هو الفارق بين شعار عيش و عدالة اجتماعية ناهيك عن هل يمكن أن يكون هناك عدالة علي الارض !! أن شعارات ثورة يناير تبنته جملة من التوجهات و الاحزاب من أقصي اليمين لليسار و واقع الأمر أن شعار الثورة حقيقة هو " ارحل" فحينما رحل تراجعت الثورة. الاشتراكية في حاجة لان تميز نفسها بشعارات عن الارض و المصانع و السلطة. الاحزاب الاشتراكية تنتمي شعارتها للواقع المادي للجماهير الواسعة بينما تلك الليبرالية تتبني شعارات غائمة لا تخاطب الشعب.
4 -اسباب القبضة الامنية العنيفة : القبضة الأمنية و الاستبداد لا يفسرها إلا أن النظام بعد 30 يونيو وجد أن عليه الامساك بقبضة من حديد لمواجهة التحديات الكبري الداخلية و خصوصا الإرهاب و الضغوط الامبريالية و كذلك الخوف من الثورة. و كثيرا ما صرح السيسي عن أن البلد يمكن أن ينهار فالقاعدة الاجتماعية التي وفرها له تحالف 30 يونيو سرعان ما أنفكت تحت ضغوط النيوليبرالية و فشل النظام في أقامة نظام سياسي جامع حتي في لجظات شعبيته. يمكن استنتاج أن انتفاضات شعبية قادمة و رغم أن علينا ألا نستحث الانتفاضة قبل أوانها لكن أيضا علينا أن نسلحها بشعارات جادة لنتجنب أزمة ثورة يناير.
5 -نقد الثورة و دور اليسار في سنوات ما قبل الثورة و بعدها : بشكل عام اتفق مع السرد السياسي لتاريخ ما قبل ثورة يناير و ما بعدها لكنني استغرب جدا أن لا يكون هذا في سياق نقدي. فمن الواضح أن قصورات الثورة يسأل عنها النخب المثقفة و خاصة اليسارية فسنوات ما قبل الثورة شهدت انفتاحا نسبيا بسبب ضغوط الشارع و أيضا الامبريالية علي النظام المباركي – مثلا المادة 76 – فكيف تركنا شعارا متهافتا مثل " لا للتمديد لا للتوريث " يتصدر المشهد ؟ و هناك الكثير من النقد الموضوعي الذي يجب أن يكون درسا لكل من الجيل الجديد و القديم مما لا يتسع المجال له هنا.
6 -هل يمكن تصور ان هذا النظام سيقوم حقا بتصنيع مصر : كما يقول البرنامج عن حق يتبني هذا النظام النهج النيوليبرالي و التبعية للمؤسسات المالية الامبريالية بل أن كثيرين من رموزه هم أعضاء فاعلين في هذة المؤسسات . فكيف يمكن في قسم المطالب بالبرنامج أن نطالبه بتصنيع مصر و دعم القطاع العام و الخ. من الممكن تصور أن الضغط الشعبي يمكنه تحقيق بعض المنجزات المحدودة – مثلا الوقوف ضد خصخصة التأمين الصحي و هدم مستشفي الشاطبي و التفريط في المحلة و الحديد و الصلب – لكن هذة المنجزات لن تعكس مسار النظام قبل أن يحدث هذا ستكون ثورة اجتماعية غيرت وجهة بشكل واضح . كيف يبني النظام مصانع بينما هو يبيعها أساسا . و من الجيد أن نقدم للعمال أهدافا للنضال لكن من الخطر أن نوهمهم بأنه يمكن تحقيقها في ظل نفس النظام .
7 -الزراعة و التخلف و تحويل وادي النيل لمحمية طبيعية : في الجانب الفلاحي من البرنامج هناك غياب لحقيقة أن مشكلة الزراعة في مصر هي تخلفها و أن النظم المتعاقبة لم تنجح في تحديث الزراعة و تطوير الفلاح . الآن المزارع الكبيرة التابعة لشركات الاستثمار المحلية و الاجنبية هي التي تقود الزراعة و ليس الفلاح الذي مازال يعزق بالفأس. ثم هناك مشكلتنا المركبة في الماء لدينا فقر مائي لكن لدينا أيضا عائد قليل من الماء القليل الذي نملكه ناهيك عن مشاكل التلوث الخطيرة بالمبيدات و الاسمدة المصنعة. و أنا أدعو الرفاق في الاشتراكي إلي تأمل أقتراح الدكتور رشدي سعيد بتحويل وادي النيل كله لمحمية طبيعية يمنع فيها النشاط الصناعي و ينقل للصحراء و تستعاد كل الاراضي الزراعية و تكون الزراعة فيها عضوية . و بالطبع فأن مشروع السيسي لاستصلاح مليون فدان و نصف سيلجق بمشروع مبارك في توشكي . مشاريع الهدف منها هو الريع ببيع الارض و من بعدي الطوفان و ربما يدعو الحزب لمؤتمر بهذا الخصوص.
8 -فك الارتباط مع السوق الامبريالي : يبدو حلم فك الارتباط مع السوق الامبريالي – و ليس قطع الارتباط – حلما بعيد المنال. رغم أن تراجع وزن الإمبريالية الأمريكية قد يفتح الباب لنوع من التعددية يكسب دول الجنوب هامشا للمناورة. لكن طبقتنا الحاكمة مربوطة بالف حبل و حبل بأمريكا و مجالها و ليس أقلهم ال 100 مليار دولار ديون . و من خطايا ثورة يناير أنها لم تلتفت للاستقلال الوطني رغم أنه أخطر ألف مرة من كل سرقات مبارك و فساده ناهيك عن أن التبعية كانت محركا أساسيا للإرهاب المتأسلم منذ حاربنا الاتحاد السوفييتي علي هيئة تنظيم القاعدة خضوعا لأمريكا و لتوجهات البيروقراطية الريعية في لحظة هبوطها الكارثي.
9 -تفكيك المركزية : هذا الجانب لا اختلف فيه مع البرنامج فقط اختلف مع أن البرنامج لم يأتي عليه. المركزية المفرطة للدولة المصرية و الاندماج الكامل بين الشعب المصري يخلق البيئة الافضل للاستبداد و الفساد. فهناك مثلا 20 مليون تلميذ فيما قبل الجامعة يتحكم فيهم مكتب في القاهرة في وزارة التعليم. فكيف يمكن أن يكون تلميذ قنا مثل تلميذ جاردن سيتي ! أن واجبنا الدعوة لتفكيك هذة المركزية و أن يكون التعليم و الصحة و النقل شأن محلي و أن يكون المحافظ بالانتخاب – مثل باقي الدنيا – دائما ما تثار مخاوف من التفكك الوطني و التدخل الاجنبي و أعتقد أن الشعب الواعي هو ضمانه مواجهة هذة المخاطر.
10 -قضية الارض : هذة قضية محورية في التخلص من الاستبداد و الفساد . فالمصريين يعيشون علي 10% من مساحة بلدهم و ال 90% هي ارض عامة أي لخدمة كبار رجال الدولة و الجيش . في نظري أن علي كل اشتراكي الدعوة لجعل الارض العامة بما فيها الشواطيء و الجبال تدار من قبل هيئة عامة مستقلة بعيدا عن النظام و الحكومة و ربما تتبع مجلس الشعب هذة الهيئة تتولي تأجير الارض كحق انتفاع لمدة معينة للمدن و الشركات و الحكومة و الجيش الخ. و أن تتمتع بالشفافية الكاملة في أعمالها.
11 -بناء كتلة وادي النيل و وحدة مصر و السودان : أهمل البرنامج القضايا الاستراتيجية . و بالنسبة لمصر لا يمكن أهمالها لما تتمتع به من وزن استراتيجي. و لا يمكن لدولة جنوبية حتي و أن كانت بحجم مصر أن تتحدي التبعية منفردة . لذا يجب أن يكون شعارنا يا شعوب الجنوب اتحدوا. و تصوري للاستراتيجية أن ترتكز علي تكتل أقليمي لوادي النيل يمتد من اليونان لتنزانيا و يشمل اثيوبيا و ارتريا و في قلبه دولة الوحدة المصرية السودانية . هذا تكتل من أكثر من 400 مليون إنسان يجمعهم حوض النيل و الهيمنة الإمبريالية . و يوفر حوض النيل كل الموارد الطبيعية الضرورية للاكتفاء الذاتي في الغذاء و الطاقة و الصناعة و حتي السلاح لو عملنا عليه. هذة رؤية ل 50 عاما مقبلة لكننا لن نصل لها ما لم نعمل عليها من اليوم.
12 -الشعب المتخلف : كلمة أخيرة لا يجب علي الاشتراكي أن يكون شعبوي. الاشتراكي يقول ما يعتقد أنه حق يمكن البرهنة علية. فكيف نقول الشعب العظيم و الجماهير الواعية الخ من عبارات الإنشاء التي ترد علي لسان الاشتراكيين و علي لسان النظام أيضا. كلا شعبنا شعب متخلف متخلف حتي بالنسبة لشعوب الجنوب الإخري . شعبنا عدا عن تفشي الأمية فيه تسكن عقوله الخرافات و الشعوذات حتي وسط المتعلمين حتي وسط اساتذة الجامعة. هذا التخلف ضمانه الاستغلال و الاستبداد و التبعية. و لا يجب أن نستحي من قول الحقيقة للشعب بل يجب أن نستفزه كي يثور علي هذا التخلف و أن نذكره بأن نفس الشعب عام 1919 كان أكثر نضجا و تحررا و تحضرا.
أخيرا أحيي الرفاق في الحزب الاشتراكي المصري و أشد علي أياديهم.