عقلنة الثورة
حسن خليل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4641 - 2014 / 11 / 23 - 13:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
يثور جدل واسع حول طبيعة الثورة المصرية و مصيرها تتراوح فيها الآراء ما بين فشل الثورة بل و هزيمتها و ما بين نجاحها و أستمرارها . و في هذا الحوار تعلو كثيرا أصوات شعبوية و يخفت صوت العقلنة.
هل يجب أن نسمي ما جري في يناير ثورة ؟
هناك خلاف كبير بين اليسار حول تسميه 25 يناير ثورة . و يرجع الخلاف إلي مفاهيم نظرية حول تعريف الثورة . فهناك مفهوم يري أن الثورة تستبدل طبقة حاكمة و مالكة – أو حلف طبقي – بطبقة جديدة أو حلف جديد . و بهذا المعني لم تكن يناير ثورة قطعا . و لكن هناك تعريفات أخري للثورة منها الحركة الجماهيرية واسعة النطاق للتغيير السياسي و هو ما يجعل يناير و يونيو ثورتين نجح الشعب في كل مرة في الإطاحة بالنظام الحاكم. و من ناحية أخري فالحكم علي حدث له طبيعة تاريخية مثل ما جري في يناير يجب أن ينظر إليه بشكل تاريخي أيضا. أي أننا نحتاج لسنوات طويلة قبل أن نكون قادرين علي تقديم تقدير حقيقي و متكامل لثورة يناير و يونيو . فنحن في بداية موجة ثورية ستتواصل خاصة و أن ما نسميه دوافع الثورة العميقة في التناقضات بين من يملكون و بين من لا يملكون تذايدت بعد الثورة ناهيك عن الوعي الشعبي بقدرة الشعب علي الإطاحة بالنظام. و ربما يسمي البعض مثل هذه الثورات "ثورات سياسية" تمييزا لها عن "الثورات الاجتماعية" لكن حقيقة الأمر أن الثورات السياسية لها أبعاد اجتماعية دائما -حتي و أن كانت أقل من استبدال طبقة بطبقة أخري - و أن الثورات الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق دون هدف سياسي أي ثورة سياسية أيضا.
من قام بالثورة؟
الفئة الديمقراطية من الطبقة الوسطي هي التي دعت للثورة و شكلت قيادتها الميدانية و شباب فقراء المدن هم من قام بمعارك الثورة و جمهور العمال و الموظفين المدنين هم من شكل كتلة الثورة الحرجة. فالثورة هي ثورة شباب مثل كل ثورة . فالشباب لديهم القدرة الحركية سواء علي المستوي البدني أو الذهني. لكن هذا لا يعني أن شباب معينين هم من صنع الثورة. الثورة صنعتها التناقضات الطبقية العميقة بين من يملكون و من لا يملكون في نظام مبارك الذي تحول إلي عصابات مملوكية لا هم لها سوي السلب و النهب . لكن من الحقيقي أن الشباب الديمقراطيين من الطبقة الوسطي هم قادة الثورة و هذا يضعهم في موقف صعب . و لكنهم معذورين لقد دعوا للإطاحة بوزير الداخلية فوجدوا ثورة كاملة بين يديهم لم يكن أحدا يتصور عمقها و أتساعها بينما يكاد لا توجد قوة سياسية أو نقابية ذات وزن تدعمهم – علي خلاف مثلا مع تونس – و قد بذلوا الممكن و المستحيل لإنجاح الثورة التي خرجت بتلك الصورة الوطنية الشاملة الحضارية المبهرة.أما ثورة يونيو فكانت مدعومة بالجيش و هذا لا يقلل من أهميتها و من إنجازها التاريخي بالإطاحة بالإخوان الذين هم لا شك قوة رجعية متخلفة . و النظام الذي أسفرت عنه ينتظر خلق بديل شعبي له.
ماذا حققت الثورة؟
حققت الثورة إنجازا هائلا بالإطاحة بمبارك و قسما من عصابته الإجرامية. حققت شعار حركة كفاية "لا للتمديد لا للتوريث" و علي مستوي الوعي العام حققت الثورة تقدما كان لا يمكن أن يجري بدونها . كما أنها حققت إنجازا تاريخيا في الإطاحة بحكم الإخوان. و لا يقلل من هذه المنجزات حقيقة أن السلطة السياسية راحت بين المجلس العسكري ثم الإخوان ثم الجيش . فمشكلة الثورة منذ يومها الأول هي أنها أكبر كثيرا من مستوي الإعداد لها . حتي في تونس الأكثر تنظيما و تحضرا لم تنجح الثورة في إضفاء طابع شعبي علي السلطة السياسية ناهيك عن أقامة جمهورية ديمقراطية شعبية. و القول بأن الثورة فشلت لأننا انتهينا بنظام يشبه نظام مبارك هو قول خاطئ تماما فحسابات التاريخ لا تجري بهذه البساطة . و إلا كان معني هذا أن كل ثورات التاريخ قد فشلت. و هو قول يماثل من حيث عدم موضوعيته القول بأن ثورة يناير كان مؤامرة من الغرب و ثورة يونيو كانت مؤامرة من الجيش
ما هي خطة الثورة؟
ثورة يناير و ثورة يونيو كانتا بدون خطة سياسية و هذا لأن في الحالتين لم تقدم قوي الثورة علي جعل السلطة السياسية محل تطلعها. فثورة يناير كانت تطالب النظام بإصلاح نفسه و لم تطلب لنفسها السلطة السياسية و البعض يشير لذلك باعتباره نوعا من "الطهارة" الثورية بينما معناه هو فقر الحال تنظيميا و فكريا . نفس الشيء في ثورة يونيو التي أطاحت بالإخوان ثم جعلت السلطة السياسية في يد الجيش و لم تفرض حتي و لو دور رقابي محدود علي عملية "خارطة الطريق" فدائما يتصور "الثوار" أن دورهم ينتهي حالما يتم الاستجابة للشعار الحقيقي لكلتا الثورتين و هو "أرحل". و يمكننا أن نفهم واقع الثورة هذا بالضعف الشديد للقوي المنظمة سياسيا و اجتماعيا . و نحن هنا لا "نلوم" الثورة علي إخفاقاتها بل نحاول فهمها من أجل تجاوزها.و شعار "أرحل" هو الشعار الحقيقي للثورة لأن صانع الثورة الحقيقي أي "الشعب" لا يعرف غير ذلك عمليا فأفكار مثل الحياة النيابية و دولة القانون ألخ لم تتجذر بعد في صفوفه. و لذا فأن وضع خطة عملية لإنجاز مهمات الثورة تظل أحد أهم الأهداف. و حينما نقول خطة الثورة فنحن لا نتحدث عن "تصور نظري" ما يجب أن نطبقه مثلا "ديكتاتورية البروليتاريا" و أنما نتكلم عن تشريح الواقع الاجتماعي و أستخلاص ما يجب عمله منه نفسه.
هل 30 يونيو أو 3 يوليو انقلاب؟
للأسف بعض الكتاب يتناول قضية الثورة – الانقلاب من زاوية شكلية تماما و يتجاهلون دروس التاريخ. فهؤلاء الذين يقولون أن 30 يونيو أو 3 يوليو انقلاب ينظرون للأمر من زاوية هل تدخل الجيش أم لا بينما أي يساري حقيقي يجب أن ينظر للأمر من زاوية الدور و المصلحة الشعبية. فالرؤية الشكلية تجعل 25 يناير أيضا انقلابا بل أن عقب 25 يناير تولي المجلس العسكري الحكم بعد رفضه الاستجابة لطلب مبارك للتدخل ضد الثورة الشعبية و هذا في القانون انقلاب.علي عكس 30 يونيو حينما تولي مدني الرئاسة مهما كانت قناعتنا بمستوي سلطته الحقيقية. ليس هذا فحسب بل أن كل الثورات الشعبية وقعت فيها انقلابات لصالحها و ضدها . فيجب الاعتراف أولا بأن الشعب كان ضد حكم الإخوان و أن فترة العام التي قضوها في الحكم كانت فترة من الصراع الشعبي المتصاعد ضدهم . حتي لو أفترضنا أن قوي النظام القديم كانت تدعم هذه التوجهات . ثم كانت هناك حركة شعبية واسعة ضد دستورهم إذن ما حدث في 30 يونيو كانت حركة شعبية ضد نظام الإخوان . فما هي مصلحة الشعب في هذه اللحظة؟ لا شك أن وقوف الجيش مع الشعب كان أمرا عظيما جنب البلاد السقوط في حرب أهلية طاحنة.أما الرأي الذي يقول أن ما حدث هو نصف ثورة و نصف انقلاب فهو أمر مضحك لا يحتاج لتعليق. و لا يقل إضحاكا عن قول النظام أن 30 يونيو "صوبت" 25 يناير . فلم تخطيء 25 حتي تحتاج للتصويب . يبقي الرأي القائل أنها "موجة ثورية" و من يقولون ذلك يركزون علي أن 30 يونيو تستمد شرعيتها من 25 يناير – عكس ما يقوله أنصار النظام القديم – لكن من الزاوية العلمية ستكون 25 يناير أيضا موجة ثورية . علي كل حال سمها ثورة أو انتفاضة شعبية لكنها ليست انقلاب و ليست شيئا خارج السياق العام لتاريخ السنوات الثلاث التي نعرفها بأنها سنوات الثورة.
الثورة و اليسار
تتميز علاقة الثورة و اليسار بتعقيد بالغ. فبينما الثورة تنتمي موضوعيا لليسار فلا توجد قوي اجتماعية أخري تدعو للثورة . فأن دور اليساريين في الثورة كان دورا محدود بحكم محدوديتهم و محدودية تنظيمهم.و ليس أدل علي ذلك من أن تحالف "الثورة مستمرة" شبه اليساري لم يحصل إلا علي 8 مقاعد في انتخاب البرلمان الأول و الآن هناك تقديرات بأن اليسار لن يحصل سوي علي نتائج مشابهة في البرلمان الثاني. علي أن الثورة نفسها أطلقت ميول يسارية واضحة لدي قطاع كبير من شبابها. و هو ما تصالحنا علي تسميته باليسار الجديد. و هذا اليسار الجديد يتطلع لمعرفة معني اليسار و أساليبه و خططه و لكنه لا يجد سوي القليل عما يبحث عنه. و في سياق الثورة كان هناك تيارين تيار برجوازي صغير ديمقراطي و تيار يساري. و للأسف فأن التيار اليساري أقترب من ذلك الديمقراطي عوضا عن أن يجذبه لطريقه. و الآن يمر التيارين بحالة واسعة من الإحباط و التشتت لآن كلا التيارين لم ينجحا في بناء مرتكزات اجتماعية في سياق الثورة.
الإرهاب و الثورة
لا يمكن الحديث عن الثورة دون الحديث عن الإرهاب.فمنذ الإطاحة الشعبية بمرسي و القوي الرجعية – الإخوان و اتباعهم – شرعت في تنفيذ خطتها التي مارستها حتي أثناء حكم مرسي و هي الإرهاب.و يمكننا أن نقول أن لدينا نوعين من الإرهاب إرهاب منظم و محترف – أنصار بيت المقدس الذي أصبح فرعا من داعش – و من ناحية أخري الإرهاب الشعبي الذي يقوم بالتفجيرات المحلية – بعد شهر من الدراسة هذا العام كان قد وجد 45 قنبلة في المدارس فقط – و أعداد لا تحصي من عمليات التخريب و القتل التي تشمل الشرطة و المدنيين ناهيك عن التظاهرات التخريبية في الشوارع و الجامعات . و في مواجهة هذا الوضع شنت الشرطة بمعاونة الجيش حملة أمنية واسعة النطاق في كل الاتجاهات بما في ذلك القبض العشوائي و التعذيب و ربما حتي الاختفاء القصري و طبعا العزيزة علي قلب الشرطة استخدام الحبس الاحتياطي كاعتقال فعلي. و بينما أشاحت الأحزاب السياسية عن المشهد كله فأن المنظمات الحقوقية لم تري سوى عنف الشرطة و تجاهلت الإرهاب حتي في صوره الأشد بشاعة و بالطبع فأن الإعلام المنتمي في معظمه للنظام لم يري سوي الإرهاب و تجاهل الدلائل الدامغة علي تجاوزات الشرطة. علي كل حال لعب الإرهاب دورا مزدوجا فمن ناحية عزز التفاف الشعب حول النظام بحثا عن الأمن المفتقد – سواء بسبب الإرهاب أو الفوضي - و بالتالي أطلق يد النظام أمنيا و سياسيا و اجتماعيا . و لكنه بسبب سياسات النظام عزز أيضا قوي الإرهاب و مدها بمدد جديد من القوي البشرية خصوصا هؤلاء الذين يمارسون ما أسميناه إرهاب شعبي. أن النظام الحالي يكاد يفتقر لأي قاعدة اجتماعية شعبية باستثناء الإرهاب فلا رؤية سياسية أو اجتماعية واضحة و لا حياة سياسية يمكنها أن تحشد قاعدة اجتماعية للنظام و حتي الإعلام الذي يستند له النظام كثيرا يبدو سخيفا و ممجوج.
القاعدة الاجتماعية لانتصار ناجز للثورة
الثورة أيضا تفتقد لقاعدة اجتماعية واضحة. بل أن كثيرين كرهوا الثورة – باعتبارها السبب في الفوضي و غياب الأمن - . و حينما نتحدث عن القاعدة الاجتماعية فنحن لا نقصد الطبقات و الفئات صاحبة المصلحة في الثورة و أنما هؤلاء الذين يعتقدون أن الثورة هي الطريق الوحيد الممكن للخروج من دوائر الفقر و المرض و الجهل.و لذا فأن دور القوي الثورية الجذرية أن تبني هذه القاعدة بناء وسط تلك الطبقات و الفئات التي يمكن أن تستفيد من الثورة.