نظريات اليسار حول التدخل الروسي
حسن خليل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4945 - 2015 / 10 / 4 - 09:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نظريات اليسار حول التدخل الروسي
بعد التدخل الروسي عسكريا في سوريا وجدنا سيل من النظريات التي يقولها يساريين عن التدخل الروسي
1 – نظرية احتلال روسيا لسوريا
هذه النظرية التي تزعم اليسارية و هي في حقيقتها جريا وراء الإعلام الغربي . و الغريب في هذه النظرية أن أصحابها عمرهم ما تكلموا عن الاحتلال القطري و السعودي و التركي لسورية رغم أن الجماعات الإرهابية التي تسيطر علي 80% من أراضي سوريا مثل داعش و جبهة النصرة و أحرار الشام الخ هم مجرد أدوات لهذه الأنظمة . و استيلاء ما يسمي جيش الفتح علي محافظة أدلب المجاورة لتركيا كان بدعم مباشر من الدولة و الجيش و المخابرات التركية .
و يحاول أنصار هذه النظرية أن يبدون كما لو كانوا يدافعون عن "الثورة" السورية . فهم يعيشون في أبراج عاجية لا يدرون ما يجري علي الأرض أو أنهم يحاولون أن يبدو "ثوريين" و هم يصبون الماء في طواحين أمريكا . الثورة السورية – أو الانتفاضة – انتهت منذ سنوات طويلة و لو كانت هناك حقا ثورة لما كان السوريين ينزحون بالملايين من بلدهم . و لم يهزم ثورة سوريا النظام السوري فحسب بل كل من الأطراف الإقليمية و العالمية التي تدخلت عسكريا في سوريا منذ اللحظة الأولي بل حتي قبل قيام الثورة. و الأطراف الإرهابية لم تقضي علي ثورة سوريا عن طريق الإرهاب و العسكرة لكن أيضا عن طريق الأفكار شديدة الرجعية التي لم تكن في الثورة لحظة قيامها. و لكن أنصار هذه النظرية يديرون وجوههم بعيدا عند الحديث عن الأفكار كما لو أن دعاوي ما يسمي "حكم الشريعة" ليست علي طول الخط عكس الاشتراكية و الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة الخ .
و أنصار هذه النظرية لا يرون في التدخل العسكري الروسي سوي وسيلة للحفاظ علي نظام بشار الأسد . و هذا ما سنناقشه طويلا .
يتهم نظام الأسد بأنه نظام استبدادي قمعي و لا شك في هذا . لكن من هو البديل الحقيقي القائم ؟ عصابات الإرهاب الديني التي هي ليست فقط استبدادية و قمعية و لكنها أيضا غير وطنية لا تأبه لحدود . كما أنها لا تعترف بحقوق الأقليات .و في هذا السياق يقال أن نظام بشار قتل 250 ألف سوري في السنوات الماضية نقلا عن الإعلام الغربي. كما لو كانت هذه العصابات الإرهابية لم تقتل الآلاف . و قد خسر الجيش السوري ما يقرب من 100 ألف قتيل فهل هؤلاء قتلهم النظام أيضا و هل قتل الجنود و الضباط ليس إرهابا و هم ليسوا بشر لهم ما يسمي ب "حقوق الإنسان" بل أن هذه الجماعات الإرهابية تقتل الأسري بالمخالفة لكل قانون. لكن هذا ليس أهم شيء في هذه القصة الكئيبة.
لا شك أن التدخل العسكري الروسي يهدف للحفاظ علي نظام بشار. لكن 80% من سوريا ليس تحت حكم بشار فما الذي يحدث فيها ؟ ألا يرحل السكان المواطنين السوريين لاجئين للدول المجاورة أو عبر البحر لأوروبا ؟ هل النظام القائم في 80% من سوريا نظاما يمكن أن يدافع عنه يساري ؟ لما ينظر هؤلاء اليساريين لفقط 20% من سوريا و لا ينظرون إلي 80%
علاوة علي ذلك ألا تتمزق الأرض السورية حاليا بين مختلف الفرق الإرهابية التي تتصارع فيما بينها علي الأرض و الموارد الخ . فهؤلاء الذين لا يرون إلا نظام بشار و يحلمون ب "الثورة" لا يرون سوريا تتفكك واقعيا كي تتحول لكنتونات متصارعة .
فالتدخل الروسي في سوريا ليس فقط لدعم نظام بشار و لكنه بنفس القدر ضد "الأنظمة" الرجعية الإرهابية القائمة في سوريا اليوم .و أذا كنا سنتكلم عن مميزات نظام بشار عن باقي الأنظمة فهو الأقرب للعلمانية . من الواضح حينما نطرح الأمور كما هي في الواقع أن هؤلاء الذين يقولون عن التدخل الروسي هو احتلال لأي جهة ينتمون.
ثم أن الأمر لا يتعلق بسوريا و روسيا و الإرهاب فحسب بل أساسا بالإمبريالية الأمريكية . كان المخطط العام للإمبريالية الأمريكية هو تحطيم المنطقة و تسليمها للإسلام السياسي . و هذا ما فعلوه مباشرة بغزو و احتلال العراق . و من الأيام الأولي تم تسريح الجيش العراقي و وضع دستور طائفي و تم تسليم الحكم لأحزاب الإسلام السياسي و ها نحن نري النتيجة . و في مصر استمات أمريكا كي يصل الإخوان للسلطة و فعلا نجحوا في ذلك لكن الشعب ثار ضدهم – بمعاونة الجيش طبعا – و استطاع الإطاحة بهم في عملية ثورية لا ينكرها سوي أعمي. و أمريكا التي اعتادت قتل الرؤساء و الانقلابات و الخ أخذت موقف من نظام 30 يونيو لأنه "غير ديمقراطي" في كوميديا سوداء و الأكثر هو أعتقاد بعض ممن يعتبرون أنفسهم يساريين أن هذا حقيقي . و في سوريا نفس الآلية تعمل تدمير الجيش عن طريق الإرهاب تقسيم سوريا لكنتونات طائفية الخ الخ نفس الخطة التي نفذت في العراق تنفذ في سوريا
اليساري لا يتخلى أبدا عن التحليل الطبقي. و لا يتخلى أبدا عن الانحياز التام لمصالح الكادحين في كل موقف مهما كان معقدا. و السؤال المطروح هنا ما هي مصلحة الطبقة العاملة السورية. و قبل أن نجيب علي هذا السؤال يجب أن نجيب علي سؤال أين هي الطبقة العاملة السورية ؟ نصف الشعب السوري أصبح لاجئا أي أن نصف الطبقة العاملة السورية تلاشت ثم أن تدمير المنشآت الصناعية و الاستيلاء علي أبار البترول و غيرها و الطرق و المطارات الخ لابد أنه أطاح بنصف النصف المتبقي من الطبقة العاملة. لا تشكل الطبقة العاملة في سوريا سوي ربع قوتها الأصلية . و هذا الوضع المتردي مع انحلال الدولة السورية لن يكون إلا عكس مصالح الطبقة العاملة. الطبقة العاملة كي تكون قادرة علي إعادة صياغة المجتمع يجب أن يكون هناك مجتمع قائما أولا و أن تكون الطبقة العاملة قوية و موحدة و حلفائها كذلك هذا إذا غضضنا النظر عن الحزب الثوري . كلما استعادت سوريا نفسها كدولة موحدة و عادت الحياة الطبيعية سريعا للمجتمع السوري و عاد المهجرين و بدء في إعادة بناء البلد كلما كانت هناك فرصة أسرع للطبقة العاملة السورية أن تتصدر المشهد . طبعا هذا سيستغرق سنوات طويلة لكن لا يوجد حل أخر . أما تأييد الخطة الإمبريالية فهو أخر شيئا يمكن أن يتصور من شخص يعتبر نفسه يساري.
2 – نظرية صراع الأقطاب
هذه نظرية جادة علي عكس سابقتها . و هي نظرية يسارية حقا أيضا علي عكس سابقتها. و هي تقول ببساطة أن هناك صراع عالمي بين القوي الصاعدة و الهابطة و هذا الصراع يتجلى في سوريا بسبب أهمية سوريا لروسيا – القاعدة – و بسبب خشية روسيا من وصول الإرهاب لأرضها . بمعني أخر أن هناك تحالف موضوعي بين الشعب و النظام في سوريا و النظام الروسي في التخلص من الإرهاب. حتي هنا و كل شيء تمام . و أن كانت هذه النظرية تتجاهل واقع تفكك الدولة السورية كخطر علي كل المنطقة ناهيك عن الشعب السوري . فلن يمنع أحد لو تفككت سوريا تماما لن يكون هناك سوي كانتونات إرهابية متصارعة و ستنتشر في لينان و الأردن و ربما حتي تركيا نفسها و السعودية و سيجعل هذا إنقاذ العراق مستحيلا .أي أن القضية ليست مجرد إرهاب بل القضية هي إنقاذ المجتمع السوري و المجتمعات الأخري.
لكن هذه ليست مشكلة هذه النظرية مشكلتها الكبري هي أنها تري أن الصراع بين القوي العالمية – في هذه الحالة روسيا و أمريكا - هو صراع علي الموارد . أي شيئا شبيه بالصراع في الحربين العالميتين لكن وجود القنابل الذرية يمنع المواجهة المباشرة بين الأطراف الأصلية. و هذا يدفعنا للتساؤل لما هجمت أمريكا علي العراق ؟ من المعروف أن صدام كان حليف أمريكا و هو ديكتاتور بشع . و لم يمنع صدام أمريكا من الوصول و الاستيلاء علي ثروات العراق الهائلة . و إذا كان صدام أحتل الكويت و أمريكا اعتبرت هذا خروج علي النص . رغم أنه كان مستعدا للانسحاب و تسوية الأمر لكن أمريكا أصرت علي سحق جيشه في الكويت و هذا ما حدث فعلا . لكن لما بعد 12 سنة عادت أمريكا و احتلت العراق ؟ ليس للموارد و ليس لصراع مع قوي أخري و ليس لأي سبب ظاهر . لقد أرادت أمريكا تحطيم العراق كدولة و كمجتمع و لذا استخدمت قوة نارية هائلة و قتلت مليون عراقي .و طبعا كل شخص جاد يعرف أن حجج من نوع أسلحة الدمار الشامل و الخ ما هي إلا أكاذيب تافهة. أن الإمبريالية أصبحت تمتلكها نزعة عدوانية شديدة الرجعية . و هذا هو ملخص نظرية الفوضي الخلاقة و الدعم الإعلامي و المادي الذي تقدمه للمعارضين المستعدين للعمل في ركابها – أي ركاب الإمبريالية – فما الذي ستستفيده الإمبريالية من تدمير بلدا بحجم العراق ؟ أولا ستستفيد إرهاب باقي دول العالم – طبعا في حال نجاح المخطط – و ستستفيد أيضا أنفاق تريليون دولار يذهبون لشركاتهم . و ستستفيد تعزيز مكانتها المتراجعة في العالم سياسيا . هذا ما يعرف بالهيمنة و السيطرة علي الموارد الطبيعية هي جزء من الهيمنة و ليس كل الهيمنة.
و قد كانت الخطة الأمريكية المعلنة هي الانتقال من العراق لسورية و السعودية ثم مصر "الجائزة الكبري" كما قيل. لكن الخطة رغم نجاحها في تحطيم العراق و تقسيمه طائفيا فشلت فشلا زريعا. أولا لأن أمريكا ليس لديها الموارد الكافية لذلك . ثانيا لأن تدخلها في العراق أدي لتعزيز نفوذ خصما أخر هو إيران. ثالثا لأنها بمخططها الطائفي فشلت في حكم العراق المحتل نفسه. و بالنتيجة فأن مكانة أمريكا تراجعت و بدلا من أن يصبح "القرن الأمريكي" كما قيل أصبح قرن السخرية من أمريكا.
الفشل الأمريكي في العراق لم يؤدي لتخلي أمريكا عن عدوانيتها . كل ما في الأمر تغيير الأدوات . الإرهاب و الدعايات السوداء و الجماعات الممولة و الصراخ عن "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" و ها هي تكاد أن تنجح في تدمير سورية
و ثورات الربيع العربي لم تكن مؤامرة إمبريالية كما يقول أنصار الأنظمة في كل مكان . بل كانت انتفاضات شعبية جريئة ضد الإفقار و الاستبداد . لكن هذا لا يعنى أنه لم تكن هناك مؤامرات. و في كل الثورات مؤامرات سواء من الثوريين أو القوي الرجعية المحلية و العالمية.و الثورات – كل الثورات – تؤدي لضعف المجتمع الذي يتصارع مع بعضه .و ثورات الربيع العربي سمحت لأمريكا بتنفيذ مخططاتها و هذا ينطبق علي سوريا أكثر من أي مكان أخر. فقد جندت أمريكا قطر لمهاجمة النظام المصري و تأييد الإخوان و ربما أيضا تمويل الجماعات الإرهابية لكنها لم تتمكن من فعل نفس الشيء مع السعودية لأن السعودية تعلم أن انهيار مصر هو أنهيار لها. أما سوريا فوضعها مختلف . استطاعت الإمبريالية حشد كل من قطر و السعودية و الأردن و تركيا في مواجهة سورية كي يدعموا الإرهابيين . ناهيك عن الإعلام في العالم و الخ . كما أن الإرهاب الذي تربي في العراق نزح لسوريا – و هناك من يقول أنه أمر بالنزوح لسوريا عبر المجموعة الرئيسية التي كانت في سجن بوكا العراقي – فما الذي ستستفيده الإمبريالية من مثل هذا الجنون . لا موارد طبيعية و لا يحزنون و أنما دمار شامل . لن تستفيد الإمبريالية سوي أرضاء نزعتها العدوانية الرجعية . و ربما في المستقبل تستفيد من أعادة بناء المنطقة علي هواها .
حسن خليل
1 أكتوبر 2015