توجهات خاطئة للمؤتمر الدائم لعمال إسكندرية
حسن خليل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 15:03
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
توجهات خاطئة للمؤتمر الدائم لعمال إسكندرية
بداية أحب أن أؤكد علي أحترامي و تقديري العميق لرابطة المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية و كذلك لكل عضو فيها و الملاحظات النقدية الواردة هنا هي رأيي المتواضع الذي أحب أن أشارك فيه الزملاء كي يقبلوه أو يرفضوه حتي نحافظ علي أهم كيان شعبي نشأ في الإسكندرية بعد الثورة. و قد ترددت كثيرا في نشر هذه الملاحظات حتي لا يفهم هذا علي غير حقيقته لكنني بعد أن وجدت أن هذه الملاحظات تمتد لتشمل عديد من الهيئات و الحركات فكان النشر ضروري لأن ما نحن أمامه هو قضية عامة لا تخص المؤتمر الدائم فحسب بل تشمل كل الحركة العمالية و حتي كل الحركة الجماهيرية.
ظهر المؤتمر الدائم لعمال إسكندرية كتجمع عمالي نضالي في الإسكندرية في أعقاب الثورة المصرية . و تميز المؤتمر باندماج المناضلين مع العمال في البحث عن حلول للقضايا العمالية و تميز أيضا بأن بابه مفتوح لكل عامل سواء كان نقابي أو غير نقابي و تميز بتأسيس العديد من النقابات المستقلة . المؤتمر شكل مبادرة شعبية مستقلة تماما عن أي حزب أو تمويل . لكن أهم مميزات المؤتمر هو طبيعته الكفاحية العمالية خصوصا الإصرار و الدأب. بينما في نفس الوقت كانت الحركات الثورية في مصر تتميز بالطابع البرجوازي الصغير الديمقراطي. المنهج العمالي يركز علي العمل طويل الأمد علي توعية العمال علي العمل القاعدي الشعبي . و لم يكن غريبا أن يجتمع في المؤتمر عمال من عديد من الشركات يتبادلون الرأي في أحوالهم و يبنون نقابات و ينظمون أضرابات الخ . أما الطابع البرجوازي الصغير فيتميز باستعجال النتائج بالانفصال عن القواعد الشعبية باللامبالاة بالتنظيم . و قد حقق رغم ذلك هذا التوجه البرجوازي الصغير كثير من النجاحات و خاض عديد من المعارك الثورية الناجحة . و كان هذا بسبب تمتع الثورة بشعبية جارفة مما جعل الكثيرين من شباب الحركة الديمقراطيين يعتقدون – خطاء- أنهم من صنع الثورة . و في عز أيام الثورة قال لهم الكثيرين أن الثورة ليست فقط في الميادين .
بين المنهج العمالي و المنهج الدعائي
منهج العمل الجماهيري العمالي يركز علي تنظيم العمال و تضامنهم المشترك و توضيح حقيقة النظام الرأسمالي التابع و الهيمنة الرأسمالية العالمية . لذا فأنه منهج يقوم علي سياسية النفس الطويل و التواتر و الانغماس وسط البيئة العمالية بكل الطرق المختلفة و هذا المنهج قد يتبناه عمال و غير العمال أيضا . أما المنهج الدعائي فهو يعتمد علي الاستعراض . و الاستعراض ليس مرفوضا من جانب المنهج العمالي لكنه ليس جوهره . فكثيرا ما يقوم العمال بالتظاهر و الوقفات . لكن العمال يتميزون بأن لديهم سلاحا مهما هو الأضراب . و سلاح الأضراب بحكم طبيعته يتطلب كثيرا من الأعداد لأنه لابد من أقناع أغلبية العمال بالأضراب رغم مخاطره علي العمال أنفسهم – مثلا الطرد من العمل و عدم تحقيق المطالب و فقدان المرتب الخ – و لذا فأن العمال لا يتعاملون مع الأضراب ببساطة و أنما يختارونه كحل أخير . سلاح الأضراب شكل المنهج العمالي المرتكز علي علي تنظيم العمال و البناء القاعدي و عدم التسرع.أما الاستعراض و هو جوهر المنهج الدعائي الذي يتصور أصحابه أنه يمكن تغيير الواقع عن طريق عمل قله من النشطاء الذين يتظاهرون حتي دون أن يكون لديهم فكرة عن خطوتهم التالية . و المنهج العمالي نابع من الطبقة العاملة بينما المنهج الدعائي من الطبقة الوسطي و ممثليها و المنظمات الحقوقية التي تمثلهم . و دور المؤتمر الدائم هو أن يجذب النشطاء و الشباب للمنهج العمالي و ليس أن ينجر للمنهج الدعائي . و سوف أستعرض بعض أشكال المنهج الدعائي الاستعراضي في المؤتمر الدائم لعمال إسكندرية
حملة قانون عمل عادل
هذه "الحملة" يتضح من عنوانها أن أصحابها ليسوا عمالا لسبب بسيط هو أنه لا يوجد قانون عمل "عادل" قانون العمل الذي يحكم العلاقة بين العمال و الرأسماليين هو جوهر النظام الرأسمالي . و بالطبع يمكن لحركة عمالية جبارة أن تجبر النظام علي تعديل بعض جوانب هذا القانون و لكن يستحيل عليها أن تجعله "عادلا" . و حتي الحركة العمالية حينما كانت في أوجهها لم تستطيع أن تفرض قانون الحريات النقابية . فمن الاستعراض و المنهج الدعائي الترويج لتغيير قانون العمل ببساطة . ناهيك عن أن حملة قانون العمل يتصدرها المنظمات الحقوقية و المحامين-و هذا أمر طبيعي فالموضوع موضوع قانوني- و بذلك تزيح العمال عن المشهد العمالي .و من الطبيعي أن يؤيد المؤتمر الدائم كل الجهود التي تقوم بها المنظمات الحقوقية لنقد مشروع قانون العمل الجديد . لكن عمل المؤتمر ليس عملا حقوقيا . و من الطبيعي مثلا أن يؤيد المؤتمر الأعمال الضخمة التي يقوم بها الاقتصاديين لنقد الاقتصاد الرأسمالي التابع لكن المؤتمر ليس و لا يمكن أن يكون جهه أقتصادية . يقوم المحامين بالكلام باسم العمال و هم بذلك يزيحون العمال عن المشهد و لو بدون قصد .
و من ناحية أخري فأن العمل العمالي لا يتحرك علي أساس القوانين حتي حينما يكون الهدف تغيير القوانين . فالعمل العمالي يركز علي أهداف واضحة و محددة . فمثلا من أكبر مكاسب الحركة العمالية هو "الحد الأدنى للأجور" فهذا الشعار البسيط و الواضح هو ما يمكن أن يحرك جموع العمال . و تاريخيا كان العمال في كل مكان يرفعون شعارات مشابهه في كل دول العالم مثلا "يوم عمل من 8 ساعات" أما "تغيير قانون العمل" فهو شيء مبهم و غير محدد و لذا فلن ينال شعبية بين جموع العمال . و حتي النضال العمالي من أجل قانون الحريات النقابية أخذ شكلين مختلفين النشطاء و الحقوقيين يصيغون قانون جديدا بالتفاوض مع النظام بينما العمال أنفسهم يشكلون نقابات مستقلة مباشرة لمتابعة أعمال الاحتجاج المختلفة.و كما هو معروف فأن تأسيس نقابات مستقلة أستند لثغرة قانونية و ليس للقانون النقابي.و حينما تكاثرت النقابات المستقلة بدأت تفرض لحد ما ثقلها في قضية قانون الحريات النقابية . فالحركة العمالية لا تعمل مثل الحقوقيين حتي في نفس القضية. بينما يهتم الحقوقيين بالنصوص القانونية و الدستورية و علاقتها بالمجتمع فأن الحركة العمالية تهتم بالعمل المباشر لجموع العمال علي أساس من شعارات واضحة و محددة. لذلك فأن حملة قانون عمل عادل تشبه حملة "نفذ يا نظام" التي أيضا كانت حملة حقوقيين منفصلين عن الطبقة العاملة رغم النوايا الطيبة و الجهد المخلص.
و في التاريخ العمالي الممتد لمئة عام لم ينجح العمال في تغيير أي قوانين إلا في مرات قليلة و وسط ظروف خاصة . و كان عمال الحديد و الصلب فخورين بأن أضرابهم في 75 أجبر النظام علي تغيير محدود في القانون بالذات لأن هذا حدث نادر . و لذا فأن هذه الحملة تشكل جزء من تأثر المؤتمر بالمنهج الدعائي في العمل الجماهيري.
التخلي عن أساليب عمل المؤتمر الأساسية
حينما نشأ المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية أتخذ أساليب محددة لحركته أهمها ندوة الاثنين التي ألتزم بها لشهور طويلة.كان الهدف الأساسي لهذه الندوة تثقيف العمال بالتاريخ العمالي و النقابي و لذا تصدر هذه الندوات القادة العماليين و النقابيين الكبار و مع الوقت بدأ الوجود العمالي يفرض نفسه و تصبح كثير من ندوات الاثنين ندوات عامة يجري فيها النقاش حول أمور شركة معينة مثلا أو وضع عمالي خاص – حافز الإثابة مثلا الخ – كان الدأب و الإصرار علي عقد هذه الندوات هو سبب أن المؤتمر أكتسب شعبية بالإضافة لمشاركته في تأسيس عديد من النقابات العمالية .بل كانت هذه الندوات مركزا لتشكيل النقابات الجديدة. للأسف فأن المؤتمر تخلي عن هذا التقليد الجيد . و ربما هناك ظروف عملية حالت دون ذلك لكن الاستسلام لفقد أهم أدوات المؤتمر أمرا لا يجب أن يستمر خاصة و أن الكوادر الأساسية للرابطة الذين كانوا مبتدئين في العمل العمالي – سواء عمالا أم لا – أصبحوا اليوم خبراء و شخصيات عمالية معروفة فكيف يستقيم أنه حينما لم يكن بيننا مختصين في العمال العمالي كنا نجلس كل أسبوع مع العمال و حينما أصبحنا متخصصين أصبحنا لا نجلس معهم. هذا عرض أيضا لتأثر المؤتمر بالمنهج الدعائي بدلا من الاحتفاظ بمنهجه العمالي الأصيل . و هناك دلائل علي أستمرار المنهج الدعائي مثلا قصة التعاون مع البنك الدولي!. أن المؤتمر الدائم عليه أن يعود لندوة الاثنين كحجر الأساس في نشاطه و أن يتصدر الصورة فيها العمال أنفسهم .
الوضع التنظيمي
الهيكل التنظيمي للمؤتمر للأسف جاء متأخرا عن الفترة الأكثر أشراقا في تاريخ المؤتمر. و هذا الهيكل و اللائحة تجعل المؤتمر يشبه في تركيبه الحزب السياسي ففيه ما يشبه اللجنة المركزية و أمانة تنظيم و أعلام و عمل جماهيري!! و الأحزاب تصنع هذا التركيب التنظيمي لأنها تجمع لبشر متفقين علي موقف سياسي و يريدون أن ينضم لهم أخرين في هذا التوجه السياسي.أما المؤتمر فهو مؤسسة شعبية عمالية مفتوح لكل عامل أيا كان توجه السياسي طالما هو مستعد أن يناضل في سبيل قضية الطبقة العاملة . من حسن الحظ أن اللائحة تحتوي علي أشياء جيدة جدا مثل أشتراط أن يكون العمال هم قادة عمل المؤتمر و رفض التمويل . لكن الشكل التنظيمي كان يجب أن يتشابه مع شكل تنظيم العمال أي علي الصناعة فتكون هناك لجنة للصناعات الغذائية و المعدنية الخ و كلما استطاع المؤتمر جذب عدد من الأعضاء من صناعة ما يكون لها لجنة ميزة هذا الشكل التنظيمي هو أنه يجعل المؤتمر أكثر اقترابا من العمال و كذلك ييسر التعامل مع النقابات المختلفة فتكون كل لجنة مهمتها التركيز علي القطاع الخاص بها من العمال للنقابات و ضم أعضاء جدد للمؤتمر. و هناك تفاصيل كثيرة جدا في اللائحة تحتاج للنقاش كل ما أريده من هذه الفقرة هو وضع مثال أخر علي البعد عن المنهج العمالي في الناحية التنظيمية .
الجذر الثوري
أتناول هذه القضية لأنها تثار كثيرا حين الحديث عن المؤتمر و تقدم باعتبارها سببا لتراجع أحوال المؤتمر. و أعتقد أنني كنت من أوائل من تحدثوا عن تراجع الثورة حينما أنطلق إرهاب الإخوان فهذا هو السبب الرئيسي للجذر الثوري الحادث. و الآن يبدو المشهد العام حتي أكثر تراجعا من جذر الثورة و يبدو أن النظام يتجه للاستقرار علي شكل ما من الدولة الاستبدادية مع بعض التعديلات هنا و هناك . لكن هذا المقال ليس موضوعه قضية الثورة سياسيا. أن حجة الجذر الثوري تعمل ضد من يدعون للمنهج الدعائي الاستعراضي بدلا عن المنهج العمالي . فالمنهج العمالي يعتمد علي العمل طويل النفس و البناء و المثابرة و هذا أحد أسباب تفوق المنهج العمالي علي المنهج الدعائي الاستعراضي . فالمنهج العمالي قادر علي التعامل مع لحظات المد و لحظات الجذر شرط أن نتمسك به و نكون مبدعين و خلاقين في ذلك
تحية للمؤتمر الدائم لعمال إسكندرية أهم مكتسبات الثورة فيها و لذا يجب أن نبذل جهدا مضاعفا للحفاظ عليه
حسن خليل
19 أكتوبر 2014