ملاحظات عن التنظيم
حسن خليل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 23:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مصر تناول الكثير من الكتاب قضية التنظيم و أحب أن أتناول هنا التيار الذي يدافع عن فكرة التنظيم اللينيني الحديدي . فإحساسي أن هناك قصورا في تناول القضية.لكن أولا لنري كيف نظر لينين لقضية التنظيم
في مطلع القرن العشرين و في الحوارات التي دارت في روسيا حول هذه القضية كان هناك خطين أساسيين. الخط الأول هو سؤال أي ثورة نريدها و ما هو دورنا فيها؟ السؤال الثاني ما هو التنظيم الذي نريده؟ و السؤالين مترابطين أشد الترابط . و نقطة الالتقاء بين الفرقاء هي أن الثورة هي ثورة ديمقراطية للإطاحة بالأوتوقراطية القيصرية و قيام جمعية تأسيسية و دستور ديمقراطي الخ . لكن نقطة الخلاف الكبيرة هي دور الطبقة العاملة في هذه الثورة . ففريق كان يري أن هذه الثورة يجب أن تقودها البرجوازية . بينما رأي لينين أن علي الطبقة العاملة أن تقود بنفسها الثورة الديمقراطية. و من الواضح أن هؤلاء الذين يرون دورا صغيرا للطبقة العاملة في الثورة الديمقراطية متأثرين بفكرة تتابع المراحل – العبودية الإقطاع الرأسمالية ثم الاشتراكية- و الرأسمالية هي نظام البرجوازية التي عليها أن تقود ثورته. لكن لينين كان له رأي أخر لا يتماشى مع هذه الميكانيكية . و حجج لينين أن البروليتاريا هي الوحيدة القادرة علي الوصول بالثورة الديمقراطية لأقصى مدي ممكن و أن البرجوازية سرعان ما ستتخاذل في منتصف الطريق و تخون الثورة و تتفق مع القيصرية.
فما دخل ذلك بالتنظيم ؟ إذا كان علي البروليتاريا أن تقود الثورة فعليها أن تمتلك تنظيما قادرا علي قيادة الثورة و علي حفز البروليتاريا و عموم الشعب.و دور هذا التنظيم تسليح البروليتاريا بالوعي و التنظيم الضروري لنجاح الثورة.لكن البروليتاريا ليست تابعا للتنظيم الثوري . البروليتاريا طبقة اجتماعية لها دورها المستقل في الصراع الطبقي . إلا أذا أستطاع التنظيم الثوري أن يكسب ثقة البروليتاريا عبر الانخراط الواسع فيها و في نضالها. و في هذه الحالة فقط يمكن للتنظيم الثوري أن يعد الانتفاضة و ينظمها و يقودها. مع ملاحظة أن لينين أدرك فيما بعد أن البروليتاريا تحتاج لتحالف مع الفلاحين لنجاح الثورة في بلد معظمها فلاحين.
لم يقتصر لينين علي الدعوة لبناء تنظيم ثوري حديدي بل بحث في واقعه الاجتماعي عن كيفية بناء هذا التنظيم . فلا يكفي أن يقال أن التنظيم الثوري ضروري بل يجب أن نعرف كيف نبنيه. و من هنا كانت حرب لينين ضد الحلقية و الاقتصادوية -نظرية كوبك فوق الروبل-. فيجب توحيد الحلقات العمالية و النضال ضد ضيق الأفق المحلي و ضد المفاهيم الاقتصادوية أي يجب تسيس هذه الحلقات و ضمها معا لبناء منظمة ثورية منها.بما في ذلك جريدة لعموم روسيا تكون أداة رفع الوعي الثوري و تنظيمه في نفس الوقت. علي أن لينين أنتقد فكرة الثورة الآن مع الإرهاب و كل أشكال "اللعب بالثورة" و حدد أن تنظيمه الحديدي هدفه أن يكون جاهزا في اللحظة المناسبة حينما يكون فن الثورة ضروريا.
لنحاكم هذه المحددات اللينينية علي واقعنا في مصر اليوم .
لنبدأ من القوي اليسارية المتاحة لبناء التنظيم ما نسميه بالمادة البشرية أو الكوادر أو ما يقابل الحلقات العمالية التي أعتمد عليها لينين. و هنا نري علي نحو واسع قضية يوجد ناس لكن لا يوجد ناس . فثورة يناير و النضال السابق عليها أفرز الآلاف الشباب الذين يعتبرون أنفسهم يساريين و حتي ماركسيين. لكن وعيهم اليساري متدني للغاية كما أنهم تربوا في مدرسة الثورة مباشرة و ليس في مدرسة الكفاح الجماهيري اليومي البطئ . فالثورة لديهم هي إسقاط النظام بصرف النظر عن النظام المراد بناءه. لذا نراهم يدعمون – قسم منهم – الإخوان الأعداء التاريخيين لليسار و نراهم أيضا – قسم منهم – يسقطون في فخ التمويل و العمل في التحليل الأخير لصالح الإمبريالية.و هذا لأن غالبيتهم من البرجوازية الصغيرة الديمقراطية التي لم تتدرب في كفاح عمالي من زاوية التوجه يومي .
ثم لنري التوجه الفكري السياسي الذي يمكن أن يقود هذا التنظيم اللينيني الذي يقابل نظرية الثورة لدي لينين. الواقع الحالي في مصر للتيارات اليسارية السياسية و الفكرية يتميز أولا بضعف شديد في الإنتاج الفكري و السياسي و من ناحية أخري بعدم الاتفاق علي هدف أسمي بل و سيادة مبدأ التكفير وسط القوي اليسارية فمن لا يتفق مع ما أراه خائن و عميل الخ . و أبرز دليل علي ذلك غياب جريدة فكرية و سياسية لليسار. فبين من يري أن الاشتراكية هي الخطوة التالية دون وجود أسسها و من يري أن أستكمال الثورة الديمقراطية هو الهدف دون أن يستبعد الوقوف مع النظام .
ثم نحن لدينا واقع اجتماعي مختلف عن أيام لينين . أهم ما يميزه هو الصراع الضاري بين النظام و بين قوي أشد رجعية من النظام – الإخوان و داعش و ما أشبه- و هذه القوي الرجعية أخذت شكل الإرهاب الفاشي وسيلة كي تسيطر علي السلطة من جديد لو استطاعت. مثل هذا الانقسام جعل كثيرين من اليساريين أما ينحازون لهذا الطرف أو ذاك
أذن نحن لدينا "بحر" من النشطاء اليساريين غير المرتبطين – إلا قليل- بمواقع معينة – عكس حلقات لينين – كان لدي لينين محلية طاغية نحن علي العكس لدينا عمومية طاغية و كان لدي لينين اقتصادوية طاغية نحن علي العكس لدينا أهتمام طاغي بالسياسة – علي طريقة إسقاط النظام – و كان لدي لينين رؤية واضحة عن الثورة يتجادل بها مع رفاقه نحن لدينا رؤي متعددة غير مكتملة نتشاتم بها مع بعض . علاوة علي ذلك فلينين كان محاطا بأفضل كوادر الماركسية في زمنه و لو عددنا الأسماء سنجد عدد كبير من المثقفين الموهوبين و أيضا الشباب – في مطلع القرن – نحن لدينا زمرة من العواجيز الذين هم بعيدين عن أن يكونوا مثقفين رفيعي المستوي لكنهم ماركسيين . ثم أن لينين كان يتحرك وسط أممية شيوعية عالمية – أوروبية – تتبادل الاستفادة نحن ليس لدينا حتي الآن أممية – حتي عربية – لليسار و غالب تركيزنا كل علي شئونه المحلية الصرف . و لينين لم يكن يعاني من تدخل إمبريالي مباشر -تمويل كما عندنا – الميزة الكبيرة لنا عن لينين هي ثورة الاتصالات و سهولة التواصل – التي لم نستخدمها بشكل ملائم حتي اليوم بل هي ميزة تعمل ضدنا الآن. علي عكس لينين أيضا لدينا قضية كبري أهم حتي من الثورة و هي الحفاظ علي كيان الدولة – مصر تونس – أو حتي أستعادته – سوريا ليبيا الخ للأسف – فبدون وطن معين – تركيبة اقتصادية اجتماعية معينة – يصبح الحديث عن "ثورة" لغو فارغ . ثم أخيرا لدينا عكس لينين إسرائيل و هذه تحتاج لنقاش مطول خاص.
إذن نحن نريد خطة مختلفة عن خطة لينين للوصول لمفهومه هو نفسه عن التنظيم .
نريد
1- تجميع الهيولي اليساري في كيان فضفاض و هناك عدد من الكيانات القائمة من هذا النوع فعلا لكنها لا تلتزم بباقي الشروط
2 – أنضاج ثقافة ديمقراطية قائمة علي القبول برأي الأخر اليساري و عدم الانشقاق في كل منعطف
3 – نريد التركيز علي المحلية و العمل وسط الطبقة العاملة و باقي طبقات الشعب لخلق مرتكزات جماهيرية
4 – نريد بناء رؤية شاملة للثورة في مصر – أو تونس أو المغرب الخ – علي أن تكون هذه الرؤية لها طابع شعبي صالحة للتقديم لعموم الناس و في نفس الوقت لها عمق نظري كافي كي تتجادل مع النظريات المطروحة عربيا و عالميا
5 – نريد بناء تكتل راديكالي ضمن هذا التجميع الشامل "للبحر" اليساري يأخذ علي عاتقه أقناع – أي أقناع – هذا البحر اليساري بصحة خططه و توجهاته و ضمهم أليه.
6 – نريد بناء أممية عربية يسارية – ليس بالضرورة عربية صرف فيمكننا و يجب علينا الاستفادة من تجربة اليونان و تركيا و حتي إيران كما الأممية الرابعة أيضا – كي تغتني تجربتنا النظرية و العملية
ثم نحن أيضا لدينا تجاربنا
في السبعينات كان حزب العمال الشيوعي المصري منظمة ثورية مكافحة. و لا خلاف بين يسار هذه المرحلة علي ثورية المنظمة – البعض يتهمها بالتطرف – و لا خلاف علي كفاحيتها – البعض يتهمها بالصدامية . علاوة علي ذلك كانت تمتلك رؤية ثورية للواقع المصري تتجاوز النظريات التافهة التي ظهرت في الخمسينات و الستينات عن المجموعة الإشراكية و الطريق اللارأسمالي الخ .و علي عكس ما يقول منتقديها من أنها كانت منظمة مثقفين أو طلاب فقد كانت تحتوي علي كادر عمالي و شاركت في كل النضالات العمالية الكبري التي جرت أيامها.مع ملاحظة أن حتي حزب لينين كان كادره الأساسي من المثقفين - و هي كانت مبنية علي المركزية – الديمقراطية و الانضباط الحديدي الخ . حتي أن النظام أتهمها بأنها وراء انتفاضة 77 . لكن هذه المنظمة اندثرت تدريجيا بعد 77 . فلم حدث هذا رغم أنها كانت تمتلك كل المقومات الضرورية كي تكون تنظيم لينيني ؟ بداية لم يمنعها تنظيمها من الانشقاقات و لم يمنعها من الانحراف اليساري – و هو الاعتقاد أن الحركة الجماهيرية ستصعد مجددا بعد 77 – و هو ما لم يحدث طبعا. و هذا الانحراف ظهر بشكلين في نفس الوقت أولا بالمبادرة للفاعلية الجماهيرية حتي مع غياب شروطه الضرورية و ثانيا بالسعي لتعزيز التنظيم هيكليا علي أعتبار أن الآلاف ستنضم للتنظيم مع هذه الحركات الجماهيرية التي لم تحدث . لكن مثل هذه الأمور حدثت في حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الروس أيضا . فلا توجد ضمانة ثابته بعدم الانجرار للانحرافات السياسية و التنظيمية . و لا ضمانه بأن يظل الحزب في وضع صاعد دائما فهذه خرافة . و حتي حزب لينين تقلص جدا من بعد ثورة 1905 و حتي قيام ثورة 17 و كان أقلية – بلاشفة – بالإضافة لضربات البوليس السري .
كانت المشكلة الكبري التي واجهت حزب العمال هي أنه لم يري التغيير الاجتماعي الذي لحق بالبلد منذ الانفتاح الاقتصادي و حتي تجربة المنابر السياسية و لم يتخذ الإجراءات الضرورية للتأقلم مع هذه الوضعية الجديدة فهو حزب ولد وسط الحركة الجماهيرية تقريبا و لم يكن قوة منظمة أولا انخرطت في الحركة الجماهيرية – بأستثناءات محدودة من الكادر الأساسي – فرغم أنه أستطاع أن يري طبيعة حرب 73 – حتي قبل انطلاقها – و توقع علي نحو بالغ الدقة مآلها النهائي إلا أنه حينما يأتي الأمر للحركة الجماهيرية عجز عجزا فادحا عن ذلك . بل علي العكس أصبح بعض كوادره يهاجمونه بسبب تدني الحركة – الرومانسية العمالية – بينما الحزب نفسه كان يتصرف علي أساس أن هناك عواصف قادمة . ثم تكلف الانشقاق الأخير بالضربة النهائية للحزب . أفتقاد التنظيم لتجربة ديمقراطية عمالية حقيقية ساهم في تفكيك التنظيم . فبينما نري الاشتراكيين الديمقراطيين الروس يختلفون مع بعض بحده فلا نري هذا النزوع للتفكك و هذا بالطبع مرتبط بالتجربة التاريخية الواسعة منذ ما قبل ظهور الاشتراكيين الثوريين مرتبط بتجربة الحركة الثورية الروسية الطويلة. بينما نجد مثلا علي العكس في حزب العمال أنه لأسباب سياسية أنكر -لحد كبير – الدور النضالي ليسار الأربعينات أي أنه بني علي الإقصائية التي انتقمت منه فيما بعد. لو كان حزب العمال الشيوعي المصري يمتلك مرونة كافية لتعدد الآراء و بني كادره علي هذا الأساس لم سقط فريسة التفكك و لاستطاع أولا أكتشاف واقع التغير الاجتماعي و من ثم تكييف نفسه معه. و لما وقع فريسة الشخصنة و التفرد بالقرار.
أخيرا
أن البناء التنظيمي عملية اجتماعية و ليس مجرد تكنيك معين و هو مرتبط تماما بالواقع الاجتماعي و الصراع الطبقي لذا فهو ليس مجرد مبني ثابت لا يتغير في كل المراحل