شحاتة عبد الحليم .. تاريخ من العطاء
محمد دوير
الحوار المتمدن
-
العدد: 5473 - 2017 / 3 / 27 - 01:12
المحور:
سيرة ذاتية
حتى أعمدة الفولاذ ترحل، ولكنها تترك أثارها بيرق علي منصة التاريخ وعنوانا لقيمتها الإنسانية وقدرتها البشرية علي تغيير الواقع ، وتعبيد طرق المستقبل.
رحل شحاتة عبد الحليم القائد العمالي ، المناضل الذي عاش في رحاب الاشتراكية وتحت منبرها علي مدى سبعين عاما أو تزيد ، يقدم النموذج المثال علي التفاني والإخلاص والتضحية . قدم كل ما يملك من حياة من أجل فكرة الاشتراكية ، من أجل خدمة هذا الشعب العظيم الذي ظل مؤمنا به طوال قطرات حياته الغالية .ومن أجل الاشتراكية والشعب اعتقل عدة مرات في -48-1950 ، 1952 ، 1952- 1956 ، 59- 1964 ،1976 ، 1977 وظل باقيا علي العهد ، قادرا علي العطاء ، ثابتا علي المبدأ ، يدعم ويشارك في كل عمل يري فيه خير عام ..
ولد عم شحاتة يوم عيد العمال في الأول من مايو 1926 وكأنه علي موعد مع قدره المحتوم ، فكأن السماء وهبته للطبقة العاملة ، فبدأ نضاله مبكرا بين صفوفها في هيئة النقل العام، ثم أكمل نصف بدره هذا بنصف أخر فانضم إلي الحركة الوطنية " حدتو " وفيها تعلم النضال الطبقي كما يجب أن يكون ، والتحمت بداخله قيم الاشتراكية بحقوق المنتجين من أبناء بلاده ، فصار عضوا نشطا ومقتدرا ومقنعا ،وذاع صيته سريعا وصار قبلة كل الشغيلة في قطاع النقل وغيره من القطاعات ، كان اسم شحاتة كفيلا بنجاح ذلك العمل الذي يشارك فيه. وبعد ثورة يوليو شارك مع مجموعة سكندرية من بينهم الدكتور حمزة البسيوني في تقديم مشروع التأمين الصحي الذي تبناه عبد الناصر وصار هرما عملاقا في سماء فقراء هذا الوطن. ثم شارك شحاتة عبد الحليم في تأسيس حزب التجمع ، من الفيوم بعد أن تم نقله تعسفيا من الإسكندرية نظرا لدوره النقابي والنضالي بين عمال اسكندرية ، انخرط شحاتة مع الرفاق في الفيوم وصار عضوا قياديا بالتجمع وعضوا بلجنته المركزية.خاض انتخابات مجلس الشعب في 1976 بدائرة المنتزة ولولا التزوير الذي تم ضده لشهدت الإسكندرية نائبا عماليا لا يبارى ولا ينسى.
كانت قيمة شحاتة بين رفاقه عالية جدا وغالية جدا ، ومن حالفه الحظ هو من سمع عن حكايات شحاتة عبد الحليم في المعتقلات وخاصة الواحات ، فقد وصفه الكاتب الكبير صلاح حافظ بكافكا المصري ، وقال عنه محمود العالم البطل شحاتة ، ووصفه اسماعيل صبري عبد الله بالجبل ...وكان عم شحاتة محل تقدير دائم من زعيم حزب التجمع خالد محي الدين والرئيس السابق للحزب ومؤرخ الحركة الاشتراكية الدكتور رفعت السعيد ، وما من أحد تعامل مع عم شحاتة إلا والتصق به ، فالرجل كان قمة التواضع والبساطة ولا يفارقه إحساس الأبوة الخالصة الصادقة ..
رحل عم شحاتة وترك لنا أبنائه يوسف وخالد وأمل ، خير خلف من حيث القيم الأخلاقية والإنسانية والامتداد الطبيعي لقيمة تاريخية لم تأخذ حقها كاملا في هذه الحياة ..ولكن يكفيه حب الناس له .
رحل جبل الفولاذ، المناضل الصلب، الإنسان في غير تكلف، الرفيق المنضبط، الذي آمن بشعبه وضحي من أجله.
رحل شحاته عبد الحليم تاركا خلفه تاريخ يشرفنا ,وتجربة نتدارسها ،وقيمة نضالية نقتفي أثارها, وذكريات نحن إليها, ومواقف نتعلم منها ,وقدرة علي الثبات توقظ غفلتنا ,وحلم نستكمله ووطن نستجمعه, ورفاق نستقوي بهم . وحائط سجن ،ونبرة صدي صوت,وراية ممشوقة ,ورأس مرفوعة, وضمير حي ،وقلب رحيم ,وعقل راجح, وسنوات من الجمر والعذاب في سجون كل العصور.رحل الاب والرفيق والأستاذ المعلم الذي عملنا الحق والخير والجمال.