وهج اللاوعي في رواية -التاج- لعبير قورة
محمد دوير
الحوار المتمدن
-
العدد: 6609 - 2020 / 7 / 3 - 03:36
المحور:
الادب والفن
يشهد فن الرواية المصرية المعاصرة بعد ثورة يناير حالة فوران ملحوظة، ورغبة متزايدة من المبدعين نحو الإمساك بلحظات الوعي الجمعي في تجلياتها وتعبيراتها الاجتماعية والنفسية سواء من خلال رصد حركات الجموع أو التوغل في خلجات الذوات المتفردة والباحثة عن وجودها في ظل تلاطم أحداث التاريخ وأحيانا في ظل عبثية الحاضر، بحيث صار المشهد الروائي عندها تعبيرا صارخا عن وهج اللاوعي، لا وعي الإنسان المحاصر بسلطة القدر وعسكر السلطان، وما بين هاتين السلطتين تسعي عبير قورة لنحت مسار زئبقي قادر أو مؤهل لخلق عالم جديد من رحم هذا الضباب الكثيف الذي يحلق كالأخطبوط علي العقول والأبدان.
في رواية المبدعة المصرية عبير قورة " التاج " تحاول التعاطي مع الحالة المصرية ومشكلاتها وتحولاتها في رمزية رصد مسار ومسيرة عائلة من اعرق العائلات المصرية " التاج"، وفي سعي مجتهد ومجهد منها لأن تصب من خلال سرد الأحداث أكبر قدر ممكن من انعكاس التحولات الاجتماعية علي نفوس ومشاعر وسلوكيات الأفراد. وقد اختارت الكاتبة أسلوبا بديعا في رسم السياقات الاجتماعية عبر لوحات تاريخية تلتزم فيها بمحازاة اللهجة المملوكية - حيث تعتبر الرواية قاموسا في المصطلح المملوكي في مصر في القرن السابع الهجري- ، وكذلك ضبط مساحات الانفعال وتقدير لغته وفقا لوقائع تاريخية تجعل منها وعاءً لسرد الوقائع، تلك الوقائع التي تنوعت حتي كاد محتواها المعرفي يغطي أهم نتوءات وغرائز النفس البشرية حينما تتزاحم عليها أعباء الحياة وضغوط العيش بين جنبات مجتمع بدت عليه علامات التفسخ وصخب العالم السري الذي يطفح فوق جلد الواقع. فتشعبت موضوعاتها، وتنوعت قضايا ، وضربت بعنف علي أوتار المسكوت عنه ، والتقطت لمحات كنا نعتقد أنه من الصعب الانتباه إليها مثل ما يحدث في مدينة الطالبات من أعضاء تنظيمات الإسلام السياسي، و التنمر علي فتاة الجامعة ريم، وعنف الآباء مع الأبناء وقسوة التربية، ومفهوم الحرية بمعناه الضيق كما عند نشوي وبمعناها الواسع كما عند ناجي، وفلسفة الموت والخوف منه والمصير المحتوم كما في لوحة حمزة بن العزازي، والتعامل مع الأقباط وإذلالهم، والإجبار غلي الدخول في الإسلام أو القتل ومعاناة النفس البشرية من هذا الإجبار،ووصف أثر الجفاف والوباء علي مصر وأحوال الناس والمعيشة..... الخ
والرواية تنخرط منذ بدايتها في التأكيد علي الوثوقية التاريخية لعائلة التاج، ولذلك تراها الكاتبة نموذجا لكتابة رواية عن الماضي والحاضر مع تأكيدها علي إنهما ( مساران منفصلان، و لك أن تفسر الأحداث والغايات كيف تشاء) ص5 وهي الفترة من 662 هـ إلي 735 هـ عبر رصد لأسرة أبو موسي التاج التاجر بالقاهرة، ثم تنتقل زمنيا لتلقي نظرة علي أسرة فريد التاج في العصر الحالي لتروي لنا أحداثها عبر سنة ميلادية واحدة. وقد رأت الكاتبة أن تأتي الرواية علي صورة لوحات درامية منفصلة / متصلة، ولكنها تقدم في كل لوحة قيمة إنسانية وتتناول قضية مستقلة عن اللاحقة والسابقة وأن ظل الهمّ الدرامي واحدا. إنها تقدم منمنمات إنسانية متراصة تؤدي إلي وحدة مؤسساتية مبدعة مطرزة بلغة مزدوجة بين المملوكي والمعاصرة، بين الوعي واللا وعي، بين الفقر المدقع والغني الفاحش، بين السلاطين والرعايا، بين المسلمين والمسيحيين ...الخ
وسوف نرصد هنا ما تحاول عبير قورة طرحه من خلال تناول معظم لوحات الرواية والتأكيد علي القيم التي تحاول نبش جدرانها، وكشف تضاريسها الموجعة غالبا، والملهمة في بعض الأحيان.
سنلاحظ دائما أن عبير قورة تتناول أنماط من البشر، ومنهم مثلا نمط يعتمد علي المظهر والشكل في الخداع، ففي لوحة "مجدي"(22) ترصد الكاتبة نموذجا من البشر الذين امتلأت بهم الحياة المعاصرة من حيث المظهر الجيد والجذاب والجوهر المحتال النصاب، فهذا هاني الشاب الوسيم القادر علي جذب الإعجاب من كل من يعرفه معرفة سطحية، حيث يتقدم للارتباط بريم فتوافق نتيجة نصيحة من مجدي، ولكن الكاتبة منذ البداية تضع بين يدي القارئ مفاتيح الشخصية ومواصفاتها ، فتصفه وهو يدخل مكتب مجدي ( شاب متأنق ، وسيم، رائحة عطرة جيدة، لكن فجة كأنه أسرف كثيرا في الكمية التي يجب وضعها) ص241. ثم تستطرد في موضع آخر بمزيد من الصفات قائلة ( لؤم، جلافة وسخف، يتنافيان مع ظرف شخصه، عندما يصمت ليبدأ حوارا داخليا مع نفسه تتبدي ملامح ضبعية ساكنة، هفوات لنمط متخف يريد أن يفرج عن نفسه) ص244. وأثناء صدامه مع رجال العصابة التي كان يتداخل معهم في صراع علي قطعة أرض تقول: ( كان هاني يتكلم وملامحه ليست ملامحه، فيها ضعة ومذلة، تلاعب وتزلف، هل يرتدي قناع قواد ؟ داعر؟ كأنها صفقة بيع أجساد نساء ورجال، اشمأزت، أهذه ملامحه الأصلية ؟) ص246.والكاتبة هنا تصف نوع من البشر ينتشرون في عالمنا المعاصر وهم نتاج الانفتاح الاقتصادي وزمن الفهلوة وكأنما تريد القول بأن تلك النماذج تصطاد نبل البشر حينما يرتبطون بأشخاص حياتهم هادئة ليحولوها إلي حياة عذاب وبؤس، إنهم يفسدون البشر كما يفسدون الاقتصاد بسلوكهم الريعي والنفعي ...الخ
ثم تكشف الروائية عبير قورة عن واحدة من عيوب النفس البشرية ونقاط ضعفها حينما يسعي شخص ذو مكانة أو سلطة أو جاه لاستخدام صلاحياته في تصفية حسابات ما مع الآخرين، ففي لوحة مجدي وناجي (24) تكشف لنا الكاتبة عن صورتين من القيمة، الأولي منطق ريهام في التعامل مع حدث تمزيقها لأوراق مسرحية ناجي التي كتب مجدي تقريرا عنها بعدم الصلاحية للعرض الجامعي ومواجهتها لمجدي بوضوح وصراحة ونقدها لموقفه من المسرحية التي كتبها ناجي، والقيمة الثانية حينما قررت مناقشة مجدي في هذا الأمر، أمرت أطفالها بالذهاب إلي غرفتهم لكي لا يستمعوا لهذا الحديث العنيف، وكأنها تكشف عن شخصية ريهام المتزنة العالمة بسبل التربية والقادرة علي ضبط إيقاع السلوك التربوي سواء مع الجاني وهو الهروب من الموقف فقالت واصفة مجد( استدار، ذهب إلي غرفته، غير ملابسه، خرج، ارتدي حذاءه وترك البيت ) ص 255
وفي واحدة من أفضل لوحات الرواية مقصدا وإشارة تشير الكاتبة إلي ذلك الصبي الذي يحدث نفسه بأنه لا يجب أن يكون كما يريد الأب، في لوحة ناجي عزيز(12) ، حيث تصف ذلك قائلة ( صغيرا، يرنو إلي أبيه بعينين صامدتين أمام البرود الواجم، وقلب صغير يغفو حالما بدفء قلبه، متطلعا بشغف خجول، بحب يتواري بالعمق حتي لا ينفضح أمام جمود الجفاء ) ص 139.. ثم يعاتب والده همسا ( أنا جيد في الدراسة ، لم اضطر إلي دخول دور ثان في أي مادة لكني لست ممتازا، لست من تريده أن يكون، تخجل مني أمام أصدقائك لأني لست من النابهين المتفوقين وأنا أخجل من نفسي لكني لا استطيع أكثر من هذا ) ص 142.
وفي الكشف عن قدرات الكاتبة علي تذوق الفن وفهم مدارسه واتجاهاته تستعرض لنا في لوحة أدبية بعنوان " دكتور حازم " ( 16) تلك المقدرة من خلال مقطوعات جمالية راقية في الوصف الفني لنماذج من اللوحات تقول في إحداها ( اللون يخلق في سحابه إيرانية، الضوء ليس مضيئا الظلام ليس مطلقا ، بركان يتصاعد من سجادة حمراء سماوية وأرضية يتخللها الأسود والأبيض والأزرق، ينفجر بالألوان، خيال يستلهم رؤي، والضوء لا يوضح الرؤية بل يضببها، يضع غمامة وهج علي الأشخاص والأشياء، الظلام يأخذ دور الضياء، ويظهر أشخاصا واجمين متطلعين الي الهالة المضيئة لبؤرة سماوية، ألوان الظلام بريئة ونقية، حتي الخطيئة في اللوحة بلا خطيئة ) ص 185. يحكي حازم في صورة اهتمامه بفن ولوحات الفنان فريدون راسولي الذي يراه أفضل من عبر عن المرأة في تاريخ الفن.
وبنفس القدرة الإبداعية تنتقل إلي منطقة وصفية أخري ففي لوحة فاتك التاج( 17) تصف ليلة ظلماء موحشة أثناء الحرب مع التتار للجهاد دفاعا عن الإسلام – كما يعتقد فاتك – تقول في وصف رائع ( النجم كان يتألم مختنقا يحارب القتامة التي ترفض نهوضه ، ينسلخ من ليل مترع بالوحل وينتظر الدماء، تكتم أنفاسه سحب صلبه كمعدن ثقيل ببريق معتم ) ص 197.
ومن واحات الوصف الجمالي الخارجي تنتقل الي عالم النفس الذي أبدعت طوال صفحات الرواية إلي تناوله وسرده، نجدها في لوحة مجدي فريد التاج(18)، تعرض لصراع ريم النفسي ومقاومتها الداخلية لادعاءات كاذبة من قبل الدكتور أدهم، وتصديق أيضا متسرع من مجدي فريد التاج لما قيل عنها، انه الاغتراب في احد صوره وأكثرها بشاعة حينما يحاول الجميع إسقاطك وهم يعلمون أنهم هم الساقطون، وتلك أيضا احدي تنويعات عبير قورة النفسية والإنسانية التي ما برحت تصدر بها المشهد الروائي بصفة عامة في " التاج ".وفي نقلة راقية جديدة تنتقل إلي حيث وصف النيل بصورة تبدو جديدة في عالم الأدب ففي لوحة بهاء الدين ودولنبيه ( 25) تتحدث عن فيضان النيل، حيث امتلكت من دقة الوصف انها خرجت من عباءة العبارات السحرية الجمالية عن النيل كما اعتدنا من كثير من الذين يصفون الفيضان فتقول ( يا أهل المحروسة النيل جاي سبعتاشر دراع وخمستاشر اصبع، السنة هتكون رخيه وهنية ) ص 257. ثم تستعرض سلوكيات وفرح النسوة بالفيضان وتلك الأغنيات اللائي يرددنها في تلك المناسبة وتغوص الكاتبة في هذا العالم وكأنها شاهد عيان وهو مستوي من المصداقية ينم عن وجدناها الروائي والأدبي الراقي، وخاصة ان هذا دفعها للحديث عن الأشهر المصرية القديمة يوم النيروز فيي أول توت باعتباره عيدا قبطيا يحتفل به المصريون .وكذلك في لوحة بهاء الدين وابن البققي (27)، وبعد أن تستعرض قدرتها علي الوصف في ما يسمي "الربع" وهو وصف يكشف عن دراية بهندسة العمارة في العصر المملوكي في زمن الرواية وكأنها تكمل مستويات الوعي بالفترة التاريخية والمذكورة فلا تكتفي بسرد مصطلحات ولهجة ذلك العصر بل أيضا في وصف البيوت وتفاصيلها قائلة مثلا ( تطلع له عن طريق السلم الداخلي، فيه جنب السلم باب فتحة مرحاض فيها شباك بيطل علي المنور، وممر لغرفة كبيرة سقفها عالي بارتفاع طابقين في صدرها ثلاث شبابيك الشباك الوسطاني أطول من الشباكين التانيين وكلهم بمصبعات حديد ودرفتين خشب تغلق من الداخل وبتطل علي الشارع ) ص 275
أما عن علاقة الدين بالسياسة فنجدها تتناولها بصورة دقيقة في أكثر من موضع وبصفة خاصة في لوحة الشيخ ابن دقيق العيد والسراج التاج الصغير(19) وإن كانت السياسة هنا من باب الدفاع عن البلاد ضد المحتل ، ولكن أهل المحروسة يبحثون عن طريق لتدعيم الجيش تناولوا فكرة جمع الأموال من اجل توفير العتاد، حيث يقول " سلار" عبارة غاية في الخطورة والأهمية ( اخذ المال من الناس باسم الله غير ما يكون باسم الحاكم، نريد الناس يحملوا المال عن طيب نفس حتي نربح الحرب بإذن الله ) ص 219.
وفي مستوي أخر من النصب تتناول الكاتبة في لوحة مجدي وهاني(28) عمليات النصب التي تتم في بيع الأراضي وكيف أن هذا المستوي المتدني من الصفات الاجتماعية التي جعلت الكثيرين يتوقون للربح السريع فعل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع باتجاه بحث الناس عن المال بأي وسيلة؛ هو ما دفع مجدي لأن يقوم بمغامرة غبية وغير محسوبة وتدل علي الجشع، الأمر الذي أدي إلي أن يخسر أموال العائلة التي كانت مودعة في البنك وتعيش علي فوائدها. وبعدما خسر مجدي تلك الأموال في عملية شراء ارض من هاني الذي لا يملكها، دخل في أزمة وحوار وجودي لم ينته إلي شيء حقيقي وملموس.وفي وصف بديع تصف مشاعر مجدي السلبية تجاه حالة التوافق والانسجام بين ريم وهشام وصفا دقيقا وبديعا حيث تقول ( لقد كان يغار من الشغف المشتعل في قلبهما، كل ما يفعله من إطفاء الإبداع والجنون في شخصيتهما يرضي سكوته ورمادية روحه ) ص 307. وهي هنا بذكاء شديد تعبر عن نموذج من المثقفين الذين يمتلكون القدرة علي قتل أي قيمة في أي شيء، فقط لمجرد أن يمارسوا ساديتهم البغيضة ويفرضوا سطوتهم علي الآخرين عبر مواصفات يمتلكونها. وقد عبرت عنها الكاتبة بدقة حينما قالت واصفة مجدي ( أفادته كثيرا موهبة تسخيف كل شيء، تحويله إلي حدث تافه خال من القيمة، من المعني، الوطن، الظلم، الفاشية، أي موضوع بمقدوره أن يجعله ينكمش، يتهاوي، يغدو كلمات جذابة خاوية، مأسورة داخل ورقة، سفسطة، لا يمكن تبنيه، التكريس له، بعد سماعه يمكن تحليل الأمور بموضوعية، لكن من ينصت إليه يفقد القدرة علي الإيمان، علي الفعل، والغريب انه يفعل كل هذا بجاذبية كبيرة) ص309.ثم تستكمل السياق الدرامي حيث يجد مجدي في لوحة مجدي والخدعة(32) فرصة لاسترجاع أموال الأسرة من هاني ، كانت تلك الفرصة علي حساب أخته ريم التي طلب هاني يدها فوافق مجدي نظير أن يعيد هاني الأموال التي أخذها ثمنا للأرض التي لا يملكها.وبالفعل استرد مجدي أمواله كاملة من هاني حتي قبل ان يعقد هاني قرانه علي ريم.وهذا ما جعل الشكوك تتنامي في رأس مجدي، ما الذي يدفع هاني للتنازل بهذه السهولة عن أموال حصل عليها بالخديعة ؟ هل ثمة خديعة أخري في جعبة هاني ؟ هل يستبدل ريم بالمال ؟ وانكشف الأمر سريعا عن طريق عباس السمسار الذي حضر لمكتب مجدي ليخبره بقصة الأرض والنزاع عليها ودور هاني القذر في هذه العملية، حينها انكشف لمجدي كم هو لعبة في يد الآخرين وخاصة هاني الذي يطلب الزواج من أخته. وفي حوار بين مجدي وعابد السيوفي صاحب السطوة الكبري في الخديعة، تصف الكاتبة الحوار الذي دار بينهما ولكنها تضع يدها علي احد أسرار هذا النوع من المناقشات حيث كل كلمة فيه بمقدار وقدر حيث قرر مجدي قول الحقيقة بطريقته وهنا تقول الكاتبة ( الصراحة هنا هي الحل الوحيد، عنده مبدأ دائم أن من الغباء البوح بكل شيء. وإن حدث هذا فهناك طريقة فنية لقول الحقيقة فلا تغدو هي نفسها، أجزاؤها سليمة لكن التركيب خاطئ. مثل المكعبات، لو الحقيقة هي المكعبات منفصلة فلكي نخرجها للعلن نغير الشكل النهائي عدة مرات فتتموه وتغدو منحولة، لا يمكن تسمية هذا كذبا ) ص 348 ورغم ذلك لم ينته الحوار لشيء مفيد اللهم سوي مزيد من خوف مجدي من عابد.
واستكمالا للمشهد الروائي تكشف الكاتبة في لوحة مجدي (34) عن تلك المواجهة التي تمت بين مجدي وآم هاني يوم محاكمة ابنها في محاولة منها للاعتداء اللفظي علي مجدي وأسرته لاعتقادها أنهم احد أسباب أزمة ابنها، ترصد المؤلفة ذلك الصدام العنيف الذي لم يخلو من استعمال ألفاظ خارجة من قبل أم هاني– تلك المرأة التي وصفتها الكاتبة بالادعاء والمظهر الخارجي الذي يحاول الإيحاء بمستوي اجتماعي راقي علي عكس الحقيقة الداخلية. وبعد أن ترسم لنا صورة تعبر عن مشهد الصدام وعن قاموس الشتائم المبتكرة التي لم يسمعوا بها من قبل تقول في إدراك منها بطبيعة تلك الحالات الإنسانية من منظور علم النفس ( بعد ربع ساعة تقريبا بدأت قواها تخور فنزلت السلم وهي شخصية جديدة مختلفة، أم مكلومة تدعو عليهم وتستجير بالله أن يأخذ لها حقها منهم وهو المنتقم الجبار ) ص 365
وتواصل الكاتبة في لوحة خطة مجدي (36) الغوص في أعماق مجدي الذي يريد حوارا داخليا لا يهدأ ولا ينقطع ولكنه أيضا لا يحسم شيئا مما يفكر فيه غالبا ما تنتهي التأملات والحوارات الداخلية إلي لا شيء ، حيث تسيطر عليه مشاعر الشعور بالذنب تجاه كل ما فعله، وكل ما يحدث وكان هو سببا فيه، ولكنه يقول: ( لقد اكتفي من تعقيد حياته بالتفكير المرهق في الأحداث السابقة والقادمة) ص 376.
تمتلك الكاتبة أيضا قدرة فائقة علي التنوع في تناول مستويات الانفعال الإنساني، حيث تطرح ذلك في عدد من اللوحات التي تجمعها وحدة شعورية واحدة وان اختلفت مضامينها الدرامية. ففي لوحة " بياض" ( 35) ترصد تلك العلاقة التي نشأت عنوة لبياض مع فرج الطربش هذا الشاب الابله الذي تصور ان حبه لبياض يمنحه الحق في اغتصابها ليلا دون ان تعرف من فعل ذلك لأنه جاءها متخفيا. وبعد استدراجه في الحديث عن تلك الليلة المشئومة يعترف لها بأنه هو من فعل ذلك فتواعده مرة أخري وتقتله بسيف أبيها في إشارة موحية ومهمة بأن الأب هو من انتقم لابنته ولو عن طريق سيفه.وفي خضم التناول الدرامي هنا تعرج المؤلفة إلي استعراض بعض المناسبات الدينية التي كان المصريون جميعا يقومون بها علي اختلاف دياناتهم.
أما في لوحة دكتور ادهم الخليلي (20) فتناقش هجرة العقول العلمية إلي الغرب، وسعي بعض الباحثين للبقاء أو للعودة إلي أوطانهم، وتستعرض طرق التحايل عليهم لكي يهاجروا أوطانهم ، وفي بداية اللوحة تكشف في حوار مسبق عن معني الوطن وقيمته يقول ادهم ( الوطن ؟ ما هذه الكلمة ؟ أي أرض هي الوطن ) ص 227 هكذا يتم تفريغ معني الوطن من اجل المال والكاتبة تقف ضد هذا المعني وتنحاز للطرف الأخر منه الذي يمثله حازم .
وفي لوحة بهاء الدين بن التاج الصغير (21) تتحدث الروائية بلغة العطارة والطب وتطرح خبرتها العملية والعلمية في التعبير الأدبي. ولكن لفت انتباهي قدرتها علي الوصف بالتناقض في هذا التعبير في وصف امرأة ( دولنبية ابنة نوغاي، عيناها الزرقاوان رائعتا الجمال متوحشتان كعيني ذئب شرس، فيهما تصميم غريزي علي الفتك ) ص 226.
وفي لوحة مجدي والخطايا (26) تصف في لقطة مبدعة لحظة حزن لناجي بعد أن تم الإفراج عنه وعاد إلي بيته وفي حوار مع زوجته التي لا يطيقها قائلة ( يطاطيء رأسه، تسقط دمعة من عينه اليسري كأنها ليست له، احد ما ثبتها علي خده ) ص 270 ثم تستطرد في حوار ناجي الداخلي في استعراض فلسفي وأسئلة فلسفية قائلة ( معا معني الزمن ؟ مبرأ من جنون الاغتراب ، من معارك الهوية، يعرف خطاه ولا يراها ، كيف لا ينظر لأسفل ؟ يصطدم المطلق بالمسار، لن يكمل وهو مصمت، مغلق علي الحشة والنقاط الصارمة، تتسلط الأسئلة المستفزة، م الوطن وأسفار التكوين ) ص 271. وفي موضع أخر تقول : ( إرادة المعني إلي الأمام، قوي من الإيمان، من الشيطان، لن ينجو أي اختبار من كونه لحظة ومرت إلي الآبد. الحياة مدفوعة لغاية، يدور الكون حنينا إلي المحرك الأعظم، لن يعود شيء إلي الوراء، لن تفقد الكواكب إيمانها، حنينها ، وسعيها إلي من تشغف به، مأسورة في الحاضر نحو المستقبل) ص 124. والكاتبة منشغلة إلي حد كبير في هذه الرواية بالأسئلة الوجودية، وتطرحها دائما مع كل فرصة تسنح لها، فهي تقول علي لسان مجدي الذي أضاع ثروة الأسرة في مغامرة فاشلة جدا حينما قرأ سحب أموال الأسرة من البنك لشراء قطعة ارض أملا في بيعها مرة أخري ويعيد الأموال للبنك مرة أخري بعد أن يكون قد حقق ربحا سريعا وكبيرا، يقول مجدي وهو في لحظة يأس وإحباط وشعور بالفشل محدثا نفسه ( التذبذب الوجودي للزمن يجعله ملتبسا، له طابع مفارق، ثابت وزائل، فهو دوما هنا لكنه ليس مطابقا لنفسه، الحاضر من المستحيل الإمساك بشيء في مجراه فهو لا يحدث إلا وهو يكف عن الوجود ينعدم من تلقاء نفسه، يتوه بالعلاقة مع الوجود ) ص 290/ 291.
ولم يكن من المقبول ألا تتناول عبير قورة في روايتها هذه هذا النوع من البشر، ففي لوحة بعنوان يحي كمال التاج (38) تنتقل بنا إلي سياق درامي أخر وتقفز إلي قلب شخصية ثورية حالمة لتقيم مواجهة ومقابلة صارخة بين الواقعي واليوتوبي، تلك اليوتوبيا التي تسيطر علي عقل يحيي وتجعله يتصور أن الأفكار وحدها قادرة علي إصلاح النظام الاستبدادي في هذا العالم، ولكنها تكتشف في الوقت نفسه عن قيمة الواقعية والاقتراب من الناس وفهم معني الوطن بطريقة مختلفة حيث تقول( لا يدري كيف لا يري الحكام ان السلطة ليست وحدها تعبيرا عن "الوطن" بل الكادحين والمشردين والسذج، والوجوه مخفية الملامح في الخلفية الكبيرة الباهتة لوجه كبير باسم ) 396 هذه اللوحة تشعر أنها خارج السياق الدرامي.
ثم تعود الكاتبة في لوحة لغز حازم(40) إلي حيث الموضوعات الأولي في الرواية إلي هذا الصراع النفسي الرهيب بين حازم وريم، إلي هذه الشخصية التي لم تعد ريم تفهمها جيدا، حيث تنمو الألغاز حوله كما تكبر الحشائش علي جنبات الطرق السريعة، ريم تخاطب نفسها وتبحث في حازم عن شيء ما يبدو منطقيا ( إنها مستثارة متميزة ، متحفزة كما كانت في مسابقات أوائل الطلبة) 418.
وفي أخر لوحة في الرواية بعنوان" ريم وحازم " (42) حيث لقائهما وذلك الحوار الداخلي الذي دار في عقل ريم والسؤال عن إمكانية قبولها الموعد بلقاء حازم ؟ وذهبت الي لقاءه حيث صارحها بأنه يعتزم السفر خارج البلاد للعمل هناك، وحينئذ ستوقف خطره عليها، ولكنه لم يزل يحاول التواصل معها وعدم قطع العلاقات بينهما ويقترح عليها ان يستمر في الحوار عبر الانترنت من خلال الاستمرار في لعبة الألغاز التي كانت سببا في تعارفهما، ثم ينتهي كل شيء، العلاقة المباشرة والرواية نفسها بأن أعطي حازم لريم الباسورد الخاص به في إشارة منه لاستعداده لأن يكون كتابا مفتوحا أمامها.
يبدو أيضا أن هاجس الوحدة الوطنية تصدر المشهد الروائي هنا، حيث جاء تناولها الدرامي له علي قدر إبداعه، موجعا ومؤلما، ففي لوحة ولي الدين التاج اخو التاج الصغير (29) في عام سبعمائة وعشرون من الهجرة تناقش قضية هدم الكنائس ليس عن طريق الأفراد ولكن عن طريق السلطة المتمثلة في السلطان الناصر قلاوون حيث اشتري قطعة ارض كبيرة – وكانت ارض التاج جزءا منها – لكي يقوم بتجريفها من اجل صنع زريبة بجوار القلعة مما يجعل الأرض حول الكنيسة مجرفة ويهدد المبني بالانهيار ليصبح انهيارها يبدو كأنه قضاء وقدر، وبالفعل تزعم الدرويش الذي يكاد يدعي النبوة الحدث، حيث صاح في الناس بعد انتهاء صلاة الجمعة ( قدر الله أن تسقط هادي الكنيسة علي أيدينا، الجنة أمامنا، لو هدمت وان الكفر فقد جاهدت في سبيل الله، الله اكبر) ص 300 ثم هجم الناس عليها بالمساحي والفؤوس حتي أوقعوها علي من فيها من نصاري. ثم تسيطر علي الجموع الغفيرة حالة من التشنج لمواصلة هدم مزيد من البيوت والكنائس، وفي تشبيه بليغ ذكرت الكاتبة علي لسان ولي الدين " الموله المشعث " بأنه يوم يشبه فتح مكة حيث يتم تدمير الأصنام ومحوها من بلاد المسلمين. وانتهي هذا اليوم " المشهود" بهدم أكثر من ستين كنيسة وعدد من الأديرة رغم محاولة بعض الجنود منع هذا الزحف، فالمطلوب فقط كانت تلك الكنيسة التي تجاور الأرض، ولكن العامة كان لهم رأي أخر، وولي الدين رأي لنفسه دور أهم وهو نصرة الإسلام بهدم الكنائس، ولم تتوقف هذه الهستيريا إلا حينما اصدر السلطان قرارا بإعدام كل من يعتدي علي نصراني او يهدم كنيسة.هنا تناقش الكاتبة دور العامة حينما يسيطر عليهم مخبول.
ثم تستكمل المشهد العبقري وفي ملحمة إبداعية خالصة جاءت لوحة " الحرائق"(31) التي كانت هي العنوان الوحيد الذي لم يأت تحت اسم شخص من أبطال العمل الأدبي هذا، حيث تتناول الكاتبة الحرائق التي اشتعلت في القاهرة في عام سبعمائة وواحد وعشرون من الهجرة اذ تروي موجات الحرائق التي تلتهم البيوت والعتاد وتأكل الأخضر واليابس في وصف سريع ومتلاحق يتناسب مع سرعة الأحداث، وفي لغة وصفية دقيقة وعبارات متلاحقة تجرجر معها أنفاس القارئ مثلما حبست لها أنفاس الضحايا آو هؤلاء الذين يقاومون تمدد النيران خوفا من أن تلتهم المخازن وما فيها، فتشير إلي مشاركة الجميع من المماليك وغلمانهم ومن الناس العاديين قائلة ( ولم ينم أو يهدأ أي إنسان في كل القاهرة، إما يده بيد الناس في إطفاء النيران، وإما محترز وخائف من وصول النيران إلي بيته، أو ينتظر أن يهدم المماليك بيته أو حانوته لينقذوا حواصل السلطان وليمنعوا انتشار النيران ) ص 317، وفي أثناء دوامات الحريق بدأ الناس يتساءلون عن أسبابها حتما هو الغضب الإلهي،هذا الشعور دعمه بعض رجال الدين بسبب ابتعاد الناس عن العبادة، والنساء السافرات اللائي يذهبن للقرافة ووجوههن مكشوفة. ولم يرد هذا الاعتقاد سوي ما ذكره " التاج" عن ما رآه من هؤلاء المجهولين الذين يقذفون بحمم النفط والكيروسين فوق البيوت والمخازن. هنا بدأ يدخل المنطق والعقل في المسألة، وشعر البعض ان حريق القاهرة مكيدة مدبرة، ربما من الفرنجة والمغول الهدف منه النيل من مهابة السلطان والسلطة في مصر. بعد اقتناع بعض أصدقاء التاج بفكرة المؤامرة المدبرة لحرق القاهرة بدأ التاج في وضع خطة لمواجهة تلك المؤامرة، وهنا تبدأ فكرة اللجان الشعبية لحماية القاهرة في الظهور من خلال حوار دار بين التاج والحاج عبد الحميد والحاج أبو بكر، وخلال أيام قليلة كان الناس يمسكون ببعض هؤلاء الذين ينفذون المؤامرة، فكانت المفاجأة أن ذلك تم علي يد مسيحيين أغضبهم ما تم من هدم للكنائس إذ يقول احد المقبوض عليهم ردا علي سؤال لماذا فعلتم ذلك ؟( لأجل الكنايس والقتلى والسبايا، كان لابد تعرفو معني الخسارة) 329.وتأكدت وتصاعدت الأحداث أكثر عندما تم القبض علي راهب كان ينوي إضرام النار في المسجد ، هنا استدعي السلطان بطريرك الأقباط في مصر وواجهه بهؤلاء الرهبان ، فأنكر البابا يوحنا التاسع هذا الفعل الشنيع وأشار إلي السلطان أنهم متطرفون مثل هؤلاء المسلمين المتطرفين الذين هدموا واحرقوا الكنائس، وان التطرف موجود في كل الأديان، ولكن المؤكد أن الأقباط يحبون بلدهم مصر ولا يجب عقاب كل المسيحيين في مصر جراء أفعال شرذمة منهم، ولم ينته الأمر بسهولة حتي تم تفريغ كل سلطة من كل نصراني.
وتواصل الكاتبة رصد ما حدث للأقباط في لوحة فاطمة زوجة شمس الدين بن التاج الصغير(33) بعد موجات الحريق التي شبت في القاهرة وسيناريوهات الانتقام منهم سواء عن طريق السلطان وحاشيته أو العامة من الناس حيث تمت عملية استنفار شديدة ضد المسيحيين إهانة وضربا وتهجيرا إلا من دخل الإسلام منهم عنوة. كان المشهد مخيفا والجو العام مضطربا والتنكيل يتم باسم الله والذين ينفخون في نار الفتنة أشد خطرا من هؤلاء الذين قذفوا بالفتائل علي البيوت.
ويمكن إيجاز أهم ملامح الإبداع عند عبير قورة في رواية " التاج " في النقاط التالية
1- جاءت معظم عناوين لوحات الرواية في صيغة أسماء أشخاص، حيث اتخذت من أسماء رموز العائلة عناوينا للوحاتها الروائية لكي تؤكد علي أن الإنسان هو ما يشغلها في هذا العمل الضخم، ولكنه ليس ذلك الإنسان الذي تنشغل برصد حياته العملية أو مشاغله اليومية ، بل هو الإنسان بالمعني الفلسفي للكلمة، وربما بالمعني الذي يمكن أن نرصده في علم النفس أيضا.، فالأبعاد الوجودية والنفسية تأخذ مجالا ثريا وخصبا لدي عبير قورة هنا. انها تكاد تمارس التشريح النفسي أو تلامسه من كافة زواياه وسبله ومنعرجاته، فتعبر عن الحب والمغامرة والشبق والانهيار والاكتئاب والوحدة والاغتراب في صياغات لغوية وصور بلاغية بالغة الدقة والإجهاد للقارئ.
2- المؤكد أن الرواية متشابكة الأحداث وكثيرة التحولات يكاد ضبطها الدرامي يفلت منك مرات عديدة، إما لكثرة الوصف والاستغراق فيه أو لأن الكاتبة تتميز بهذا الأسلوب في لكتابة، حيث أنها لا تحكي حياة أشخاص بقدر ما تحكي مسار مشاعر إنسانية وتعبر عن رغبات مكبوتة ، إنها تبدو وكأنها تريد التركيز علي اللاشعور لكي تضعه أمامنا في تحد منها لنا أو في انتماء اللاوعي الإنساني بوصفه الثروة الأكثر غني في النفس البشرية .
3- تناولت الكاتبة جوانب كثيرة جدا في الرواية حتي يخيَّل إليَّ أنها لن تجد في جعبتها من الموضوعات أو الصياغات الأدبية أو التعبيرات اللغوية ما تتناوله في رواياتها أو أعمالها القادمة، أنها تكتب وكأنها تودع الكتابة، وتصف وكأنها سوف تغادر الوصف بعد ذلك، وتتوغل في ثنايا النفس البشرية وكأنها تريد أن تلقي علينا بآخر ما أنجزته العلوم الإنسانية في التعبير عن الإنسان النوع.
4- جاء السياق الدرامي متصلا في الجانب التاريخي والمعاصر، ولكن الفصل الذي قامت به عبير قورة يهدف من بين ما يهدف إلي تقديم موضوع أو طرح قضية تبدو مستقلة عن الأخري، وكأنها ناقشت قضاياها انطلاقا من نفس أشخاص الرواية.
5- العمل يعج بالصور البلاغية والتشبيهات الساحرة، واللغة الممتعة، والعبارة القصيرة التي تحمل دفقات شعورية بالغة العذوبة، وأحيانا بالغة الوجع وفي أحيان أخري وجع عذب يشبه اللحظات الأخيرة في شهقات الموت. ففي وصف بديع لها عن علاقة السيدات اللائي يجلسن علي مصاطب بيوتهم ويمرقن فتاة مسيحية تمر و تعلق الصليب علي صدرها تكتب عبير قورة ( حيث يرقبنها سافرة عن حشمة وصمت ويلمحن الصليب المعلق في رقبتها وهيئتها كأنها هي " المصلوب" عليه ) ص 121. وفي وصف بديع أخر تقول ( القمر المغمور بالسحب المتخمة بضيائه فور ظهور شطيرة صغيرة منه ) ص 127. في تعبير بليغ تقول ( يتأمل السقف الخشبي الغريب الذي يبدو كسفينة ضخمة مقلوبة) ص 351. وفي صورة بلاغية أخري تقول: ( لكن هناك جروحا عميقة لا ترتسم علي البدن ) ص 140، وتطرح تساؤلات تحمل روحا أدبية وفلسفية في الوقت نفسه، تقول: ( هل توجد حكمة مخبأة داخل التجاهل ؟ الاحتقار ؟ هل ينمي الشخصية ؟ يزيدها قوة ؟ يقدم الاعوجاج القائم في الروح ؟ ) ص 140. في وصفها للموت أثناء الوباء تتحدث عن موت سليمان زوج عزة التاج في الوباء الذي عم مصر في عام 700 هـ تصف موته ( مات سليمان سريعا، ما أراح عزة أنه كان فاقد الوعي طوال مرضه، لم يستشعر معني الموت، لم يفهم رعب الفناء وينتظر أن ينسحب بائسا مترقبا نحو ظلمة ليست لها نهاية وطريق ظلال بلا عودة ) ص 155. وفي علاقة ناجي بنشوي تصف الكاتب نشوي بأنها ( نشوي التي لا يصعب القول بأنها جميلة للغاية كإغراء مشتت للانتباه أكثر من تصرفاتها الجامحة ) ص 163 تصف ضرب نشوي لعادل الشاب المتحذلق زميلها في الجامعة الذي ادعي عليها ما ينال من شرفها فصفعته بيدها علي خده ( فصمت عادل مذهولا، وجهه القرمزي يطن من الألم في كلا الصدغين حتي صعب عليه مثلما كان صعبا علي الاخرين التفريق في أي من الخدين نال صفعته ) ص 164.وفي وصف شعور ناجي نحو نشوي تقول ( وفي الحقيقة كان كل ما بداخله يفور مثل مياه غازية رجت وحبست في الزجاجة ) ص 167
6- تكشف القيمة الأدبية لفكرة التقابل بين عصرين رغم أنها نفس العائلة ونفس البلد وتقريبا ذات الصفات الإنسانية، إلا أنها تكشف عن مناط الاتفاق والاختلافات بين الشخصية المصرية في عصرين مختلفين ومتباعدين زمنيا .