الثورة المصرية والبحث عن دولة يناير(1)
محمد دوير
الحوار المتمدن
-
العدد: 6225 - 2019 / 5 / 10 - 20:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بتنفيذ استفتاء 2019 تنتهي مرحلة مهمة من تمكين الثورة المضادة وهيمنتها علي الحكم في مصر بدون شراكة أو تحدي من قوي وتيارات سياسية أو شعبية في مصر.ليعود الوطن من جديد إلي حالة استقراره السلبي التي ميزت نظام مبارك.
.. وكانت رحلة صعود الثورة المضادة قد بدأت مع استفتاء مارس 2011، وظلت تتقدم بخطوات واسعة من خلال تحالف الإسلام السياسي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة " الذي لعب دورا سياسيا أكبر من مهامه الطبيعية" ، ثم تحالف مع رجال مبارك من السياسيين وأصحاب المال ، وبلورت 30 يونيو هذا التحالف بشكل واضح. ولم يكن دستور 2012" الاخواني سوي ثمرة التعاون مع الإخوان، وكذا لم يكن دستور 2014 سوي ثمرة التحالف مع رجال مبارك والحزب الوطني.. وبالتالي ولد دستور 2012 ودستور 2014 مشوهان ، فكان من السهل الانقضاض عليهما بتغيير معالم دستور 2012، والاعتداء علي أهم مواد دستور 2014، والذي تضمن مادة تتعلق بمدة الرئاسة، تلك المادة التي كنت أراها أخر ما تبقي من يناير.
... إذن.. يظل استفتاء 2019 علامة مهمة وفارقة لا تقل خطورة عن استفتاء مارس 2012، علامة أسدلت الستار علي بصمات يناير بصورة مؤقتة.
ولكن ما يهمني في هذا الصدد هو السؤال التالي : ما هو تأثير مسيرة الثورة المضادة تلك علي المجتمع المدني والقوي السياسية والحياة الحزبية في مصر؟؟ هل فقدت مصر المعاصرة قوتها المدنية وطاقتها السياسية وتنوعها الايديولوجي وخيارات الاحتجاج الاجتماعي ، نتيجة لما حققته الثورة المضادة من انتصارات متواصلة حتي وصلت الي مرحلة فقد معها الناس كل رغبة محتملة في التغيير؟
.. أستطيع أن اتفق مع كل من يلاحظ أننا نمر بمرحلة تراجع ثوري وسياسي بالمعني التقدمي، ولكن ما يهمني ليس وصف الحالة.. وإنما تحليلها والوقوف علي أسبابها، وكيف استغلت الثورة المضادة بنجاح كبير " الدين والوطن " في تمكين نمط اقتصادي ما يدفع باتجاه سلب الحقوق الاجتماعية من غالبية المصريين، بما أدي إلي أن أصبحت كرتونة سلع غذائية أهم من دماء شهيد !!!
والمسار الثوري يكون حتميا في حالتين، انسداد المسار السياسي أو اتساع الفجوة الاجتماعية بحيث يصعب علي المواطنين تدبير حياتهم بدون فتح شرايين الحياة نحو أفق جديد.
.. والثورة المصرية ليست حالة خارج التاريخ ، وليست حدثا مبكرا جاء في غير وقته، وانما هي نتاج طبيعي لشعور الجماهير بأنها صارت في حاجة لأن تخرج بنفسها لإنتاج معادلة اجتماعية جديدة.. وعندما خرجت في 25 يناير كان أمامنا 3 خيارات رئيسية:
1- دولة الخلافة.. وقد سعي الاسلام السياسي لحشد كل قواه لاستغلال لحظة التغيير السياسي هذه وإلتقاط ثمرة الاحتجاج المصرية لتغيير معادلات الواقع المصري والمنطقة وقواعدها الحاكمة منذ سايكس بيكو..مع وجود قوي اقليمية ساندت ذلك الاتجاه.
2- الدولة الوطنية.. حيث سعي المجلس العسكري وبعض عناصر ومؤسسات الدولة العميقة لتوجيه المسار الثوري نحو الحفاظ علي شروط العمل السياسي القديمة" وخاصة كامب ديفيد والعلاقات الخاصة مع امريكا " .. واستغل المجلس العسكري الوضع الاقليمي وتوتراته والجشع الإسلامي ونزواته للتأكيد علي خطورة الاستمرار في النهج الثوري، فاندفع نحو بناء جبهة شعبية عريضة تبلورت في 30 يونيو..واستطيع القول أنه نجح الي حد بعيد في صد كرة الثلج الثورية والعودة بعربة الوطن الي المربع صفر، مع إحداث بعض التغييرات الشكلية في مؤسسة الرئاسة وتبديل بعض الادوار التي كانت تقوم بها بعض المؤسسات السيادية.وكان ايضا هناك قوي اقليمية تساند ذلك منها السعودية والإمارات والكيان الصهيوني.
3- الدولة المدنية الديمقراطية .. وكان هذا هو الاختيار الثالث والأخير، وربما كان الأقل حظا بسبب ضعف القوي الديمقراطية والمدنية التي غابت لسنوات طويلة جدا عن الشارع السياسي وعن العمق الاستراتيجي للشعب المصري، واستسلمت لحصار الدولة لها منذ 1976 وحتي 2011.. ورغم أنها ظلت تطالب وتدعو وتكتب وتنادي بمسار ديمقراطي يضع الجيش والتيار الديني خارج الإطار السياسي، ولكنها لم تنجح في عملية الإقصاء هذه.. ولم يكن أمام التيار الديمقراطي من بديل - لإثبات الحضور - سوي الانحياز، سواء للإسلام السياسي واتخاذ موقف من 3 يوليو أو الانحياز الي المؤسسة العسكرية حفاظا علي ملامح الدولة المصرية بعدما كشف الاسلام السياسي مرارا عن نيته لتغيير هوية مصر.
... تلك الاختيارات الثلاثة التي واجهت الثورة المصرية انتهت كما قلنا بالعودة من جديد الي ما قبل 25 يناير.. ولكن هل الحالة المصرية ما قبل يناير هي ذاتها ما بعد يناير ؟ بمعني ما هي التغيرات التي طرأت علي المجتمع سواء علي صعيد الوعي الثوري أو التطور السياسي وخاصة لدي أنصار الاتجاهات الثلاثة" الديني - الوطني - الديمقراطي "
.. وهذا هو موضوع مقالنا القادم.