-تَحَوُّل- باهر عادل - مجموعة قصصية-
محمد دوير
الحوار المتمدن
-
العدد: 7599 - 2023 / 5 / 2 - 16:04
المحور:
الادب والفن
عن دار رسالتنا للنشر والتوزيع بمصر، صدر للقاص المصري الشاب باهر عادل مجموعته القصصية " تَحَوُّل" في العام 2019، بتصميم للغلاف للفنان رامز يسري الذي عبر فيه عن وجه متعدد الأبعاد، ليكشف عن ذلك المضمون الذي ظل يراود المؤلف في التحولات النفسية والإنسانية للبشر في ظل عالم تتقاذفه أمواج التغيرات العاصفة التي تلتهم كل ما له قيمة في الحياة لتحوله إلى سلعة.
في البداية، وفي دلالات واضحة يهدي باهر عادل مجموعته القصصية إلي عميد الدراما العربية الكاتب أسامه أنور عكاشه، ويستهل قصصه بمقطع للشاعر سيد حجاب " يا تري اللي بيعيش الزمن إحنا.. واللا الزمن هو اللي بيعيشنا ؟!!" لكي يبدأ في عزف منمنمات انفعالية عن واقع الحال الإنساني، ومسلطا الضوء عن تفاصيل صغيرة صاحبت التحولات التي انقلب على إثرها حالنا، نحن الأمة المنكوبة، المشوهة، التي لم يصلح معها ثورات أو رؤي تنويرية.
والمجموعة القصصية" تَحَوُّل" تتكون من اثنتي عشر قصة، جاءت تحت عناوين (عقدة دكتور شوقي- حكايات الست سعاد – فخ المذيعة- تحول – بيشوي وأنا – فرصة كومبارس – كومبارس يبحث عن حذائه- لقاء في الدير – نبي تحت الحصار – مذكرات السيد إبراهيم بكري- في رحاب الأتيليه – العصفور الذي لا يعجبه شيء)، وجميعها مشحونة بطاقة إبداعية بدت لي فطرية وتلقائية، يستخدم فيها المؤلف أسلوب السرد الذي لا يخلو من عبارات ذات حساسية لغوية ودلالية عالية مثل: ( يضيق صدري بأنفاسي ) ص42، ( جمالها جمال ريفي طبيعي! ملفت للأنظار ومغيب للألباب، ومحير للأفئدة ) ص47، ( تنفق عمرك في مشاهدات سينمائية ودرامية قديمة مثل مبادئك!) ص67.
وسوف نوجز هنا بعض القصص التي وردت في تلك المجموعة للكشف عن أهم ملامح القيمة السردية عند باهر،ومدي قدرته علي إلتقاط لحظات إنسانية داخل شخصيات من المجتمع المصري الذي مر في السنوات الأخيرة بتحولات شتي.
ففي قصة "بيشوي وأنا" يسرد باهر عادل محنة فتاة متزوجة تعاني من طريقة التعامل معها من زوجها وكأنها حيوان بلا مشاعر، وعندما تلجأ إلى أهلها غاضبة، يرفضون دعمها ومساعدتها بحجة أن بيت الزوجية هو المكان الطبيعي للمرأة، ولما تفشل في اقناعهم بضرورة انتشالها مما هي فيه تلجأ للقسيس الكاهن الذي يصدمها هو أيضا بتأكيده على أبدية تلك العلاقة الزوجية، فالذي جمعه الرب لا يفرقه إنسان. وكأن التقاليد الاجتماعية والأعراف الدينية اتفقتا على وأد المرأة بكافة السبل حتى لا تستطيع في لحظة من حياتها أن تشعر بإنسانيتها ولو لمرة واحدة، أو أن تشعر أنها كائن مستقل يحيا بلا وصاية أو مرجعية تسهم في مزيد من تجاهلها وكمس حقوقها الإنسانية.
بينما يناقش في قصة " فرصة كومبارس" أزمة شادي الذي كان حلمه أن يصبح ممثلا مشهورا فترك الهندسة محاولا الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ولكنه فشل بسبب افتقاده للواسطة التي تساعده على الانضمام إليه، فيبحث عن وسيلة آخري تمنحه فرصة الالتحاق بالبلاتوهات، فيتواصل مع مكتب ريجسير في مدينة نصر حيث يستطيع المكتب أن يوفر له فرصة للعمل كومبارس صامت في أحد المسلسلات، وأثناء التصوير احتاجوا لكومبارس متكلم يقوم بدور المنادي، وعندما وضعوه أمام الاختبار المبدئي ليقول جملته، تعثر صوته، فرفضوه، وكانت أهم فرصة ضائعة له في حياته، فقد كان يحلم بأن يصبح ممثلا مشهورا. إن الفرص حينما تأتي، ويقف لها القدر بالمرصاد يصبح الندم هو عنوان ذلك الشخص مدي الحياة.
وعلى نفس المنوال وذات الرغبة تدور القصة التالية مباشرة، والتي وضع لها باهر عنوان" كومبارس يبحث عن حذائه" حيث الشاب الذي يعمل كومبارس في إحدى الأعمال الدينية يضطر لخلع حذائه واستبداله بقبقاب لكي يتماشى مع طبيعة العصر الذي يدور حوله العمل. وبعد انتهاء المشاهد يعود مرة أخري لارتداء الزي الذي أتي به من منزله ولكنه يفاجأ بأن الكوتشي غير موجود.. لقد سرقوه. وبعد طول عناء وبحث يعثر عليه، ولكنه أثناء البحث عنه يجد امرأة تلاحقه بنظراتها، وتتبعه عيونها أينما ذهب، ثم تسأله وكأنه غير مشغول بما حدث له، عن إمكانية حضوره غدا، وأنها ستنتظره، ولكنه لن يذهب مرة أخري للاستديوهات، وكأن الكوتشي أهم عنده من السينما ومن موعد مع إمراة...
وفي قصة " لقاء في الدير" يناقش باهر قضية مهمة، وهي الصدق في العلاقات العاطفية في مقابل المصلحة، فقد عقد مقارنة بين نموذجين من الفتيات، الأولي خطيبته مرثا والثانية صديقته نيرمين التي تعرف عليها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كلتاهما تشعران ناحيته بالارتباط، ولكن ارتباط الأولي سببه الخطوية وارتباط الثانية نتيجة للمشاعر، ولكن الأولي وجدت فرصة أفضل بالارتباط من شاب سافرت معه إلي أمريكا وظلت الثانية التي سبق لها محاولة أقناعه بخطبتها ولكنه رفض لأنه – كما يعتقد - يحب مرثا التي تركته بعد ذلك، فحاول استرداد نيرمين بعد ضياع مرثا منه، ولكن الأوان كان قد فات. باهر هنا يريد أن يقول إن العلاقات الناجمة عن العالم الافتراضي قد تكون أصدق من تلك التي توجد في العالم الواقعي.
وفي قصة " نبي تحت الحصار" يتناول باهر فكرة حرية التعبير من خلال شخصية" نور باهر" الكاتب والمخرج الذي عرض مسرحيته، ولكنها تعرضت للهجوم من أحد محامي الجماعات الإسلامية والذي أعطاه اسما موحيا " صبري مرتضي كشك الوحش" متهما نور باهر بازدراء الأديان. وقد تحولت إلى قضية رأي عام، قال فيها رجال الدين المسيحي والإسلامي رأيهم مع عامة الشعب. وكان توقيت العرض بعد ثورة يونيو 2013، وكأن شيئا لم يكن أو لم يتغير. وحكم عليه بالسجن الغيابي خمس سنوات وغرامة. وأمام صدمته في الحكم هام في الشوارع يتمتم بأشعار فؤاد حداد، بملابس رثة وحالة مزرية، فقبض عليه الناس لأنه عدو الله، وتم ايداعه مستشفى الأمراض العقلية التي مات فيها نتيجة الصعق الكهربائي.
وفي قصة" العصفور الذي لا شيء يعجبه" وهي أخر قصص المجموعة وأكثرها تكثيفا وتفلسفا واستعدادا للتأويل يناجي فيها الكاتب ضميره وروحه الهائمة في الوجود، وعلى لسان فنان تشكيلي تعرض لهزة وجدانية جعلته يعبر بكلمات وعبارات لا تخلو من عذوبة وألم وحزن ومأساة. إنه ذلك العصفور الذي يحلق في دنيا الله ولكنه يشعر بالاغتراب القاسي ويعبر عن تلك المحنة بأجمل العبارات.
حاول باهر عادل في مجموعته القصصية تلك رصد معانا التجربة الإنسانية التي تعيش عالمها البائس، وتحاول أن تحافظ على بعض القيم الإنسانية حتى لو ظلت بداخلنا، وكاشف في الوقت نفسه عن الاختلال المجتمعي، وأزمة الضمير الإنساني ومحنة الوجود. وأشد ما يلفت الانتباه في مجموعته القصصية تلك، أن شخصياتها تبدو لك وكأنك تتوحد معها، تشعر بها، وربما مررت أنت بواحدة أو أكثر من تلك التحولات التي انشغل بها في عمله هذا.
أن التحول هذا يحمل سمتين، الأولي، قدرة بعض الأفراد على الاستجابة لحالة الانحدار التي نعاني منها، فيأتي التكيف مع الواقع المشوه فيه قدر كبير من التنازل عن انسانيتنا، أما النوع الثاني من التحول وهو الأكثر بؤسا وألما، فهو نتيجة رفض هذا الواقع الرخيص والتمسك بقيم بدت محاصرة بالتافه والمنحط، فتكون النتيجة - غالبا – وفقا لمنظور المؤلف هو السقوط في دائرة المرض النفسي أو الموت أو السجن.. لقد كتب باهر مجموعته تلك بقدر كبير من الحساسية المؤلمة، وكأنه يوجه سهام كلماته نحونا جميعا.. محذرا وصارخا في وجه العدم بأن يستجيب إلى قدر يخيم بسحاباته فوق رؤوسنا محاولا قطعها بلا رحمة.