بعد مجزرة الاسكندرية.... نحمي التنوع بالديمقراطية والعلمانية
خالد حدادة
الحوار المتمدن
-
العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يبعد المرء قليلاً عن فوازير السياسيين اللبنانيين وعن الاختبارات التي تجريها لهم وسائل الإعلام ليكونوا كومبارسَ، أو بأحسن الحالات مقلدين غير متمرنين لعمل سياسي يجري خارج بلدهم ويتولون هم عملية تسويته، بطرق سخيفة أغلب الأحيان، عندما نبتعد قليلاًً عن ذلك تتضح أكثر معالم الوضع العالمي ـ الاقليمي الذي لا يشكل بلدنا إلا ملحقاًً تطبيقياًً بسيطاًً من ملحقاته...
سلسلة من الأحداث شهدها العام الماضي يمكن الناظر لها أن يفهم ما جرى من حدث مؤلم ومجرم ليلة رأس السنة في تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية. هذه الحادثة وما سبقها من أحداث متزامنة جغرافياًً وزمنياًً في مصر والتوتر المتصاعد بين المسلمين والأقباط، تحت ناظري الأمن والحكومة وفي بعض الأحيان بامتنان وتبنٍّ واضحين... هذا العمل المجرم وتلك الأحداث لا تشكل جزيرة معزولة في العالم، بل هي مسار بدأ منذ عدة سنوات وتنقل في مناطق مختلفة.
وبانوراما سوريالية للأحداث العالمية المتصلة، تذكرنا بسلسلة الحروب المحلية والإقليمية من أفغانستان، إلى الشيشان، إلى يوغوسلافيا القديمة، وكي لا ننسى تفجيرات الهند المتبادلة والمجازر المتبادلة في أفريقيا وآسيا (الفيليبين وغيرها)... وليس خارج السياق طبعاًً سلسلة الاستفزازات الدينية الى طالت أوروبا واستهدفت بعض المقدسات الإسلامية، إلى أجواء ردة الفعل عليها والمستفيدة منها في تكريس الحراك العصابي المتطرف عند التنظيمات الاسلامية...
وليس خارج السياق الجو المعادي للمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة والذي جعل من فوبيا الاسلام، شعاراً انتخابياً يتنافس أحزاب اليمين وتشكيلاته على تبنيه وعلى ربطه مباشرة مع حملة العداء للمهاجرين والعمال الأجانب في هذه البلدان...
وكي نستكمل الصورة، لا تغيب عنا محاولات تأجيج الفتن المذهبية وكل التوترات التي أخذت شكلها المذهبي السني ــ الشيعي من أفغانستان وإيران الى الخليج وصولاً الى لبنان ومروراً باليمن...
*****
وعاد العام الماضي وخاصة في نصفه الثاني ليؤشر الى عدة أحداث واتجاهات تزداد خطورة كلما تظهرت في صورتها السياسية.
النظرة الأولى، هي تصاعد تطرف «اليهودي» في معالجة الوضع الفلسطيني، وتظهر الجوانب الدينية والقدسية التي تغطي العمل الاستيطاني المجرم للكيان الاسرائيلي، وبالتالي عمليات التهجير الناتجة منه والتي تطال المسلمين والمسيحيين من أبناء الشعب الفلسطيني، وغرق الجميع، بمن فيهم من قاوم هذا الاتجاه الصهيوني في لعبة إظهار الصراع العربي ـ الاسرائيلي وكأنه صراع مقدسات دينية وليس صراعاً سياسياً ـ اقتصادياً على مصير المنطقة ارتباطاً بمخططات الامبريالية منذ بدايات القرن الماضي.
طبعاً لا تتحمل القوى الدينية التي تبنّت شعار المقاومة وقيادتها المسؤولية في هذا المجال، بل لا بدّ لها وهي تمارس مقاومتها بأن تبني سياستها ومشروعها وتحالفاتها، انطلاقاً من وعي كامل، لخطورة تبادل مبررات الدفاع عن «المقدسات» بديلاً من الدفاع عن الوجود والأرض والشعب، لأن الاول يساعد الفكر الصهيوني من حيث لا يدري بإعادة تظهير وتلميع مبررات الحركة الصهيونية التاريخية.
وفي العراق حيث تطفو أشباح الفتنة «الشيعية ـ السنية» على سطح الحراك الأمني ـ السياسي وتستعاد شعارات التقسيم على أساس عرقي ومذهبي، وتدفع الاقليات الطائفية الأخرى، والمسيحية تحديداً التي ظنت نفسها بعيدة عنه، الثمن مع انفجار الوضع بفعل الاحتلال الاميركي المستمر للعراق. ومع كل تطور في هذه اللهجة يجري بروز ملحوظ للقوى الدينية الأكثر تطرفاً، ويتحول شبح بن لادن الى ظاهرة إعلامية في الاعلام الغربي والمحلي.
و«لبنان»، المتخبط بأزماته نظاماً وكياناً، كانت الآفة المذهبية والطائفية أحد أهم مظاهر الحياة السياسية بأشد تجلياتها خلال العام الماضي.
فمن حيث الشكل، اتسعت مساحة التغطية الإعلامية للفكر الديني بكل أشكاله ومهما كانت الفروقات التي يختلط فيها القومي والوطني والديني بعض الأحيان. ورجال الدين يتحدثون بالسياسة كأولوية وبالسياسة بأبشع أشكالها التحريضية والمتممة لأزمة الوطن، بعيداً عن الاهتمام بقضايا الناس. وانقسم رجال الدين على الشعارات السياسية الداخلية التي شكلت مادة خلافية يومية. بل ان المرض طال رجال السياسة الذين بدأوا يظهرون كرجال سياسة لدين أو مذهب معيّن ولا فرق بذلك بين النائب محمد كبارة والوزير بطرس حرب وبين محمد علي الجوزو ورجال الدين المسيحيين والمسلمين بكل مذاهبهم.
وأخطر ما في الأمر ان المحاصصة والتقاسم التي طالت السياسة والاقتصاد بدأت من خلال موجات التحريض الأخيرة وآخرها اقتراح الوزير بطرس حرب (ونتمنى ان يكون بدون قصد) الذي أصبح معه للمناطق والمدن والاحياء والاشجار هويتها الطائفية ـ المذهبية الثابتة.
مرة جديدة تظهر الطائفية ديناً للسيطرة السياسية للطبقة الحاكمة في محاولة تقاسم البلد حتى إنهائه، حتى وهو في مرحلة الاحتضار.
*****
وفي العودة الى شبح «القاعدة» و«بن لادن»، من المفيد أن نذكر بحدثين جريا خلال الأشهر الماضية وكان فيهما «بن لادن» حاضراً في قلب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
هل هي صدفة أن تطلق «القاعدة» تهديداتها بتفجيرات داخل الساحات الرئيسية في المدن الفرنسية وفي قمة الحراك الاجتماعي للطبقة العاملة الفرنسية بوجه سياسة نيكولا ساركوزي واليمين الفرنسي؟ هل هي مصادفة أن تأتي هذه التهديدات في الوقت الذي استطاعت فيه الحركة النقابية واليسار الفرنسي إعادة احتضان العمال العرب والأجانب تجمعهم مع العمال الفرنسيين، ليستعيد بعده اليمين المتطرف هجومه على حقوق المهاجرين العرب وعلى حقوق «المسلمين» مستفيداً من «التهديدات القاعدية».
وبما يشابه ذلك ما جرى في اليونان واسبانيا وسلسلة الطرود الملغومة الموقعة باسم «القاعدة» والتي ساهمت في الالتفاف حول الحركة الاجتماعية المواجهة سياسة التقشف التي تعتمدها الحكومات بهذه الدول تحت شعار إنقاذ «منطقة» اليورو من الازمة الاقتصادية.
وبالصرامة نفسها نسأل البابا بندكيتوس السادس عشر، عن تدقيق تصريحاته حول الهجمات في أوروبا وتحميلها مسؤولية الانهيار (انظروا للعلمانية وليس للرأسمالية) بما يذكرنا بالحملة التي شنها من سبقه على الشيوعية في العالم كجزء من معركة الرأسمالية العالمية ضدها. فهل حان الوقت للاستعانة من قبل البرجوازية بالفكر الديني مجدداً لمحاولة تجنب الآثار السياسية للأزمة الاقتصادية الرأسمالية في العالم.
*****
وفي العودة الى جريمة الاسكندرية.
انه تعميق للجراح, ذاك التضامن البكائي المقيت الذي نسمعه من الشرق «الاسلامي» ومن الغرب «المسيحي» مع الضحايا وأهاليهم، والاكثر سخرية وايلاماً ما نسمعه من الحكم المصري...
الصحف الأوروبية خلال الأيام التي تلت الجريمة حجزت صفحاتها الأولى لتناقش أسباب هذه الجريمة، وتصريحات الساسة ورجال الدين من مختلف الانتماءات مليئة بالتضامن والخطابات «المؤثرة».. ولكن غاب عن هؤلاء الساسة مناقشة كيف يمكن الحفاظ على «مسيحيي الشرق». هل باستمرار التعامل معهم من الغرب الأوروبي كسفراء للغرب عند أهل الشرق؟ ومن الأكثرية في المنطقة على قاعدة انهم غرباء يمثلون فكراً وانتماءً غربيين... المطلوب من أوروبا ان تتضامن مع المسيحيين عبر احتضان جديد لمواطنيها الجدد العاملين فيها والمنتمين لها والمتحدرين من أصول إسلامية. التعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق، والتمسك بخيار علماني لحماية المواطنية كأساس في انتماء المواطن الأوروبي الى دولته مهما كان دينه، وبالتالي مواجهة الدعوات الجديدة المعادية للعلمانية مهما علا شأن مطلقها...
وأيضأ اليسار الأوروبي مدعو لتحسين الحراك الاجتماعي في مواجهة الأزمة لمواجهة هجمة اليمين والبرجوازية التي تحاول تأجيج الصراع على أساس ديني داخل أوروبا وتضخيم العداء للاسلام والمسلمين.
المطلوب من القوى السياسية والدينية وعي خطورة استبدال الصراع العربي ـ الإسرائيلي بفتن ذات طابع طائفي ومذهبي، والتعامل مع مطلقي هذه الشعارات، مهما كانت مواقعهم وانتماؤهم، كمروج للفكر الصهيوني يصب في مصلحة اسرائيل، وهذا بشكل خاص مطلوب من قوى المقاومة ذات البنية الطائفية المذهبية.
أما مسيحيو الشرق وخاصة لبنان، فهم مدعوون لمحاصرة ذاك الفكر الذي تحطم عبر التاريخ ويقدم وجودهم كأقلية متميزة سفيرة للحضارة الغربية في المنطقة. فهم مواطنون ينتمون بتاريخهم ومصالحهم لهذا الوطن، وهم حملة الصحوة الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهم على المستوى العربي نظروا لعروبة تقدمية بآفاقها التحررية والاجتماعية.
ان حماية التنوع لا تكون بتظهير نقاط الافتراق والتنابذ، بل في السماح لهذا التنوع لأخذ منطقه التفاعلي على قاعدة اجتماعية سياسية ديموقراطية في لبنان والعالم العربي خلفيتها الانتماء لقضايا لبنان والعرب.