كلهم في المسؤولية والجريمة سواء


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 3780 - 2012 / 7 / 6 - 10:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"تحية الى شهداء حرب تموز"


شكل انتخاب محمد مرسي رئيسا لجمهورية مصر العربية ثم حفل تنصيبه أبرز حدث عربي. ولعل الدلالة الأبرز في الانتخاب تمثلت في إصرار الشعب المصري على عدم العودة إلى الوراء، حتى لو كان مرسي هو البديل.

الدلالة الثانية في حفل التنصيب، كانت سهولة التراجع عن التعهدات والدعوات التي يطلقها بكثرة الرئيس المنتخب، ولعل الأكثر خطورة ودلالة، ما ورد على لسان مرسي من استعداد للمساومة على الشعارات الأساسية للثورة وهذا أيضاً ليس بجديد على حركة «الإخوان المسلمين»، نتيجة الطبيعة «البراغماتية» للحركات الاسلامية، وخاصة لما تمثله حركة «الإخوان» بالذات من فئة اقتصادية تمثل مصالح البرجوازية المصرية «الكومبرادورية» إضافة الى أغنياء الريف.


وعلى هذه القاعدة، فإننا لا نتوقع الكثير على مستوى علاقات مصر الدولية والعربية، وخاصة موقفها من العدو الاسرائيلي. وكذلك على المستوى السياسي، فتحالف «الإخوان» مع العسكر، أو تراجع مرسي أمام العسكر وتملقه لهم، لن يكون إلا على حساب شعاري الحرية والكرامة اللذين رفعهما ثوار مصر وشبابها.
والى الجانبين الوطني والسياسي، تظهر السياسة الاقتصادية والطبيعة الطبقية لحركة «الإخوان المسلمين». تلك الطبيعة التي لن تجعلها قادرة على صياغة سياسة اقتصادية تحدث تحولا نوعياً في طبيعة الاقتصاد المصري، تعيد فيه للقطاع العام موقعه في هذا الاقتصاد. وبالتالي تطرح حلولاً جدية للأزمة الاقتصادية في هذا البلد العربي الكبير بعد أن عشّش الفقر والجوع الناتجان من ربط الاقتصاد المصري بالنيوليبيرالية العالمية منذ عهد انور السادات حتى الآن...
قد يظن البعض، أن في عرضنا هذا تشاؤماً، وإن كان يبدو كذلك إلا أنه في الواقع الحالي، ومن حيث الجوهر، هو تفاؤل موضوعي، ضد مصادرة الثورة واحتوائها، وهذه إن حصلت لا يمكن أن تكون إلا عملية مؤقتة، يدل على ذلك ما حصده تحالف القوى الديموقراطية من التفاف شعبي وجماهيري حوله، ومن تقدير لدور قوى أكثر جذرية والتصاقاً بمطالب الثورة.
[[[
أما الحدث الثاني، على المستوى العربي، فهو ما جرى في جنيف حول سوريا، وما يجري في سوريا بالذات... لقد اتفق المجتمع الدولي، في جنيف، على ضرورة استمرار القتال لمدة سنة، لا يعنيه خلالها عدد الضحايا ولا تفتت المجتمع السوري الواقف على حافة الحرب الأهلية.
في المقابل، يزداد المأزق الداخلي، مأزق السلطة التي لم تشكل «الاصلاحات» التي قامت بها مادة مقنعة، لا للمعارضة بكل أطيافها، ولا حتى للمنضوين في إطار الحكومة ومجلس الشعب السوري. فالإصلاح الذي يعطى دائماً ناقصاً ومبتوراً، من جهة، والإصرار على الحل العسكري وعدم طرح آليات جدية للحوار الوطني، من جهة ثانية، يعمقان أزمة النظام ولا يساعدان في إنقاذ سوريا.
والمعارضة التي دخلت باكراً في أزمتها، استمرت تعيش الأزمة وتعترف دائماً بقصورها وتبعيتها، من خلال غياب مشروع واضح لها يطرح للسوريين، اية سوريا تريدها المعارضة: هل هي سوريا التي تخلق بقرار من الولايات المتحدة ودول الخليج، وبالتالي إذا كانت هذه الدول هي التي ترعى «سوريا الجديدة»، فأين موقع العدو الاسرائيلي من هذه المعادلة وما هي طبيعة الدولة السورية المقبلة على المستويين السياسي والاقتصادي؟
أسئلة لم تجب عنها المعارضة السورية المختلفة على تقاسم «جلد دب»، لم تصطده بعد، بل يبدو أنها حتى لم تحدد موقعه.
ولتأكيد المأزق، نسأل المعارضة السورية وخاصة المعارضة التي تطرح نفسها «وطنية وديموقراطية»، لماذا لم تعلق على ما جاء في حديث السيدة هيلاري كلينتون، انها ستضغط على المعارضة للقبول بقرارات مؤتمر جنيف، وهي واثقة الى حد كبير بخضوع المعارضة.
إن ما يسمى بـ«المعارضة الوطنية الديموقراطية» اليوم، هي في مأزق، ولم يتضح في بعض النقاشات معها أنها تعمل للخروج منه... بل هي كما يبدو، تسلم دورها لقيادة «الجيش السوري الحر»، وبالتالي أصبحت عاجزة عن مواجهة تدخلات دول الخليج أو خاضعة لها، لا بل صارت نموذجاً كاريكاتوريا للنظام، فأخذت بممارسة أسوأ وسائله، حتى قبل وجود بصيص أمل بحلولها مكانه.
أمام هذه الصورة، من المأزق المزدوج للسلطة والمعارضة، يبدو أن سوريا أمام فترة طويلة من الأزمة يدفع ثمنها الشعب السوري والشعوب المحيطة بها، وخاصة شعب لبنان.
[[[
لبنانيا، ولمناسبة الذكرى التي رفعت الشعب اللبناني بجيشه ومقاوميه، الى مستوى اعتباره رمزاً للبطولة في مواجهة عدوان تموز 2006 في عيون الشعوب العربية وشعوب العالم، نرى بلدنا اليوم مهددا بتقويض انتصاراته التاريخية على العدو الصهيوني المتربص بشعبنا ووطننا ومقاومتنا، جراء مستوى هريان النظام السياسي والطائفي وجراء نأي الحكومة وعجزها المطلق، ومساهمتها في ما وصلت إليه البلاد من حالة تفتيت طائفي ومذهبي، حتى باتت هذه الحكومة غريبة عن نفسها وعن قراراتها.
حكومة تأخذ القرار وتحاول الارتداد عليه، لحظة صياغته.
حكومة، تصمد وتدعي البطولات أمام قطاعات واسعة من شعبها وتتذاكى عليهم، من عمال ومعلمين وموظفين، وتشوه الاتفاقات معهم الى الحد الذي يهدد استقرارهم الاجتماعي في الصميم.
حكومة لا حول لها ولا قوة، في مواجهة من يقطع أوصال الوطن من الشمال الى الجنوب، الى بيروت والضاحية وأقصى بطولة يقوم بها ممثلوها الامنيون والسياسيون «إقناع» من يقطّع الأوصال، «تقطيعها برحمة».
لم تعد هذه «نعامة»، بل أغلقت أعينها وحددت لها مساراً دائرياً لا تحيد عنه (دائرة النأي بالنفس)، وخارج هذه الدائرة، كل أوصال الوطن الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية تتقطع. طبعاً وفي ذهن ممثلي البرجوازية اللبنانية في الحكومة وخارجها أن ما يجري في سوريا هو السبب وليس في غياب تحصين لبنان من تأثيراته.
ونحن في هذا المجال، لا نعتقد ان ذهاب الحكومة وتشكيل بديل منها من العجينة الطبقية ذاتها سيحل المشكلة، فكلهم في المسؤولية والجريمة سواء. والأكثر ايلاماً، رؤية من ساهم في جعل مقاومة لبنان، رمزاً عربياً وعالمياً، عاجزاً عن لعب أي دور في حماية هذا الإنجاز واستكماله. وطبعاً لا نستغرب ذلك في علاقة البنية الطائفية مع وظيفة المقاومة حيث تلعب هذه البنية دورها السلبي.
نحن مدعوون للتوجه إلى أنفسنا والى القوى الديموقراطية وخاصة الى القوى النقابية، من أجل تكوين إطار ديموقراطي شعبي (برغم موازين القوى) يعمل على حماية الوطن وسلمه الأهلي، وعلى منع الانزلاق نحو هاوية التقاتل الطائفي والمذهبي، والتأكيد على مخرج الإصلاح الوطني كحل بديل للأزمة الوطنية الخطيرة.
إن النظام الطائفي في لبنان هو أداة البرجوازية لديمومة سيطرتها، وعلى قاعدة ذلك، فإن النظرة الطبقية للتحالفات، تدفعنا الى عدم تكرار السقطات السابقة وبالتالي يصبح الوهم بإصلاح ديموقراطي شعبي يقوم به تحالف هجين من القوى الشعبية مع بعض المكونات الطائفية أخطر من مجرد الوهم، فالمكونات المفترضة ومن موقعها الطبقي والطائفي، موجودة في السلطة، وهي دائماً أولويتها.
التحالف المطلوب هو الحركة الديموقراطية الشعبية، التي تنخرط فيها قوى سياسية ديموقراطية، بغض النظر عن وزنها، مع قوى نقابية باتت تقتنع اليوم أكثر بأن سقفها المطلبي، أصبح قاصراً حتى عن تلبية مطالبها وهي اليوم بحاجة الى سقف سياسي أعلى يطال النظام السياسي ذاته.